الحركات الباطنية.. غلاة الشيعة (3)
فاتن فاروق عبد المنعم
لي عنق النص:
من باب التأويل، أدخلوا على نقاء النص ووضوحه، زيفهم ودجلهم النابع من هوى نفوس تلبسها الشيطان،
الذي يوحي إليهم زخرف القول ليحيدوا عن جادة الصواب ويلبسوا على العوام دينهم فيسهل انقيادهم لأئمة الشيعة الذين ينطقون عن الهوى،
فهم يأفكون بالقول أن الشريعة أو النص له تأويلان، ظاهر وباطن، والظاهر هو الصورة والأمثال المضروبة للمعاني،
والباطن هو المعاني الخفية التي لا تتجلى إلا لأهل البرهان،
والتأويل هو الطريق المفضي إلى رفع التعارض بين الظاهر والباطن لإيهام الناس أن آرائهم لا تتعارض مع النص القرآني..
فأصبح لعوامهم قناعة بأن “التأويل” هو السبيل الوحيد لفهم القرآن..
فأهملوا التفسير الصحيح للقرآن حتى صارت أحكام القرآن غير واجبة الاتباع،
ولكي يضفوا مسحة شرعية على إفكهم زعموا أن سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم،
أفضى لوصيه علي بن أبي طالب بالمعنى الباطني لآيات القرآن..
وهذا المعنى لا يلقن إلا عن طريق التعلم من الإمام أو معلم ينيبه،
ويعتقدون أيضا أن من تقاعد عقله عن الغوص في الخفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها كان تحت الآصار والأغلال (التكليفات الشرعية)..
لأن من ارتقى إلى علم الباطن استراح من التكليف وأعبائه.
اليهود أرباب الانحراف العقدي:
الشيطان لا يبدع في الأفك، يغير الأساليب ويبدلها ولكن يبقى جوهر الضلال واحد،
استغل اليهود ما طرأ من جديد على الفكر البشري ألا وهو الفلسفة
(أصل نشوء الفلسفة هو تحريف التوراة والإنجيل، حيث أن بعض النصوص تناقض العقل والمنطق،
بل إن الكثير من الأسئلة الوجودية في غالب الحال عجز أئمة هذه الشرائع الإجابة عليها..
فانطلق عدد من الكتاب والمفكرين الأوروبيين في الاجتهاد في خلق نظريات،
وفكر يتكئ على المنطق الذي يقبله العقل والكثير منهم انطلق من تعاليم التلمود الدموية..
والتي كتبها أحبار اليهود عقب السبي البابلي كي يسيطروا على العالم ويعلو العلو الثاني)
التأويل للزعم بأن الفلسفة لا تتعارض مع رواياتهم الدينية:
عمل اليهود على تأويل الروايات الدينية بحيث لا تخالف الفلسفة،
ذلك التأويل الذي يرد إلى أشياع الأفلاطونية الحديثة وبخاصة فيلون اليهودي وأوريجانوس النصراني،
والأفلاطونية الحديثة هي مزيج ملفق من فلسفة فيثاغورث وأفلاطون وأرسطو مع شيء من الفلسفة الهندية.
عمل فيلون على شرح التوراة شرحا رمزيا، حواء مثلا كناية عن الحس، والحية كناية عن اللذة،
ونفى عن الله الصفات الواردة في التوراة، فالله في نظره لا يمكن أن يتصل بالعالم ولهذا خلق أولا الكلمة وبالتالي فالكلمة هي الابن الأول لله،
أما العالم هو الابن الثاني لله، تعالى الله عما يصفون،
وبما أن الإنسان لا يمكنه الاتصال المباشر بالله فقد جعل الله الكلمة والملائكة شفعاء للبشر في توسلهم.
بسبب هذا الخرف ظهر عند اليهود طائفة القبالة (ضلال من ضلال) وهو كتاب فيه التأويل الخفي للتوراة،
وأهم بنوده هي سرية التعاليم وإمكانية فك رموز التوراة، وكذلك رمزية الأعداد والحروف.
بالتبعية فقد لجأ النصراني أوريجانوس تلميذ فيلون إلى تأويل الإنجيل تأويلا رمزيا..
وبالتبعية أيضا لجأ عبد الله بن سبأ حفيد فيلون إلى بدعة التأويل في الإسلام ليصل إلى مبتغاه في النيل من الإسلام.
أول التناول:
كان تأويل بن سبأ لهذه الآية:
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} 85 القصص
قوله: “إني لأعجب ممن يقول برجعة عيسى ولا يقول برجعة محمد”
فوضع بذلك الباطنية بالرجعة اليهودية (سبق أن تعرضنا لها في المقال السابق)”..
والذي نشأ عليه مذهب التناسخ وبذلك فقد فعل عبد الله بن سبأ بالإسلام ما فعله فيلون اليهودي بالتوراة والإنجيل وطائفة القبالة اليهودية،
فكان نشره لمبدأ الوصاية بمعنى أن عليا وصي سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم،
ثم بعد ذلك نادى بحلول جزء إلهي في علي وذريته..
وهذا مذهب مأخوذ عن الفلسفة الأفلاطونية سبق أن دسها فيلمون في اليهودية وأوريجانوس في المسيحية.
وكما أن مذهب الأفلاطونية الحديثة يصبو إلى التجرد من الحجب الجثمانية ويعود بالإنسان إلى الوطن السماوي، وطن النفس الكلية،
فكذلك من يريد أن يندمج في سلك الإسماعيلية عليه أن يزيح عن بصره الحجب المادية التي تغشي الشريعة..
وذلك أن يرتقي إلى معرفة تتناهى في السمو والدقة وأن يسمو إلى عالم الروحانية المحضة،
لأن الشريعة عندهم ما هي إلا واسطة تهذيبية ووسيلة تربوية ذات قيمة نسبية وأهمية عرضية وقتية،
وهي تصلح لقوم لم يكتمل نضجهم بعد.
الباطل يتلاقح مع بعضه البعض
وهنا نستطيع أن نقول أن الباطل يتلاقح مع بعضه البعض والناتج النهائي واحد لا يتغير حتى ولو تغيرت المسميات..
ولكن الجوهر الفاعل واحد في الكل لا يتغير، وأن الإسماعيلية تحللت من الشريعة تماما؛
بدليل أن إسماعيل الذي تنتسب إليه هذه الفرقة أنكره خصومه لأنه كان يشرب الخمر فأصبح غير أهل لأن يلي الإمامة، فرد عليه مريدوه:
أن الله اجتبى شخصا للإمامة واصطفاه منذ مولده لتقلد هذا المنصب الخطير في المستقبل،
وطهره من الذنوب والأوزار وأفقده القدرة على الإتيان بها،
فتحريم الخمر لم ير فيه إسماعيل ومن ثم مريدوه إلا معنى مجازيا،
وطبقوا ذلك على الأحكام الأخرى كالصوم والحج وغيرها، وبذلك فقد أصبحو في حل كامل من تعاليم الشريعة.
الباطنيون والتفسير الرمزي للقرآن
ومن الآيات القرآنية التي اتخذتها الباطنية في تفسيرها الرمزي وسيلة لنشر مبادئها قوله تعالى:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11)
وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)} نوح
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ…} أي اسألوه أن يطلعكم على أسرار المذهب الباطني،
وقوله {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} بأن السماء هي الإمام، والماء المدرار يعني العلم ينصب من الإمام إليهم،
ومعنى {وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} الأموال هي العلم والبنين هم المستجيبون،
أما معنى {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} الجنات هي الدعوة السرية أو الباطنية، والأنهار هي العلم الباطني.
أما قوله تعالى {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}
وهنا يفسرون الشيطان بعمر بن الخطاب والإنسان بأبي بكر الصديق، ومعنى أكفر أي لا تؤمن بإمامة علي بن أبي طالب.
وفسروا قوله تعالى {الشمس والقمر بحسبان} أن الشمس والقمر هما الحسن والحسين،
وأن إبليس وآدم المذكوران في القرآن هما أبو بكر وعلي، إذ أمر أبو بكر بالسجود لعلي فأبى واستكبر.
وهكذا نجح اليهود في بث الضلال والكفر الصراح ببث الفلسفات الغنوصية والعرفانية (كالصابئة عبدة النجوم والكواكب،
والثنوية وهم أصحاب الاثنين النور والظلمة، المانوية من عقائد الفرس الوثنية، والديصانية فرع من الثنوية، والهرمسية وهو كتاب منحول من الباطنيين القدماء)
ومنها الأفلاطونية الحديثة في الإسلام فيتبعهم كالأنعام فئة يظنون أنهم على الحق بينما هم كفار كفر صريح.
أقوال المسترق فريد ليندر عن ابن سبأ والشيعة
بعد هذا العرض الموجز والمبسط قدر المستطاع لعقيدة الشيعة أحيلكم إلى قول المستشرق فريد ليندر عن عبد الله بن سبأ وعقيدة الشيعة:
(إن مزاعم بن سبأ بإنكاره موت علي بن أبي طالب وأنه سيرجع من السحاب ما هي إلا أفكار ترجع إلى يهود اليمن وإلى ما يقوله يهود الفلاشا في الحبشة على وجه الخصوص،
وهي يهودية شديدة التأثر بالنصرانية الحبشية، فهم يستعملون نفس الكتاب المقدس، ولغة الكتاب المقدس سواء عند اليهود أو النصارى في الحبشة،
والكتب الموجودة عند الفلاشا عدا الكتاب المقدس، حافلة بالأخبار المنتزعة من العهد الجديد ومن النصارى مباشرة،
وهنا يقرر فريد ليندر أن عقائد الباطنية مأخوذة عن اليهود وما تأثرت به من مذاهب أجنبية أخرى..
بالإضافة إلى ذلك النقاش المسيحي الحادث حول طبيعة المسيح(لاهوت وناسوت حسب ما يدعون) وهي التي اختط منهاجه منها أوريجانوس،
كان لذلك دون ريب أكبر الأثر في القول بحلول الجزء الإلهي في أئمة الشيعة،
ولا شك في أن ابن السوداء (عبد الله بن سبأ) هو الذي نقل هذه النظرية من النصرانية المفلسفة وزعمها في علي وذريته،
وكذلك كان للنظرية الفلسفية التي تقول بالرجعة أثر لاشك فيه في أصحاب الحركات الباطنية،
وهذه النظرية في جملتها معتقد يهودي حين اتخذوا من قصة “عزير” حيث أماته الله مائة عام ثم بعثه مبررا للقول بها،
وقد دخل هذا المعتقد أيضا البيئة الإسلامية على يد عبد الله بن سبأ اليهودي حين زعم برجوع محمد صلى الله عليه وسلم،
وهذا المعتقد مهد الطريق لأصحاب الفكر الباطني بالقول بنظرية التناسخ،
المأخوذة من الفلسفة اليونانية والديانة الهندوكية التي تزعم أن لكل الكائنات دورات متعاقبة لا نهاية لها.)
وللحديث بقية إن شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق