الخميس، 2 يونيو 2022

إشراقات قرآنية : آية الكرسي



 إشراقات قرآنية : آية الكرسي

د. سلمان العودة


بين يدي تفسير آية الكرسي

بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
ثم السلام عليكم ورحمة الله.
في هذه الليلة عندنا -إن شاء الله تعالى- آية من كتاب الله تعالى، بل أعظم آية في كتاب الله تعالى، وأظن هذا الوصف كافياً لتبرير وتسويغ اختيارها، كما أنه كاف في تعريفكم بها، إنها آية الكرسي، وهي الآية رقم (مائتين وخمس وخمسين من سورة البقرة، وفي القرآن الكريم آيات لها أسماء خاصة: كآية الكرسي؛ لذكر الكرسي فيها، حيث لم يذكر في القرآن إلا في هذا الموضع، وهكذا (آية الدين) وهي أطول آية في القرآن في آخر سورة البقرة: ((إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ))[البقرة:282]، و(آية الكلالة) .. وغير ذلك من الآيات التي لها تميز خاص؛ إما بطول، أو بفضل، أو بسبب من الأسباب؛ فتسمى باسم خاص، والعلماء يقولون: التسمية تكون لأدنى ملابسة، والإضافة تكون لأدنى ملابسة، بحيث تميز الآية عن غيرها.
خلاصة ما تضمنته سورة البقرة من الموضوعات ومنها آية الكرسي

هذه الآية آية الكرسي هي جزء من سورة البقرة، وسورة البقرة مدنية كما هو معروف، وهي من أوائل ما نزل بالمدينة، وهي أطول سورة في كتاب الله؛ ولذلك تجد في سورة البقرة حديثاً عن المؤمنين والمنافقين والكافرين، ثم تجد قصة آدم وخلقه، ثم تجد حواراً مطولاً مع اليهود يستغرق الجزء الأول، وبعض الجزء الثاني من سورة البقرة؛ لأنهم كانوا في المدينة ، فجاورهم المسلمون، وبدءوا يسمعون منهم أحاديثهم ودينهم وأحكامهم وكتابهم؛ فجاءت هذه السورة تحاج اليهود ، وتجادلهم وتكشف تاريخهم، وتقيم الحجة عليهم، ثم تنتقل السورة للحديث عن مجموعة من الأحكام الشرعية الدينية، التي تجددت حاجة المسلمين إليها؛ كالحديث عن أحكام الصيام: ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ))[البقرة:183]، وعن الحج: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ))[البقرة:197]، وعن الجهاد، وعن الإنفاق، وعن العلاقات الزوجية.
وفي ضمن ذلك يأتي الحديث في هذه الآية العظيمة: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255]؛ ليبين أن الحديث عن الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته هو الأساس، هو الأساس في العبادة؛ لأن العبادة لله عز وجل، وأعظم العبادة عبادة القلب، وأعظم عبادة القلب: هي معرفة الله تعالى حق معرفته.
ولأن معرفة أسماء الله الحسنى هي الأساس في الحياة، وضبط الحياة، وضبط العلاقة، وقد جاءتني أمس وقبل ذلك الكثير من الرسائل التي تشتكي ما يجري في البيوت، من بعض الإخوة الذين قد يشتكون ما يقع في بيوتهم، أو بعض الأخوات؛ مما يدل على أن أعظم ما يبنى عليه البناء الاجتماعي: هو المعرفة بالله، فإذا تعرَّف الإنسان إلى ربه؛ استقامت حياته، استقامت عبادته؛ فينشط إليها: ((الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ))[الشعراء:218-219]، واستقام أمره في ترك المعصية، والبعد عنها؛ لأنه يعرف أنه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى، فلا يقبل على المعصية، فإذا وقع فيها سارع للتوبة والنهوض.
واستقام أمره في علاقاته مع الناس، بحيث تكون علاقة من يعلم أن الله هو الرقيب المطلع عليه، يحسن الإنسان إلى زوجته، وأنا أخص كثيراً من الأحيان أمر المرأة؛ لأن المرأة هي الركن الضعيف، والرجل قد يظلمها، قد يغيب عنها في المنزل، قد يترك الأولاد لها، قد يترك أمر البيت لها، قد يتزوج عليها مثنى وثلاث ورباع، قد يسافر، قد يكون مشغولاً بدعوة أو بعلم، فمن غير المعقول أبداً أن يتقرب الإنسان إلى ربه بأمور كثيرة، وينسى أقرب ما يكون إليه، والأقربون أولى بالمعروف.
ولذلك كان في سورة البقرة حديثاً مطولاً عن هذا الأمر، وعن موضوع النكاح، وموضوع الطلاق، والعلاقة بين الزوجين، وسبحان الله! كلمة: (بالمعروف) تكررت كثيراً في سورة البقرة وفي غيرها: ((فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ))[البقرة:231].
المعروف: هو الشيء الطيب من القول ومن الفعل، فهنا يشعر الإنسان برقابة الله تبارك وتعالى عليه، وهذا معنى شديد الأهمية، القاضي لا ينفع فيه، فالإنسان قد يدعي ادعاءات كثيرة، والأهل ربما يضرون أحياناً ولا ينفعون، لكن الذي ينفع هو شعور الإنسان برقابة الله تعالى عليه في أخص هذه الخصوصيات .


عدم ربط القلب بالله سبب الخلل والتفريط في الأولويات وعلاقة ذلك بآية الكرسي

هنا اسمحوا لي أن أقول كلمة، قد يكون فيها شيء من الحرارة: ظهر لي من خلال اختيار هذه الآية الكريمة، وأيضاً سورة الإخلاص، التي هي أعظم سورة في كتاب الله، ظهر لي أن عندنا خللاً كبيراً في الأولويات، في أولويات العلم، بحيث إن الإنسان ربما يفرط ويسرف في التعرف على تفاصيل كثيرة جداً، في الفقه والأصول والأحكام، والإعراب والنحو والبلاغة والصرف، والرجال والحديث.. وغير ذلك، ويغفل عن لب اللباب وأساس العلم، الذي هو ربط القلب بالله سبحانه وتعالى، وهو العلم الضخم الهائل الكبير، الذي جاءت به نصوص الكتاب، وكانت النصوص العظمى مخصصة له.
وكذلك عندنا إفراط في الأولويات في هذا الجانب، يبرز من خلال أن الكثير منا حتى في تدينهم، قد يراقبون الناس أكثر مما يراقبون الله، يتحول التدين أحياناً إلى مظهر وشكل وصورة، فيما عرف به الإنسان من إعفاء الشعر، من تقصير الثوب، من المحافظة على الصلاة .. وغير ذلك من الأشياء التي يراها الناس، فيفعلها العبد، وقد يقصر فيما هو مثلها، أو أهم منها، مما لا يراه إلا الله عز وجل.
ولهذا كانت علامة الإيمان الصادق، أن الإنسان يراقب الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية: ((إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ))[الملك:12]، وقد علمت أن بعض الشباب مثلاً قد يتشدد مع أهله ومع جيرانه، أو مع من يعرف فيما يتعلق بموضوع لباس المرأة، وقد يكون تشدده في مكانه، ولكن هذا الشاب إذا خلا -وقد صرح لي بعضهم بذلك- ربما يتفرج على الأفلام الخليعة، والمشاهد البذيئة، ويستمتع بها، ويقضي وطره من خلالها؛ حتى يتحول هذا إلى عادة، فتراقب وتلاحظ هنا كيف يوجد الخلل في الإيمان، الخلل الذي يربط القلب بالعباد، فيكون التدين نوعاً من الوجاهة عند الناس، أو عند المجتمع، أو حفظ المقام، أو حفظ المكانة، حتى إن الإنسان لو عرف بأنه محافظ على صيام الإثنين، وفي أحد الأيام لم يصم، ولكنه جلس مع أناس وإذا قدم له شيء وقالوا: لا، يمكن يكون فلان صائماً، أمضى كلامهم على وجهه، على أنه صائم؛ لئلا ينكسر جاهه ومكانته عندهم، ويظنوا بأنه ترك هذه العبادة، أو تخلى عنها.
فهنا من المهم شديد الأهمية.. عظيم الأهمية. ربط القلب بالرب سبحانه، في أمور العلاقة مع الناس، في أمور العبادة، في أمور الاجتماع .. وغيرها، ولا أدل على عظمة هذا من أنك تجد أعظم آية في القرآن الكريم هي آية الكرسي، وهذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله: أي آية في كتاب الله تعالى أعظم؟ فقال أبي بن كعب رضي الله عنه: هي آية الكرسي: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا))[البقرة:255]؛ فضرب النبي صلى الله عليه وسلم صدر أبي وقال له: ليهنك العلم أبا المنذر) أي: هنيئاً لك العلم أبا المنذر .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما سأل أصحابه، حتى يلقنهم ويستخرج العلم منهم، ويختبرهم في ذلك، فهنا نجح أبي ، وعرف أي آية في كتاب الله أعظم؛ فكانت هي آية الكرسي، فهي أعظم آية في كتاب الله؛ وذلك لأنها اشتملت على التعريف بالله، هذا سر عظمتها.
ومثلها سورة الإخلاص، فإنها أعظم سورة في كتاب الله، وقد صح الحديث، بل تواتر أنها تعدل ثلث القرآن؛ وما ذلك إلا لأنها تمحضت وتخلصت وأخلصت لذكر أسماء الله تعالى وصفاته جل وتعالى، ويؤكد ذلك أهمية هذا العلم العظيم الذي يغفل عنه الكثير من الناس، في مجال التنافس والتسابق والتسارع إلى حفظ الكثير من العلوم والمعارف، التي قد يكون لها بعض الوجاهة عند الناس، فتجد كثيراً من الشباب يحب مثلاً أن يعرف الفقه والتفاصيل، لماذا؟ حتى يسأله الناس، ويجيبهم، وتكون عنده معرفة، وطموحه في المستقبل أن يكون فقيهاً ومفتياً، فإذا سأل الناس أفتاهم، دون أن يكون عنده ما هو أوسع من ذلك، من العلم الذي يصحح القلب.


ذكر بعض فضائل آية الكرسي

هذه الآية الكريمة -آية الكرسي- هي أعظم آية في كتاب الله، وهذا بعض فضلها، وكأنه لم يرد في القرآن الكريم في فضل آية، ما ورد في فضل هذه الآية الكريمة، فمن ذلك هذا الحديث السابق الذي صرح بأنها أعظم آية في كتاب الله، ومن ذلك ما رواه البخاري تعليقاً، ورواه أصحاب السنن .. وغيرهم وسنده صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء في المسند وغيره عن أبي بن كعب أيضاً: (أنه كان على تمر الصدقة، فجاءه أول ليلة آت فأخذ منها فأمسك به، فقال: دعني فإني لا أعود، وأنا فقير وذو عيال؛ فتركه، ثم جاءه في الليلة الثانية فقال له مثل ذلك، ثم جاءه في الليلة الثالثة فأمسك به، وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بهن: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255] حتى تختمها؛ فإنه لن يزال عليك من الله تعالى حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فتركه، فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة ؟ قال: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات فأطلقته، قال: صدقك وهو كذوب، أتدري من تحدث منذ ثلاث؟ ذاك شيطان)، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في فضل هذه السورة، وأن قراءتها عند النوم تكون سبباً في ألا يقربه شيطان حتى يصبح، وألا يزال معه من الله تعالى حافظ.
ولهذا أيضاً فقراءة هذه الآية الكريمة في البيت والمنزل سبب في العصمة من الشياطين وطردهم، والعصمة من السحرة، وقد جاء في سورة البقرة وآل عمران -كما في الصحيح-: (أنهما الزهراوان، وأن البقرة أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)، والبطلة: هم السحرة، فكانت قراءة سورة البقرة وآل عمران سبباً في العصمة من الشياطين، والجن في المنزل، وبالذات هذه الآية الكريمة، فإنها أساس ولباب هذه السورة، وقد ورد ما يدل على أنها بهذه المنزلة في القرآن الكريم.
وكذلك جاء عند النسائي في سننه بسند صححه بعضهم: (أن من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة؛ لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)، وهذا جاء من طرق .
إذاً: ورد قراءة هذه السورة في الورد في المساء عند النوم، وعقب أو دبر كل صلاة وفي كل وقت؛ فإنها من الآيات الفاضلة الكريمة العظيمة، والسبب والسر هو كما قلت: تمحضها في أسماء الله تعالى وصفاته.
هذه الآية الكريمة خمس وخمسون كلمة، وفيها ذكر اسم الله تعالى، أو الضمير العائد إلى الله تعالى: سبعة عشر مرة، وقد أحصيتها هكذا: ((اللَّهُ))[البقرة:255]، (( لا إِلَهَ ))[البقرة:255]، (( إِلَّا هُوَ ))[البقرة:255]، ((الْحَيُّ))[البقرة:255]، ((الْقَيُّومُ))[البقرة:255]، ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ))[البقرة:255]، ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255]، ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ))[البقرة:255]، هذه ثمان، (( إِلَّا بِإِذْنِهِ ))[البقرة:255]، ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255]، ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255]، الهاء، (( إِلَّا بِمَا شَاءَ ))[البقرة:255]، ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ))[البقرة:255]، يعني: الله.. كرسي الله تعالى، ((السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ))[البقرة:255]، الضمير عائد إلى الله، ((حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ))[البقرة:255].
إذاً: فعندنا سبع عشرة مرة ذكر اسم الله أو بعض أسمائه أو الضمير العائد إليه، وهذا لا يتكرر في سورة أخرى، وهذه الآية الكريمة أيضاً فيها عشر جمل، كل جملة متصلة بالأخرى، والغريب أنه لم يستخدم فيها حرف العطف الذي هو الواو؛ لأنها كالجملة الواحدة، فهي متصل بعضها ببعض كاتصال الشجرة بلحائها؛ ولهذا لم تحتج إلى عطف.


إشراقات في قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ...)


معاني (الله لا إله إلا هو)

قال الله سبحانه وتعالى: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))[البقرة:255] المبتدأ هو لفظ الجلالة، وهو الاسم العلم الذي ينسب إليه غيره، ويضاف إليه غيره من أسمائه وصفاته، بدأ به سبحانه، وهذا شرف لهذه الآية الكريمة: (( اللَّهُ )).
ثم قال: ((لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))[البقرة:255]، فهذه هي الجملة الأولى، وفيها تقرير الوحدانية، فنفى الألوهية عن كل أحد، وأثبتها لله عز وجل.
وهنا تلاحظ أن في ذلك تقريراً لربوبية الله تعالى، فمن معاني: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))[البقرة:255]: أن الله تعالى هو الخالق، المالك، المتصرف، المدبر؛ فهذا من معاني وأسرار الألوهية، ولكن ليست الألوهية قصراً على هذا المعنى، بل هذا المعنى يعطي في القلب ذلاً لله، وتعظيماً له، و بعض الناس يقول: توحيد الربوبية معروف، يعرفه حتى المشركون، فأقول: ينبغي أن يتأمل في هذا الكلام، نعم، المشركون يقرون أحياناً بتوحيد الربوبية، لكن لم يكن في قلوبهم، ولو كان في قلوبهم لاستلزم عندهم إفراد الله بالعبادة، فهم يقولون بألسنتهم: إن الله هو الخالق الرازق، لكن لم يتحول هذا إلى عقيدة في قلوبهم، وإلا فإن توحيد الألوهية يقتضي أن يشهد الإنسان تدبير الله تعالى في الكون، وأن كل ما يقع في الكون فهو بإذنه سبحانه، وعلمه، وقضائه، وقدره، وسلطانه ؛ ولهذا كثر في القرآن ذكر هذا المعنى، لكن لا يمكن الاقتصار عليه، بل لا بد أن يفرز هذا المعنى المعنى الثاني، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو ما يسمى بتوحيد الألوهية، يعني: أن هذا الإله الخالق الحكيم العظيم المنعم سبحانه هو المستحق للعبادة، فلا يعبد إلا الله، سواء كانت عبادة القلب بالحب والخوف والرجاء، والخشوع والرغبة والرهبة والإنابة، أو كانت عبادة الجوارح بالذكر باللسان، وبالصلاة .. وبغير ذلك من ألوان العبادات، ولا يحج إلا له، ولا ينحر إلا له، ولا يصام إلا له، كما قال سبحانه في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به).
فمن معاني ((لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))[البقرة:255]: إفراده جل وتعالى بالعبادة.
ومن معاني ((لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))[البقرة:255]: أن الله تعالى له من الكمال والجلال والجمال ما لا يحيط البشر به، فإن الله تعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة : (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)، ولهذا كان خليقاً وحسناً بالإنسان أن يتعرف على أسماء الله تعالى وصفاته.
ولو سألت الكثيرين: هل يحفظون أسماء الله الحسنى؟ لقالوا: لا، ومن يحفظها هل يعرف معانيها؟ ربما يشكل عليه ذلك، والذي ينبغي أن يكون في كل بيت كتاب في أسماء الله الحسنى، وأن يقرأه الصغار والكبار، وأن يلقن الأطفال بعض أسماء الله وصفاته، بقدر ما يستوعبون ويَعُونَ ويدركون، فهذه هي الجملة الأولى: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))[البقرة:255].


معاني قوله تعالى (الحي القيوم)

جاءت بعدها الجملة الثانية: وهي قوله تعالى: ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255]، وقد قال كثير من أهل العلم: إن ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255] هي الأصل لأسماء الله تعالى الحسنى كلها، فأثبت الله تعالى لنفسه الحياة، والحياة هنا تعني أشياء، تعني: الحي بلا ابتداء؛ فإن الله تعالى أولٌ ليس له ابتداء، بخلاف حياة الخلق فإنها مبتدأة؛ ولهذا يتضمن (الحي) معنى الأول.
وأيضاً من معاني (الحي): الآخر بلا انتهاء، فحياة الله تعالى ليس لها نهاية، أما حياة البشر فهي مسبوقة بالعدم ومتبوعة بالموت.
ومن معاني الحياة: أن الله تعالى له الحياة الذاتية، فحياته سبحانه وصف ذاتي له، بخلاف المخلوق فحياته مفاضة عليه من الله، الله تعالى هو الذي يمنح الحياة للمخلوقات، للإنسان، للحيوان، للشجر؛ لكل شيء، أما هو سبحانه فالحياة وصف ذاتي له، لم يفض عليه من غيره سبحانه، وليس له ابتداء، بل هو الأزل والأبد.
إذاً: لله تعالى الحياة الكاملة، والحياة صفة تتفرع عنها الصفات الأخرى، فالسمع والبصر والكلام والعلم والإرادة والقدرة لا تتصور إلا من حي؛ ولهذا بدأ بقوله: (( الْحَيُّ )).
وكذلك قوله سبحانه: ((الْقَيُّومُ))[البقرة:255]، والقيُّوم: هو القيَّام، وهكذا كان عمر رضي الله عنه و ابن مسعود يقرأانها، وهو القيم أيضاً كما في بعض القراءات، ولعلها تفسير، فالقيُّوم: هو القيَّام، هو القيِّم، هو القائِم، كما قال سبحانه: ((أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ))[الرعد:33]، فالقيوم هو القائم بنفسه المستغني عن غيره، بينما الخلق يحتاجون إليه، ويفتقرون إليه في كل شيء، أما هو سبحانه فهو القائم بنفسه، الغني عمن سواه؛ ولهذا يشبه معنى القيُّوم هنا معنى الصمد، يعني: المستغني عن خلقه، والذي يحتاج إليه خلقه.
إلى رحابك كل الخلق قد وفدوا وهم ينادون يا فتاح يا صمد
فأنت وحدك تعطي السائلين ولا يرد عن بابك المقصودِ من قصدوا
والخير عندك مبذول لطالبه حتى لمن كفروا حتى لمن جحدوا
إن أنت يا رب إن لم ترحم ضراعتهم فليس يرحمهم من بينهم أحد
إذاً: القيوم من معانيها: القائم بنفسه، المستغني عن غيره، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه، ولا إلى شيء من خلقه.
ومن معاني القيوم: القائم على عباده، فهو الذي يصرفهم، ويدبر أمورهم، ويتولاهم في قليلهم وكثيرهم، ويقظتهم ومنامهم، وحياتهم وموتهم، ودنياهم وأخراهم؛ يصرف كل شيء سبحانه، حتى إنك تتأمل هذا الكون الذي يضج بألوان المخلوقات، ربما آذتك البعوضة مثلاً بطنينها ورنينها وصوتها، فإذا قرأت ما يقوله العلماء عنها، وعن أجنحتها التي هي بالغة الدقة فائقة الجودة، وانضباطها؛ تعجبت وقلت: سبحان الله! ((الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى))[طه:50].
إذاً: هذا من معاني القيوم: القائم بنفسه، والقائم على كل نفس، والقائم على عباده، ومن هنا تلاحظ أن الناس في هذه الدنيا ربما يكثرون من مشاهدة وسماع الأشياء، فهم يشاهدون ما يقع في الكون، وما يجري والأحداث، وقد يرونها بعيونهم، أو يرونها في الصحف والجرائد والمجلات، أو في الشاشات، أو يسمعون أخبارها، فمن خلال هذه المجريات الكثيرة يغفلون عما وراء هذه الأشياء، وعن تدبير الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا يقع كثير من الناس في اللبس والغلط، وتغيب عليهم معاني الحكمة الإلهية والأسرار، فإذا قرأ الإنسان هذه الآية؛ جددت معرفته بالله، وجددت مشاهدته لآثار الصنعة الإلهية في كل ما يقع في الكون، فربما يعجز الإنسان عن تفسير بعض الأشياء، كثير ما يسأل الناس ويقولون مثلاً: في هذا الكون كثير من المخلوقات، التي يحارون في الحكمة من خلقها: الذباب، والبعوض، والحيات، والعقارب .. وغيرها، الكثير يسألون: ما هي الحكمة من خلقها؟
أو يرون في بعض الحياة أشياء تغيب عنهم حكمتها، مثل الناس الذين يبتلون -مثلاً- ببعض النقص في أبدانهم، أو في أعضائهم، أو جوارحهم، أو شلل أو مرض .. أو غير ذلك، وقد يولدون بهذا الأمر؛ فيتحير الإنسان، ويسأل عن الحكمة، قد لا يسعفك العقل، وقد لا يسعفك التفصيل، لكن إذا كان قلبك متصلاً بالله سبحانه وتعالى، وأنت تعلم أن الكون كله هو من تدبيره، وأن ما تعلمه أنت من الكون ما هو إلا أقل القليل: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))[الإسراء:85].
العلماء الآن من غير المسلمين ومن المسلمين، لما يتكلمون عن الفضاء، يذكرون شيئاً تقشعر منه الأبدان، هذا مما أدركوه، فيقول أحدهم:
إن هذا الفضاء تسبح فيه مئات المليارات من المجرات، والشموس، والنجوم، والمخلوقات الهائلة العظيمة، والبشر يعترفون بأن آلياتهم وإمكانيتهم وقدراتهم لم تصل إلا إلى شيء محدود، وإلا فهم أمام فضاء واسع بعيد لا يحيطون به: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))[الإسراء:85].
فالله تعالى بعظمته هو القائم على الكون، هو القائم على النفوس، هو المدبر لكل شيء: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255]، والحياة والقيومية تقتضي ما شاء الله تعالى من الصفات، فالقيوم عالم، والقيوم قدير، والقيوم حكيم، والقيوم رحيم، والقيوم يشاء ويريد، فهذه بعض صفاته.


إشراقات في قوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم)

قال الله سبحانه وتعالى: ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ))[البقرة:255]، وقوله: ((لا تَأْخُذُهُ))، إشارة إلى أن النوم أحياناً غلبة، ولذلك العوام يقولون: النوم سلطان جائر أحياناً، أو النوم سلطان؛ لأن الإنسان قد يكون مثلاً في مقام يقتضي أن يكون صاحياً، ومع ذلك يأخذه النوم، فينام عند الناس، أو ينام في العزيمة، وبعض الناس يكون عنده نوم شديد، حتى إنه يذكر عن بعض السلف: أنه كان كثير النسيان كثير النوم، فاشترى يوماً من الأيام سمكاً، وقال لأهله: اطبخوا لنا السمكة، فجلسوا يطبخونه فنام، فقاموا وأكلوا السمك ولطخوا يديه بدسم السمك، فلما استيقظ قال: أين السمك الذي طبخناه واشترينا؟ قالوا: أكلناه، قال: غريب نسيت، قالوا: انظر يديك، فنظر في يده فوجد الدسم، قال: والله صحيح، لكني نسيت.. عذري أني نسيت، وكأني لم آكل.
فالنوم يتسلط على الجبابرة.. على الملوك.. على الكبار.. على الصغار، حتى إنك ترى الإنسان في حالة النوم فتشفق عليه؛ فقد جوارحه.. فقد عقله وتفكيره، وسمعه وبصره، فالنوم يأخذ الإنسان أخذاً؛ ولهذا قال سبحانه: (( لا تَأْخُذُهُ ))، ولذلك بمجرد ما تسمع كلمة: (( لا تَأْخُذُهُ ))، يعني: لا تغلبه ولا تأتيه، ولا تنبغي له هذه الصفة؛ لأنها أخذ وغلبة، والله تعالى لا يغلب، بل هو الغالب، فقال سبحانه: ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ))[البقرة:255]، أما السِنة: فهي المقدمة من النوم، النعاس الذي يكون في المقدمات، فالإنسان ربما يهتز رأسه أو يخثر صوته، أو يثقل سمعه، مقدمات النوم تسمى السنة، أو الوسن، وهذا مما قد يمدح به البشر أحياناً، سبحان الله! بالنسبة لربنا فكماله سبحانه وكمال حياته وقيوميته ألا تأخذه سنة ولا نوم، أما بالنسبة للإنسان فكماله أن ينام؛ ولهذا لو لم ينم لطلب العلاج، فهذا من كمال المخلوق، والفرق بينه وبين الخالق.
كذلك الإنسان ربما يمدح ببعض هذا الانكسار، العرب كانوا يمدحون المرأة مثلاً إذا كانت عيونها منكسرة، لا تكون عيونها جريئة على الناس، مثلما يقول عدي بن الرقاع يصف امرأة، يقول:
وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
يعني: أصابها الوسن والنعاس؛ (فرنقت في عينه سنة وليس بنائم)، انكسرت العين بمقدمات النوم، وهو ليس بنائم في الحقيقة.
فالله تعالى نفى عن نفسه أن تأخذه سنة، مقدمة النوم، ثم قال: ((وَلا نَوْمٌ))[البقرة:255]، أيضاً ولا ينام سبحانه، وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمات: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل).
سبب نفي السنة والنوم كليهما عن الله سبحانه وتعالى

الله تعالى لا تأخذه سنة، ولا يأخذه نوم، لماذا ذكر هذا وهذا؟ لأن من الناس من تأخذه سنة، ثم ينام، ومن الناس من يهجم عليه النوم بغير سنة، فلوا اقتصر على نفي السنة؛ لم يكن هذا كافياً في نفي النوم، ولو اقتصر على نفي النوم؛ لم يكن هذا كافياً في نفي السنة، والمقام مقام تنزيه للرب العظيم، فهو مقام يستدعي نفي أي التباس، ونحن نجد أن البشر منذ عصور متطاولة إلى اليوم، أكثر ما يضرهم، ويلتبس عندهم، هو الارتباك فيما يتعلق بأمر الألوهية، نحن الآن في عصر الحضارة، والمعرفة والمدنية، ومع ذلك أكثر سكان الكرة الأرضية مشركون، حتى أهل الديانات السماوية: كالمسيحيين مثلاً، تجد أن دينهم تحول إلى عبادة المسيح ، ووضع التماثيل للمسيح أو للعذراء في كنائسهم، والتوجه إليهم بالعبادة، ومن قبل ذكر الله تعالى هذا عنهم: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ))[التوبة:31].
وهكذا البوذيون مثلاً، وهم خلق هائل، وديانتهم أصبحت تعد الآن من الديانات الوثنية الأرضية، وهي تقوم على عبادة بوذا ، وتماثيله موجودة عندهم في بيوتهم، وأسواقهم، ومجامعهم، وجامعاتهم، ومصانعهم في اليابان ، في الهند ، في تايلاند .. في بلاد كثيرة جداً من بلاد آسيا .. وغيرها، وهكذا الصينيون أيضاً، وقد رأيت بعيني يوماً من الأيام شاباً في العشرين من عمره، ربما كان هذا الشاب طالباً في الجامعة، وقد يكون طالباً في كلية علمية، ويتعلم العلوم العصرية، والعلوم الطبيعية والمادية .. وغيرها، فوجدته قد قَدِم إلى تمثال، وركع أمامه بخشوع، ثم سجد، فسألت، فقالوا: هذا التمثال بني قبل ثمانين سنة، قلت: سبحان الله! كيف أن البشرية تسرع إلى هذا الخلط والخلل، أن إنساناً يعرف أن هذا الذي أمامه مصنوع بأيدي بشرية، ثم يقبل أن يخضع له ويذل له؟!
ولهذا كم يوجد من العظمة في هذا التوحيد، والتجريد، والصفاء والتنزيه الذي جاء به القرآن الكريم!
وكم يوجد من التقصير، والخلل العظيم عند المسلمين، سواء فيما يتعلق بخدش جانب الألوهية، أو فيما يتعلق بالانشغالات الفرعية والتفصيلية، التي أغرقنا فيها وانشغلنا بها، حتى غفلنا عن هذا المعنى، وعن تحقيقه في نفوسنا، أو دعوة الناس إليه بالحكمة، وبالبصيرة، وبالعلم، وباللغة الصافية المناسبة.
فهو هنا سبحانه يقول: ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ))[البقرة:255] من أجل كمال الإيضاح، وإزالة أي لبس، أن الله تعالى له كمال الحياة، وكمال القيومية، ومن هنا يبدو ارتباط الجملتين ببعضهما، فلما قال: ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255]، عرف أن من الأحياء في الدنيا من يوصفون بالحياة، ويوصفون بأنهم قائمون على أشياء، ولكن يعتريهم نقص، فقال: (( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ))؛ إشارة إلى كمال حياته سبحانه، فلا يعتري حياته نقص بوجه من الوجوه، لا سنة ولا نوم.


إشراقات في قوله تعالى: (له ما في السماوات وما في الأرض)

قال الله سبحانه وتعالى: ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255]، وهذا أيضاً من كمال ألوهيته، لا إله إلا هو، ومن كمال قيوميته أن ما في السماوات وما في الأرض له، وهنا عبَّر بقوله: (( مَا فِي السَّمَوَاتِ ))، و(ما) هنا تطلق على غير العاقل، ويدخل فيها العاقل؛ لأن ما في السماوات وما في الأرض من الأشياء غير العاقلة أكثر، من الأجرام، والمجرات، والأمواج .. وغيرها؛ فعبر بـ (ما): ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255]، وأتى بـ (السماوات) بصيغة الجمع، وهذا في القرآن كثير، فالسماوات سبع، ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ))[الطلاق:12]، ((الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا))[الملك:3]، وقد يعبَّر بالسماء، والسماء كل ما علا وارتفع فهو سماء؛ ولهذا يسمى المطر: سماء:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضاباً
فالسماء هو كل ما علا؛ ولهذا قال سبحانه: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))[الملك:16]، يعني: من في جهة العلو، من في العلو جل وتعالى.
أما الأرض فقد ذكرها مفردة هنا: ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255] اكتفاء بذكر الجمع في السماء، وكما قال سبحانه: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ))[الطلاق:12]، وفي ذلك إشارة إلى عظمة السماء وسعتها، بالقياس إلى الأرض، وهذا أمر مقطوع به، فإن السماوات هائلة ضخمة، لا يحيط الناس بها، أما الأرض فهي مرئية، مشاهدة، معروفة في حجمها وجرمها، ولكن أيضاً جعل الله تعالى للأرض فضلاً، بوجود البشر عليها، وبما دحاها سبحانه، وأودعها من الخيرات والنعم، وبما جعلها صالحة للحياة؛ بوجود الخيرات، ووجود الهوى، والطبقة الجوية .. وغير ذلك مما فيه مصالح الناس.
((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255]، فهو المالك لذلك كله سبحانه، وهذا من ألوهيته، ومن وحدانيته، ومن قيوميته.


إشراقات في قوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)

قال الله سبحانه وتعالى: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255]، كلهم له، كلهم عبيده: ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا))[مريم:93-95]، كلهم: الملائكة في السماوات، الأنبياء، الرسل، البشر، كل شيء؛ ولهذا قال سبحانه: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255]، وهذا مناسب جداً بعد قوله: ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ))[البقرة:255]، يعني: هم ملكه فلا يشفعون، ولا شأن لهم إلا بإذنه سبحانه، ومن هنا قال: ((مَنْ ذَا الَّذِي))[البقرة:255]، وهذا استفهام، وهو استفهام معناه الإنكار والنفي، فقوله: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255]، معناها: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، بل فيها إنكار شديد، مثل ما يقال مثلاً: لو أن إنساناً قال كلاماً غير صحيح وبعيداً، وادعى ادعاء، أو ادعى مجداً ليس له، فيقوم قائم ويقول: من ذا الذي يقول: كذا؟ ومن ذا الذي يدعي هذا؟! يعني: ليس له حجة، وليس له برهان؛ ولهذا جاء بكلمة: (ذا)، وهي إشارة، ما قال: من الذي يشفع عنده، لا، قال: ((مَنْ ذَا الَّذِي))[البقرة:255] كأن المعنى: من هو الذي بلغ به الجهل أو الادعاء، أن يدعي شفاعة عند الله إلا بإذنه؟ لا أحد، فمن هو هذا الذي يدعي؟ لا أحد، فقال سبحانه: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255].
والآية فيها نفي وإثبات، فيها نفي الشفاعة للمخلوقات كلها، شفاعة المخلوقات، وإثبات الشفاعة بإذنه سبحانه، فإذا أذن الله شفع الشافع، وقد تشفع الملائكة، ويشفع الرسل، ويشفع الأنبياء، ويشفع الشهداء، ويشفع الصبيان، ويشفع من شاء الله تعالى له أن يشفع من الصالحين؛ ويخرج الله تعالى من شاء برحمته -وهو أرحم الراحمين- من النار إلى الجنة، وهذه ألوان من الشفاعة، ذكرها أهل العلم، وثبتت في السنة النبوية، مثل: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم بفصل القضاء.
ومثل: شفاعته صلى الله عليه وسلم بأقوام استحقوا النار، ألا يدخلوها.
ومثل: شفاعته صلى الله عليه وسلم بأقوام من أهل النار، أن يخفف عنهم العذاب، كشفاعته في أبي طالب .
ومثل: شفاعته صلى الله عليه وسلم بأقوام دخلوا النار، أن يخرجوا منها.
ومثل شفاعته صلى الله عليه وسلم بناس من أهل الجنة، أن ترفع منازلهم، وشفاعة غيره من الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين، فهذا كله لا يقع إلا بإذن الله تعالى، ولمن ارتضى، كما قال سبحانه: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى))[الأنبياء:28]، وهذا مثل قوله تعالى في سورة النبأ: ((يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ))[النبأ:38]، حتى الكلام، ((إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا))[النبأ:38]، فهم -لاحظ!- ليسوا بشراً عاديين خطَّائين، وإنما الروح جبريل ، والملائكة كلهم صف صامتون، مطرقون خائفون، ((وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ))[الأنبياء:28].. ((لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا))[النبأ:38]، فهكذا هنا قال: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255]، فهذا رد على كل من ادعى، مثل ما كان المشركون يقولون مثلاً: ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى))[الزمر:3]، فبين الله تعالى أن هؤلاء لا يشفعون، فهؤلاء ليسوا آلهة، فلا إله إلا الله، وليس لهم حياة، فهم جمادات ميتة، وليس لهم قوامة، فهم ممن يقام عليهم، كما كان يقول الأعرابي:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
حين وجد أن الثعلب قد بال على صنمه، فقال: كيف أعبد هذا المعبود، أو هذا الصنم الذي لا يفك نفسه ممن يبول عليه؟!
وكذلك هم أموات، أو هم بشر، تعتريهم السِنَة ويعتريهم النوم؛ ولهذا لا يشفعون أبداً، ولا يستحقون العبادة، ولا الألوهية، ولا الربوبية، فلا يستحق ذلك إلا الله تعالى ....
.. لمن شاء في الشفاعة: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255]، فإذا أذن الله تعالى؛ شفع الشافع ....


إشراقات في قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)

قال الله سبحانه وتعالى: ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255]، هذه أيضاً جديدة، وهي متصلة بالأولى، ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255] من ....
إما أن يكون مرجع الضمير إلى قوله: ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255]، وهذا أشمل، يعني: يعلم ما بين أيدي أو خلف كل من في السماوات والأرض، من بشر وجن وإنس وطير وحيوان .. وغير ذلك، فهو سبحانه ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255].
ويحتمل أن يكون مرجع الضمير إلى الشافعين، من يشفع عنده بإذنه، ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ))[البقرة:255]، فيكون مرجع الضمير إلى الملائكة، وإلى الرسل، وإلى الأنبياء والشهداء والصديقين الشافعين، فهؤلاء يعلم الله تعالى .... ولا مانع من إرادة المعنيين معاً، فهو سبحانه يعلم كل ما في الكون، وعلى وجه الخصوص هؤلاء الذين أذن لهم بالشفاعة، فهو يعلم سبحانه أنهم يستحقون، أو بفضله ورحمته أوصلهم إلى هذا المنزلة، أن يشفعوا لمن ارتضى.


إشراقات في قوله تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء)

قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255]، وهنا تلاحظ أولاً قوله: ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255]، فهذا إشارة إلى إحاطة العلم الإلهي: ((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255]، قال بعض المفسرين: ((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ))[البقرة:255]، يعني: ما أمامهم، ((وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255]، يعني:..
.. مما حصل، فيكون ذلك شاملاً مثلاً لما مضى؛ هذا ما خلفهم.
((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ))[البقرة:255] ما سوف يأتي، أو يكون ذلك إشارة إلى الدنيا فهي خلفهم وما بين الآخرة، أو العكس: ((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ))[البقرة:255] الدنيا، ((وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255] الآخرة؛ لأنهم راجعون إليها، وهما قولان لـسعيد بن جبير و ابن عباس و السدي وسواهم.
وأيضاً هنا يكون: ((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255] زمانياً، يعني: ((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ))[البقرة:255] في الزمن، ((وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255] مما مضى.
يحتمل أيضاً أن يكون: ((مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ))[البقرة:255] في المكان، يعني: يعلم ما أمامك وما وراءك، فيعلم ما في السماوات وما في الأرض، وكلا المعنيين صحيح ومراد، فإن علم الله تعالى شامل محيط بكل شيء.
لاحظ هنا أنه قال: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255]، فجاءت الواو واو العطف، بينما قلنا قبل: إن جمل هذه الآية ليست متعاطفة بالواو، ووجود الواو هنا له سر، وهو أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر علمه الشامل المحيط بكل شيء، وأنه يعلم ما بين أيديهم، ويعلم ما خلفهم؛ عطف على ذلك بنقيضه، فيما يتعلق بالمخلوقين، وهو أنهم لا يحيطون بشيء من علمه، إلا بما شاء، فهو أمر لا يتعلق بأسمائه سبحانه وصفاته، وإنما يتعلق بالمخلوقين، وذكر النقص والعيب الموجود فيهم، فلما أثبت لذاته سبحانه العلم الشامل الكامل، المحيط بالماضي والحاضر والمستقبل، والسماء والأرض؛ عطف بقوله: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255]، بالنسبة لهم هم، ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ))[البقرة:255].
المقصود بقوله (ولا يحيطون) ومعنى الإحاطة

قوله: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255].
أولاً: الإحاطة تعني: أن يكون الإنسان مستولياً على الشيء من جميع جوانبه، كالحائط أو الجدار، الذي يحيط بالشيء، فنفى إحاطتهم، وهو معنى مجازي، يقصد به عدم اطلاع وإدراك الإنسان للشيء، قال: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255]، من هم؟ من هم الذين لا يحيطون؟
يحتمل أن يكون المقصود من في السماوات ومن في الأرض، لكن هنا عبر عنهم بلغة تدل على أنهم عقلاء، بينما في الأول قال: ((لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:255]، و(ما) تدل على غير العاقل، فلأن المقام الأول مقام تملُّك؛ كان من المناسب أن يعبر عنه بغير العاقل، لكن المقام الآن مقام علم، والعلم لا يكون إلا نتيجة للعقل؛ ولذلك عبر بالعاقل، فقال: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255]، يعني: البشر، الملائكة، الإنس، الجن، الأنبياء .. وغيرهم.
ويحتمل أن يكون قوله: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255]، يعني: الشافعين من الأنبياء والملائكة .. وغيرهم، فهم على جلالة أقدارهم وفضلهم ومنزلتهم، ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ))[البقرة:255] قوله: (( بِشَيْءٍ ))، يعني: أدنى شيء.


معاني قوله (من علمه)

قوله: ((مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ))[البقرة:255].. ((مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255] هذه تحتمل معنيين:
المعنى الأول الذي ذكره غالب المفسرين: أن المقصود بـ(علمه) أي: معلوماته سبحانه، العلوم الموجودة عنده، فالعلم الذي عند الله لا يحيط البشر بها إلا بما شاء، وعلى هذا يكون هذا مثل قوله سبحانه: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ))[الجن:26-27]، وهذا يرجح أن يكون الضمير في قوله: ((وَلا يُحِيطُونَ))[البقرة:255] بالرسل والأنبياء، والملائكة، ومن هذا شأنهم، فهم لا يعلمون الغيب، ولا يحيطون بشيء من العلم اللدُنِّي الذي عند الله، إلا إذا شاء الله تعالى، وأطلع من شاء من عباده.
وهكذا في قصة موسى و الخضر ، قال الخضر لـموسى بعدما رأى ما رأى، قال: [ما عندي وعندك يا موسى من علم الله إلا كما ينقص هذا العصفور الذي ينقر من ماء البحر]، فهم لا يحيطون بشيء، أدنى شيء، أقل شيء من علم الله، لا يحيطون به إلا إذا شاء الله، وأطلع من شاء من عباده على شيء من علمه، و(شيء) تدل على التقليل، فهو علم قليل، كما جاء في قصة موسى و الخضر ، فلا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، يعني: أن يطلع الناس عليه.
ويحتمل معنى آخر في قوله: ((مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255]، أي: من المعرفة بذاته سبحانه، فهم لا يعرفون أو لا يعلمون الله تعالى حق علمه، إلا بما يطلعهم عليه، وهذا فيه دليل على أن معرفة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا من خلال النقل، ومن خلال السماع، ومن خلال الوحي والنص، فإن الله تعالى يتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته .. وغير ذلك مما ورد في نصوص الشرع، وقد تكون الفطرة مزكية ومؤيدة لهذا، والعقول كذلك؛ ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الشريعة جاءت بما تحار فيه العقول، ولكنها لم تأت بما تحيله العقول .
فهنا يكون قوله: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255]، يعني: من علم الله؛ ولهذا قال سبحانه: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا))[طه:110]، فهذا يكون متصلاً بما ذكرناه أمس، من أن العبد مهما كان لا يستطيع، ولا يمكن أن يحيط بالله تعالى علماً ومعرفة، وإنما يتعرف إلى الله بما في الكتاب والسنة من أسمائه وصفاته: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))[الإسراء:85].
وأيضاً يحتمل أن يكون قوله: ((مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255] شاملاً لهذا وذاك، فيكون المعنى أن لا أحد يستطيع أن يصل إلى علم من العلوم إلا بما شاء الله، وقد أعطى الله تعالى البشر من السلطان، والمعرفة، والآلة، والعقل، والقدرة، والعلم والاستنباط، والتجربة ما يتوصلون به إلى بعض المعلومات الدنيوية.
في الحضارات المختلفة كالحضارة اليونانية، والرومانية، ووريثتها الحضارة الغربية المعاصرة، عندهم إحساس بأن العلم كأنما انتزع من آلهتهم انتزاعاً، فهم يعتقدون أن آلهتهم الوثنية كانت تحجر عليهم المعرفة، وتمنعهم منها، حتى أخذوا هم -عن طريق السرقة والتلصص- قبساً من هذا العلم؛ فتمردوا على الآلهة.
بينما عندنا في الإسلام الله عز وجل هو الذي يعلمنا ويأمرنا أن نتعلم، ويكفي أن يكون أول ما ينزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))[العلق:1-5] .
فـ العلم هنا منساق مع الشريعة، يؤيدها ويزكيها؛ ولهذا نحن لا نخاف من العلم، لا نقول: والله ممكن تطلع علوم تشككنا في ديننا، أو تشككنا في كتاب ربنا، لا، نحن نقول: مهما كان من الكشوف والاختراعات والعلوم والمعارف؛ فإنها سوف تزيد المؤمنين إيماناً، كما قال سبحانه: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))[فصلت:53] ، لكن ينبغي أن يكون في المسلمين من عنده من الفقه والوعي، والرشد والعقل والبصيرة، ما يستطيع به أن يكون محامياً صادقاً عن هذه القضية الموفقة، وإلا يكون الخلل من المسلمين أنفسهم، كما هو الواقع اليوم، حيث إن أمم الأرض هيمنت على الحضارات، وأصبح المسلمون في ذيل القائمة.


إشراقات في قوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض)

قال الله سبحانه وتعالى: ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))[البقرة:255].
وهذه أيضاً جملة من جمل هذه الآية الكريمة، قوله: ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ))[البقرة:255]، هذا هو الموضع الوحيد، الذي ذكر فيه الكرسي في القرآن الكريم، والكرسي معروف في اللغة، وهو المكان الذي يقعد عليه.
أقوال العلماء في المقصود بالكرسي في قوله تعالى (وسع كرسيه)

ذكر العلماء كـالطبري و ابن كثير وغيرهما في الكرسي أقوالاً عديدة، أصحها أو أشهرها ثلاثة أقوال:
أن يكون المقصود بالكرسي العلم، ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ))[البقرة:255]، يعني: علمه، وهذا رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وذكره الطبري ورجحه أيضاً؛ هذا الأول.
الثاني: أن الكرسي هو العرش؛ وهذا قول الحسن البصري .
والثالث: أن الكرسي هو شيء أمام العرش، وهو موضع القدمين؛ وهذا منقول عن جماعة من الصحابة كـابن عباس و أبي موسى الأشعري و عمر رضي الله عنهم أجمعين.
والأقرب أنه الثالث، فالكرسي: هو خلق من خلق الله، وهو في العادة وفي اللغة موضع القدمين، وهو خلق لا يقدر قدره إلا الله تعالى في العظمة والضخامة، حتى إنه سبحانه قال هنا: ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))[البقرة:255]، وظاهر الآية يدل على أن السماوات والأرض كلها في الكرسي.
إذاً: هو خلق هائل عظيم محيط بالسماوات والأرض، وهذا جاء عن ابن عباس وبعض المفسرين.
وبعضهم قالوا: إن قوله: ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))[البقرة:255]، يعني: أن الكرسي من السعة والضخامة، بحيث لو وضعت فيه السماوات والأرض لوسعها، وهذا أيضاً معنى قريب.
إذاً: المقصود أن الكرسي ليس هو العرش؛ لأن العرش شيء آخر، وهو الذي استوى عليه ربنا، كما في مواضع من كتابه: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5].


النهي عن الخوض في كيفيات وتفاصيل الأمور الغيبية كالكرسي

والكرسي ورد في أحاديث لكنها لا تصح، وآثار من جنس ما ذكرنا، وقد استوحش بعضهم من مثل هذه المعاني، ونحن نقول: إنما يقع الاستيحاش، إما بسبب بعض الروايات الضعيفة، التي تجعل الأمر في جانب أسطوري، مثل أن الكرسي على دابة، والدبة على حوت.. وغير ذلك، مما حشيت به بعض كتب التفسير، وهو من الغلط الكبير الذي ينبغي أن ينزه عنه القرآن، وتنزه عنه كتب العلم.
وإما يقع الاستيحاش بسبب التصور والتخيل، فإذا سمع الإنسان شيئاً من الأسماء والصفات؛ تخيله في عقله بصورة معينة، ثم نفاها، ونحن نقول: كلما يخطر في بالك فالله ليس كذلك، فضلاً عن أن هذه مخلوقات ليست صفات، وإنما هي مما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم.
فالجادة: أن نؤمن به كما ذكر الله، ولا ندخل في التفاصيل والكيفيات، التي تضيع بها الأوقات، وتختلف بها النفوس، ويقع الإنسان بسببها في الإرباك، إنما نمرها ونقرها كما جاءت، ونؤمن بها كما ذكرها الله تعالى في كتابه، ونستفيد منها معناها، بدلاً من أن يتحول القرآن والتفسير إلى جدل، وخصومات، وصراع، وتصنيف، نعرف أن الله تعالى لما ذكر لنا هذا المعنى، وهو معنى: ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))[البقرة:255] أراد سبحانه أن يكون في قلوبنا من الهيبة والتعظيم لجلال الله تعالى، وتعظيم خلقه، والإشارة إلى أننا لا نعرف إلا القليل، وأن ما لا نعرفه من خلق الله تعالى أعظم، كما قال: ((فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ))[الحاقة:38-39]، وكما قال سبحانه: ((فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ))[الواقعة:75-76]، هذا هو المعنى الذي يراد أن يوقع في القلوب.
أما أن يتحول هذا إلى مماحكات ومجادلات تورث الشك، وتورث الريب، وتجعل الإنسان إذا قرأ الآية بدلاً من أن ينصرف بسببها إلى التعظيم، ينصرف بسببها إلى مناقرة ومناكدة ومعاندة، وأخذ ورد وجدل مع الآخرين، وهذا يضعف من إيمانه، ومن تعلقه بالله، وتعلقه بهذا القرآن الكريم.
فقوله سبحانه: ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ))[البقرة:255]، نقول: الكرسي موضع القدمين، وهو خلق عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وقد وسع السماوات والأرض، ولا استنكاف أن نقول: إن السماوات والأرض هي في الكرسي، كما دل عليه ظاهر النص، أو أن نقول: إن الكرسي من السعة بحيث لو وضعت فيه لوسعها.


إشراقات في قوله تعالى: (ولا يئوده حفظهما)

قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا))[البقرة:255] قوله: ((وَلا يَئُودُهُ))[البقرة:255]، أي: لا يثقله، ولا يعجزه، ولا يكرثه، ولا يشق عليه، هذه ألفاظ عن ابن عباس و سعيد و مجاهد و الحسن و السدي .. وغيرهم، وكلها ألفاظ متقاربة.
فقوله: ((وَلا يَئُودُهُ))[البقرة:255]، يعني: لا يشق عليه، ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ))[ق:38].
فالله تعالى عطاؤه كلام، وأمره كلام، وإذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، وليس الأمر أمر البشر، الذين يعانون الأشياء ويعالجونها، بالمحاولة والتعب والجهد، حتى يصلوا إليها، فالله تعالى له الكمال المطلق، الذي لا تحيط به العقول، ولهذا قال بعد ذلك كله: ((وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا))[البقرة:255] يعني: حفظ السماوات والأرض، لا يعجز الله ولا يشق عليه سبحانه، بل هو عليه هين، ويجوز أن يكون مرجع الضمير في قوله: ((وَلا يَئُودُهُ))[البقرة:255] إلى الكرسي، يعني: مع أن الكرسي وسع السماوات والأرض، إلا أنه لا يئوده، يعني: ليس ثقيلاً عليه حفظهما.
والأول أصح: أن مرجع الضمير إلى الله تعالى؛ لأن السياق السابق يقتضيه، وكذلك الحفظ فإن الحفظ من شأن الله، فالله تعالى هو الحافظ، وهو الحفيظ، وهذا من معاني قوله: (( الْقَيُّومُ )).
وكذلك مما يؤكد أن مرجع الضمير إلى الله قوله سبحانه: ((وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ))[البقرة:255]، فالله تعالى هو العلي بذاته فوق عرشه، فله علو الذات، خلافاً لمن أنكر ذلك أو استنكره فالله تعالى قال: ((أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))[الملك:16]، ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ))[الزخرف:84]، ((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ))[النحل:50].


إشراقات في قوله تعالى: (وهو العلي العظيم)

قال الله سبحانه وتعالى: ((وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ))[البقرة:255]، فالله تعالى هو العلي، له علو الذات، وله علو القهر والغلبة على عباده، وله علو القدر والمكانة.
وذِكْرُ العلو يجعل عند الناس التواضع؛ فلا يتكبرون على من هو دونهم، ولا يزعمون لأنفسهم مكانة ليست لهم؛ ولهذا في حديث أم سلمة رضي الله عنها: (سألها النبي صلى الله عليه وسلم عن أعجب ما رأت في الحبشة -وقد ذهبت في الهجرة- فقالت: رأيت رجلاً أو شاباً دفع امرأة، فنثر ما كان معها من ثمر أو غيره، وضحك منها، فالتفتت إليه وقالت له: ستعلم يا غادر إذا نصب الكرسي، ونزل الله تعالى لفصل القضاء، ماذا يكون جزاؤك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، صدقت، لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع).
انظر! عندنا هذه القيم العظيمة، التي تجعل العبد يؤمن بالله عز وجل، فيتواضع لعباده، ولا يتكبر ولا يشمخ بنفسه، لا بعلم، ولا بعبادة، ولا بمال، ولا بسلطان، وإنما يعرف قدره ويتواضع، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول لرجل لما رأى اضطرابه: (هون عليك! فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد).
ويعطي أصحابه أن يأخذوا حقهم ويستقدوا منه صلى الله عليه وآله وسلم في كل الأشياء، حتى يقول لرجل يناديه بمحمد بن عبد الله -اسم أبيه وجده- فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن الاسم الذي سمانيه به أبي محمد)، فكان صلى الله عليه وسلم رمزاً للتواضع والإخبات والانكسار.
حتى في أعظم حالاته انتصاراً، دخل مكة عام الفتح مطأطئ الرأس، خاضعاً لله عز وجل، منكسراً لجلاله وعظمته، بينما الملوك والأباطرة، وأصحاب الجيوش والقادة، يدخلون البلاد فاتحين؛ فتسيل الدماء أنهاراً، و يروى عن بعض أمراء بني العباس أنهم لما حكموا قتلوا من بني أمية من قتلوا، ثم وضعوا البساط على الجثث، وأمروا بالطعام ليأكلوه، سواء صحت هذه القصة أو لم تصح، فإن في التاريخ وفي الواقع اليوم من مظاهر التمرد والطغيان البشري -لمن أعطي قدرة أو غنى: ((كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى))[العلق:7]- الشيء الكثير، بينما القرآن يربي الناس على التواضع.
ولا تقل: أنا لو كان لي من الأمر شيء لكنت متواضعاً، لك من الأمر شيء، جرب تواضعك مع زوجتك، واسمح لي أكرر هذا المعنى، جرب تواضعك مع أولادك، جرب تواضعك مع السائق أو الخادم الذي عندك، أو المرءوس أو الطالب أو الموظف أو الجار، أو أي أحد من الناس، ألا تشمخ بأنفك، ولا تتكبر، ولا ترى نفسك شيئاً، بل بدلاً من أن تتسلط على الناس، تراقبهم وتحاسبهم، وتسألهم، وتتهمهم، وتتكلم فيهم، سلط نفسك وأضواءك وتفكيرك على ذاتك، وكم فيك من العيب والخلل والنقص، وكم تحتاج إلى التدارك؛ هذا من معاني إيمانك بالله العلي جل وتعالى؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول هنا: (صدقت.. صدقت، لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع)، مثل هذا النص، ومثل هذا الحديث يوجب علينا -معاشر المسلمين!- أن نكون أنموذجاً حياً في ذلك .
أجد -اسمحوا لي- الكثير من إخواننا من غير السعوديين الذين يأتون إلى هذا البلد، كثيراً ما يشتكون إليَّ أنهم قد يجدون مثلاً من بعض الشباب، أو حتى أحياناً من بعض الناس الذين لهم أسلوب في التعامل ليس جيداً، وقد يكون فيه استعلاء، وقد يقع أن يرميهم أحد بالحجارة، يوماً من الأيام كبير الأطباء في مستشفى من أكبر مستشفيات المملكة حدثني، وذكر مجموعة من الشباب رأوه، مع أن معه جنسية، لكنهم ظنوا أنه لا يحمل الجنسية؛ فرموه بالحجارة، وعملوا له ما عملوا، وكانوا يتضاحكون ويتساخرون فيما بينهم، كقصة المرأة الحبشية التي ذكرت أم سلمة خبرها.
نحن بأمس الحاجة إلى أن نقتبس من معاني أسماء الله تعالى وصفاته، ما يخلق بنا أن نتعامل به مع القريب والبعيد، من الرحمة، من الخلق الكريم، من الصبر، من الحلم، من التواضع، وإلا فأي معنى لكلام يدعيه الإنسان، والواقع يكذبه، ومجتمعات المسلمين أحوج ما تكون اليوم إلى مثل هذا المعنى.
معنى قوله تعالى (العظيم) وذكر أهمية دراسة تفسير آية الكرسي

قال سبحانه: ((وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ))[البقرة:255]، العظمة أيضاً هي من صفاته، فالعظيم من أسمائه الحسنى، فهو العظيم بذاته وأسمائه وصفاته وخلقه جل وتعالى.
وهكذا يبدو لك أن هذه الآية الكريمة، اشتملت على مجموعة كبيرة من أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وأفعاله سبحانه، وبذلك كان لها من الفضل والمكانة في القرآن الكريم ما لها، وقد ورد في هذا الفضل أحاديث كثيرة، ذَكَرْتُ في صدر الحديث أصح ما ورد فيها، وقد أطنب الإمام ابن كثير في التفسير في ذكر بعضها، وتوسع آخرون - كـالرازي و الزمخشري وغيرهما- في ذكر أحاديث، قد يكون بعضها ضعيفاً وبعضها موضوعاً؛ مما لا حاجة إلى ذكره وسياقه.
فهذه الآية الكريمة نحن نقرؤوها كثيراً في أدبار الصلوات، وعند النوم، وفي مناسبات كثيرة، والكثيرون يجعلونها مع وردهم في الصباح والمساء؛ فأحببت أن نلقي الضوء عليها؛ حتى يقرأ الإنسان أو يسمع هذه الآية الكريمة، وعنده بعض المعرفة والإدراك والفهم والتفسير لمعناها؛ لئلا يكون كلاماً يردده الإنسان بلسانه، بل كلاماً يتواطأ فيه اللسان مع القلب، ويقال لقارئ القرآن يوم القيامة: (اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)، وأقرب الناس إلى الله تعالى منزلة من قراء القرآن الكريم هم من قرءوا بتدبر وتمعن: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ))[ص:29].


الأسئلة


سبب تسمية آية الكرسي بهذا الاسم

السؤال: لماذا سميت آية الكرسي بهذا الاسم؟
الجواب: ذكرنا هذا؛ لأنه ذكر فيها الكرسي.


علاقة اسم الله الأعظم بالحي القيوم

السؤال: هل ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255] هو اسم الله الأعظم؟
الجواب: أحسنت! ذكرت أن ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ))[البقرة:255] أساس وأصل لمعظم أسماء الله الحسنى؛ ولهذا قال بعضهم: إنه اسم الله الأعظم، وقد جاء هذا في الحديث المرفوع.


الاهتمام بترجمة الحافظ ابن حجر

السؤال: ألا ترى هناك تقصيراً كبيراً في ترجمة ابن حجر العسقلاني ؟
الجواب: كلا، فهناك مجلدات مطبوعة في ترجمة هذا الإمام الحافظ .


حكم قتل النمل

السؤال: ما حكم قتل النمل؟
الجواب: إذا آذاك فاقتله، أما إذا لم يؤذك فدعه.


مكان نظر المصلي في الجلسة بين السجدتين

السؤال: إلى أين ينظر المصلي في الجلسة بين السجدتين؟
الجواب: كأنه ينظر موضع سجوده، وبعضهم قال: ينظر إلى إصبعه.


كيف تكون صفة النوم في حق بني آدم صفة كمال؟

السؤال: الذي نعرفه عن النوم أنه صفة نقص، والله سبحانه منزه عن كل نقص وعيب، فكيف يكون صفة كمال للناس، وفيه عيوب كثيرة، مثل: الغفلة، والكسل، والخمول؟
الجواب: يكون صفة كمال؛ لأن الله جبل الإنسان على النقص، فهو مثل الأكل، الإنسان يحتاج إلى الأكل، ولو لم يأكل لكان هذا عيباً ونقصاً فيه؛ لأن جسمه لا يقوم إلا بذلك.


بيان عدد مرات ذكر الضمير العائد إلى الله تعالى في آية الكرسي

السؤال: كم مرة ذكر الله تعالى الضمير العائد إليه؟
الجواب: سبعة عشر مرة في هذه الآية.


تفاضل آيات القرآن الكريم وسوره على بعضها البعض

السؤال: ذكرتم أن سورة الإخلاص هي أعظم سورة في القرآن، فهل هي أعظم من سورة الفاتحة؟
الجواب: لم يرد في سورة الفاتحة من الفضيلة مثل ما ورد في سورة الإخلاص، ولكل سورة مكانها وفضلها، وهذا دليل على تفاوت القرآن الكريم، وأن بعضه يكون أفضل من بعض، وقد خالف في هذا بعضهم: كـالأشعري وغيره، وذهب الأكثرون إلى إمكانه، وهو الصحيح أن القرآن يتفاوت، فبعضه أفضل من بعض، وقد كتب في هذا الإمام ابن تيمية رحمه الله كتاباً اسمه: جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسوله الرحمن من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، وذكر في مقدمته هذه المسألة، وأن الآيات تتفاضل فيما بينها.


الحكم على حديث (الدنيا ملعونة ..)

السؤال: هل صحيح أن حديث: (الدنيا ملعونة) لا يصح؟
الجواب: نعم، سبق أن ذكرنا في بعض المناسبات: أن هذا الحديث ليس بقوي سنداً ولا متناً، بل متنه فيه نكارة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن باللعان، ولا بالطعان، ولا الفاحش ولا البذيء، وإذا لعنت الدنيا كلها فماذا بقي لم يلعن؟ وفي الصحيح: (أن رجلاً لعن ناقة؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصحبنا ناقة ملعونة)، فتركها وهي ناقة، فكيف إذا لعنت الدنيا كلها، فهذا الحديث فيه نكارة في متنه ولا يصح ، وقد يكون له أثر سلبي عند بعض الناس في مزيد من الإعراض عن الدنيا، حتى لو كانت في الخير.


الحكمة من جمع السماء على سماوات وإفراد الأرض

السؤال: هل صحيح قول بعض العلماء: إن سبب جمع السماء بالسماوات أن فيها عوامر يعمرونها، أما الأرض فلا تعمر إلا الأرض التي نحن عليها؟
الجواب: الله تعالى أعلم، وقد يكون ذلك؛ لأن خلق الأرض مختلف عن خلق السماء، كأن الأرضين السبع طبقات بعضها تحت بعض، في هذا الأرض التي نحن عليها.


حكم إهداء المخطوبة دبلة

السؤال: شاب يريد الخطبة، وقيل له: يهدي مخطوبته دبلة، فهل يجوز ذلك؟
الجواب: لا بأس أن يهديها إذا تمت الخطوبة، ووافقوا عليه.


حكم من تجاوز الميقات وأحرم للعمرة من ميقات المدينة

السؤال: شخص أراد العمرة وذهب للطائف وتجاوز الميقات ناسياً، ووصل جدة ، ويريد الذهاب للمدينة للصلاة هناك، ثم إذا رجع أحرم من المدينة ؟
الجواب: نعم، ما دام ذهب إلى المدينة ؛ فإنه يحرم من ميقات المدينة إذا مر به.


معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام (من أحصاها دخل الجنة) وذكر كتاب يحوي أسماء الله الحسنى

السؤال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحصاها دخل الجنة)؟ وهل هناك كتاب معتمد يحوي أسماء الله الحسنى؟
الجواب: قوله: (من أحصاها دخل الجنة)، يعني: من حفظها وعرف معناها، ودعا الله تعالى بها، وحاول أن يستحضرها في قلبه.
أما الكتب فهي كثيرة جداً، ومن ذلك كتاب مختصر للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، اسمه: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى .


الحكم على الأثر المذكور عن موسى عليه السلام في سؤال الله هل ينام أو لا؟

السؤال: هل صح في الحديث: (أن الله تعالى قال لـموسى : لو نمت لزلت السماوات والأرض)؟
الجواب: هذا فيه أثر ذكره غير واحد من أهل العلم، وأشار إليه الطبري في تفسيره: [أن موسى وقع في نفسه: هل ينام الله أو لا ينام؟ فأوحى الله تعالى إلى الملائكة أن يسهروه، ثم وضعوا في يديه قارورتين، فكان يصيبه النعاس فتصطدم القارورتان]، ولكن هذا منكر، وقد أنكره البيهقي و ابن كثير و الفخر الرازي .. وغيرهم، وحق لهم أن ينكروه، فإن موسى من المعرفة بالله، بحيث لا يقع في باله هذا، وإنما الصحيح أن هذا مما سأله بنو إسرائيل، وقد عرف عن بني إسرائيل التعنت في السؤال، وقالوا لـموسى ولغيره ما قالوا، فمن ذلك: أنهم سألوا موسى : [هل ينام الله تعالى؟ فقال لهم: ((اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ))[المائدة:57]]، وأوحى الله تعالى إليه بهذا، ولعل هذه الآية الكريمة -وهي في سورة البقرة- التي فيها الحجة على اليهود كما ذكرنا، لعلها أيضاً في مقام تعريف المسلمين بربهم، ونفي ما كان يدعيه أو يقوله اليهود في المدينة .


نصيحة لمن يخلو بمحارم الله فينتهكها

السؤال: ما إرشادكم فيمن إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، يعني: السؤال الذي ذكرته؟
الجواب: أقول أولاً: الإنسان الذي يعرف من نفسه النقص والتقصير؛ عليه أن يكف عن الناس؛ لأن بعض الناس تكون عنده ضراوة على الخلق واندفاع، ولا يكون عنده ذلك على نفسه، بل ينبغي أن يكون الإنسان على نفسه بصيرة، وبدلاً من أن يفرط في مراقبة الناس وأذيتهم، عليه أن يقبل على نفسه، وأن يصلحها، وعليه أيضاً بكثرة الاستغفار والتوبة.


الحكم على حديث (كحلقة في فلاة)

السؤال: حديث: (كحلقة في فلاة)؟
الجواب: هذا ضعيف.


طلب الدعاء من الشيخ من حديث عهد بطلب العلم

السؤال: ادع الله لي؛ فأنا حديث عهد بطلب العلم؟
الجواب: أدعو الله لك، وأحبك الله.


حقيقة النوم وعدم حاجة أهل الجنة له

السؤال: يقال: النوم موتة صغرى، والإنسان إذا نام ذهبت روحه إلى السماء؟
الجواب: لا شك أن النوم موتة صغرى؛ ولذلك أهل الجنة لا ينامون؛ لكمال النعيم الذين هم فيه.


نصيحة للمبتدئ في طلب العلم

السؤال: أنا مبتدئ في كلية الشريعة، وليس عندي حصيلة علمية كافية؛ لأني -كما قيل- لي صحبة، فما توجيهكم؟
الجواب: أنت إن شاء الله على طريق خير، والمهم أن تسعى في التحصيل، وتبحث عن العلم الذي ينفعك.


مسألة وجود المجاز في القرآن الكريم

السؤال: هل هناك مجاز في القرآن الكريم؟
الجواب: هذه مسألة مختلف فيها، ومنهم من نفاه مطلقاً، ومنهم من أثبته مطلقاً، ومنهم من أثبته بقرينة، والمقصود ليس الإشكال في وجود ا لمجاز؛ فالمجاز عرف، حتى كتب أبو عبيدة في مجاز القرآن معنى الآية ودلالتها، لكن لا يكون المجاز مدخلاً إلى التوسع في التأويل، خصوصاً فيما يتعلق في الغيبيات، وأسماء الله تعالى وصفاته.


إحالة في موضوع القضاء والقدر على حلقة في برنامج (الحياة كلمة) حول هذا الموضوع

السؤال: الناس يقولون: كل شيء مقدر؛ إذاً لن أفعل شيئاً؟
الجواب: هذا موضوع يطول الحديث فيه، وأحيل الأخ إلى حلقة سبق أن ألقيتها، وهي موجودة في برنامج: (الحياة كلمة) في الإنترنت، حول قضية القضاء والقدر، يمكن أن تسمع؛ لعل الله أن ينفعك بها.


نصيحة للطالب المبتدئ

السؤال: درس أسبوعي نريد في بداية العام الدراسي موضوعاً في معرفة ربط هذا القلب بالله سبحانه وتعالى، ما هي الطريقة المناسبة لطالب العلم في طلب العلم، من حيث القراءة، والحفظ، والدروس؟ وما هي نصيحتك للطالب المبتدي؟
الجواب: نصيحتي للطالب المبتدي هي المواصلة:
تسألني أم الخيار جملاً يمشي رويداً ويجئ أولاً
يبدأ الطالب ثم سرعان ما ينقطع، أو ينوء به الحمل، عليك أن تمشي بهدوء ورويداً، وألا تندفع كثيراً، وألا تتوقف أيضاً، وعليك بالإخلاص.


الحكمة من نزول النعاس أمنة على المؤمنين في غزوة بدر

السؤال: كيف يكون النعاس محموداً في الجهاد في سبيل الله؟
الجواب: لا، هو مما أنزله الله تعالى على المؤمنين، لما أصابهم الغم والهم والحزن؛ فغشاهم الله تعالى النعاس أمنة منه، فسقطت السيوف من أيديهم، ثم عادت إليهم قوتهم ونشاطهم، وذهب ما بهم من الهم.


ذكر بعض الكتب في أسماء الله وصفاته

السؤال: الكتب التي تنصح بشرائها في أسماء الله وصفاته؟
الجواب: كتب كثيرة، وكلها فيها خير إن شاء الله، فيه كتاب للأخ محمد الحمود أيضاً مجلدين في أسماء الله وصفاته.


حكم التفكر في الكرسي وما فيه

السؤال: هل يفضل عدم التفكر فيما يقصد بالكرسي؟
الجواب: إذا كان مقصودك بالتفكر يعني: التخيل؛ فهذا شيء مما لا تحيط به، ولو تخيلت فلن تهتدي إلى شيء، ويكفيك أن تقرأ القرآن، لكن أن يكون في ذلك تفكر وتدبر في عظمة خلق الله، وكيف أن هذا الكرسي محيط بالسماوات والأرض، أو يسع السماوات والأرض، وما هو إلا خلق من خلق الله؛ فهذا تفكر محمود.


حكم إطلاق كلمة أجانب على غير السعوديين من العرب وغيرهم

السؤال: هل يجوز أن يقال لإخواننا غير السعوديين: أجانب؟
الجواب: لا ينبغي، إلا أنه من حيث اللغة الأجنبي واسع، حتى مثلاً المرأة يقال: هذا أجنبي منها، إذا لم يكن محرماً، حتى ابن عمها، وابن خالها، وجارها، هم أجانب، فالأجنبي قد يكون كما قال الله: ((وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ))[النساء:36]، ولكن لا أرى استخدام هذه الكلمة؛ لأنها كلمة فيها عنصرية، ويفهم منها معاني مرذولة؛ فينبغي ألا تستخدم في هذا السياق.


معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)

السؤال: ما معنى: (لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)؟
الجواب: يعني: أنه تكون قراءته لهذه الآية سبباً في دخوله الجنة.


سبب ورود العطف في قوله (ولا يحيطون بشيء من علمه)

السؤال: ما هو سبب ورود العطف في قوله: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ))[البقرة:255]؟
الجواب: ذكرت أن ورود العطف؛ لأن قوله: (ولا يحيطون) نفي لما أثبته لذاته سبحانه عنهم، فهو يعلم كل شيء، أما هم فلا يحيطون بشيء من علمه.
سبحانك اللهم وبحمده، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك..






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق