أنت أيها الموريسكي
سيلين محمد سارى
يُحكى أن ملكا من الملوك ألحّ عليه ابنه أن يمسك بحكم البلاد وزاد في إلحاحه فجاء الملك بقفص به عشر دجاجات، وقال الملك لابنه سأجعلك تتولى الحكم إن أمسكت الدجاج خلال ساعة من إخراجها من القفص ..
فرح الابن ووافق فأعطاه أبوه القفص، وأخرج الدجاج وبدأ بالجري وراءه حتى أنهكه التعب ولم يمسك واحدة ..
قال الملك: أرأيت .. إنك لا تستطيع حكم البلاد.
قال الابن ماذا تفعل لو كنت مكاني أيها الملك؟ فجاء بالقفص وبه الدجاج وقبل أن يفتح باب القفص أمر زبانيته بهز القفص بقوة حتى أصبح الدجاج يترنح ولا يستطيع الوقوف على قدميه، وحينها فتح له الباب فخرج الدجاج ولم يتحرك من مكانه، فقد أصابه الدوار .. مد الملك يده ليمسكه الواحدة تلو الأخرى وأعادهم الى القفص، وقال لابنه: هكذا تحكم البلاد.
الخديعة
هذا بالضبط ما يتم تنفيذه معنا فبعد أن أيقن الغرب من فشله بالحروب المباشرة ضد المسلمين وأيضا بمشروع التنصير، لذا غيّر الغرب خططه فلم يرفع الصليب شعارا لحربه الأخيرة حتى لا يستفز مشاعر المسلمين فيتحدوا ويقاتلوا دفاعا عن دينهم وأرضهم.
فكانت الخديعة وادعاء الصداقة شعارهم الجديد لتضليل المسلمين وتسهيل السيطرة عليهم فهم يريدون شعوباً مستكينة لا تحمل أي جينات للجهاد ولا مشاريع للمقاومة فيسهل السلب ليس لأوطانهم وثرواتهم فقط، بل الأهم سلب عقيدتهم بالتدريج.
فقوة الاسلام تكمن في عقيدة معتنقيه القادرة على بعثهم من رمادهم آلاف المرات..
فالعقيدة لا تسقط بسقوط الدول، ولكنها تسقط وتنتهي إذا تخلت عنها الشعوب التي تعتنقها.
خطط الغرب لنسف العقيدة وتدجينها بيد المنتسبين لها، فأعدّ رجال دين وسياسة هم معول الغرب لهدم الاسلام، وكان ذلك على مراحل متتالية، فلم يتحول المسلمين فجأة بين ليلة وضحاها من مجاهدين إلى موريسكيين.
فهناك ألاف المؤامرات حيكت إلى أن وصلنا لما نحن فيه من ضعف وتدجين.
بدأت حكايتنا من سقوط الأندلس وإخضاع المسلمين لمحاكم التفتيش وإطلاق اسم “موريسكي” عليهم ومعناها الداجن الخاضع لهم ولقوانينهم.
الإخفاء
ولقد جاهدت أوربا لإخفاء الموريسكيين من صفحات التاريخ كما أخفوهم بالتدريج من سجلات وثائق بلدية غرناطة التي أعلنت خلو لائحة المدجن من آلاف الموريسكين خلال عدة سنوات.
فرغم المعاهدة التي أبرمها الملكين الكاثوليكيين مع عبد الله الاحمر والتي تضمن حرية الممارسات الدينية للمسلمين والحفاظ على هويتهم وأموالهم وممتلكاتهم إلا أنه سرعان ما تم نقضها بعد سنوات قليلة استغلها القوم ليتعلموا من المسلمين الزراعة وبعض العلوم، والأهم تعلموا منهم إداره أهم أسطول بحري: ذاك الأسطول الذي خول لإسبانيا سيادةالبحار.
حتى في تلك السنوات الهادئة نسبياً كان هناك تضييق على المسلمين في ممارسة شعائرهم ففرضت عليهم ضرائب خاصة، وكانت هناك محاولات جادة للتنصير عن طريق الترغيب في البداية ولكن مع وصول القس خيمينث انتهت فترة التسامح المزعومة مع الموريسكيين، فقامت ميليشيات القس بإنشاء محاكم التفتيش ومراقبة شديدة لممارسات المسلمين مثل (الأعراس، صيام مضان، وختان الذكور، منع تداول كتب الاسلام، التفتيش على استخدام المياه للتأكد من عدم الوضوء، منع استخدام اللغة والأسماء العربية، منع ارتداء الملابس العربية، منع لبس المرأة للحجاب)
لم يكتف الكاثوليك بذلك بل أرادوا التخلص نهائيا من المسلمين بعدما ظهر لهم أن التدجين في تلك المرحلة لم يكن كافياً فرغم مالاقاه المسلمون من ألوان عذاب مجرمة بمحاكم التفتيش كانت هناك فئة لم تستسلم وقاومت بعدة ثورات قضت مضجع القوط فكانت (ثورة قطاع الطرق، ثورة العبيد، تمرد القرويين، وثورة البيازين وثوره البشرات).
طرد المسلمين واسقاط الخلافة
ولم يجد الكاثوليك حلا سوى طرد المسلمين من بلادهم من دون أن يحملوا معهم شيئا من أموالهم ليغلق الغرب صفحة موريسكي الأندلس ويفتحوا صفحات أخرى لموريسكي العالم الاسلامي.
فمن إسقاط الاندلس لإسقاط دولة الخلافة الاسلامية وتمزيق بلاد المسلمين وجعلهم موريسكيين جددا في بلادهم خاضعين لقوانين الغرب الصليبي مدجنين داخل قِن يسمى أوطان.
انتقل عداء الصليبين من الأندلس الى الدولة العثمانية لتستمر حربهم ضد الإسلام حتى استطاعوا إضعاف وإسقاط دولة الخلافة من داخلها، فكما كان المستعربين النصارى يد الصليبين في إسقاط الأندلس، كان يهود الدونمة والعرب يد الغرب في إسقاط دولة الخلافة والتي أجهز على ما تبقى منها رجل الغرب أتاتورك ليقود حملة تفتيش عقائدي جديدة بأرض الخلافة الاسلامية ويسير على خطى القس خيمنيث فكانت أولى قراراته:
- إسقاط الخلافة الإسلامية نهائيا
- إلغاء العمل بالشريعة الإسلامية
- إلغاء المحاكم الشرعية
- منع دراسة الإسلام وبناء مدارس علمانية
- عدم استخدام اللغة العربية
- عدم رفع الأذان بالعربية -إغلاق الكثير من المساجد وتحويل مسجد أيا صوفيا لمتحف
- حتى ملابس الأتراك كانت بقرار منه، فمنع لبس الطربوش وأبدله بالقبعة ومنع حجاب المرآة.
خدعوك فقالوا انتهت محاكم التفتيش التي عقدت لموريسكي الأندلس لكنها في الحقيقة مستمرة تنتقل من بلد إسلامي لآخر.
فما حدث لمسلمي تركيا بعد سقوط الخلافة ليس ببعيد عما حدث لمسلمي الأندلس.
ما حدث لمسلمي الهند والصين وبورما والفلبين وأفريقيا الوسطى ليس ببعيد عما حدث لمسلمي الأندلس.
وما يحدث لنا في بلادنا من تضيق على أداء العبادات والمعاقبة على السمت الإسلامي هو بداية الطريق لما حدث في الأندلس.
ما حدث بالأندلس من تدجين كان تجربة تم تعميمها مع مراعاة تلافي الأخطاء ليكن التدجين كاملا فتحولنا جميعا لموريسكين نحني رؤوسنا لسكين الغرب.
ربما هذا هو الإنذار الأخير لك أنت أيها الموريسكي قبل أن تبكيك المساجد، كما بكت مساجد الأندلس عمارها .. ربما كان الإنذار الأخير قبل أن تذرف الدموع كالنساء على دينٍ و وطن لم تحافظ عليه كالرجال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق