في العشرين... ولمرة واحدة!
خواطر صعلوك
في بداية العشرين من عمري... كانت المعرفة هي محركي... «أريد أن أعرف»، وتزاحم المعرفة الرغبة في الامتلاك «أرغب في وبـ» الأشياء، أريد السيارة والبيت والشاليه والمال والبنين وزينة الحياة الدنيا، ولكن ضيق ما في اليد من خيارات واختيارات... يجعل للأحلام الملاذ الآمن والخاص لتولد الإحساس، لذلك كنت أحلم بمجد الأمة والمشاركة التي تعم الجميع، وبتحرير فلسطين، وبنهضة بلادي الكويت... وتعليم جيد وأبناء صالحين.
وتعلمت في العشرين البكاء على ضيق الحال والفقراء حولي... ولماذا لا نعطي بعضنا... ورأيت لحظة انهيار «النموذج الإسلامي» ونهاية الداعية... وسخافة وهشاشة النموذج العلماني ونهاية الإنسان، في العشرين رأيت الكثير من فلاسفة أوروبا الذين تتلمذوا على كتب وأطروحات ماركس وفرويد ونيتشه وكانط وهيجل وشوبينهاور، وجون بول سارتر، بالإضافة إلى الجلوس على مائدة أفلاطون ولعق كتب جاك دريدا وهايدجر وميشيل فوكو. رغم كل ذلك فقد اختل توازن أغلب هؤلاء التلاميذ أمام الخمار والحجاب الإسلامي في أوروبا، فظهرت فلسفة يلمع فيها بسهولة نجم المديح على الذات المُسخِف لفقدان المعنى، فعرفت أن الفلسفة الغربية هراء.
في منتصف العشرين كان البحث عن الحقيقة هو القضية... والقضية قضاء وقاضٍ وهي شغل المحاكمة الدائمة... وهي المعيار وما يحتكم إليه... وهي أم القيم ومنبعها... ورأيت الحركات الإسلامية تعيش نسيان ومعنى الهزيمة المستمر... ورأيت الفقر في المبنى والمعنى، وجماعات كثيرة من الدعاة ورايات كثيرة للإسلام وقلة من المؤمنين... في العشرين قرأت كثيراً، إلا أنني كنت أنسى الكتب والمؤلفين... الأماكن والوجوه وأسماء الناس الذين قابلتهم، وكلمات الأغاني التي سمعتها، وأبيات الشعر التي قرأتها، والروائح الجميلة التي مرت عليّ، ولكني في أغلب الأحيان كنت أتذكر أمي رحمها الله.
ورأيت الناس في الطريق وتعرفت عليهم وأخذت بعضهم أصدقاء... ووجدت الناس حولي بين ثلاثة خيارات واسعة قد طرحت نفسها تاريخياً للتعبير عن الذات، الأول هو التعبير عن الذات من خلال النزعة الاستهلاكية والهوية الفردية دون إشباع حقيقي، الثاني خاص بالهوية الجماعية والانتماء إلى جماعة ضمن سرد لا شخصي أوسع نطاقاً من الأول، الثالث هو التعبير عن الذات من خلال النساء والغناء.
وفي منتصف العشرين قدت وانقدت... واختبرت الحركات والتنظيمات، علمانية إخوانية وصوفية وغيرها... واختبرت معنى التيار والبحث أكثر عمّن أشبههم ويشبهوني... الرفاق... واختبرت وكنت قاب قوسين أو أدنى من أن ألقي بنفسي في غياهب الفكرة، وأنا أرى العواصم التاريخية التي تمنيت زيارتها لم تعد هي ذاتها واحدة تلو الأخرى... صنعاء... بغداد... دمشق... طرابلس... بيروت وأولها القدس.
واختبرت الحب وتداعياته، والشريكة... وأن أكون الزوج والأب والدور الاجتماعي والمتوقع مني... وفي العشرين تقلبت بين أنواع العمل المختلفة، فكنت البائع وكنت المشتري، وعرفت معنى الدراسة والفشل والنجاح والتفوق في الجامعة... ومعنى الفرحة الموقتة والضالة... وزحمة اليومي المعاش... وفي العشرين ابتعدت عن المحرمات إخلاصاً للفكرة... ثم أطلت لحيتي وقرأت كتب السابقين، ثم قصرتها وقرأت اجتهادات المفكرين، وانسقت وراء الربيع العربي الذي تحول إلى خريف دموي، ثم تراجعت للثورة المضادة التي انتهت بصفقة القرن... ثم كبرت... وتواضعت... وتعلمت في نهاية العشرين واختبرت، أن كل ما سوى الله... أبتر.
ملاحظة:
شاركنا عزيزي القارئ تجربتك في العشرين، فالحياة ليس فيها سوى «عشرين» واحدة.
@moh1alatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق