الخميس، 5 يناير 2023

هل يملك المسلمون النهوض دون الاعتماد على الغير؟

هل يملك المسلمون النهوض دون الاعتماد على الغير؟


أكاديمي، وسياسي،

 عند انطلاق حقبة الربيع العربي، اعتقدت الشعوب العربية أنها قد تحصل على الدعم من الدول الغربية من أجل تحقيق الديمقراطية. "ياسين أقطاي"

مع بداية عام 2023، نحتاج نحن المسلمين إلى أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة؛ نلقي نظرة على ماضينا، القريب والبعيد، ونحلل واقعنا ونخطط لمستقبلنا. الماضي القريب يشير إلى أن جزءا كبيرا من العالم الإسلامي -في القلب منه العالم العربي- تعرض للاستعمار الغربي على مدار قرن أو يزيد، تم خلاله نهب الثروات، وقتل مئات الآلاف بل الملايين من شباب الأمة.

الأنظمة والحكومات الغربية لم تكفّر عن جرائم الاستعمار التي قامت بها بلدانها على مدار القرن الماضي، بل إن الاحتلال في ذاته جريمة كانت تستوجب التكفير عنها والاعتذار للشعوب التي تم احتلالها وتقديم يد العون والمساعدة لها؛ فضلا عن الجرائم التي ارتبكت على مدار سنوات الاحتلال.

هذا هو الغرب

فالغرب الذي يتمسك بحقوق الضحايا في حادث طريق أو انهيار مبنى أو أي عمل إرهابي -وهذا حقهم بلا شك- حتى وإن مر عليه عشرات السنين؛ نجده لا يقدم ولو مجرد اعتذار لشعوب أباد سكانها ونهب خيراتها، والأكثر من هذا أنه لا يزال يتآمر على هذه الشعوب ويجدد استعمار بلدانها ولكن بطرق أكثر حداثة.

وعند انطلاق ما يعرف بحقبة الربيع العربي، اعتقدت الشعوب العربية -بحسن نية- أنها قد تحصل على الدعم اللازم من الدول الغربية من أجل تحقيق الديمقراطية، ولكن خابت آمال هذه الشعوب في التخلص من ربقة الاستبداد، ولم تلق أي دعم من الأنظمة الغربية لنجاح تجربة الربيع العربي، بل على العكس من ذلك وجدنا أنظمة غربية وإقليمية تتورط في دعم الاستبداد والقمع والدكتاتورية في المنطقة العربية.

ولا يستطيع منصف أن يبرئ العالم الغربي من الجرائم التي ارتكبها ضد العالم الإسلامي باحتلال بلدان كثيرة منه سابقا، وبالتآمر عليه وعلى الكثير من شعوبه بدعم الدكتاتوريات في الوقت الراهن.

فالعالم الغربي الذي ظل سنوات يتشدق بدعم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان؛ يضق الخناق على العالم الإسلامي كلما ظهرت بوادر للتحول الديمقراطي، أو كلما لاحت في الأفق بارقة أمل في نهضة إسلامية.

نستطيع

والسؤال المطروح.. هل يمتلك العالم الإسلامي القدرة على النهوض وحده، دون مساعدة من هذه الأنظمة الغربية؟ الإجابة: نعم، نمتلك القدرة على ذلك، فللأمة الإسلامية رصيد كبير وعريق من البناء والحضارة، قادت فيه العالم نحو النور والمعرفة في الوقت الذي كان يغرق فيه الغرب في ظلمات الجهل والتخلف.

هذا إضافة إلى أن أمتنا تمتلك منظومة من القيم والفضائل لا يمتلكها غيرنا، حتى وإن كانت هذه المنظومة القيمية موجودة في ديانات أو مذاهب أخرى؛ فإنها غير متاحة بهذا النسق المتكامل، الذي يلبي احتياجات الإنسان، فردا كان أو جماعات، وهذه المنظومة القيمية التي يمتلكها المسلمون ليست مجرد شعارات أو نظريات جوفاء؛ بل هي تجارب عملية سبق أن تم تطبيقها.

ونحن في بداية عام جديد، من المهم لنا نحن المسلمين أن نقف مع أنفسنا وقفة جادة، نقيم فيها واقعنا الراهن، ونفكر في كيفية الخروج منه إلى مستقبل أفضل، وأرى أنه من الضرورة بمكان ألا نقصر نظرتنا إلى تاريخنا الإسلامي على أنه مجرد مصدر للتفاخر والتباهي فقط؛ فأسلافنا لم يصنعوا الحضارة من خلال تغنيهم بالآباء والأجداد؛ إنما تحقق لهم هذا العمل والجد، وفق منظومة القيم التي شرعها لنا ديننا الحنيف.

وبالطبع لكي تتحقق عملية النهضة، يجب على العالم الإسلامي أن يتعافى داخليا أولا، من خلال تشخيص الأمراض التي تصيب جسد الأمة، ويعمل على الاستشفاء منها، وهناك دراسات وأبحاث جادة ومفيدة في هذا الاتجاه.

الأمر المهم أيضا، هو روح التعاون بين المسلمين، أفرادا ومجتمعات؛ فبالتعاون يتحقق التكامل، وتوظف الطاقات، وترتب الأولويات، وهو ما يعرف في الإسلام بروح الأخوة والتعاون على البر والتقوى، الذي أمرنا ديننا به. نعم.. الأمة قادرة على النهوض وحدها، دون الحاجة إلى الاعتماد على الغير، إذا ما أخلصنا النيات وانطلقنا في عمل جاد، نقصد به مرضاة ربنا ونهضة أمتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق