الثلاثاء، 19 مايو 2020

ثم تكون عليهم حسرة!

                ثم تكون عليهم حسرة!              
 حسن الرشيدي
"طهران أنفقت ما بين 20 إلى 30 مليار دولار في سوريا منذ اندلاع الأزمة والحرب هناك،وعلى الحكومة الإيرانية أن تسترجع هذه الأموال من سوريا لأنها ملك للشعب الإيراني"
هذا ما صرح به عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان في إيران حشمت الله فلاحت بيشه.
تتزامن تصريحات النائب الايراني، ما صرح به يحيى رحيم صفوي المساعد الخاص للمرشد الإيراني في الشؤون العسكرية والقائد الأسبق للحرس الثوري، في فبراير الماضي، "على إيران استعادة ما أنفقته في سوريا"، دون أن يحدد المبلغ.
هذه التصريحات تثير عدة أسئلة:
أولها هل هذه الأرقام حقيقية أم أن الأمر أكبر من ذلك؟
ماهي المصالح الايرانية التي جنتها وستجنيها من تدخلها في سوريا؟
لماذا يثير المسئولون الايرانيون هذا الأمر بتلك الجرأة الآن؟
أولا قيمة الانفاق الايراني الحقيقي على حروبها:
تبلغ ميزانية الدفاع الايرانية وطبقا لما تقوله وكالة الأنباء الأميركية بلومبيرغ العام الماضي، نحو ما يعادل 6.1 مليار دولار، وللعلم فهذه الميزانية المعلنة من قبل النظام الايراني على الدفاع، تتضمن فقط تسليح الجيش الايراني وجزء من الحرس الثوري، ولكن لا تتضمن ما يطلق عليه نظام الآيات تمويل الثورة في الخارج، أي تمويل الميليشيات الشيعية خارج إيران.
في دراسة أجراها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد أبحاث بريطاني في مجال الشئون الدولية تحت عنوان "شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط"، وتم نشره في فبراير الماضي أي منذ ثلاثة شهور ذكر فيه، أن إجمالي إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن يقترب من 16 مليار دولار سنويا، بينما ينفق النظام الإيراني حوالي 700 مليون دولار سنويًا على ميليشيات حزب الله في لبنان.
بينما حدد موقع iranwire"" أهم بنود نفقات إيران في سوريا، وذكر منها حسب وسائل الإعلام الإيرانية من 2-3 مليار دولار في السنة، مع منح حد ائتماني إجمالي يصل إلى 6 مليارات دولار في السنة، بما في ذلك الإمدادات الغذائية والطبية، التي حددها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنحو 2.5 مليار دولار في السنة.
ويقول الخبير الاقتصادي سمير الطويل: أن حجم الإنفاق الإيراني في سوريا، يصل إلى أكثر من 80 مليار دولار منذ بداية الحرب في سوريا وحتى نهاية العام الحالي.
كما كشفت جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، أن تقديرات الأمم المتحدة بشأن متوسط ​​الإنفاق الإيراني في سوريا تبلغ 6 مليارات دولار سنويًا.... وهو رقم يقترب مما نشرته وكالة بلومبيرغ الأمريكية.
وحتى لو اعتمدنا على أقل أرقام، وهي أرقام الأمم المتحدة ووكالة بولمبيرغ، فإن إيران عندما تنفق 6 مليارات سنوية في الحرب على سوريا فإنها تنفق تقريبا ميزانية دفاعها كلها في سوريا.
ولكن السؤال المطروح لماذا أنفقت إيران كل تلك الأموال على الحرب في سوريا؟
بالطبع هذه الأموال ليست مقدمة من جانب النظام الايراني للشعب السوري، ولكنها موجهة لدعم النظام الذي يواجه ثورة من الشعب تريد الاطاحة به.
فما فائدة بقاء هذا النظام لإيران؟
هذا النظام يحقق لايران تمدد لمشروعها الشيعي بين العرب، فمن المعروف أن أهل السنة في سوريا هم الغالبية الساحقة، وإيران تريد امتداد نفوذها اللشعي من العراق إلى بلبنان مرورا بسوريا، وهذه الدول الثلاث هم قلب الوطن العربي، والسيطرة عليهم أو جعل أنظمتهم خاضعين للنفوذ الايراني، هو تحقيق للحلم الايراني بامبراطورية فارسية شيعية، وجعل الدول الثلاث القاعدة والمنطلق لتحقيق ذلك الحلم.
ويبقى السؤال الأهم ما مغزى المطالبات الايرانية شبه الرسمية باستعادة الأموال التي أنفقت في سوريا الآن؟
هناك على ما يبدو يجري التجهيز لمرحلة جديدة في سوريا، خاصة بعد اعلان الرئيس الروسي بوتين عن ضرورة انسحاب كافة الميليشيات الأجنبية، بما فيها الإيرانية من سوريا قريباً عدا قواته الروسية كوْنها دخلت سوريا بشكل شرعيّ، حسب كلامه.
وهذه التصريحات توضح إلى أي مدى وصلت الخلافات الروسية الايرانية التي تجلّت بعدة مواقف، آخرها عملية التفاوض في ريف حمص، والخلافات حول السيطرة على دمشق ومحيطها.
كما يعد ملف إدلب موضع خلاف ضخم بين الطرفين، فهناك خلافات بين القوات الروسية والإيرانية بخصوص قيادة المعارك في إدلب بسبب الخسارات الكبرى التي تتعرض لها القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله على جبهات إدلب، قبل الاتفاق الروسي التركي في موسكو في مارس الماضي، كما طفت على السطح الخلافات السياسية في اللجنة الدستورية التي دعمتها روسيا من أجل حل سياسي قريب من الأطراف السورية.
ولا يقتصر رفض الوجود الايراني في سوريا على روسيا فقط، بل تعداه إلى رفض أمريكي إسرائيلي.
وعبرت عن ذلك تهديدات واشنطن واسرائيل المباشرة لإيران بمنعها من البقاء في سوريا، وتم اظهار هذا المنع باستهداف المواقع الإيرانية في سوريا في الآونة الأخيرة، والتهديدات التي أطلقها وزير الأمن الاسرائيلي "ليبرمان" وكلاً من وزراء الطاقة والدفاع والاستخبارات الاسرائيلية، والتي تهدف لتدمير الوجود الايراني بالمنطقة واستهداف المطارات والقواعد الايرانية في سوريا.
فأمريكا وإسرائيل لا تريدان نفوذا إيرانيا يتجاوز السقف المتاح له، فالنفوذ الايراني مطلوب أمريكيا وإسرائيليا، لكي يقف في وجه صعود أي قوة سنية في العالم الاسلامي، وليحد من خطر هذه القوة، أما أن ينافس هذا الصعود مكانة وهيمنة إسرائيل المتزايدة على المنطقة، حينها يتم التدخل للحد من ذلك الصعود.
هذا الموقف المتضعضع للوجود الايراني في سوريا، وبعد هذه الخسائر الكبرى في ميليشياتها وأموالها، كما أن أفق والتوازنات الاقليمية والدولية غير مرحب بهذا الوجود، فسارعت على لسان بعض مسئوليها إلى المطالبة بدفع فاتورة حربها في سوريا، على ما يبدو كثمن للخروج وهذا لن تتحمله بالطبع روسيا أو أمريكا أو اسرائيل.
نعم...بعد ثمان سنوات من التدخل الإيراني المباشر في سوريا، ومساندتها لنظام المجرم بشار وبموافقة أغلب الدول المؤثرة بالمنطقة علناً أو سراً، تخلّي الجميع عن إيران، حتى حلفائها المقربين مما قد يؤدي لانسحابها من سوريا مرغمةً على ذلك، وصدق الله في كتابه
" إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق