الأربعاء، 10 يونيو 2020

حوار الدكتور محمد عباس مع الوسط اللندنية

         حوار الدكتور محمد عباس مع الوسط اللندنية
الدكتور محمد عباس
أجرت مجلة الوسط اللندنية حوارا معى، وبعد نشر الحوار كنت أهاتف الصحفيي الذى أجراه مداعبا:
- لكن الصحافيين المصريين الذين أجروا معى حوارات سابقة كانوا أكثر مهارة وأشد إبداعا منك..
فتساءل بقلق عن السبب متصورا أن ثمة خطأ قد حدث لكننى واصلت:
- الصحف المصرية التى أجرت حوارا معى بذلت مجهودا أكبر منك بكثير.. لقد غيروا كل ما قلت، بل وغيروا الأسئلة التى وجهوها لى أيضا ووضعوا لها من الإجابات ما يشاؤون من إنتاج قريحتهم و إبداعهم، بل إن بعضهم أجرى معى أحاديث دون أن أقابلهم أصلا!!..
وكان الشىء الوحيد المتعلق بى فى حواراتهم هو الصورة، ربما يطورون أنفسهم فى قابل الأيام ليستغنوا عن الصورة أيضا، ألا ترى بهذا أنهم بذلوا مجهودا أكثر منك.. ؟!.. أنت لم تفعل الكثير، لقد وجهت الأسئلة، وأنا أجبت، ثم نشرت أنت بعد ذلك نص الحوار .. لقد حذفت بعضا مما قلت، ربما نظرا لظروف المساحة، وربما لأسباب قانونية، لكننى أشهد لك أنك فيما نشرت لم تغير حرفا مما قلت. ثم أننى أشهد لك، أن هذه هى المرة الأولى منذ انفجار أزمة الوليمة التى ينشر لى فيها حديث دون أن يقلبوا محتواه قلبا تاما.
كنت قد احتفظت بنسخة من نص الحديث الأصلى، دون حذف، ورغم درجة الصدق الذى تمتعت به مجلة الوسط فى النشر، فقد رأيت أن نشر النص الأصلى للحوار قد يكون أفضل، ففى بعض الأحيان يكون المحذوف أكثر أهمية من المنشور.. ثم أنهم - ربما لأسباب قانونية وربما لأسباب مهنية - يتجنبون ذكر أسماء الأشخاص، وهاهو ذا الحوار:
  • الوسط : يراك البعض متطرفا خطيرا ويراك البعض الآخر مفكرا كبيرا.. فما هى بطاقة هويتك؟
ج: عبد فقير إلى الله سبحانه وتعالى.. من مواليد عام الحزن.. ولأن جل أعوامنا أعوام حزن فلابد أن أحدد التاريخ: 1947.. قبل سقوط فلسطين بعام.. وقبل استشهاد الإمام حسن البنا بعامين .. تخرجت من كلية طب القصر العينى فى عام حزن آخر.. 1969.. بعد الهزيمة بعامين.. وقبل موت جمال عبد الناصر بعام.. أحمل شهادة الدبلوم العالى فى الجراحة العامة وشهادة الماجستير فى الأشعة التشخيصية..
  • الوسط: وما علاقة الطب بالأدب؟ أو على الأحرى لماذا لم تختر دراسة الأدب أو الفلسفة أو السياسة بدلا من دراسة الطب.
ج: عندما أستعيد قرار الاختيار فى الماضى أصاب بالدهشة.. كان عمرى أقل من 16 عاما عند الاختيار.. وكنت مشدودا بوجدانى كله إلى عالم الفكر والروح.. لكننى قلت لنفسى أيامها أن امتهان الأدب والفكر هو فى الحقيقة امتهان للأدب والفكر.. كلمة الامتهان الأولى من المهنة.. وكلمة الامتهان الثانية من الإهانة.. ذلك فى عالمنا الثالث ..
  • الوسط: بعض ما كتب عنك فى الشهور الأخيرة ينفيان علاقتك بالأدب والفكر.. فما هى حقيقة علاقتك بهما؟.
ج: لمدة عشرين عاما كنت أقرأ كتابا واحدا على الأقل كل يوم، أحيانا كنت أقرأ كتابين أو ثلاثة، فى طفولتى قرأت العقاد وطه حسين وزكى مبارك ومحمد عبد الحليم عبد الله ومحمود ومحمد تيمور وكتبا كثيرة جدا فى السيرة النبوية وتاريخ الإسلام.. بعد ذلك قرأت تولستوى كله ودستويفسكى كله وتشيكوف وكيركجارد و إبسن وفوكنر وشكسبير ونجيب محفوظ وماركيز ويوسف إدريس وسارتر وكامى وشوقى والبارودى وحافظ و أمل دنقل وصلاح عبد الصبور.. وحتى جمال الغيطانى وصلاح عيسى وأصلان .. و .. و.. هؤلاء قرأت لهم كل أعمالهم.. بعضها قرأته مرات عديدة.. الآخرون - وهم مئات - قرأت بعض أعمالهم ..
درست التاريخ والفلسفة الغربية فى كتب غربية.. كنت مبهورا بالأدب والفكر فى الغرب ( مع اعتبار أن روسيا جزء من الغرب).. لذلك أستطيع أن أفهم الآن جيدا عقلية المنبهرين.. واستمر ذلك حتى عام حزن آخر.. عام زيارة السادات للقدس.. حين ذبح الأمل وتزلزل اليقين وبدت نذر التلاشى لنا كأمة عربية.. و أدركت أن هزيمة 67 و إهدار نصر 73 وعمق الانهيار الذى نعيشه لم تكن جميعا نقص حظ أو سوء طالع .. بل كانت نتيجة فقدان المرجعية..
وانكببت على كتب التاريخ أنزف بين صفحاتها باحثا عن سبب انهيارنا.. وفى كتاب للتاريخ وجدت المستشرق يستشهد بكتاب البداية والنهاية لابن كثير والكامل لابن الأثير.. أتيت بالكتابين.. كل كتاب منهما يقع فى عشرة أجزاء ضخمة .. انتهيت منها فى أقل من شهر.. ثم بدأت أعيد قراءة الفكر والتاريخ الإسلامى..
وبدأت أدرك حقيقة الخدعة الكبرى التى غرقت فيها عشرين عاما.. و اكتشفت الفارق بين اللمعان الزائف للحضارة الغربية وبين العمق المتناهى للثقافة الإسلامية العربية.. وامتلأت بشعور جارف من الغضب و الإحساس بمرارة الخديعة.. نعم.. فيما عدا الأدب فقد خدعنى مفكرو الغرب.. وقد كذبوا وتحيزوا وكانت معاييرهم مزدوجة دائما..
بعد ذلك بعقد من الزمان.. فى عام حزن آخر..عام حرب الخليج.. اكتشفت العلامة محمود شاكر.. والذى كان له أبلغ الأثر فى البلورة النهائية لمنهجى فى الفكر والبحث.. محمود شاكر هذا لا يكاد أحد يعرفه فى مصر.. لكنه معروف جدا فى العالم العربى.. حاصروه كما يحاصروننى الآن.. أغلقوا له المجلة التى ينشر فيها مقالاته كما أغلقوا صحيفة الشعب بعد معارك ثقافية ضارية مع رموز التغريب فى الستينيات.. خرج من السجن ليكتب كتابه البالغ الأهمية : " أباطيل و أسمار" وينهيه ببيتى شعر لأبى العلاء المعرى:
يسوسون الأمور بغير عقل.. وينفذ أمرهم فيقال ساسة
فأفّ من الحياة و أف منى.. ومن زمن رئاسته خساسة
  • الوسط: وبالرغم من هذه الثقافة متعددة المنابع فقد كنت أحادى النظرة.. و أدت مقالة من مقالاتك الغاضبة إلى إغلاق صحيفة الشعب و تجميد حزب العمل. تلك المقالة التى جرت عليك كثيرا من المتاعب والاتهامات و أثارت ثائرة المثقفين عليك واسمح لى أن أقرأ بعض اتهاماتهم لك ولصحيفتك كرد فعل على هذه المقالة: "صحيفة متعطشة لقضايا" و : " حملة تحريض فاشية" و: " شيزوفرينيا عباس" و : حملة غوغائية نائحة نادبة" و : حملة مسعورة" و : " فقهاء الموت والتزمت" و: كذاب أشر" و : استخدام صفحات الصحف ومنابر المساجد لتوجيه ألفاظ الفحش والسباب." و : " شهوة التكفير" و : " المهووس الفقيه الجاهل المحرض محمد عباس" و: " جريدة الشعب: تضليل و أكاذيب" المحتسب الهائج الطارئ المائج محمد عباس" و .. بل بلغ الأمر أن أحدهم كتب عنك: " المنافق- الكذاب- الرداح- الرقص- هز البطن" .. إننى آسف لكننى أقرأ لك عناوين بعض المقالات التى كتبت عنك..
ج: هناك نقطة شكلية.. فهؤلاء الذين يدافعون عن الإبداع كان هذا مبلغ أدبهم فى الحوار ( إذا كان ذلك هو مستوى فهمهم للإبداع فلابد أن يكون هذا مبلغ علمهم بالأدب).. لكننى حزين من موقف اثنين أحترمهما كثيرا: محمد حسنين هيكل ، فبالرغم من موقفه الإيجابى أثناء أزمة الوليمة إلا أنه وصف أسلوبنا فى المعالجة أنه كان غليظا دون أن يعبر بكلمة واحدة عن احتجاجه على أسلوب الجانب الآخر الذى طرحت أنت الآن بعضا يسيرا منه فى سؤالك.. ليس لمجرد السبب الأخلاقى.. بل لسبب مهنى بحت.. ذلك أن هيكل .. وهو شيخ الصحافة فى مصر والعالم العربى كان لابد له أن يقلق لتدنى أسلوب الصحافة إلى هذا الحد.. الشخص الثانى الذى أعتب عليه هو سلامة أحمد سلامة.. والذى وصف أسلوبنا فى تناول الأزمة بالبلطة!!.. فإذا كان أسلوبنا كالبلطة فماذا يكون أسلوبهم..
وربما ألتمس منك المعاذير أن أستشهد بتعبير لصلاح منتصر فى الأهرام : أنه عندما يراد القضاء على شخص وتلويثه وتشويه سمعته فى عيون مواطنيه تتحول عناوين الصحف عنه إلى كلاب وحشية تنهش شرفه وتاريخه ، أما سلامة أحمد سلامة الهادئ الوقور نفسه فقد كتب يقول : " .. فى كل قضية تثار أو مشكلة تستجد تنطلق بعض الكتابات مغمضة العينين مثل كلاب الصيد المدربة تتشمم آثار الفريسة من بعيد، لتقتنصها، دون أن تجهد نفسها فى البحث عن حقيقة".. هذا الكلام لم يكتبوه عنا فى الشعب .. كتبوه دفاعا عن سعد الدين إبراهيم وكنا به أولى!.. دعنى أيضا أذكرك بما نشرته صحيفة الحياة من أن الوزير اليمنى عبد الله غانم قد صرح بأن: "بعض الصحفيين اليمنيين يشبهون الراقصات وعبيد سوق النخاسة." ولست أدرى لم اختص اليمنيين رغم أن الوباء عميم. هذا هو مستوى الحوار فى صحافتنا، ولم تكن الشعب ولا قضية الوليمة طرفا فى كل ذلك. وكنت أتمنى على كاتبين كبيرين كهيكل وسلامة أن يلتفتا إلى هذه النقطة الجوهرية.. مدى تدهور الصحافة فى مصر..
فلندع هذه النقطة فى الشكل لأسألك هذه المرة: ماذا يكتبون الآن؟!
  • الوسط: ماذا تعنى؟
ج: أعنى أدعياء التنوير الذين كتبوا كل ذلك.. حتى أننى قلت لنفسى أن الأصل فى الأشياء عندنا الإباحة أما هم فالأصل فى الأشياء عندهم " الأباحة" .. من القبح .. ما هو موقفهم الآن بعد أن غير وزير الثقافة اتجاهه بدرجة 180 وبعد أن اكتشفوا أن الدولة فى مصر لا تؤيد شذوذهم وانحلالهم الذى يسمونه إبداعا.. معظمهم يهاجمون الآن بكل شراسة ما دافعوا عنه بالأمس يكل حماسة.. ودعنى أقول لك بعض ما كتبوه فى الأسابيع القليلة الماضية:
فى صحيفة المساء ( 7/1) يقول فاروق حسنى عن بعض مطبوعات وزارته ( هل ثمة علاقة لغوية بين الوزير والوزر!!.. وبين الوزارة والأوزار؟!!).. يقول: " اكتشفت كم الإباحية وامتهان الدين والعادات والتقاليد (..) .. أى عمل لا يراعى المجتمع الذى يتوجه إليه هو عمل غير فنى ولا يستحق الاحترام.. وفى صحيفة الحياة كان فاروق حسنى يصرح: " لن أتراجع عن مواجهة " قلة الأدب " وكتابات البورنو"..(.. ) أنا مع المجتمع ضد أى تأليف رخيص ووظيفتى الأساسية هى حماية قيم المجتمع من بورنو الآداب .
وعندما حاول أدعياء الثقافة أن يحتشدوا لمواجهة الوزير لم يستطيعوا جمع أكثر من 23 توقيعا.. انسحب ستة منهم عندما أدركوا أن الدولة جادة فى تغيير موقفها و أنها لن تتصرف كما تصرفت فى أزمة الوليمة..
وعندما ألقى الرئيس مبارك كلمة فى معرض الكتاب ظهر منها أنه يدعم وزير الثقافة فى موقفه الجديد ابتلع الجميع ألسنتهم ولم تعد تجد واحدا فقط يتحدث عن الإبداع..
قلنا لهم قال الله فسخروا.. وقلنا قال الرسول صلي الله عليه وسلم فاستهزءوا.. وقلنا قال القرآن فسبوا.. لكن عندما قال الرئيس مبارك أصابهم الرعب وبلغت أرواحهم الحلقوم.
فهل هؤلاء هم المثقفون فى مصر؟ 16 أو 23 أو حتى 300.. إن أكبر إهانة للثقافة فى مصر أن نصدق الفرية التى يروجونها أنهم ممثلو الثقافة والإبداع.. ليسوا سوى بثور قيح على جبين الوطن.
فلنعد إلى أقوال الصحافة المصرية بعد أن غيرت الدولة موقفها وعادت إلى الحق:
فى أهرام 15/1 كتب الأستاذ ثروت أباظة: " .. يعلنون حربا على وزير الثقافة الذى صادر لهم كتبا دنيئة تصف عمليات الجنس بصورة وقحة فاجرة ، واتخذ الوزير الإجراءات الحاسمة ضد موظفيه الذين سمحوا لهذه الكتب بأن تطبع وتصدر عن وزارة الثقافة.. وطبع تلك الكتب فى ذاته سواء كان من وزارة الثقافة أو من أى ناشر آخر كبيرة تصغر إزاءها كل الكبائر.
والذى لا يؤيد الوزير فيما ذهب إليه يكون أقرب إلى القوادين. فالقواد الفاسق المحترف ينشئ صلة قذرة بين فاسق من الرجال وعاهرة من النساء، أما كتاب هذه الكتب فيشيعون الفاحشة النتنة بين كل قرائهم.(..) إن المعركة قائمة بين النجس والطهارة وبين الشرف والانحطاط.."..
فى صحيفة الأسبوع ( 15/1) وفى مطبوعات أخرى كثيرة منها تحقيق مطول للأهرام العربى كان أحد المبعدين وهو أحمد عبد الرازق أبو العلا مدير النشر يقول: " الوزير الآن يقف بشراسة ضد أعمال أقل خطورة إذا قورنت بوليمة أعشاب البحر" ..
فى أخبار اليوم العدد 2932 كان وزير الثقافة يصرح: المسئولون بهيئة قصور الثقافة انحرفوا.." ..
وفى أهرام 14/1 كان عبده مباشر يتهم أدعياء الثقافة والتنوير فى دينهم : " إذا كان من اليساريين من ينكر الخلق والخالق من منطق عقيدى أو فكرى أو فلسفى فإن من الفطنة ألا يصطدموا بالرأى العام..(..) وعندما يثور هؤلاء المؤمنون ويعبرون عن غضبهم من تطاول هذا الروائى على الذات الإلهية أو شخصية المصطفى (..) فإن أحدا لا يمكن أن يصف غضبتهم بالتخلف أو أن يتهمهم بالعداء للتنوير والإبداع."..
ويواصل " لماذا كتب السورى حيدر حيدر روايته " وليمة لأعشاب البحر بكل ما فيها من خروج على الدين؟ ولماذا وافق من وافق على إعادة نشر هذه الرواية بالقاهرة؟ وهل كان يدرى ما تحويه الرواية من تجاوز؟ أم أنه لم يكن يدرى؟ لكن الجميع أصبحوا على علم عندما ثار الرأى العام والمؤسسات الدينية على الرواية فلماذا استمروا على موقفهم ولم يسارعوا بالاعتذار عن الوقوع فى هذا الخطأ؟ لماذا استمروا على موقفهم فى تأييد الرواية وكاتبها؟ ولماذا أعلنوا تحديهم للجميع؟ ولماذا بدءوا فى حملة التبرير ولالتفاف من حول القضية؟ ولماذا اتهموا الجميع بالتخلف والعداء للمجتمع المدنى والعمل بإصرار على هدم هذا المجتمع؟ ألا يقوم المجتمع المدنى إلا على أكتاف أعداء الدين؟(..) إن فكرة المجتمع المدنى لا تقوم أبدا على أحادية الموقف ولا أن يكون هذا الموقف بالضرورة يساريا ملحدا"..
مرة أخرى يتهمهم عبده مباشر بالإلحاد.. وفى الأهرام..
وفى أهرام 21/1 كان فتحى سلامة يكتب عن نكسة هيئة قصور الثقافة : " كل المؤشرات كانت تدل على سقوط الهيئة فى أيدى قلة من محترفى الارتزاق بالأدب.. أكلوا على موائد كل العصور(..) وما أبدعوا شيئا..(..) قادوا حركة التثقيف العامة..(..) .. دون وازع من ضمير؟؟"
ثم يتطرق فتحى سلامة إلى عمليات الفساد والنهب ونشر الفجور وتسهيل الدعارة فى الهيئة: " بيع خشب المسارح بعد شرائه بيوم واحد على شكل كهنة.. نقل أجهزة الصوت والتكييف إلى بيوت مديرى القصور، وتأجير بعض البيوت الثقافية للسكن المفروش، ويعف اللسان عن أشياء أخرى حدثت وتحدث فى جراج العجوزة وقصور طنطا وبعض القصور الأخرى.." ..
يا إلهى..
لقد أغلقت الشعب و جمد حزب العمل لأنه قال أقل من هذا بكثير.. فى وضع أخطر من هذا بكثير.. فثمة إجماع - حتى من أدعياء التنوير أنفسهم - على أن ما بالروايات الثلاث من عهر يكاد لا يقارن بما جاء فى رواية الوليمة.. فلماذا هاجمونا.. ولماذا أغلقوا الشعب إذن؟.. وعلى عاتق من تقع دماء أبنائنا فى الأزهر؟!.. إن مثقفا كبيرا منهم.. واحد ممن يسميهم المثقفون أنفسهم " عصابة الثلاثة" التى تسيطر على الحركة الثقافية فى مصر.. واحد منهم كتب مقالا ملتهبا يهاجمنى فيه متسائلا أين كان ضميرى و أنا أكتب تلك المقالة التى تسببت فى سفك دم أبنائنا فى الأزهر.. ولم يفتح الله عليه ولو بكلمة عتاب واحدة على من أطلقوا الرصاص على الطلاب.. ولا على من أصدروا رواية الوليمة فسببوا هذا الانفجار..
  • الوسط: إذن فكبار الكتاب فى مصر الآن يكفرون التنويريين .. أنت بهذا تفسد علىّ سؤالى التالى لك .. فقد كنت أريد أن أسألك عن قيامك بإطلاق تهم التكفير على معارضيك..
ج: هل الحق فى توجيه هذا الاتهام حلال لكتاب الصحف الحكومية وحرام علينا.. ثم أن بيان الأزهر والمرجعيات الدينية الأخرى حكمت بأكثر مما قلت.. لقد اتهمت أنا كاتب الرواية وناشرها وطابعها.. أما هم فقد أضافوا إلى قائمة الاتهام بالكفر كل من يقرأ الرواية فيعجب بها ويعتبرها إبداعا.. لم يكن اتهاما عشوائيا منا بل كان حكما فقهيا.. أيده بعد ذلك علماؤنا الأجلاء.. ثم إن التكفير ليس ممنوعا على إطلاقه.. إنه باب من أبواب الفقه فهل نلغيه؟ المنهى عنه هو عدم الاحتراز والحرص.
لقد كان موقف أدعياء الثقافة والتنوير بالغ الوقاحة: فهم يبيحون للإبداع الحرية المطلقة حتى فى الاجتراء على ذات الله والقرآن والرسول e .. نعم.. يمنحونه الحرية المطلقة فى الاعتداء على الدين والحكم عليه ثم يمنعون الدين من مجرد الدفاع عن نفسه.
واحد من قياداتهم، واحد من المسئولين الكبار عن نشر رواية الوليمة وعن الدفاع عنها باستماتة له وهو بالمناسبة أيضا أحد المدافعين الكبار عن الروايات الثلاث التى أثارت الأزمة الأخيرة، أصدر هذا المسئول كتابا عن السينما والسياسة يتهم فيه السينما - وهى إحدى أدوات الإبداع ولا ريب- بممارسة دورها فى تغييب الواقع بأفلامها الرخيصة.. إنها كما يقول بالنص: ..
  • الوسط: دكتور محمد عباس: ألاحظ أنك تقرأ هذه النماذج من كتاب..
ج: نعم، إنه كتاب جديد أعده عن انتفاضة الوليمة وموقف الصحافة المصرية والعربية منها.. وكيف انقلبت الأفكار عندما غيرت السلطة موقفها.. ولنعد إلى مقتطفات من كتاب السبنما والسياسة: " سينما (..) كريهة متلعثمة مزيفة مضللة لا تجيد إلا نبش القبور ومنازلة الموتى وتستخدم أحط الوسائل فى التزييف والتزوير والتضليل والتشهير" .. " ردة السادات فى السبعينيات وتصوير الأفلام لعهد عبد الناصر برؤية جائرة وادعاءات رخيصة".. " صناع هذه الأفلام أفرزوا سمومهم وحاولوا بسهامهم المغرضة النيل من نظام عبد الناصر ووصمه بالدكتاتورية والإرهاب، (..) ممدوح الليثى قلب الحقائق وشوه رؤية نجيب محفوظ وغرس أنيابه فى التجربة الناصرية..(..) رجال السينما تجار كل فترة يبحثون عن طريق لإرضاء السلطة( يذكر عشرات المخرجين وكتاب السيناريو) ولا يفلت منه حتى نجيب محفوظ فيصف روايته الكرنك بأنها تقرير أدبى سريع ومتعجل" كما يواصل الكاتب هجوما شرسا على مئات الكتاب والمخرجين والمنتجين..
ولقد مارس هذا الهجوم كله متجاهلا أنهم - من وجهة نظره هو نفسه- مبدعون.. وليس ثمة قيد على الإبداع كما يدعى.. لكنه لم يغفر لهم أبدا أنهم هجوا جمال عبد الناصر بألفاظ لم يرد فيها أن جمال عبد الناصر خراء.. أو أن المومس أفضل منه.. أو أنه يرى صورة جمال عبد الناصر فى مومس وهو يطؤها.. أو أنه يبول على عظامه البالية.. لم يغفر لهم كل ذلك لكنه غفره لحيدر حيدر عندما قاله وقال أكثر منه مائة مرة.. ليس على جمال عبد الناصر.. بل على الله والقرآن والرسول e . إنه لم يغفره له فقط، بل نشر الرواية الكافرة ودافع عنها.
تجاهل أدعياء التنوير أيضا موقف الرسول e من الشعراء ( وهم بالطبع مبدعون) والذين تناولوا شخصه الكريم والإسلام بالهجاء فى قصائدهم.. لقد أمر e بقتل بعضهم حتى لو تعلق بأستار الكعبة..!!
  • الوسط: لكن ألا ترى أن موقفك ومقالاتك قد أدت إلى تداعيات الخاسر الوحيد فيها هو الإبداع؟
ج: عن أى إبداع تتكلم.. صحيفة الميدان، العدد 385 فى 16 يناير 2001( صحيفة الميدان وليس صحيفة الشعب) ، نشرت دراسة للصحافى وحيد رأفت يفضح فيها إنتاج مدعى الإبداع، فهاك شاعر كتب قصيدة عن زواج أبيه بعد موت أمه من امرأة أخرى .. يعبر فيها عن سعادته لأن أباه سيمارس معها الجنس من المؤخرة.. شاعر ثالث منهم ماتت جدته ودخل يغسل جثتها مع أبيه ولفت نظره أنه يراها عارية لأول مرة فمد يده إلى عورتها.
وتواصل صحيفة الميدان لتنقل إلينا حكاية ديوان " ليكن" لهدى حسين والتى أسست فى ديوانها مدرسة جديدة فى الشعر هى مدرسة شعر المراحيض. إنها تشرب القهوة مع عشيقها فى المساء فتغرق فى التأمل : كيف ستطرز هذه القهوة برازها فى الصباح!!.. وفى قصيدة (!!) أخرى تصف ممارسة الجنس بينما تمسك شرجها كى لا يفرغ فضلاته!!.
وتواصل الصحيفة وصفها لهؤلاء الأدباء الذين تطبع لهم وزارة الثقافة مثل هذه الأعمال فيذهبون ليدخنوا الشيشة على البارات فإذا ما هاجمهم أحد صرخوا فى وجهه: أنت ضد حرية الإبداع.
  • الوسط: لنقل أن هؤلاء يمثلون قلة منحرفة..
ج: هم الذين كانوا يشكلون واجهة الثقافة فى مصر حتى خطاب الرئيس فى معرض الكتاب.
  • الوسط: أعتقد أنك تبالغ..
ج: لا .. لا أبالغ.. فالمثقفون الذين يتصدرون الساحة الآن ليسوا امتداد الأزهر والفجالة حيث الكتب والمكتبات..
بل هم امتداد لشارع الهرم حيث الحانات والراقصات.. وإليك واقعة أخرى: يوم الإثنين 22/1 كانت كل الصحف تنشر عن محاكمة عضو اتحاد الكتاب منكر الأديان " صلاح الدين محسن" وهو بائع بوية .. نعم .. بائع بويه اعتبرته الصحيفة الأدبية الوحيدة المتخصصة فى مصر رمزا للإبداع.. هذه الصحيفة هى التى شنت علينا أبشع هجوم أثناء أزمة الوليمة.. لنعد إلى بائع البوية.. الذى جاء فى قرار اتهام النيابة له: أن المتهم استغل الدين فى الترويج والتحبيذ لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة بطريق الكتابة وقام بتأليف وطباعة وتوزيع بعض مطبوعاته التى تضمنت ازدراء وتحقير الدين الإسلامى وتطاولا على الله عز وجل والرسول والقرآن والتهكم على أركان الإسلام الخمسة والسخرية من المسلمين(..)
وقالت الصحف : اعترف صلاح محسن أثناء التحقيقات أنه ينكر وجود الله ولا يؤمن بالأديان و أنه حمل على عاتقه ترويج هذه الأفكار ونبذ الشعائر الدينية التى وصفها بأنها شعائر البدو والجهل المقدس .. (..) .. والدعوة إلى عهد تنويرى يقوم على نبذ الأديان خاصة الدين الإسلامى الذى أعتبره خرافة وجهلا بدويا مقدسا توارثته الأجيال منذ 14 قرنا وهو السبب فى تخلف الدوال الإسلامية حتى الآن..( لاحظ أنه يستعمل نفس ألفاظ رواية الوليمة).. وفى آخر صفحة من كتابه "مذكرات مسلم" كتب وصيته وطلب فيها من أهله و أصدقائه عدم تلاوة القرآن فى سرادق العزاء الذى سيقام له بعد وفاته والاكتفاء بإذاعة بعض الأغانى لعبد الوهاب وفيروز"..
لقد قرأت أعماله.. وهى جديرة ببائع بوية.. لا يوجد سطر بلا خطأ إملائى أو نحوى فادح، جمل شديدة الركاكة، ولقد حكمت عليه المحكمة بالسجن 3 سنوات.. ومع ذلك دافع عنه أدعياء التنوير.. ونشرت صحيفتهم رسالة من أحد كتابها إليه .. رسالة مليئة بالصبابة والوجد و الإعجاب.. ببائع البوية .. رسالة يقول فيها: " إن اعتقالك أمر يمس مبدأ رئيسيا أصبح الدفاع عنه بقوة ضرورة ألا وهو مبدأ حرية الاعتقاد والإبداع والتفكير ..(..) ..كثيرا ما ساءلت نفسى بعد ذلك: لماذا لم ندافع عنك؟.." كان الأمر فضيحة بكل المقاييس.. وأولئك الذين لم يدافعوا عن المعتقلين دون أحكام قضائية دافعوا باستماتة عن سجين بحكم محكمة..!!..
لا يا سيدى.. ليس إبداعا.. حتى بالمقاييس الغربية ليس إبداعا.. وارجع إلى مقالة عبده مباشر التى حدثتك عنها.. ثم أن كل هذه الزوابع التى يثيرونها لا تثار إلا عندما يتعلق الإبداع بالجرأة على الله.. أنا نفسى.. صودرت لى مجموعة قصصية كنت أتحدث فيها عن التعذيب..كان اسمها:"مباحث أمن الوطن".. ولم تهتز فى رأس أى واحد منهم شعرة واحدة..هناك أيضا عشرات الكتب التى تمنع بوسائل مختلفة لأنها تتحدث عن تجاوزات السلطة.. لا يفتح مبدع واحد فمه.. فليذهبوا إلى العميد حمدى البطران على سبيل المثال.. لقد كتب رواية ( رواية.. يعنى إبداع) اسمها: " يوميات ضابط فى الأرياف" فضح فيها قيام بعض أجنحة الشرطة بالتعذيب والقتل العشوائى والتزوير وهدم المنازل كما يفعل اليهود فى الفلسطينيين.. ولقد أثارت هذه الرواية ضجة كبرى.. ووعد الرجل بجزء ثان لها.. ولدى الرجل أكثر من عمل أدبى الآن.. لكنها لن تنشر أبدا.. لأن أدعياء التنوير والتزوير الذين يبيحون الاجتراء على ذات الله لا يجرؤون على مس ذات الشرطة!!.. فليذهبوا إلى كتاب آخر أصدره الكاتب صلاح الإمام هذا العام.. كتاب يتحدث عن فساد إحدى الشخصيات الصحفية.. سحب الكتاب بعد عرضه.. ولم ينطق منهم أحد!!..
  • الوسط: لكنك عندما نطقت جمدت حزبا و أغلقت صحيفة.
ج: اسمع.. بالمرجعية الغربية فى الفكر فإن إغلاق الصحيفة كارثة وتجميد الحزب مصيبة.. كل شئ يحسب بالمكسب والخسارة.. لكنك بالمرجعية الإسلامية لا ترى الأمور كذلك.. ألا يحضنا الدين على الجهاد حتى الاستشهاد؟.. المقاييس الغربية تقيس نجاحك بقدر ما تأخذ أما المقياس الإسلامى فيقدر قيمتك بقدر ما تعطى وتضحى.. دعنى أعطيك هذا المثل .. عندما ترى رجلا ينثر أمواله فى الشارع فسوف تحكم عليه أنه مجنون.. لكن إذا علمت بعد ذلك أن هناك من يأخذ تلك الأموال التى ينثرها فيستثمرها له ويعيدها إليه مئات الأضعاف فإنك ستقول ما أعقله و أحكمه.. هذا ما يحدث .. فى المرجعية الإسلامية لا يجوز الحكم بمقاييس الربح والخسارة كما يحدث فى المرجعية الغربية.. وكما قلت عن الرجل الذى ينثر نقوده فى الهواء أنه مجنون لأنك لا تعرف باقى الحكاية.. فإنهم فى العالم الغربى - والعربى أيضا للحسرة والأسى- يرون فى الحركات الإسلامية إرهابا وتطرفا.. لأنهم لا يعرفون باقى الحكاية.. ولم يذوقوا حلاوة الإيمان بالغيب..ومن يعرف منهم.. يدرك خطورة مواجهة شخص أو حزب أو صحيفة أو أمة تستثمر حياتها لآخرتها.. لذلك فهم يواجهون بمنتهى العنف مثل أولئك.. فهل تفهمنى الآن حين أقول لك أن إغلاق الصحيفة وتجميد الحزب شئ لم نكن نتمناه لكنه شرف نتيه به فخارا.. لقد قلنا كلمة الحق.. وكنا وما زلنا مستعدين لدفع أرواحنا ثمنا..
كيف كان يمكن أن يستمر حزب يقول أن مرجعياته إسلامية ويترك أساس هذه المرجعيات يزدرى ويهان.. وإذا لم يواجه الحزب فى موقف كهذا فمتى يواجه. ومع ذلك، فإن لدى من الدلائل بل من المعلومات أن الحزب لم يجمد من أجل رواية الوليمة، ولقد تنبأت قبل عامين فى مقال منشور أن الحزب سيحل ( أنت تعلم أننى لست عضوا فيه) و أن صحيفة الشعب ستصادر، وكان منطقى فى ذلك أن مصر دون بلاد الدنيا جمعت متناقضين لا يمكن أن يستمرا: حرية صحافة المعارضة وحرية الفساد.. كان لابد أن يلغى أحدهما وجود الآخر.. ولقد كنت واثقا أن الفساد هو الذى سينتصر..
  • الوسط: تحدثت عن معلومات أيضا.. فما هى هذه المعلومات:
ج: أفضل ألا أتحدث عنها..
  • الوسط: لكن حق القارئ عليك..
ج: اسمع.. لقد قصفوا قلمى.. والدور القادم على رأسى.. لكن حق القارئ والحقيقة علىّ أن أقول حتى ولو طارت رأسى.. لكن أرجوك.. لا تورطنى فى سرد التفاصيل.. عدنى بذلك..
الوسط: نعدك..!!
ج: بعد إغلاق صحيفة الشعب وتجميد حزب العمل تم لقاء طويل بين مسئول كبير فى الحزب ومسئول كبير فى الدولة.. مسئول الدولة لم يفتح على الإطلاق موضوع الوليمة ولا موضوع مظاهرات طلبة جامعة الأزهر.. كان الموضوع الوحيد الذى تحدث فيه رواية كنت أنشرها فى الشعب قبيل أزمة الوليمة مباشرة.. رواية اسمها: " بروتوكولات حكماء العرب" .. وفيها كنت أتخيل أن لكل مهن الدنيا مراجعها فمن يريد أن يتعمق فى مهنته يرجع إلى هذه المراجع.. كما يوجد العباقرة الذين يشكلون مراجع حية.. كل المهن ما عدا حكم الشعوب.. تخيلت أننى عثرت على عبقرى راح يعلم مجموعة من الناس كيف يحكمون عالمنا العربى.. والحقيقة أننى كنت أرمز به للشيطان.. وراح الشيطان يوسوس للحكام.. وكان مما وسوس به لأحدهم: كيف يخدع شعبه حتى يجعل هذا الشعب هو الذى يطالب ويلح فى أن يتولى ابنه الرئاسة بعده.. وراح يرسم له الخطة بكل التفاصيل ويكيل النصائح.. ويبدو أن أحدهم استغل ذلك إحداث فتنة.. ولقد نجح..
  • الوسط: ثم ماذا حدث بعد ذلك؟..
ج: (ضاحكا).. قطعت الرواية كى أكتب مقالاتى عن رواية الوليمة.. والباقى أنت تعرفه..
  • الوسط: سوف أحترم وعدى لك.. ولننتقل إلى جزء آخر.. إنهم يتهمونك بأن لك رواية إباحية اسمها "قصر العينى".. و أنك هاجمت فيها الأديان ونشرت جملا فاحشة..
ج: ( ضاحكا) لو أننى فعلت ذلك فعلا لكنت الآن أحصد الجوائز ومئات المقالات التى تمجد فى وفى الرواية.. مثل حيدر حيدر.. أو على الأقل كبائع البوية.. رواية القصر العينى كتبتها منذ أكثر من عشرة أعوام وتتحدث عن الأثر المدمر لهزيمة 67.. ولقد نشرت الرواية منذ تسعة أعوام.. فما الذى أيقظهم فجأة؟! إنها عمل أعتز به كثيرا ولكنها رواية صعبة وقد حاولوا أن يجعلوا منه فخا و أرادوا اصطيادى، فلو هاجمت اجتزاءهم لقالوا لى أنت الآخر اجتزأت من رواية الوليمة. ومع ذلك فقد نشرت صحفهم أن مرجعية دينية كبرى قد قرأت رواية قصر العينى ولم تجد فيها ما يسئ .. ثم أن كاتبا كبيرا هو الكاتب ابراهيم عيسى اعترف بذلك ولشدما غضبوا منه لأنه شهد بكلمة حق.. ثم دعنى أسألك: لو كان فى رواية قصر العينى أى إساءة للدين أو خروج على الآداب فعلا، فهل كنت تظن أنهم بعد كل هذه العواصف يتركوننى؟!.. لو وجدوا فيها شيئا لكنت الآن سجينا.. فمن الأفضل لهم أن أكون سجينا بتهمة مشينة..
  • الوسط: تحدث البعض عن تشابه بينها وبين رواية الوليمة.. فالبطل فى الروايتين ينتحر فى النهاية..
ج: هذا كذب، لقد تحدثوا عن بطل مؤمن فى رواية الوليمة، و أتحداهم أن يعلنوا اسمه، ابراهيم أصلان فى تحقيقات النيابة معه اضطر للتصريح بأن مهيار الباهلى كان هو الملحد، لكن وزير الثقافة كان أذكى بكثير فلم يتورط فى تحديد الشخص أبدا لأنه يعرف أننا سنواجهه على الفور بأقوال الشخص الذى يدعى إيمانه .. فليس بين أبطال رواية الوليمة أى مؤمن.. على الإطلاق..( وعلى العموم: ما زال التحدى قائما) وفى نفس الوقت.. ليس فى رواية قصر العينى شخص واحد ملحد.. هناك شخص قومى تتناوبه الهواجس والشكوك أحيانا فيبتعد ويقترب من الإيمان.. لكن البطل الرئيسى للعمل هو الذى يعيش.. هو المؤمن الذى يعتمد الإسلام مرجعيته الوحيدة.. وبالرغم من ذلك.. فإننى مع اعتزازى بهذا العمل سوف ألعنه و أتبرأ منه على الفور إذا ما رأى فيه علماء الأزهر أو حتى كبار النقاد ثمة شبهة..
  • الوسط: قيل أيضا أنك ندمت واعترفت بالخطأ واعتذرت.
ج: لم يحدث على الإطلاق.. لقد شنت على بعض صحافة بلادى حملة كاذبة شرسة.. كانت المهمة التى أوكلت إليهم تشويه صورة ذلك الكاتب الذى حركت كلماته الشارع المصرى لأول مرة منذ خمسين عاما..كان الأهم هو تحطيم صورة هذا الكاتب فى وجدان قرائه كى لا ينجح فى إثارة الشارع مرة أخرى.. وكان المثقفون الذين اضطلعوا بهذا الدور من مثقفى أمن الدولة.. نعم.. كما أن هناك ضابط أمن دولة هناك مثقف أمن دولة أو صحفى أمن دولة.. وكلاهما يقوم بنفس العمل لكن الوسائل تختلف..
  • الوسط: هل تعنى أن المثقفين مجندون من قبل أجهزة الأمن؟..
ج: ليس كل المثقفين ولا حتى معظمهم.. إنك عندما تحتل أرضا لا تضع جنديا على كل متر مربع فيها.. يكفيك احتلال مراكز اتخاذ القرار والمحاور الرئيسية والتقاطعات.. بعد ذلك ستتحكم فى كل شئ.. وهذا ما حدث بين الأمن والمثقفين المفروضين من السلطة علينا..
  • الوسط: فلنعد إلى ما كنت تقوله.
ج: واحد من مثقفى أمن الدولة أجرت صحيفته حوارا معى فلفقه وزيفه كله كى يشوه صورتى أمام الناس.. وخاطبنى الصحافى الذى أجرى الحوار معى وهو يكاد يبكى قائلا: خدعوك و أرغمونى على تشويه حديثك .. قلت له أنه يعرف أننى سجلت الحوار معه.. و أننى سأرسل تكذيبا لما نشر و إلا سألجأ للقضاء..وأرسلت التكذيب فعلا بالفاكس ( ولدى صورته) .. ولم ينشر.. خاطبت المحامى فطلب منى أن أرسل إليه شرائط التسجيل.. قلت له أننى سأضعها على المكتب كى أرسلها له فى الصباح.. وأحضرت الشرائط فعلا.. ووضعتها على المكتب.. وخطر لى أن أجربها لأختبر جودة الصوت..ووجدته جيدا.. لكننى فى اليوم التالى لم أرسلها..
  • الوسط: لماذا؟!..
ج: وجدت تغييرا فى ترتيب الكتب على المكتب.. خمنت ما حدث.. أسرعت إلى الشرائط أختبرها.. وجدتها - جميعها - وقد مسح الصوت عليها.. وأسقط فى يدى.. ورحت ألوك مرارة العجز.
  • الوسط: هل تعنى..
ج: لن أضيف كلمة واحدة..
  • س: هل كانت رواية الوليمة - حتى بافتراض صحة رأيك فيها-..
ج: ( مقاطعا) الآن ليس رأيى.. بل رأى الأزهر.. أكبر مرجعية دينية فى العالم الإسلامى.. رأى الأزهر الذى لم تجرؤ صحيفة واحدة فى العالم العربى على نشره كاملا..
  • الوسط: حسنا .. لن نختلف.. هل كانت رواية الوليمة تستحق كل هذه الضجة؟ وهل تأتى فى قائمة الأولويات قبل الانتفاضة مثلا؟..
ج: أريد أن أنبهك لشئ.. لا إله إلا الله محمد رسول الله هى الحبل الذى يجمعنا.. بدونه نسقط وننفرط كإناء خزفى يتحطم.. ماذا يربطك بالآخرين؟ الجغرافيا؟ هذه تشكل أساس الفكرة الوطنية.. وهى غير كافية و إلا لما رأيت الجغرافيا الواحدة للوطن العربى تتمزق إلى كل هذه الأوطان. العرق؟ وهو أساس الفكرة القومية؟ لكن نصف العرق العربى الآن يعتبر إسرائيل أقل خطورة عليه من نصف العرق الآخر.. لا يبقى إلا الدين.. ونحن بخيانة "لا إله إلا الله" نخون العرق والوطن والله.. وإذا لم تكن لا إله إلا الله فلماذا لا نترك فلسطين لليهود ونستريح.. إذن ما يربطنا بفلسطين وبالقدس هى لا إله إلا الله.. فإذا أتى من يمزقها فلا تسألنى بعد عن الانتفاضة!!.. وهذا هو ما حدث فى رواية الوليمة..
  • الوسط: إلى هذا الحد؟
ج: نعم، لم يسبق أبدا، عبر تاريخ الإسلام كله، أن قامت دولة بنشر مثل هذا الاجتراء.. دولة .. ومن هنا كانت الخطورة.. ومع ذلك .. فقد كنا نحن لا هم أكثر من كتب عن التعذيب والفساد والقهر وكل هموم الأمة.. كنا نحن لا هم..
  • الوسط: هل لديك أقوال أخرى؟
ج: نعم لدى ما لا تكفى المجلة كلها له.. لكننى أعبر المستحيل لأقول لك: الآن تثبت الأحداث للجميع أن انتفاضة الوليمة التى كان لصحيفة " الشعب الأسيرة " شرف تفجيرها كانت تدشينا لبداية الانهيار والانكسار فى التيار العلمانى الذى غزا البلاد مع الحملة الفرنسية، وأحكم حصاره عليها مع الاحتلال الإنجليزى، ثم أجاد التنكر مع الثورة مستترا بثياب اليسار.
الآن تثبت الأحداث للجميع أن مصر لن تكون أبدا تركيا الثانية.. و أن من يقاوم العلمانية والتغريب ليس اتجاها دينيا محددا وإنما رجل الشارع العادى.. وأن مقاومته تلك ستنجح..!!.. وأظن أن جانبا هاما فى السلطة الآن يدرك أن عودة الشعب ضرورة.. ليس بسبب صدور خمسة أحكام قضائية نهائية لصالح عودتها.. و إنما لمواجهة التيار العلمانى التغريبى الذى لن يتورع إذا ما واتته الفرصة وحصل على الدعم الكافى من الغرب على تهديد أمن الدولة بل وحتى مجرد استمرار السلطة.
الآن.. ومنذ قامت صحيفة الشعب المجاهدة بأداء واجبها فى التصدى للفحش المتنكر باسم الإبداع يبدأ انهيار الفكر اللادينى.. وكما قلنا منذ البداية.. أن ما حدث فى معركة الوليمة يشبه ما حدث فى معركة السويس.. أنه نهاية عصر وبداية عصر.. نهاية عصر سيطرت فيه الشللية والسطحية وممارسة البلطجة باسم الفكر.. ليبدأ - إن شاء الله - الفكر المستنير فعلا وقولا.. أما الحزب والصحيفة اللذان اختفيا من الساحة.. فهما خالدان فى وجدان الناس..وهما أكثر وجودا من كل المعروض فى الأسواق..
  

لقاء مع الدكتور محمد عباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق