مسلمو الغرب والأبارتيد الاجتماعي..التحدي الحقوقي
مهنا الحبيل
12/2/2019
تصاعدت الإشكاليات الحقوقية لدول المهجر الغربي، ومواطنيه المسلمين، في الآونة الأخيرة، مع صعود اليمين المتطرّف، بشقيه، العنف الفكري ضد المسلمين أو التوظيف السياسي لخطاب العنف الفكري، في المجتمعات الغربية ضد المسلمين كمسلمين.
وهنا نحتاج مقدمة مهمة في هذا الصدد، وهي أن معادلة الحقوق المدنية التي أنجزها الغرب، بعد مساحة كفاح مدني، مع السلطة السياسية، للعهود القيصرية والملكية المطلقة، ودور الكنيسة وخطابها الديني في قمع الحقوق الفردية، والفكر الفلسفي والعلمي، تحوّلت إلى مواد دستورية فاعلة اليوم، في مشروع الدولة الحديثة.
استفاد من هذه المواد اللاجئون من العالم الجنوبي، ومن بلدان الشرق المسلم المتعدّدة، وحظيت أعداد كبيرة منهم بحق اللجوء والمواطنة، تحت أجواء حقوقية وشفافية، ضمنتها تلك المواد، وقد تحوّلوا اليوم إلى جزءٍ من النسيج الوطني، والشرائح الاجتماعية للدول الغربية. وبالتالي هذا الدور في التقدّم المدني لا يُنكر فضله، وإن بقي مسار التفاضل والتقييم السياسي والفلسفي حقا قائما لا يجوز أن يُسقط.
منتجات الدولة الغربية، لصالح السلام العالمي، بمعناه الحقيقي لكل أهل الأرض، وخصوصا عالم الجنوب الذي تعرّض، في ظل العهود الاشتراكية والليبرالية الحديثة للغرب، والرأسمالية الأميركية، لعزل تصنيفي وقهر سياسي وهيمنة اقتصادية، تحوّلت إلى توحش في دعم انقلابات أو استبداد، أو حتى حروبٍ موجهة داخل ذلك العالم المصنف بالجنوبي.
ولا يُمكن أبداً أن يُقرّ الانتخاب العرقي، أو الجغرافيا البشرية للشمال، مرجعا مطلقا للفلسفة الاجتماعية وتاريخ الأمم والشعوب، وأن تُطرح قضايا النقد والتقييم في ظل هذه القواعد، بل بتحرير الأزمة الإنسانية، وتأثير إرث كل أمةٍ وخطابها الديني أو الاجتماعي أو القومي، على ذاتها وعلى محيطها.
ومن الضروري فهم الفرق بين المصدر الفلسفي والتجربة البشرية، وتاريخ التسلسل المعرفي والحضاري للإنسانية. هنا نحكم أو نفترض أين تفوقت مسارات التقدّم، والأمن الاجتماعي بما فيه السعادة الأسرية والكرامة الفردية، وهذا الحوار المنصف لم تصنع له منصّة مستقلة كافية أبداً، ولم يمنح مساحةً في حوار الأمم ومنصّته الدولية، ولا حوار الشعوب في ظل سقوط تكافؤ الفرص، بين حكومات منتخبة في الغرب وشعوب مقهورة في الشرق.
ويحتاج تقييم عطاء التجربة المدنية، للدولة الغربية الحديثة إلى رؤيةٍ تفكيكيةٍ، لا مجرد بروباغندا إعلامية، تُزكّي الغرب بالمطلق، وإن ثبتت نجاحاته المعرفية والدستورية، ولكن أين الواقع وأين هو المستقبل الذي نرصد فيه دلائل تمكّن العدالة الاجتماعية وتطورها، وشمولها كل الأعراق والطبقات الاقتصادية التي ضمتها الدولة الغربية الحديثة، وكيف نفهم قضايا الصراع التي تتفجر حديثاً، وصعود موجات القهر المعيشي في طبقات واسعة، وعودة مشاعر الانفصال، وأزمة الحفاظ على مستقبل ثابت للاتحاد الأوروبي، وكيف نفهم تمكّن ماكينة المال والرأسمالية، من الاتحاد في أميركا، مع المفهوم الكنسي المسيحي للعرق الأبيض، وفوزها عبر ترامب وفريقه، في تولي زعامة أكبر عاصمة عالمية قيادية للغرب، من دون أن يتمكّن فكر العدالة الاجتماعية، على الرغم من كفاح مارتن لوثر كينغ من منعه أو منع نفوذه، وتوحّشه الشرس على الشعوب التي لجأت للولايات المتحدة الأميركية في عهود سابقة.
كل هذه ملفات لا يُمكن تجاوزها في الحوار الإنساني المجرد، لمجرّد أن الشرق يعيش تحت أنظمةٍ قهريةٍ مستبدة. وعليه، لا يقبل رأي أي منصة شرقية أو فكرية يسارية مستقلة، عن التوظيف أو التعبئة الجنسانية المتطرّفة، التي انخرطت فيها قوى يسارية، وأصبحت أحد مصادر الضغط والقهر لمسلمي الغرب، بدلاً من معيار الحقوق والعدالة الاجتماعية.
هنا ندخل إلى محور المقال، فهذان الصعود اليميني والجنسانية المتطرّفة، (التيار الثقافي المناهض لقيم الأسرة، والداعي إلى القسوة الشعورية ضد الأبوين، ورفض علاقة التكامل العاطفي والوجداني بين الجنسين، بناء على فكرة الصراع الأصلية للتيار، بين الرجل والمرأة بغض النظر عن أي دين أو مذهب أخلاقي)، لم يعودا يقفان عند قناعة المواطنين الغربيين من المسلمين، باحترام توجهات وعقائد كل مجتمع وكل فرد، والالتزام القانوني والشراكة الدستورية والتعاضدية، لكل مجتمع مدني في الغرب. فهذا الأصل الإنساني، توسعت القناعة به، وهناك حرصٌ، وإن ضعفت الأدوات وبعض العوائق التي استقدمت من الشرق، في تقليل سرعة النشر الثقافي له في أوساط المسلمين، أي أن خطاب المسلمين الغربيين اليوم أننا مواطنون غربيون نحتكم للدستور، ونحافظ على هويتنا الإسلامية بموجب مواده، واختلافنا مع أي تيار أو دين لا يمنع من التواصل والتضامن لصالح وطننا الجديد.
لم يعد الأمر هنا كافيا للتحالف اليميني/ الجنساني. وعلى الرغم من خلاف تياري هذا التحالف، إلا أنه يتحد في حصار مسلمي الغرب، وهذه إشكالية ثقافية مدنية وسياسية فلسفية، فالأصل في تعزيز ثقافة المجتمع المدني أن يتمتع الجميع بهذه الروح، من الاحترام والتضامن لتحقيق مستقبل أفضل، لوطنهم ولعلاقات أجيالهم. وهنا خطورة السلوك الضاغط، لقهر المسلمين للتخلي الضمني عن إسلامهم، وتجريم قيم الشرق في الأسرة والطفولة، القيم التي تقوم على المودة والتراحم، من دون أن تحرم أي إنسان، رجلاً أو امرأة، ومن دون أن تبرّر لأي سلوكيات قهرية، تمارسها ثقافة مَرَضية دينية أو اجتماعية من الشرق على المرأة، لكنها لا تسقط الحياة الإيجابية التي تعزّز الود الأسري، والعقل المستقل المتنور لشباب المسلمين.
رفض هذا التوازن المدني الدستوري لمواطنة المسلمين في الغرب، والعمل على مشاريع ترغمهم دون غيرهم، وإن لم تعلن رسمياً، على الإقرار القهري بتخلف (إسلامهم) كإسلام مطلق، وليس انحرافات وعّاظ، وإشعارهم بدونيتهم الأصلية باعتبارهم منتمين للشرق المسلم، تُشكّل أزمة سياسية عميقة، تمنع اندماج المسلمين في الحياة الدستورية المدنية، فهل هي مقدمة لعزل المسلمين في أبارتايد اجتماعي؟ وما هو الطريق المدني المتاح للكفاح أمام هذا الفكر العنصري؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق