من وحي الشيطان
محمد جلال القصاص
2016-10-13
إنه إبليس وإنهم جنود إبليس، عظموا شيئًا، ثم صوروه على الجدران، ثم تماثيل نحسٍ يأنس بها الغبي البليد، ثم جعلوها أفكارًا يعظمها ويضل بها من جاء بعدهم، وطبيعي أن ينزعوا ذكر المكرمين من إفكهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النبش عن آثار الهالكين بدأ مع العلمانية؛ وفي كل العالم، في مصر وغير مصر، ربما كان السبب البحث عن مصدرٍ معرفيٍ بديل "للعهد القديم والعهد الجديد" بعد أن ثبت كذبهم في كثيرٍ مما تحدقوا به عن الأولين، وربما كان السبب فقدان الذاكرة التاريخية، أو عدم وجود شيءٍ ثابتٍ في مخيلة المسيطرين على العالم حاليًا (الحضارة الغربية العلمانية) جعلهم يتحركون في كل إتجاه بحثًا عن "تاريخ" يفيدون منه بشكل إيجابي (كما فعلوا مع الحضارة اليونانية وابنتها الإغريقية)، أو بشكلٍ سلبي كما فعلوا في محاولة طمس هويات الشعوب التي إحتلوها، وإرباك المعرفة بأحاديثٍ محتملةٍ عن ماضٍ لا يثبت مطلقًا، أو لا يثبت بيقين، أو ماضٍ قُرئ بشكلٍ مجتزءٍ متعمد فقد نبشوا حيث يتوقعون أنه يخدمهم (على سبيل المثال لم يتم النبش في جنوب الجزيرة العربية)...
أهم ما يلفت النظر في هذه الكشوفات –من وجهة نظري- هو التشابه بينها، وخاصة التماثيل والأنصاب، فالأهرامات وجدت في "أمريكا الوسطى"، ووجدت في أفريقيا، ووجدت في الصين، وكذا الرواية النصرانية عن التجسد والصلب للفداء وجدت قرابة عشرين مرة على مدار التاريخ، وموزعة على صفحات الأيام والأماكن.
بعض المحللين ذكر أن سبب ذلك هو تمدد الحضارات، وراح يتحدث عن بطولاتٍ خارقة لشعب من الشعوب جعلت أصنامه وأنصابه تتواجد عند شعوب أخرى، فعباس العقاد -مثلًا- يفسر وجود تماثيل مشابهةً لتماثيل الفراعنة في الهند بأن المصريين (الفراعنة) بلغت دولتهم الهند. والغربيون يفسرون تواجد تماثيل الإغريق في الهند بأن اليونانيين غزوا الهند واستقروا فيها حينًا (الأسكندر المقدوني).
ولم يحاول أحدهم أن يفسر تمدد بعض الحضارات دون أن يتركوا آثارًا، كما في حالة الفرس مثلًا فقد جاءوا إلى المشرق فجاسوا خلال الديار، اللهم نقوشات ربما أحدثت بعدهم.
إنهم حول حقيقة تخفي على بعضهم، وبعضهم يعرفها ويحاول أن يخفيها، وهي أن الشيطان سبب ذلك كله، نعم يقينًا سبب ذلك كله، والسؤال: من أين اليقين بأن الشيطان وراء ذلك كله؟
الخبر بالمخبِر (مَن أخبر عنه)، أو بشواهد في ذات الخبر.
والله ربنا، الخالق العليم، سبحانه، وتعالى ذكره، قد ذكر في كتابه وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان هو الذي حرض البشر حتى نصبوا الأصنام وشيدوا الأنصاب، وأن ذلك مرَّ بمراحل: كان بدايتها تعظيم المبرزين، ثم تصويرهم على الجدران، ثم نصب أوثان لهم، وأنصاب حولهم لمن شاء أن يتقرب إليهم بذبحٍ أو عظةٍ يصعد النصب ويذبح عليه شاةً أو يحرض الناس على اتباع الهوى والضلال. وينصب المستفيدون من الكفر (كهان وحكام) الأصنام والأوثان في حرمٍ يخلعون عليه "قداسة" كي يتخلى الداخل فيه عن يقظته الفكرية والإنسانية، فيهريق عقله ومروءته بدعوى أن لا عقلانية في "التعبد".
متشابهون كلهم؛ أفكار الكفر وتطبيقاته العملية محدودة جدًا، وتتكئ كلها على تعظيم شيءٍ في الأرض لذاته أو وصولًا لمن في السماء، سبحانه وتعالى وعز وجل. فهذا التشابه في التصوير على الجدران، والتمثيل بأحجار، والحرم "الآمن"، أمارة في "المخبر عنه" بأنه خرج من رأسٍ واحدةٍ، إبليس لعنه الله، وليست كما يدعى العجلى والمغرضون أنها حالة من اجتياح الحضارات بعضها بعضًا، وبصمة تتركها كل حضارة على غيرها حين تستحل حرامها.
وشيء آخر في المخبر عنه يدل على أنه إبليس قد كان، وأن إبليس لا زال إلى اليوم، وهو أن النابشين عن تماثيل الأمس والمسيقون لها اليوم يخفون تمامًا ذكر الرسل والأنبياء في تلك الأمم، والله يقول: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر : 24].
إنه إبليس وإنهم جنود إبليس، عظموا شيئًا، ثم صوروه على الجدران، ثم تماثيل نحسٍ يأنس بها الغبي البليد، ثم جعلوها أفكارًا يعظمها ويضل بها من جاء بعدهم، وطبيعي أن ينزعوا ذكر المكرمين من إفكهم. يقول الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [ الأنعام جزء من الآية: 121].
اللهم لا أقول بقولهم، ولا أقف في صفهم، اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق