حرب أميركا في أوكرانيا (14) الصين ستقاتل حتى النهاية
عندما توعّد الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن أي محاولات خارجية لإخضاع بكين ستضرب رؤوسها الدامية في سور الصين الفولاذي الذي صنعه أكثر من 1.4 مليار صيني؛ دوت كلماته هذه بحدّة في أروقة السياسة الغربية ووسائل إعلامها، وفي أوساط خبرائها ومراقبيها.
قال شي جين بينغ "إن شعب الصين لن يسمح أبدًا لأي قوة أجنبية بالتسلط عليه أو قمعه أو إخضاعه"، متعهدًا بتعزيز الجيش الصيني، وإعادة توحيد تايوان، وضمان الاستقرار الاجتماعي في هونغ كونغ مع حماية أمن الصين وسيادتها، مشددًا على أن "شعب الصين لا يجيد تدمير العالم القديم فحسب، بل أنشأ أيضًا عالمًا جديدًا"، وعلى أن الصين "ستعزز قواتها المسلحة لحماية سيادتها وأمنها وتنميتها، ورفعها إلى مستوى عالمي"، وموضحًا "أن الشعب الصيني لم يرهب أو يضطهد أو يستعبد شعوب الدول الأخرى"، في رسالة مباشرة للدول الغربية التي استعمرت دول العالم، ومزقت أوصالها، ونهبت خيراتها.
إذا تجرأت أي جهة على فصل تايوان عن الصين فلن تتردد الصين في القتال، وستقاتل بأي ثمن، حتى النهاية، هذا هو الخيار الوحيد للصين، وإن السعي وراء استقلال تايوان طريق مسدود.
هذه العبارات قالها الرئيس الصيني بمناسبة الاحتفال بمرور 100 عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني مطلع يوليو/تموز من العام الماضي، الذي بلغ عدد أعضائه نحو 100 مليون عضو. هذه الكلمات، ما زالت تجلجل في آذان الزعماء الغربيين الذين يعدّونه أقوى زعيم للصين منذ ماو تسي تونغ، مؤسس جمهورية الصين الشعبية، وصاروا يحسبون له ألف حساب، بعد القفزة الهائلة التي قام بها على صعيد بناء الأمة الصينية، ورفع سقف تطلعاتها إلى المنافسة على زعامة العالم، وتغيير النظام الدولي الحالي، والوقوف في وجه الولايات المتحدة الساعية إلى تعزيز زعامتها وحدها للعالم، وإحباط المحاولات الرامية إلى مشاركتها في هذه الزعامة.
في وجه الولايات المتحدة!
لم تعد الولايات المتحدة الوحيدة التي تضع خططها السنوية لتحقيق مصالح شعبها، الداخلية والخارجية، وتعزيز قدراتها النوعية القادرة على مواجهة أي نوايا عدوانية، والمحافظة على قيادتها للعالم. لم تعد القيادة الأميركية وحدها التي تعلن لشعبها وللعالم أن "قيادة العالم ليست استثمارًا تقوم به لتشعر بالرضا عن النفس، إنها الطريقة التي تضمن بها أن الشعب الأميركي قادر على العيش في سلام وأمن وازدهار، إنه في مصلحتنا الذاتية التي لا يمكن إنكارها"، وفقًا لما جاء في الموجهات الإستراتيجية المؤقتة للأمن القومي الأميركي التي وضعها الرئيس بايدن لإدارته في مارس/آذار الماضي، الموجهات التي يجري العمل بها بدقة عالية، منذ ذلك الوقت حتى الآن.
لم تعد الولايات المتحدة اليوم كما كانت عليه في سابق عهدها، تتكلم وغيرها ينصت، تقرر وغيرها ينفذ، تهدد وغيرها يرتعد، فقد وجدت نفسها أخيرًا أمام تحد لا يمكن تجاهله، هدد زعامتها، ويؤذن بأفول إمبراطوريتها، لتلحق بسابقاتها. ولذلك كان الرئيس واضحًا في الموجهات الإستراتيجية السابقة حين قال "يجب علينا أيضًا أن نتعامل مع حقيقة أن توزيع القوة في جميع أنحاء العالم متغير، مع خلق تهديدات جديدة. لقد أصبحت الصين، على وجه الخصوص، أكثر حزمًا وبسرعة، إنها المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكّل تحدّيا مستداما لنظام دولي مستقر ومنفتح، وروسيا لا تزال مصممة على تعزيز نفوذها العالمي ولعب دور تخريبي على المسرح العالمي. وقد استثمرت كل من بكين وموسكو بشكل كبير في الجهود الرامية إلى التحقق من نقاط القوة الأميركية ومنعنا من الدفاع عن مصالحنا وحلفائنا في جميع أنحاء العالم".
للمرة الأولى، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة، تواجه الولايات المتحدة موقفًا كهذا على مستوى مكانتها القيادية للعالم. وعلى الرغم من المواقف الباردة والتصريحات الدبلوماسية الصفراء التي تصدر عن الطرفين تجاه بعضهما، فإن كلا الطرفين لا يتردد في استعمال أشد العبارات سخونة وتهديدًا فيما يتعلق بالمصالح العليا والقضايا الوطنية الإستراتيجية. ومن هنا، كانت ردود وزير الدفاع الصيني وي فنغي على وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في منتدى النقاش السنوي للوزراء والجنرالات وخبراء الأمن، الذي أقامه في سنغافورة المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (البريطاني)، في يونيو/حزيران الماضي، حين رفض بشدة مزاعم الولايات المتحدة بشأن تصرفات بكين على الساحة العالمية، قائلًا "إن الولايات المتحدة تضغط من أجل المواجهة وتحاول تطويق الصين"، محذرًا من أن الصين "ستقاتل حتى النهاية" إذا تجرأت أي جهة على فصل تايوان عن الصين.
الصين مستعدة للحوار ما دامت المناقشات تدور باحترام متبادل، لكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد المواجهة فإن الصين ستقاتل حتى النهاية.
الرواية الصينية للأزمة
تتحرك الصين بنشاط واسع ومتسارع محليا وإقليميا ودوليا، سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا، لترد على الرواية الأميركية لطبيعة المنافسة والنزاع بينها وبين الصين، هذه الرواية التي تحتل المساحة الأكبر في النشاط السياسي والدبلوماسي إقليميا ودوليا، والتي تقدم الصين وروسيا وحلفاءها على أنها دول استبدادية شمولية تهدد الاستقرار والسلم الدوليين، وتهدد النظام الدولي القائم على القواعد، والقيم الديمقراطية الغربية.
وزير الدفاع الصيني رفض بشدة الاتهامات والتهديدات الأميركية ضد الصين، وأوضح في كلمته أمام مؤتمر سنغافورة المذكور آنفا رؤية الصين في النقاط الآتية:
يجب التعامل مع الشؤون العالمية من خلال المشاورات من قبل جميع أصحاب المصلحة، بدلًا من أن تملي دولة واحدة أو مجموعة صغيرة من الدول ما تريد. لا ينبغي لأي شخص أو أي دولة فرض إرادتها على الآخرين، أو التنمر على الآخرين تحت ستار التعددية. إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي والصين هي محاولة لبناء مجموعة صغيرة حصرية باسم منطقة المحيطين الهندي والهادي الحرة والمفتوحة، بهدف اختطاف دول في منطقة الصين واستهداف دولة معينة.
إستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي هي وسيلة لخلق الصراع والمواجهة واحتواء الآخرين وتطويقهم. الصين ترى أنه لكي تكون أي إستراتيجية قابلة للحياة، يجب أن تتكيف مع الاتجاهات التاريخية والعالمية وأن تسهم في السلام والأمن الإقليميين والمصالح المشتركة للجميع. يتعين على الدول التمسك بسيادة القانون، ومعارضة الإجراءات الأحادية الجانب.
نظام الحضارة الإنسانية يجب أن يقوم على أساس سيادة القانون، وإلا سيسود قانون الغابة. يجب على الدول ألا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. يجب رفض العقوبات الأحادية الجانب، والاختصاصات الطويلة المدى. إن أي بلد ليس في وضع يسمح له بمناصرة أي قاعدة أو نظام دولي، إذا كان يتبع فقط القواعد التي تناسب مصلحته. إن الصين بصفتها دولة رئيسة مسؤولة، ستستمر في المساهمة بنصيبها في بناء السلام العالمي، وتعزيز التنمية العالمية، وحماية النظام الدولي، وتوفير المنافع العامة. إن الصين لن تسعى للهيمنة، ولن تنخرط في التوسع العسكري ولن تشارك في سباقات التسلح. إن قضية تايوان شأن صيني داخلي، والصين ستحقق بالتأكيد إعادة توحيدها سلميا، والذين يدعمون استقلال تايوان لتقسيم الصين لن يحققوا ما يريدون.
إن الولايات المتحدة خاضت في السابق حربًا أهلية من أجل الوحدة، وعلى الرغم من أن الصين لا تريد أبدًا مثل هذه الحرب الأهلية، فإنها ستسحق بحزم أي محاولة للسعي إلى استقلال تايوان. إذا تجرأت أي جهة على فصل تايوان عن الصين، فلن تتردد الصين في القتال، وستقاتل بأي ثمن، حتى النهاية، هذا هو الخيار الوحيد للصين، والسعي وراء استقلال تايوان طريق مسدود. فيما يتعلق ببحر جنوب الصين، فإن الصين تسير على طريق تحويله إلى بحر من السلام والصداقة والتعاون.
الجهود المشتركة للصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ستؤدي إلى استقرار أكبر في بحر جنوب الصين، وحرية الملاحة ليست مهددة في بحر جنوب الصين، بالنظر إلى أن الصين من أكبر المستفيدين منها. إن بعض القوى العظمى مارست الهيمنة على الملاحة بحجة حرية الملاحة، واستعرضت عضلاتها بإرسال سفن حربية وطائرات حربية إلى بحر جنوب الصين.
على دول المنطقة توخي اليقظة ومنع الدول من خارج المنطقة من التدخل في المنطقة وتحويل بحر جنوب الصين إلى مياه مضطربة. على الولايات المتحدة التوقف عن تشويه سمعة الصين وعليها احتواؤها، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للصين، والتوقف عن الإضرار بمصالح الصين. إن الصين تأسف بشدة لما يدور في أوكرانيا، ولكن الدول التي تتطلع إلى تحقيق مكاسب من الوضع هي التي تسببت في الصراع، وإن الضغط والعقوبات من شأنهما حل الأزمة. إن الصين مستعدة للحوار ما دامت المناقشات تدور باحترام متبادل، لكن إذا كانت الولايات المتحدة تريد المواجهة فإن الصين ستقاتل حتى النهاية.
الإدارة الأميركية لا تلقي بالًا لهذه الرؤية الصينية، وتمضي قدمًا في تنفيذ رؤيتها التي شرعت في تنفيذها منذ عام 2017 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وحتى الآن، فإن جميع تصرفات الإدارة الأميركية الحالية تجاه الصين تؤكد أنها مصرّة على تكرار سيناريو أوكرانيا، ولا يبدو أنها مستعدة للتراجع عن ذلك.
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق