الخميس، 2 ديسمبر 2021

نظرة على المشهد المصري

 

نظرة على المشهد المصري

محمد جلال القصاص
 @mgelkassas

بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

نظرة على المشهد المصري


من أجل تقديم رؤية واضحة للمشهد في مصر، كيف تكون وإلى أين يصير؟ علينا أن نحدد الفاعلين (اللاعبين) في المشهد المصري، وإمكانات كل فاعل وأهدافه التي يسعى لتحقيقها، ومن خلال المقارنة نستطيع أن نتوقع من يستطيع تحقيق نسبة أعلى من أهدافه، وبالتالي نستطيع تصور المشهد إلى أين يتحرك.
ويمكن تقسيم الفاعلين في المشهد المصري إلى ثلاث دوائر أساسية: دائرة داخلية (الداخل المصري)، ودائرة إقليمية(المحيط العربي)، ودائرة دولية (الفاعل الدولي).

المحيط الداخلي:

في المحيط الداخلي عدد من الفاعلين الرئيسيين:

1. المؤسسة العسكرية (جيش، شرطة، مخابرات..)، وهؤلاء:

 صندوق مغلق بالنسبة لغيرهم، فما يتعلق بالمؤسسة العسكرية على مستوى السياسات أو على المستوى التنفيذي لا يطرح ضمن النقاشات المدنية النخبوية، بمعنى أن المؤسسة العسكرية بجميع تجلياتها صندوق مغلق بالنسبة للنخبة ومنطقة محرمة، ومستقلة تمامًا عن الشعب.
 مسيطرون بأشخاصهم على مؤسسات الدولة بجميع تفاصيلها، إذ أن نسبة العسكر في الأجهزة الإدارية (حسب تقارير خارجيةمحايدة[1]) تتجاوز 85%، وهذا التغلغل في مؤسسات الدولة المدنية موجود من قديم.
فضلًا عن ذلك فإن العسكر يتحكمون في مؤسسات أخرى سيادية مثل القضاء والإعلام، والمؤسسة الاقتصادية. ولهم حضور شعبي بفعل الخطاب الإعلامي الموجه.
 لهم سياق مستقل يتطور منذ سقوط مبارك في 11فبراير2011، ويتجه للسيطرة التامة على كل شيء، ويمارسون تصفية للخصوم، ويتحركون بقوة لتطبيق النموذج الجزائري، بمعنى فرض قبضة أمنية قاسية وفزاعة من الحرب الأهلية تجلس العوام عن مساندة المعارضين لهم. ومما يذكر أن الجزائر كانت أول دولة زارها قائد الانقلاب العسكري.
 ينتهجون سياسات تعمل على إضعاف المجتمع المصري، وتوريطه من أجل الرضا بهم وعدم القدرة على التحرك ضدهم، فارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والسلع الأساسية وتخفيض الرواتب مع زيادة رواتب القضاة والعسكر، وطرح أراضي للبيع في الصحراء (المدن الجديدة) حيث لا يرجى تعميرها في القريب، وتعديل القوانين لتمكين كبار المستثمرين دون أن يستثمروا بالفعل كل هذا من شأنه أن يضعف المجتمع ويقهره. فضلًا عن سياسات الاعتقال والبطش الممنهج والذي يستهدف إلى توزيع الخوف على الشعب. فضلًا عن أنهم يقدمون تفسيرات للمشاكل تتكئ في الجملة على الشعب، فالفقر سببه زيادة عدد السكان المفرطة، ونقص الماء سببه طرق الري (ولا دخل للفلاح فيها)، وعدم ترشيد الاستهلاك، وهكذا...

2. القوى الديمقراطية:

تلك التي ثارت ضد استبداد مبارك، وفجرت ثورة يناير 2011 مطالبة الحرية والكرامة الاجتماعية، هذه القوى انشغلت بالنزاع على السلطة، ولم تتجه لترسيخ مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، واستغل العسكر اختلافهم وتحالف مع بعضهم، واستخدمه ضد البعض الآخر حتى أحدث انقلاب 3يوليو 2013. هؤلاء تورط بعضهم مع العسكر، وبعضهم بدأ يتراجع عن دعمه للعسكر، وبعضهم اصطدم مع العسكر واعتقل بالفعل (أفراد من 6 إبريل). إلا أنهم عمليًا اختفوا من المشهد.. أكلهم العسكر.

3. الإخوان المسلمين:

 رؤية الإخوان كفاعل في المشهد السياسي المصري يجب أن يتم على عدة مستويات من التحليل:
أ- مستوى الفعل الثوري، ومحطاته الرئيسية.
 دخلت الجماعة في مسار لم تكن مستعدة له بدايةً، فليست جماعة ثورية، ولا تمتلك برامج وفاعلين يحولون الشعارات التي تُرفع في حال المعارضة إلى برامج فاعلة على الأرض.
 ولم يظهر منها رشد في التحالفات السياسية التي عقدت في فترة تصدرها للمشهد السياسي، إذ قد وثقت في العسكر، وخاصمت الكتل المشاركة في الثورة أو نافستهم على السلطة، ولم تتبن صيغة توحد الإسلاميين حولها، وجل أطروحاتها قامت على مركزية الجماعة في الفعل، وعلى ضبط مسألة السلطة بدايةً لا ترسيخ قواعد الحرية والعدالة الاجتماعية.
ب‌- مستوى التفاعل مع رفقاء المعارضة:
ويشمل ذلك تفاعل الإخوان مع القوى العلمانية التي أظهرت رفضًا للعسكر، وهم قلة نخبوية، ولازالت أطروحاتهم سلطوية (تتعلق بالسلطة)، وهؤلاء بلا رصيد شعبي ويتخذون من فشل تجربة الإخوان ورفضهم إقليميًا ودوليًا دليلًا على أحقيتهم بالسلطة وترأس الكيانات المعارضة، وتحركات الإخوان نحوهم إيجابية حذرة، ولكنها لم تثمر إلى الآن شيئًا ملموسًا.

وكذا تفاعل الإخوان مع القوى الإسلامية التي ساندتهم بوضوح في أزمتهم منذ ظهرت المعارضة لهم وهم في الحكم، ثم حال الانقلاب عليهم، وهؤلاء بين من تفلت كالجماعة الإسلامية وحزب الوسط وحزب الوطن (السلفي)، وبين من يشد يده بيد الإخوان يومًا بعد يوم، وهم الجزء الأكبر من السلفيين، ويمتازون بأنهم في حالة سيولة حركية (لا يخضعون لتنظيمات كما الإخوان وحزب النور) ولذا يتحركون بسهولة. فالسلفيون مقسمون بين مؤيد للانقلاب يقف معه كلية وهؤلاء يمثلهم حزب النور وما يعرف بالسلفية الجامية، وهم الآن في حالة تناقص، وبين معارض للانقلاب (وهم الجزء الأكبر من السلفيين) يتخذ مواقف مؤيدة أو مزايدة على الإخوان، وبين من راح يبحث عن مكان في منطقة هادئة توصف بأنها معارضة للنظام القائم، وهؤلاء أفراد. ويصعب الحديث عن السلفيين كفاعل مستقل في الساحة، فهم موزعون كداعمين للفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي، وكتلتهم الحرجة مع الإخوان.

مستوى تطوير الجماعة:

مستوى الحفاظ على الجماعة وتطويرها في ذات الوقت لتواكب التحديات القائمة، سواء التحديات النابعة من الداخل، وخاصة الشباب المندفعون نحن مزيدٍ من الفعل الثوري، والرغبة في إزاحة القمع الذي يقع جله عليهم في السجون والمطاردات، أو التحديات القادمة من الانقلاب والموالين له والمتمثلة في الاعتقال ومصادرة الأموال، ونقص عدد الكوادر بفعل الاعتقال والقتل. وسؤال: التطوير يدور حول نسبة الفعل الثوري؟، ويظهر بوضوح أن الجماعة تتأرجح في خانة السلمية، ولن تتخل عن طابعها الإصلاحي لصالح الثورية على الأقل في المدى القريب، إلا أن حضور الخطاب "الجهادي" في الساحة يمثل تحديًا للجماعة ويجذبها نحو شيءٍ من الثورية. فلن يشكل الإخوان قاعدة للفعل المسلح في المشهد المصري وإنما رديف داعم له في الحشد ضد النظم القائمة، وفي بعض الأفراد الذين ينفرون من الإصلاح للثورية المسلحة.

حضر أحدهما ولم يحضر الآخر:

المحللون على أن الضغط على الجماعات الإصلاحية يولد اتجاهين: الأول يتشدد ويقاتل دفاعًا عن نفسه، والثاني يتراجع ويميل إلى عدوه، ولم يظهر من جماعة الإخوان من ينادي بالتقارب مع الانقلاب أو بتحولات أيدلوجية في اتجاه الديمقراطية، الواضح أن خط التصعيد في اتجاه الفعل الثوري، وربما كان ذلك بسبب انتشار الخطاب "الجهادي" ممن خلال وسائل الاتصال التي يشارك فيها الجميع، وربما كان السبب صمود قيادات الجماعة وشبابها.

الجماعات المسلحة:

وهؤلاء في المشهد كفاعل، وأهم ما يتعلق بهم هو:

 التنامي المستمر، سواء في الانتشار الجغرافي فقد بدؤوا في سيناء، وظهرت عملياتهم في القاهرة والبحيرة ومحافظات الصعيد والآن الواحات بالغرب، أو في كثافة الفعل، أو في نوعية العمليات. والواضح أنهم في حالة تطور وصعود.
 يمثلون ضغطًا على الإخوان وحائل دون سلوكهم طريق المراجعة الفكرية في اتجاه مدني.
 خطابهم يتطور، ويتجه نحو قضايا عامة، تتعلق بهموم المواطن العادي وهموم المثقف الإسلامي، وربما يشكلون قاعدة لحرب عصابات ضد الدولة، وخاصة أن ثقافتهم يظهر فيها بوضوح تأثرهم بتجارب "ماو سي تونج"، و ما سبقه من حروب العصابات.

البيئة الإقليمية:

الخليج يعمل كقاطرة للأحداث منذ الربيع العربي، ويدعم عدد من الفاعلين في المشهد المصري، وعلى رأسهم التوجهات الدينية الموالية له (السلفية الوهابية)، والعسكر، والمعادلة الآن بدأت تتحول فليس من مصلحة الخليج معاداة الإخوان وهو يحارب الحوثيين في اليمن، وليس من مصلحته معاداتهم وهو يحارب المعارضين لبشار والجماعات المتطرفة في الشام والعراق (داعش)، وهو يبحث عن حليف قوي في المنطقة ويتجه صوب تركيا، وهو يلملم الشمل الخليجي ويوصل حبال المودة مع قطر، ولذا تباطئ في دعمه للعسكر، وهذا يعني أن على العسكر أن يعتمدوا على أنفسهم، وهو مأزق وخاصة بعد تراجع الاقتصاد المصري وظهور ازمات لدول الخليج.
الفاعل الدولي:
هو الذي يدير المشهد، ويتعامل مع المنطقة العربية ككتلة واحدة، ويتحرك في إطار تخريب المنطقة ليتفرغ للصين وروسيا، وينتقل لهم في الهند وكوريا لتكون المواجهة مع الصين على أراض مجاورة بعيدة عن دول الغرب وخاصة أن المواجهة _إن حصلت_ ستكون نووية. وفي إطار ذلك يتحرك بعجلة في اتجاه القضاء على الصحوة الإسلامية، وإعادة توطين العلمانية في الخليج وإيران ومصر، والتي يغرس بذورها بأدوات الإعلام والابتعاث للغرب. وفي التفاصيل يدعم العسكر، أو يدفعهم لمزيد من التنازل من وقت لآخر، وذلك بتقديم دعم جزئي لمن يعارضون العسكر وخاصة في الخارج.

المشهد غدًا (والعلم عند الله):


بين ثلاثة احتمالات (سيناريوهات):

الأول: أن يطبق النموذج الجزائري، ويتم تحكم العسكر لفترة طويلة بفزاعة الاستقرار وقبضة الأمن القاسية. وهذا بعيد لفشل الحكومة في تسويق فكرة ممارسة الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان الإرهاب والقتل.. فالمواطن العادي يرصد فشل النظام القائم في تلبية طلباته، ويحمل النظام المسئولية، والناس يعيشون حالة ثورية في الجملة، ونسبة الوعي عالية لا كما قد كان في التجربة الجزائرية.

الثاني:
 تجميع القوى المعارضة لاستعادة ثورة يناير مرة ثانية، وهذا الفعل راجح، ويلقى دعمًا من الخارج كبديل لفشل العسكر، ورموزه موجودة وبدأت تظهر في المشهد، فمن قريب ظهر البرادعي، ويظهر أيمن نور من وقت لآخر، وظهرت تحالفات في المنفى على خلفية يناير، ولا يلقى هذا الفعل معارضة في الداخل، إلا أن هذا الخيار لا يستطيع التعامل مع العسكر، ويظل بالخارج ينتظر فرصة هبة شعبية كما حدث في يناير. وعمليًا يتم تفعيله في إطار الضغط على العسكر لمزيد من التنازلات.

الثالث:
 استقلال الإسلاميين بالفعل الثوري وحدهم. أو إعطاء المعارضة هوية دينية، وهذا وارد، وخاصة بعد اليأس من الصلح مع النظام الحالي، وبعد تخلي قوى يناير عنهم في محنتهم، وظهور محدودية تأثير غير الإسلاميين من الثوريين على الشارع؛ وإصرار من عاد منهم على تصدر المشهد، وتنامي الفعل المسلح الإقصائي. وظهور تجربة جماهيرية نجحت في الحشد من قبل (الشيخ حازم أبو اسماعيل). ينقص هذه الفكرة أن تطرح بشكل جدي للتفكير، ومن ثم التأطير، وتكوين رؤية وإيجاد أدوات للتنفيذ.
محمد جلال القصاص

[1] نشرها الدكتور الصايغ في كارنيجي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق