حرية التعبير بين تويتر وثريدز
يكشف الاهتمام العالمي بالمعركة بين إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ حجم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءا من الحياة اليومية للمليارات من البشر، فالصراع بين “تويتر” والمنصة الجديدة “ثريدز” التي أطلقتها شركة ميتافيرس يعكس طبيعة المعارك التقنية المستقبلية للاستحواذ، وتغوّل الشركات الاحتكارية الكبرى وحرصها على استقطاب الجمهور.
رغم أن شركة ميتا تؤثر في أكثر من ثلث البشرية فإن رئيسها لم يضيع الفرصة عندما لجأ إليه الموظفون الذين طردهم صاحب تويتر فأنشأ المنصة الجديدة التي انضم إليها عشرات الملايين في أول أسبوع من إطلاقها، مستغلًّا الإمكانيات التقنية الكبيرة لشركته، ولتسهيل الاشتراك تم ربطها بـ”إنستغرام” الذي يستخدمه مليارَا شخص.
عدد مستخدمي تويتر في بداية عام 2023 يبلغ 556 مليون شخص، وهو أقل بكثير من عدد مستخدمي ما تمتلكه ميتا، فالفيسبوك يقارب 3 مليارات مستخدم والواتس ملياران وإنستغرام ملياران، لكن تأثير تويتر كبير ولا يستهان به، فالسياسيون والمشاهير ورؤساء الدول والوزراء وأعضاء المنظمات الدولية يفضلون النشر على تويتر.
معايير الفيسبوك والهجرة إلى تويتر
الفيسبوك أكثر شعبية وأوسع انتشارا وبه الكثير من المزايا التي تجذب كل الأعمار، فهو وسيلة تواصل مفضلة لأفراد الأسرة والمجتمعات الصغيرة والكبيرة، خاصة من خلال تطبيق الماسنجر الذي يستخدمه ما يقارب 950 مليون شخص، وتستخدمه الشركات وشبكات رجال الأعمال، وكان الفيسبوك في البداية وسيلة النشر المفضلة لدى كثيرين من أصحاب المحتوى قبل أن يذهبوا إلى تويتر بسبب قيود النشر.
بعد تطبيق إدارة الفيسبوك معايير تجامل اليهود والإسرائيليين، رغم أن ذلك يخالف قرارات الأمم المتحدة التي تؤيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وتدين الاستيطان وممارسات الاحتلال، وبعد التعسف في فرض الرقابة على حرية التعبير، تم إغلاق آلاف من صفحات السياسيين والنشطاء والمثقفين والمفكرين المؤيدين للقضية الفلسطينية.
وكان تحيز إدارة فيسبوك للصهيونية سببًا في هجرة الكثير من الأدمغة إلى تويتر، حيث يرتفع سقف الحرية وتبدو حرية التعبير أفضل بنسبة كبيرة، حتى إن القوى الحية في المجتمعات باختلاف لغاتها وجدت نفسها على تويتر أكثر من الفيسبوك؛ فانتعشت الترندات -رغم التلاعب بها- التي وفرت المعلومات والمساحات الجاذبة لتبادل الآراء، ومنها انطلقت حملات شعبية تعكس بشكل حقيقي حالة الرأي العام في شتى القضايا.
لقوة تويتر في التأثير شاهدنا ظاهرة الذباب الإلكتروني، وهي مجموعات مأجورة يتم توظيفها لشنّ حملات لصالح أشخاص ودوائر وحكومات بمقابل مادي، وإثارة البلبلة والتشوية المتعمد لسياسيين وأحزاب وجماعات منافسة، ونشر الأخبار الكاذبة والدعاية لخدمة زعماء وشخصيات تعاني من أزمات، وهذه الظاهرة المسيئة موجودة بشكل واضح في تويتر ولا نراها بنفس القدر في الفيسبوك.
النخب والنشطاء والسياسيون يفضلون تويتر لتفوقه في سهولة عرض المنشورات، وإمكانية متابعة ما يجري لحظة بلحظة على مدار الساعة، وبالتركيز والانتقاء الذي يفضله المستخدمون، والهاشتاغات التي جعلت المحتوى يصل إلى دوائر أوسع ويبقى متاحا ولا يختفي، مما جعل تويتر الأفضل في الإحاطة الإخبارية.
من يكسب المعركة في العالم العربي؟
هناك أكثر من عامل سيحدد من الفائز في المنافسة الجديدة بين تويتر وثريدز، بغض النظر عن عدد المستخدمين، فإذا قررت إدارة “ثريدز” تطبيق معايير الفيسبوك المنحازة للصهيونية فسيظل جمهور تويتر في الدول العربية كما هو، ولن يتأثر بالمنصة الجديدة، وبالتالي فسيظل تويتر هو الأكثر تأثيرا في أوساط النخب، وينعكس بصور شتى بعد ذلك في الفيسبوك ووسائل التواصل الأخرى والإعلام المحلي.
سقف الحرية هو الذي سيحدد مستقبل ثريدز في العالم العربي، فإما أن تسمح المنصة بحرية التعبير والرأي وتنوّع الآراء، فتغري من هجروا الفيسبوك إلى تويتر، وإما أن تصبح مجرد منصة عليها عدد كبير من المستخدمين يحجزون حساباتهم من باب المتابعة دون نقل نشاطهم إليها، ويستخدمونها وسيلة تواصل ومراسلة فقط.
قد تكون المنافسة مفيدة للمشتركين، فتويتر قد يبحث عن وسائل أخرى لتحقيق الأرباح غير الضغط على المستخدمين للاشتراك بمقابل مادي، تصل إلى التفكير في تقليل وصول المنشورات، وإدارة ثريدز قد تضطر إلى أن تكون أكثر تحررا وانفتاحا وتقدم الجديد وليس استنساخ وتقليد تويتر فقط.
تعيد معركة تويتر وثريدز التساؤلات حول إمكانية تأسيس مواقع تواصل عربية وإسلامية بمعاييرنا وبسقف حرية عال، ورغم ما قد يبدو من أن هذا الحلم بعيد في ظل واقعنا الراهن؛ فإن الأمر يحتاج إلى إعادة تفكير، خاصة أننا قطعنا أشواطا كبيرة في مجال الإعلام الإلكتروني والبث الفضائي وحققنا إنجازات كبيرة وتخلصنا من الاحتكار الإعلامي الغربي.
نتمنى أن نرى مواقع تواصل مستقلة تقبل التنوع الثقافي والحضاري وتحترم ثوابتنا، وتكون بعيدة عن الاحتكارات الضخمة التي تحركها أجندات الهيمنة على العقول، والتحكم في توجيهها وترويضها، وفرض قيم مجتمعات بعينها ومصادرة قيم باقي الشعوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق