الثلاثاء، 18 يوليو 2023

كيلو بامية... البطة الحامية!

 كيلو بامية... البطة الحامية!

خواطر صعلوك


قرأت منذ أسبوعين تقريباً أنّ هناك توجّهاً لوزارة التربية في جعل الاختبارات التحصيلية تعتمد على مهارات التفكير العليا وليس الحفظ والتلقين فقط... وهذا شيء مبشّر بالخير.

ربما من أهم المشكلات التي تواجه التعليم في الكويت، هي أن أداة القياس الرئيسية هي «الاختبارات التحصيلية»، ورغم سلبياتها التي تفوق إيجابياتها، إلا أن معظم قيادات التربية في الكويت متمسكة بها، على اعتبارها الأداة الأكثر موضوعية والتي لا تجعل من المُعلّم مُقيماً يمتلك في يده مجموعة كبيرة من الدرجات، والسبب في ذلك أن المعلم نفسه -غالباً- يكون بعيداً عن الموضوعية.

لذلك تبقى «الاختبارات التحصيلية» في جميع المواد هي الأداة المفضلة في الاستخدام، ليس فقط لأنها الأسهل في عملية التصنيف وفرز الطلاب إلى «ناجحين وفاشلين» وفق أرقام وفي ورقة واحدة، ولكنها أيضاً لأنها الأسهل في إلقاء عبء مسؤولية الفشل والنجاح على الطالب نفسه.

لذلك يصبح لدينا مجموعة معلمين بمجموعة أفكار وأنشطة وإستراتيجيات تعلم وطرق تدريس دون وجود فكر موحد، ومنهجية تجعل من الطالب محور العملية التعليمية فعلاً كما تزعم كل أدبيات وزارة التربية.

إذاً، هذه الاختبارات تقيس الجوانب المعرفية النظرية، بل إن حتى الاختبارات المسماه بالاختبارات العملية هي أيضاً اختبارات نظرية التطبيق فيها محدد بإطار نظري لا يمكن الخروج عنه، ودائماً هناك إجابات نموذجية تُخطئ كل من يحاول أن يجد بديلاً أو حلاً آخر أو شكلاً مختلفاً فيه من الإحسان والتطوير.

لذلك فالقيادات التربوية أيضاً، لا أحد - حسب علمي- يحاول أن يجد بديلاً للاختبارات التحصيلية كأداة قياس رئيسية، رغم أن المجتمع استطاع أن يتحايل عليها بالغش والتسريب والدروس الخصوصية، ورغم تكاليفها العالية بدءاً من لجان وضع الاختبارات حتى عمليات التصحيح والرصد والتدقيق، ورغم ظهور اقتصاديات غير منتجة من وراء هذه الاختبارات، إلا أنها ورغم كل سلبياتها تبقى هي «المفضلة والمدللة» لدى القيادات ومراكز التطوير وما يُدعى بالجودة في التعليم... حتى اللجان المنوط بها محاربة ظاهرة الغش لم يدر في خلدها أن الموضوع برمته ليس له علاقة بالجدل القائم بين وزارة التربية ووزارة الصحة في وجود أجهزة للتشويش من عدمه في قاعات الاختبارات، بقدر أن الموضوع المطروح فعلاً هو إلى أي مدى نحتاج فعلاً إلى الاختبارات التحصيلية؟

... وهكذا أصبح لدينا وزارة تعليم بلا تعلم للطالب، وأصبح لدينا طالب يكبر ويصبح موظفاً وقيادياً غير قادر على إيجاد البدائل، وتصبح لدينا مجموعة كبيرة من المشاكل دون وجود خيال قائم على التعلم لحلها، وأسهل طريقة هي أن نلعب «كيلو بامية... البطة الحامية»... وندور مع معلم يُدرس مقرّراً من أجل اختبارات تحصيلية نظرية تصنف مستقبل البلد ما بين «ناجح وفاشل» وفق تصنيف عمودي مرتب بالدرجات والأرقام التي لم تقس أي معارف ومهارات وحكمة وعطاء ونفع واحترام سوى معارف اللغة والرموز... فيصبح الناجحون منا هم أصحاب اللغة الإنشائية والذين يتحولون إلى رموز حنجرية، ويصبح الفاشلون منا هم أولئك الذين لم تسمح لهم الاختبارات التحصيلية في أن يكون لهم وجود.

خليل السكاكيني هو تربوي فلسطيني مات منذ 124 سنة، قبل أن يقرر النظام العالمي توحيد شكل المدارس، فأسّس مدرسة بلا اختبارات ولا جوائز ولا عقاب، بل مدرسة قائمة على «كرامة» المُتعلّم في أن يتعلّم.

دائماً هناك «بديل» ودائماً هناك حل، ولكن دعونا نتفق جميعاً أن هناك مشكلة أولاً. 

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق