الخميس، 14 مايو 2020

أيجهل البابا الأناجيل الي هذا الحد؟

أيجهل البابا الأناجيل الي هذا الحد؟

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
في القداس الذي أقامه في مدينة زايد الرياضية، في أبو ظبي، يوم 5 فبراير 2019، قال البابا فرنسيس أمام 130000 متفرج: "أن نعيش العظات التي قالها المسيح لا يتطلب ذلك أعمالا مبهرة. لننظر الي يسوع: "لم يترك أي نَص مكتوب، لم يشّيد أي مبني ذا أهمية"!.. حقا، لم يشيد أي مبني ذا أهمية، مفهوم، بما أن المسيحية بكلها تم تكوينها على مراحل بأدي المعنيين بها على مر العصور. لكن "لم يترك أي نَص مكتوب"، فذلك غير صحيح بما أن الأناجيل وأعمال الرسل تناقض ذلك القول، ليس فقط فيما يتعلق بإنجيل المسيح، ولكن أيضا بالنسبة لإنجيل بولس، وإنجيل الرب، وخاصة إنجيل برنابا. ولا أزعم أنني سأستشهد بكل ما ورد بالعهد الجديد، لكن مجرد بضعة نماذج على سبيل المثال:

1 ـ إنجيل المسيح:
* "فإن الرب الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه..." (1 بولس الي رومية: 9) ؛
* "لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الرب للخلاص" (1 بولس: 16) ؛
* "حتى إني من أورشليم ومما حولها إلي الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح" (1 رومية 15: 19) ؛
* "وأنا أعلم إني إذا جئت اليكم سأجيئ في ملء بركة إنجيل المسيح" (1 رومية 15: 29) ؛
* "لكن لما جئت الي ترواس لأجل إنجيل المسيح... (2 كو 2: 12) ؛
* "قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد يسوع الذي هو صورة الرب"
(2 كو 4 : 4) ؛
* "إذ قد وصلنا إليكم أيضا في إنجيل المسيح" (2 كو 10: 14) ؛
* "إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح الي إنجيل آخر ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح" (1 غ: 7) ؛
* "وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته بل بإعلان يسوع المسيح" (1 غ 11: 12) ؛
* "فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح حتى إذا جئت..." (فيليبي 1: 27) ؛
* "فأرسلنا تيموثاوس أخانا وخادم الرب والعامل معنا في إنجيل المسيح..." (1 تسا 3: 2) ؛
* "في نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون الرب والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح" (تسا 1: 9).
= يبدو لي أنه لا يمكن أن يكون النص أوضح مما هو وارد بالنسبة لإنجيل المسيح، فالمتحدث هنا هو القديس بولس الرسول، ورغمها فقد تم استبعاد إنجيل المسيح، أيا كانت التبريرات والحجج.

2 ـ إنجيل بولس:
* "في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي ..." (رومية 2: 16) ؛
* "وللقادر أن يثبتكم حسب إنجيلي والكرازة بيسوع المسيح ..." (رومية 16: 25) ؛
* "ولكن إن كان لنا إنجيلنا مكتوما فإنما هو مكتوم في الهالكين..." (2 كو 4:3) ؛
* "إن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط بل بالقوة أيضا وبالروح القدس..." (1 تسا: 5) ؛
* "ألمر الذي دعاكم إليه بإنجيلنا لاقتناء ومجد ربنا يسوع المسيح" (2 تسا: 14) ؛
* "اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي" (2 تيمو: 8) ؛
= أن يتم حجب إنجيل بولس، أول من أسس المسيحية، وأول من قام بفرض عملية بتأليه السيد المسيح، فذلك يطرح العديد من التساؤلات..

3 ـ إنجيل الله:
* "حسب إنجيل مجد الله المبارك الذي أؤتُمنت أنا عليه" (1 تيموثاوث 1:11) ؛
* "حتي أكون خادما ليسوع لأجل الأمم مباشرا لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم..." (رومية 15: 16) ؛
* "بل بعد ما تألمنا قبلا وبُغي علينا كما تعلمون في فيليبي في إلهنا أن نكلمكم بإنجيل الله جهادا..." (1 تس 2: 2) ؛
* "هكذا إذ كنا حانّين إليكم كنا نرضي أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضا..." (1 تسا 2: 8) ؛
* "إذ كنا نكرز لكم بإنجيل الله ونحن عاملون ليلا نهارا كي لا نثقل على أحد منكم" (1 تسا 2: 9).
= المتحدث هنا هو القديس بولس الرسول، ولم يكن قد تم تأليه المسيح بعد، بما أنه قد تم تأليهه رسميا في مجمع نيقية الأول سنة 325. فأين إنجيل الله؟

4 ـ إنجيل برنابا:
* "وبينما يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاؤول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع 13: 2) ؛
* "فكانوا يدعون برنابا زفس وبولس هرمس إذ كان هو المتقدم في الكلام" (أع 14: 12) ؛
* "فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأُناس آخرون منهم الي الرسل والمشايخ في أورشليم من أجل هذه المسألة" (أع 15: 2) ؛
* "رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلهما إليكما مع حبيبينا برنابا وبولس" (أع 15: 25) ؛
* "فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر الي قبرص" (أع 15: 39).
= لا نملك إلا الدهشة من رؤية إنسان قد اختاره الروح القدس مع بولس بل وقبله ترتيبا، ليقوما بالتبشير، ثم اختلفا لأن برنابا كان يتمسك بعهد الختان، "الذي أراده الله عهدا أبديا"، بينما ألغاه بولس لتشجيع الناس على الدخول في المسيحية، ويتم استبعاد إنجيل برنابا أيا كانت الأسباب. تري هل لأنه اتخذ موقفا مخالفا جذريا معادي لأفعال اليهود، وهو ما كان يعد موقفا متفردا في نصوص تلك الفترة؟ أيا كان الأمر فان إنجيل برنابا كان يوجد ضمن الستين إنجيلا قانونيا حتى القرن السابع (34 عهد قديم و26 عهد جديد).. وبرنابا هو من عرّف بولس بالحواريين في القدس (أع 9: 27)، وعرفه بمسيحيو إنطاكيا بعد ذلك، وكان أول رفيق له. وفي جميع الأحوال فإن إنجيل برنابا موجود كاملا في الكتاب المقدس النسخة السينوية المكتوبة فيما بين 325 و360.
وبضعة النماذج الواردة بعاليه تؤكد إلى أي درجة المتناقضات تمثل النسيج الأساس للمسيحية. فسواء تم إظهار إنجيل المسيح، أو نشر إنجيل بولس، أو تم البحث عن إنجيل الله أو إظهار إنجيل برنابا من الأنقاض حيث وضعه البابا چيلاز في القرن السابع، فذلك لن يغيّر أي شيء من أعمال الباحثين الجادين الذين أثبتوا هذه الإدانات والآلاف غيرها. وبضعة الجمل التالية المتعلقة بقتل المسيح لا تثبت فحسب أعمال التحريف في حد ذاتها لكنها توضح الي أي مدي تم ويتم التلاعب بالنصوص من أجل الأطماع السياسية والمكاسب الدنيوية:
* "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته علي خشبة فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم. لأن المعلق ملعون من الله" (تثنية 21: 22و23) ؛
* "اليهود بأيدي آثمة صلبوا المسيح وقتلوه..." (أع 2: 22و23) ؛
* "المسيح الذي صلبتموه أنتم جعله الله ربا ومسيحا" (أع 2: 36) ؛
* "يسوع المسيح الناصري صلبتموه أنتم وأقامه الله من الأموات" (أع 4: 10) ؛
* "إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلقين إياه علي خشبة" (أع 5: 30). وفي الطبعة الفرنسية "دو سير" (éd Du Cerf 1986) مكتوب "gibet"، أي "مشنقة"..
* "فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه" (أع 7: 52) ؛
* "ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر" (أع 13: 29) ؛
* "... وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب" (كولسي 2: 14) ؛
* "اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن" (تسا 2: 15)

= فأن يكون المسيح قد تم صلبه، والصليب لم يكن موجودا آنذاك، أو تم تعليقه علي خشبة أو على المشنقة، وهو ما تقوله الجمل المذكورة، فإن ذلك لا يغير شيئا من الجريمة التي اقترفها اليهود بقتل المسيح، والتي نجم عنها كلمة "قتلة الرب" (déicides) التي أطلقتها الفاتيكان على اليهود. وهي الجريمة التي فُرضت عليهم حوالي ألفا عام، وتكررت العبارة في كل قداس وفي كل المناسبات الدينية بكل ما يضمه سجل البابوات، وما كالوه وما فرضوه على اليهود من اتهامات وتعذيب لمدة ألفي عام.. وفجأة، وفي حركة مسرحية فاضحة غيرت الكنيسة موقفها إذ تذكرت أثناء مجمع الفاتيكان الثاني 1965 أن "قتلة الرب" أبرياء تماما من جريمتهم وبرأتهم من تهمة قتل الرب في وثيقة هزت كيان المسيحيين في الغرب لما بها من تناقض: "في زماننا هذا" (Nostra Aetate). وبذلك قام الفاتيكان وكرسيه الرسولي بترسيخ جريمة استيلائهم على أرض فلسطين.

وما من داعي لتكرار ان جريمة هذه التبرئة أدت الي إفراغ الكنيسة في الغرب من الأتباع ومن القساوسة، حتى اشتقوا عبارة "النزيف الصامت للكنيسة"، الذي يحاول البابا فرنسيس ملء فراغه بتنصير العالم، تلك العملية التي يقودها بعنف وخداع منذ تعيينه. وإن كانت كراهيته قديمة متغلغلة، فإن ما أود الإشارة اليه حاليا هو لجوؤه الي القيادات السياسية العالمية لاقتلاع الإسلام والمسلمين.

في الواقع ان كراهية الكنسة للإسلام تعود للقرن الثامن حين وضع يوحنا الدمشقي الإسلام ضمن 101 هرقة اعترضت طريق تكوين المسيحية. وحين أدركوا أن الإسلام ليس بهرطقة وانما رسالة منزلة من عند الله لكشف وتصويب ما تم من تحريف في الرسالتين السابقتين والعودة الي التوحيد بالله، بدأت الحرب ولم تتوقف.

والهجوم الكاسح للإسلام في العصر الحديث بدأ بأحداث 11/9 ولم يتوقف أيضا. وكان مجلس الكنائس العالمي قد قام بفرض القيام بهذا الهجوم على الولايات المتحدة في يناير 2001 عندما فشل في تنصير العالم وفقا لقرارات مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1965، حتى تبدأ اللفية الثالثة والعالم كله متنصر.. فبدأت الحرب بصيحة بوش الابن "بأنها ستكون حرب صليبية طويلة المدي". فكم من بلد إسلامي تم اكتساحه، وكم مليون مسلم تم اغتيالهم؟ وكل ذلك تحت عباءة الإرهاب المصنّع في الولايات المتحدة والمصدّر للبلدان الإسلامية.

كلمة أخيرة لذلك البابا الچزويتي الذي اتخذ القديس فرنسيس الأسيزي، ذلك الذي سافر مع الحملة الصليبية الرابعة لتنصير السلطان الكامل، اسما ونموذجا له؟ فبدلا من كل تلك الحروب التي تقودها لفرض ديانة تم تكوينها على مر التاريخ، أليس من الأكرم وقف هذه المجازر الرامية الي تنصير المسلمين، وخاصة وقف كل هذه المحاولات القائمة على وثائق منتزعة بالتحايل واللعب بالألفاظ والخدع اللغوية، مثل وثيقة "الأخوة الإنسانية"، وأن تهتم بقلفطة الثقوب التي في قاربك، بدلا من حياكة مؤامرات جديدة من قبيل فرض آخر يوم سبت من كل شهر مايو ليقوم مائة ألف مسيحي بتبشير مليار مسلم؟
أليس أكثر أمانة الكف عن انتزاع وثائق واتفاقيات، مثل وثيقة أبو ظبي وغيرها، بفضل التلاعب بالألفاظ وترجمة مغرضة ومفروضة، قائمة على خداع الترجمة واختلاف معني الكلمات من لغة لأخري، من قبيل وثيقة أبو ظبي التي تقول إجمالا وخداعا أن الأزهر ومسلمي العالم يرجونك أن تخلص الإسلام مما فيه من إرهاب، لتتمكن من تشييد ما تدعوه "البيت الإبراهيمي"؟

زينب عبد العزيز
11 مايو 2020
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق