الجمعة، 22 مايو 2020

ثلاث سنوات من الاعتدال المتصهين

ثلاث سنوات من الاعتدال المتصهين


 وائل قنديل
في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، ترأس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، احتفالًا صاخبًا في العاصمة السعودية الرياض، فافتتاح ما أطلق عليه "المركز العالمي لمحاربة الفكر المتطرّف"، أو ما عرف بمركز "اعتدال" الذي تبين لاحقًا أنه معسكر تجمع كل أشكال الحشرات الإلكترونية الطائرة والزاحفة، من ذباب وجراد وجراء تعقر وذئاب مفترسة، تنتقل بنشاطها من الفضاء الإلكتروني إلى أرض الواقع.

عقب الاحتفال مباشرة، حلقت طائرة ترامب والعائلة لأول مرة في التاريخ من الرياض إلى الكيان الصهيوني في رحلة مباشرة، مرتديًا طاقية الحاخامات، وتحتها 460 مليار دولار من السعودية، ليهبط عند حائط البراق (المبكى حسب معتقدات المحتل الصهيوني).
ثلاث سنوات من تدشين مركز لمكافحة التطرّف ماذا قدّمت؟ أول إنجازات الاعتدال السعودي وأشهرها وأفدحها حصار قطر، وإعلان الحرب الاقتصادية والسياسية ضدها من ذلك الرباعي العربي الذي أخذ على عاتقه مهمة إحراق أية فرصة ممكنة للبقاء على ملامح باقية، ولو شاحبة، من مفهوم "الوطن العربي" الواحد الذي يحتفظ بالحد الأدنى من القيم العربية الموروثة من الزمن الغابر، ليرفع الستار عن ارتداد إلى جاهلية، من دون مروءة أو نخوة أو أخلاق.
منذ تلك اللحظة البائسة، اشتعل التنافس العربي - العربي على الاقتراب من الكيان الصهيوني، والتملص من أي دور تجاه الشقيق الفلسطيني، حتى باتت "تل أبيب" بحاجة إلى مكتب تنسيق طلبات التطبيع المكدّسة على أبوابها من عواصم عربية، لم يكن يتصوّر أن تكون مهمومةً بموضوع التطبيع على هذا النحو المخجل، حتى باتت طائرة رئيس وزراء الاحتلال تحلق في سماء الخليج وتهبط أينما ووقتما أرادت، فيما انهمرت الرحلات السرّية والعلنية للمطبعين السعوديين على الكيان الصهيوني، أفرادًا ومجموعات، في ظل صمت احتفائي سعيد من الرسميين السعوديين، جعل نتنياهو يعلن أن أهم امتداد لليكود الصهيوني في الخارج هو الكائن في العاصمة السعودية التي صارت تعرف الحق، وتنطق به، بشهادة المتحدّث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، عندما أطلق تغريدته الأشهر "الرياض تنطق بالحق وتسمّي الأمور باسمائها .. اللهم أبلغ أني شهدت ‫#حماس_إرهابية".
على أن أبشع ما أظهره حصاد السنوات الثلاث أن "مركز الاعتدال" تحوّل إلى مستنقع للقتلة والمجرمين الذين قرّروا ومهدوا وخططوا ونفذوا جريمة القرن في مقر القنصلية السعودية في اسطنبول، لتصفية أبرز وأشهر وجوه الاعتدال والتنوير بمفهومهما الحقيقي بين الكتاب والصحافيين السعوديين، جمال خاشقجي.
تفاصيل الجريمة، بمقدّماتها ونتائجها، تضعنا أمام حقيقة ساطعة تقول إن "اعتدال" كانت بمثابة ضربة المنشار الأولى في جسد جمال خاشقجي، وأي خاشقجي آخر، يستشعر ولي العهد السعودي المتأهب للقفز إلى العرش أنه من المحتمل أن يمثل عقبةً أو إزعاجًا لأحلامه وطموحاته، حتى لو كلفه ذلك تريليون دولار، هي كلفة اغتيال جمال خاشقجي، كما ذكرت وقتها، حيث حلب ترامب نحو نصف تريليون دولار أخرى، صفقات تجارية وعسكرية واستثمارات، ليسمح لولي العهد السعودي بحضور قمة العشرين في الأرجنتين، ويترافع عن بن سلمان في جريمة القنصلية، ويخترع رواية الذئاب المارقة التي استند إليها القضاء السعودي فيما بعد لإغلاق القضية.
هل كان بنيامين نتنياهو يحلم، وهو يشطح بخياله في مشروع "اعتدال" في أغسطس/ آب 2014، بأن من الممكن، بعد أربع سنوات فقط، أن يكون هناك محور رباعي عربي يشن حربًا لا هوادة فيها على ما يسمّى" الإسلام السياسي" من أجل تمكين "اليهودية السياسية" التي تتجسّد بنسبة مائة بالمائة في بنية الكيان الصهيوني؟.
هل كان يتصوّر أكثر الصهاينة تفاؤلًا أن يأتي اليوم الذي يعادي فيه العرب بعضهم بعضًا من أجل تحقيق الحلم الصهيوني القديم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق