الأربعاء، 27 مايو 2020

قصيدة سفر أيوب

 قصيدة سفر أيوب
 للشاعر العراقي بدر شاكر السياب.


لك الحمد مهما استطال البلاءْ

ومهما استبدَّ الألمْ،

لك الحمد، إن الرزايا عطاء

وإن المصيبات بعضُ الكَرَمْ.

ألم تُعطني أنت هذا الظلامْ

وأعطيتني أنت هذا السَّحَرْ؟

فهل تشكر الأرض قَطْرَ المطر

وتغضبُ إن لم يَجُدْها الغمام؟

شهورٌ طوالٌ وهذي الجراحْ

تمزِّق جَنبيَّ مثلَ المُدى

ولا يهدأ الداءُ عند الصباح

ولا يمسح اللَّيلُ أوجاعه بالردى.

ولكنَّ أيُّوبَ إن صاح صاح:

((لك الحمدُ، إن الرزايا ندى،

وإن الجراحَ هدايا الحبيبْ

أضمُّ إلى الصَّدر باقاتِها،

هداياكَ في خافقي لا تغيب،

هداياك مقبولةٌ. هاتِها!))

أشدّ جراحي وأهتف بالعائدينْ:

((ألا فانظروا واحسدوني، فهذي هدايا حبيبي.

وإن مسَّت النارُ حُرَّ الجبين

توهَّمْتُها قُبلةً منكَ مجبولةً من لهيبِ.

جميلٌ هو السُّهدُ أرعى سماكَ

بعينيَّ حتى تغيبَ النجومْ

ويلمسَ شبَّاكَ داري سناكْ

جميلٌ هو الليل: أصداء يوم

وأبواقُ سيارةٍ من بعيد

وآهاتُ مرضى، وأمّ تُعيد

أساطيرَ آبائها للوليد.

وغاباتُ ليل السُّهادِ، الغيوم

تحجِّبُ وَجْهَ السماءْ

وتجلوه تحت القمر.

وإن صاح أيُّوبُ كان النداءْ:

((لك الحمد يا رامياً بالقَدَرْ

ويا كاتباً، بَعْدَ ذاكَ، الشَّفاء!))

* لندن 26/ 12/ 1962

أصيب شاعرنا بمرض السل الرئوي في الخمسينات حتى إذا تفاقم عليه المرض ـ الذي كان من الأمراض الصعبة العلاج آنذاك ـ توجه إلى لندن لغرض العلاج، وقد أبدع قلمه بالأبيات المدوّنة أدناه وهو على سرير المستشفى هناك يشكر فيها الباري على نِعمه التي لا تحصى وكأنه يردد الدعاء الذي كان يقرأه الإمام زين العابدين (ع) الذي يقول فيه: ((أللهم لك الحمد على ما لم أزل أتصرَّف فيه من سلامَةِ بدني، ولكَ الحمدُ على ما أحدثتَ بي مِن عِلّةٍ في جسدي))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق