الأحد، 17 مايو 2020

سجن ستانفورد... متى تنحسر صلاحيات مَن ذاق نشوة السلطة؟

سجن ستانفورد... متى تنحسر صلاحيات مَن ذاق نشوة السلطة؟


مثلما أطلق السابقون هتافات على شاكلة «لا تتنحى... لا تتنحى» و«اسمك هز أميركا» لكي ينتصر الزعيم الذي يقمع شعبه وينكل به ويقوده قوَد الخِراف إلى المذبح، هل سيطلق اللاحقون المعاصرون هتافات صوتية «رجعية» في زمن التقدم تتغنّى بتمدد صلاحيات الدولة، كل هذا التمدد غير المنطقي؟... وتدعو، بل تطالب باستمرار هذا التمدد والتشدّد فيه والزيادة عليه مع تسويق فكرة أننا شعوب قاصرة تحتاج إلى أولياء أمور يحسنون إدارتنا.

لقد تمدّدت صلاحيات الدول في عالم «كورونا» إلى حد غير منطقي، فباتت قادرة على إجبار الجميع أن يحبسوا أنفسهم بأنفسهم رغم أن الحبس من أقسى العقوبات التي مارستها البشرية، وأجبرت أصحاب الأعمال على أن يخسِّروا أنفسهم بأنفسهم رغم أننا جميعاً نعلم أن «المال عديل الروح»، وأجبرت حكومات «كورونا» البشر على ممارسة العزلة والانطوائية والقطيعة رغم أن الإنسان في تعريفه ولتمييزه عن بقية الثدييات يوصف بأنه «اجتماعي»!، بل وأدخلتنا حكومات «كورونا» في جوائح أخرى سلوكية وقانونية دونما تدخل منها في وضع الحلول لمشاكل سوف تمتد لسنوات وشركات قضت نحبها وأخرى تنتظر.


نعم... لقد تمدّدت سلطات وصلاحيات حكومات «كورونا» كما لم يحدث من قبل، ففي العالم كله، بما فيه العالم الأول الذي استعاد جزءاً من وحشيته، وتحركت هراوات أمنه المادية والمعنوية في وجه وعلى رؤوس وظهور وجُنوب ومؤخرات كلّ مَن لا «يرعوي» وينضم إلى «القطيع» الذي ينتظر... مناعته!


«كورونا»، من دون أدنى شك، إلى انحسار، وإذا لم ينحسر الوباء فإن المخاوف تنحسر شيئاً فشيئاً، ولكن يبقى السؤال الصعب: «متى تنحسر صلاحيات الدولة التي ذاقت السلطة المطلقة»؟ وهل ستقبل الحكومات بانحسار صلاحياتها الجديدة عنها هكذا بسهولة؟... خصوصاً بعدما ذاقت حلاوة التمدد ولذة القوة ومتعة التحكم في رقاب العباد وأرزاقهم وسلوكياتهم؟...


بالأمس، بعث لي الزميل أحمد الصراف فيديو يحكي عن مخاوف تأثيرات «رامز مجنون رسمي» على أبنائنا الطلاب وإخواننا المعلمين وسلوكياتنا اليومية كشعوب ونحن الخارجون للتو من الحجر الطويل وآثاره النفسية والمادية.


ويستعين المتحدث في هذا الفيديو بتجربة «سجن ستانفورد» التي أجرتها جامعة ستانفورد سنة 1971 بإشراف عالم النفس فيليب زيمباردو على مجموعة من طلاب الجامعة المتطوعين أدخلت عدداً منهم كمساجين في أحد الأقبية المطابقة للسجون، وأدخلت القسم الثاني منهم كسجانين، لكن الجامعة اضطرت في اليوم السادس إلى إنهاء هذه التجربة الغريبة بعدما تبيّن لها أن السجانين تلذّذوا بالسلطة المطلقة وخالفوا كل القيم والنظم واللوائح والقوانين، ولم يتورّعوا عن ممارسة البطش والإيذاء المعنوي والجسدي في حق المساجين!


هذا ما أصاب طلاب جامعة في العالم الأول في تجربة عن «الطاعة والانصياع»، فما بالكم بحكومات في العالم الثالث ذاقت نشوة السلطة فوق المطلقة وتنعمت بالطاعة والانصياع لها لشهور متتالية، وليس لستة أيام فقط!


هذه الحكومات، كيف تنحسر سلطاتها؟... ومن القادر أن يجبرها على التنازل الطوعي عن «حقوق مكتسبة» وسعت من صلاحياتها الواسعة أصلاً؟... هذا ما سوف تكشفه قادمات الأيام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق