عربٌ يهنئون بحكومة بن غفير
وائل قنديل
أمس، الأحد، اليوم الأول من العام 2023 هنأ الجنرال عبد الفتاح السيسي في أكثر حكومات الاحتلال الصهيوني إجرامًا وتطرّفًا ودموية.
وبحسب المواقع المصرية التي تدار بمعرفة الأجهزة الرسمية، نشرت صيغة التهنئة على النحو التالي: "أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، اليوم الأحد، اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث هنأه على توليه منصبه رسميا ونجاحه في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة". وليس السيسي وحده على هذا المضمار، إذ سبقه بخطوة رئيس الإمارات، محمد بن زايد، الأكثر تحمّسًا لاحتضان إسرائيل ومخاصمة حركة حماس، منذ قرّر أن يتجاوز كل المتنافسين في سباق التطبيع.
حكومة نتنياهو التي أسعد تشكيلها الثنائي "السيسي- بن زايد"، وحفّزه للفوز بأن يكون صاحب التهنئة الأولى، تضم إيتمار بن غفير وزيرًا للأمن الداخلي.
وهذا، للتذكير فقط، أشدّ عناصر اليمين الديني الصهيوني تطرّفًا وإجرامًا، من واقع أحكامٍ قضائية، فضلًا عن أنه ابن مدرسة الحاخام مائير كاهانا، مؤسس حركة كاخ، المصنفة "إرهابية وفاشية"، والتي تجمع بين الغلو الاستعماري والتطرّف الديني. وجوهر عقيدة هذه الحركة أن العرب في فلسطين أعداء (أغيار) يجب إخراجهم بالعنف، وجلب جميع يهود العالم ليحلوا محلّهم.
خطاب بن غفير هو، حرفيًا، الطرح الذي رد به بنيامين نتنياهو على تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، قرارا يطالب محكمة العدل الدولية بالنظر في مسألة احتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية. وأظهر نتنياهو احتقاره الأمم المتحدة، واصفًا قرارها بأنه "حقير"، معتبرًا، في تبجّح لا مثيل له، أن الصهاينة ليسوا محتلين لفلسطين "اليهود ليسوا غزاة لأرضهم عاصمتنا المنتصرة القدس ليست محتلة قرارات الأمم المتحدة لا تلزم الحكومة الإسرائيلية في زمانها".
ذلك هو ما هنأ السيسي به، مؤكّدًا المؤكّد، ومثبتًا الثابت، أن طرح نتنياهو ليس أكثر من ترجمة لواقع عربي رسمي بائس، سبق الصهاينة أنفسهم في أن ينفي عنهم كونهم غزاةً ومحتلين أرض فلسطين، إذ لا معنى للعلاقات الرسمية الدافئة بين عديد الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، بما يشمله ذلك من سفاراتٍ مفتوحةٍ وصفقاتٍ تجاريةٍ وتحالفاتٍ اقتصادية شرق أوسطية، وأجواء مفتوحة للطيران الإسرائيلي، في سماء العرب، سوى أن هذه الأنظمة لا ترى في إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين احتلالًا أو غزوًا.
مفردات الواقع المزري تنطق بأن الأمم المتحدة فيما يخص مأساة فلسطين تحت الاحتلال تبدو أكثر عروبًة من جامعة الدول العربية، التي باتت محض نادٍ اجتماعي لم يبق سوى أن يكتبوا على واجهته "هذا المكان لا يتعاطى السياسة ولا يسمح بالتحدّث فيها داخله"، إذ صار لا يرى ولا يسمع ولا يتكلّم، كما لم يعد يذكره أحد في الكيان الصهيوني بالخير أو بالشر.
يبقى الأسوأ من مقاربة النظام الرسمي العربي للموضوع الفلسطيني معالجات مثقفين تتناول القضية الفلسطينية بوصفها شأنًا مرتبطًا بمسألة حقوق الإنسان فقط، إذ تظهر، أخيرا، موجة من الكتابات لا تطلب للفلسطينيين أكثر من تحسين أوضاعهم المعيشية في كنف الاحتلال الصهيوني، الذي يتناوله بعضهم كأن فلسطين كانت أرضًا لقبائل إثنية منقرضة، أو على وشك الانقراض، حتى اكتشفها مستعمرون، أو مستكشفون، فأقاموا فيها مجتمعًا بشريًا متحضّرًا، لا ينقصه سوى احترام ثقافات قيايا السكان الأصليين، وتحسين ظروفهم الحياتية، على غرار ما جرى بعد اكتشاف كندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا.
لا تختلف هذه المقاربة كثيرًا عن طرح نتنياهو إنه ليس ثمّة احتلال أو غزو صهيوني لهذه الأراضي، وكأنه لم تكن هناك فلسطين، دولة قانونية مكتملة الأركان في نظر القانون الدولي وفي حقائق التاريخ والجغرافيا، قبل أن تقرّر أوروبا أن تفرغ ما في جوفها من مجموعاتٍ لا تتحمّل وجودها، فتزرعها في أرض فلسطين، استثمارًا في أسطورةٍ، هي أكذوبة تاريخية وكهنوتية، لتحقيق مطامع استعمارية، وتلبية رغباتٍ عنصريةٍ لا تريد ذلك العرق بين تركيبتها السكانية.
الثابت الآن أن الكيان الصهيوني، في هذه اللحظة النادرة، هو التجسيد الكامل لنموذج الدولة الدينية العنصرية المتطرّفة، والصديقة للنظام الرسمي العربي، في وقتٍ يشن فيه هذا النظام حربًا استئصالية لكل حركات الإسلام السياسي المعتدل، تطبيقًا للتعريف الصهيوني للإرهاب، والذي هو كل حركات المقاومة للاحتلال والأصوات الداعمة لها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق