الأربعاء، 11 سبتمبر 2024

حركة حماس والثورة السورية نموذجاً

 حركة حماس والثورة السورية نموذجاً

 

د/مضر أبو الهيجاء  


توطئة:
من نافلة القول أن مفردة الأمّة تعدّ من أهمّ وأبرز المفردات المرتبطة بالدّين قرآناً وسنّة، كما أن مصطلح الأمّة هو من أهم مصطلحات الكيان الإسلاميّ الّذي ورثناه عن النّبيّ ﷺ.
فهذه الأمّة القائمة حتى اليوم هي نتاج دعوة وجهاد النبي ﷺ وصحابته الكرام، ولأجلها بذل النّبيُّ ﷺ وصحبه الكرام الغالي والنفيس، وبالتالي فإن من الوفاء للنّبيِّ الأمين، ومن الأمانة تجاه الدِّين، أن نصون وحدة الأمّة ونحافظ عليها، وهي دلالة على سوية فهم الدّين وتتبُّع هدي النبي الكريم ﷺ. 
وإذا نظرنا إلى الخطاب الرباني –رغم اعتباره ورعايته للجانب الفردي- نجده في عموم القرآن الكريم خطاباً جماعياً دالّاً على قيمة العمل الجماعي وفاعليته في الدعوة والإصلاح وتعلُّم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحداث التغيير المطلوب والدّفاع عن المظلومين وقتال المعتدين، كقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70-71] ، وكقوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]، ما يشير إلى أنّ الأعمال الجماعية -التي هي نواة الأمة- هي المعتبرة في عبادة الله التي تحقّق عمارة الأرض، وتقيم الحقّ وتهدم الباطل كما أمرنا الله سبحانه وتعالى. 
وجاءت السنة لتعزز ما أشار إليه القرآن الكريم من أن الأخوة القائمة بين المسلمين هي أخوة في الدّين وليست أخوة في الدّم ولا في الجغرافيا، ومن ذلك نسبة الرسول ﷺ في خطابه للمسلم في كل حديثه باعتبار دينه وليس باعتبار العرق أو الجغرافيا أو أي انتماء عصبي، كقوله ﷺ فيما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر: «المُسلمُ أخو المُسلمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ.. »
لقد شكّلت جهود النبي ﷺ وصحبه الكرام الكيانَ الإسلامي بمفردتيه الأمّة والدّولة، والذي استمرّ قرابة أربعة عشر قرناً.
ورغم زوال دولة الإسلام، والّتي كانت قد شكّلت السّياج السّياسي المعبّر عن الأمة، والحافظ لدينها، والراعي لأحوال شعوبها، إلّا أنّ الأمة لم تزل قائمة محافظة على تماسكها من خلال وحدتها الثقافية القائمة على الكتاب والسنة ودور العلماء، وذلك برغم كل المشاريع التي تستهدف تفكيكها وتفتيتها.
وقد شكّل مشروع الولي الفقيه بعد تمكّنه من زمام الحكم في إيران أكبر تحدّ في وجه وحدة الأمة من خلال امتلاكه للعنصر الّذي يشكّل مقتلاً في وحدتها، ألا وهو المشروع الطائفي، الذي أحدث احتراباً قاتلاً في شعوب الأمة، أهدر دماءها وأفقر اقتصاداتها، وبدّد ثرواتها، وهدّم مدنها وشرد شعوبها بعد أن قتل علماءها!
تجسّد مفهوم وحدة الأمة عند المصلحين المعاصرين من خلال مشاريعهم التي استهدفت استرداد الدولة:
ما إن سقطت الخلافة حتى قامت دعوات إسلامية على ألسنة علماء ودعاة انتبهوا على الفور لأهمية مفردة الدولة الغائبة في حفظ الدين ورعاية أحوال الأمة والحفاظ على وحدتها، فكان المودودي والبنا وقطب وغيرهم ممن سبقهم بقليل قبل سقوط الخلافة أو لحق بهم في كل الديار الاسلامية بعد سقوطها.
وقد حافظ هذا الرعيل الأول من المصلحين والدعاة والمفكرين على مفهوم وحدة الأمة، فكان من مسلّماتهم الدعوية، ومن مفردات أعمالهم الحركية والسياسية، وهو الأمر الذي أدّى لانتشار دعوتهم في عموم بلاد المسلمين في المشرق والمغرب متجاوزاً مشاريع الدولة الوطنية الحديثة ومعلياً من قيمة الأخوة الإسلامية ومجسّداً لها في تفاعل دعوي وحركي وسياسي وحتى قتالي شهدته أقاليم مصر والشام والعراق وغيرها، وهو ما شكّل تطبيقاً عملياً لحقيقة قائمة ألا وهي وحدة الأمة رغم غياب الدولة المعبرة عنها. 
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ أحداً من تلك الشخصيات العملاقة وجهابذة العلماء الذين امتدت سيرتهم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين لم يتنازل عن مفهوم وحدة الأمة ومرجعيتها في مآلات تصرفاته السياسية، وذلك رغم شيوع مفهوم الدول القطرية وظهوره في أوروبا آنذاك، وتشكّل الدول الوطنية الحديثة في بداية القرن العشرين في بلادنا العربية والاسلامية بعد أن مزّقها الاستعمار.
وليس عجباً أن يتفق كل هؤلاء المصلحون والدعاة حول مفهوم وحدة الأمة واعتباره في واقع حالهم وعموم أعمالهم رغم الضعف الذي شهدته دولة الخلافة خلال القرن التاسع عشر، ورغم الحكم الجبري الاستبدادي في الدول الوطنية الحديثة خلال القرن العشرين، وذلك باعتبار أن مفهوم الأمة هو أحد أهمّ مفردات هذا الدين العظيم وهو انعكاس عملي للعقيدة الاسلامية التي شكّلت الأخوة الايمانية، وهو ضرورة عملية واقعية لمشروع استرداد النهضة الذي لم يتشكّل في تاريخنا إلّا من خلال الأمة بمجموع شعوبها وعلمائها ومفكريها واقتصاداتها وعسكرها.
وبالتالي فإنّه لا نهضة لمشروع إسلامي يستهدف إصلاح واقع الأمة وشعوبها واسترداد دورها في سلّم النهضة إلّا من خلال الأمة، وإنّ أيّ عمل يغفل عن مفهوم وحدة الأمة فهو كالغنم القاصية سيتلف لا محالة عاجلاً أم آجلاً.

أ.مضر أبو الهيجاء  16/11/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق