لماذا لا أحتفل في ذكرى المولد النبوي؟
لأن هذا الأمر ينطوي على أمور خطيرة فقد يبدو هذا الأمر صغيراً في أوله ولكنه عظيم في نهايته فالاحتفال بالمولد: أوله بدعة ومعصية وآخره كفر وزندقة والعياذ بالله.
لماذا لا أحتفل في ذكرى المولد النبوي؟
الجواب:
مع أنه جدي وقبل ذلك نبيي وقدوتي وحبيبي صلى الله عليه وسلم فإن هناك أكثر من 40 سبب يمنعني من الاحتفال بيوم مولده، والحق أحق أن يُتبع وإليكم هذه الأسباب بالتفصيل من كلام علماء الدين:
1- لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرني بذلك، وهو النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي لم يقبضه ربه إليه حتى أكمل له ولأمته الدين وأتم عليهم النعمة كما قال سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فأبان سبحانه بهذه الآية الكريمة أن الدين قد كمُل والنعمة قد أتمت ولم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفيد بمشروعية هذا الاحتفال.
2- لأنه لو كان الاحتفال بيوم المولد النبوي مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه أنصح الناس للناس، وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وقد أبان للناس ما يجب له من الحق كمحبته واتباع شريعته، والصلاة والسلام عليه وغير ذلك من حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة، ولم يذكر لأمته أن الاحتفال بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك.
3- لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. ولم أجد في الكتاب والسنة ما يدعوني إلى هذا المولد وطاعة الله وطاعة رسوله تقتضي الامتثال والتسليم بما شرعوا بدون زيادة أو نقصان.
4- لأن في هذا الاحتفال إساءة ظن بنبي الإسلام وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم ولم يفعله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم، ثم التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم.
أفتظن أن هؤلاء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق؟! لا والله! ولن يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان. وإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الاحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه الكرام ولا في عهد أتباعهم في الصدر الأول، ولا كان معروفا عندهم، علمتَ أنه بدعة محدثة في الدين، لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها، بل يجب إنكارها والتحذير منها.
5- ولا نحتفل بهذا اليوم لأنه لم يحتفل بولادته عليه السلام بعد وفاته أحب الخلق من الرجال إليه، وأحب الخلق من النساء إليه؛ ذلكما أبو بكر وابنته عائشة رضي الله عنهما لم يحتفلا بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم. كذلك الصحابة جميعًا عمر وعثمان وعلي وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. كذلك التابعون وأتباعهم لم يحتفلوا به.
6- لأنه مع اختلاف الناس في مولده عليه الصلاة والسلام فإنه لم يفعله الصحابة ولا التابعون ولا التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». وكانوا أشد الناس محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأكثرهم تعظيماً له، ومع هذا الحب وهذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه لأنهم علموا أن كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
7- لأن تعظيمه صلى الله عليه وسلم يكون بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ولا يكون في مخالفته صلى الله عليه وسلم، والله تعالى حذرنا وطلب من نبيه صلى الله عليه أن يطرح علينا هذا السؤال المهم وأعطانا جوابه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103- 104].
8- لأن محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه لا تكون بالبدع والخرافات والمعاصي وإنما تكون بالاقتداء والإتباع:
9- لأنه صلى الله عليه وسلم حذرنا من الاختراع في الدين كما في جاء في الحديث عن عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (أحمد: 16694).
10- لأن محبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ، ومجانبة ما خالفها من أي قول أو فعل، ولا شك أن كل ما خالف سنته وهديه فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة مشئومة ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم.
11- لأن أهل السنة والجماعة يرونه أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه، ومن لوازم ذلك أن يعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أقول مولده بل بعثته لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بُعِث كما قال أهل العلم: "نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر"، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158].
12- لأنه ذلك ليس من الأدب معه في شيء فإن من لوازم تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به، ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه، وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]. وبالتالي فإن الاحتفال بالمولد النبوي ينافي الأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعارض مع حفظ حقوقه المشروعة بعد موته عليه الصلاة والسلام.
13- لأنه لا يصحُّ لإنسانٍ يخشى الله، ويقف عند حدود الله، ويتَّعِظَ بقول الله عز وجل: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] أن يحتفل بهذا المولد وغيره من الموالد المبتدعة. فلا يقولنَّ أحد من الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحتفل به لأن هذا متعلق بشخصه؛ لأن الجواب -كما سبق- لا أحد من أصحابه جميعًا احتفل به عليه الصلاة والسلام فمن الذي أحدث هذا الاحتفال من بعد هؤلاء الرجال الذين هم أفضل الرجال، ولا أفضل من بعدهم أبدًا، ولن تلد النساء أمثالهم إطلاقًا؟
14- ونحن لا نحتفل بهذا المولد لأننا نتمثل وصايا العلماء حيث قالوا: "اصبر نفسك على السنة، وقِف حيث وَقف القوم، وقل بما قالوا، وكُف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم". ووالله إنه يسعنا ما وسعهم.
15- لأن الأعياد والمناسبات التي ترد على أمة الإسلام معدودة معروفة جاء الشرع ببيانها وحث الناس على الاعتناء بها، من ذلك مواسم الخير في رمضان وعيدي الفطر والأضحى وعشر ذي الحجة والمحرم، ونحوها، وليس منها يوم المولد النبوي لما فيه من التشبه بالكفار، ومعلوم أن المسلمين ليس لهم عيد سوى الفطر والأضحى، وعيد الأسبوع الذي هو يوم الجمعة، وأي احتفال بعيد آخر فهو ممنوع، ولا يخرج عن أحد أمرين: البدعة، إن كان الاحتفال به على وجه التقرب إلى الله، كالاحتفال بالمولد النبوي، والتشبه بالكفار: إن كان الاحتفال على وجه العادة لا القربة؛ لأن إحداث الأعياد المبتدعة هو من فعل أهل الكتاب الذين أمرنا بمخالفتهم.
16- لأنه ليس فقط بدعة وتشبه إلا أنه وسيلة للغلو الذي نُهِينا عنه أن الاحتفال بذكرى مولد الرسول مع كونه بدعة وتشبهاُ بالنصارى وكل منهما محرم، فهو كذلك وسيلة إلى الغلو والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي إلى دعائه والاستعانة به من دون الله، كما هو الواقع الآن من كثير ممن يحييون بدعة المولد، من دعاء الرسول من دون الله، وطلب المدد منه، وإنشاد القصائد الشركية في مدحه كقصيدة (البُردة) وغيرها، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في مدحه فقال: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» (البخاري: 2445).
وَالْإِطْرَاء: الْمَدْح بِالْبَاطِلِ والإفراط في المدح، ومفهوم الحديث أي: لا تغلوا في مدحي وتعظيمي كما غلت النصارى في مدح المسيح وتعظيمه حتى عبدوه من دون الله، وقد نهاهم الله عن ذلك بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 171]. ونهانا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الغلو خشية أن يصيبنا ما أصابهم؛ قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: هَاتِ الْقُطْ لِي، فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» (النسائي: 3057 وهو في صحيح سنن النسائي برقم 2863).
17- لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غني عن هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره كما في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، فلا يذكر الله عز وجل في أذان ولا إقامة ولا خطبة وإلا يذكر بعده الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك تعظيماً ومحبة وتجديداُ لذكراه وحثاً على اتباعه.
18- لأنه ليس في البدع شيء حسن فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (مسلم: 1718)، وقال صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (مسلم: 867) فحكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول: ليس كل بدعة ضلالة، بل هناك بدعة حسنة.
وهنا سِّر لا يتنبَّهُ له الكثير فالسر في أن كل بدعة كما قال عليه الصلاة والسلام بحق ضلالة هو أنَّه من باب التَّشريع في الشَّرع الذي ليس له حق التَّشريع إلا ربّ العالمين تبارك وتعالى. وإذا انتبهتم لهذه النقطة عرفتم حينذاك لماذا أطلق عليه الصلاة والسلام على كل بدعة أنها في النَّار أي صاحبها ذلك لأنَّ المبتدع حينما يُشرِّع شيئًا من نفسه فكأنَّه جعل نفسه شريكًا مع ربِّه تبارك وتعالى.
19- والله عز وجل يأمرنا أن نوحِّده في عبادته وفي تشريعه؛ فيقول مثلاً في كتابه: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] أندادًا في كل شيء ويدخل في ذلك التَّشريع.
20- لأن مفهوم الحديث أن من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة كما قال العلماء.
21- لأن إحياء بدعة المولد يفتح الباب على مصراعيه للبدع الأخرى والاشتغال بها عن السنن. ولك أن تلاحظ أن هؤلاء القوم ينشطون في إحياء البدع ويكسلون عن أداء السنن ويبغضونها ويعادون أهلها، حتى صار دينهم كله ذكريات بدعية وموالد ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مماري.
22- لأننا كمسلمين نرجو أن نحبه صلى الله عليه وسلم حباً حقيقيا؛ فحب هؤلاء ليس بحب حقيقي. فهل سيشفع للنصارى حبهم لعيسى بن مريم وقولهم أنه ابن الله -تعالى الله عن قولهم-؟ وهل اتبعوه حقيقة عند تحريف دينه وتغيير شريعته؟ حتى جاء الإسلام وأعاد الأمور إلى نصابها بعقيدة واضحة بينة سيحكم بها عيسى بن مريم عليه السلام عند نزوله في آخر الزمان.
23- لأن فيه تشبها بأهل الكتاب في أعيادهم البدعية فلا شك أن في المولد النبوي مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وقد أمرنا الله بمخالفتهم قال صلى الله عليه وسلم: «وَخَالِفُوا الْيَهُود» (صحيح أبي داوود: 2113)، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّة وَاشْتُهِرَ أَمْر الْإِسْلَام أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَاب صلوات الله وسلامه عليه. والمخالفة في أمر دينهم قد تكون على سبيل الوجوب ومن ذلك اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا كما اتخذوا يوم مولد عيسى عليه السلام عيداً.
ومن المفارقات أنه لم يثبت عند النصارى يوم محدد لولادة عيسى عليه السلام ولا عند أمة الإسلام تحديد مولد نبينا عليه الصلاة والسلام؛ فالخلاف فيه قوي. وإذا نظرنا في كتب السيرة النبوية: سنجد أن كتَّاب السيرة يختلفون حول ميلاده صلى الله عليه وسلم إلى أقوال هي كما يلي:
1. يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.
2. ثامن ربيع الأول.
3. عاشر ربيع الأول.
4. ثاني عشر ربيع الأول.
5. وقال الزبير بن بكار: ولد في رمضان.
24- لأنه لو كان يترتب على ميلاده صلى الله عليه وسلم شيء لسأله عنه الصحابة رضي الله عنهم، أو لأخبرهم هو به صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لم يكن.
25- لأنني لا أريد أن احتفل بيوم وفاته صلى الله عليه وسلم. فيوم وفاته صلى الله عليه وسلم لم يُختلف في أنها وقعت في الثاني عشر من ربيع أول من السنة الحادية عشر للهجرة أفلا ننظر بعدها متى يحتفل هؤلاء المبتدعة؟ إنهم يحتفلون في وقت وفاته لا ميلاده!
26- لأن الإقرار بيوم المولد وأمثاله ينافي الوضوح التام الذي هو من مزايا دين الإسلام فلو كان ذلك من الأمور التي ينبني عليها شيء لكانت واضحة؛ فتعساً لمن كان دينه بهذه الضبابية. ومن البدهي لكل ذي لب وبصيرة أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته لم يكن ليحتفل بولادته؛ ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانيَّة لا يعرفها الإسلام مطلقًا.
27- لأنَّ عيسى عليه السلام نفسه الذي يحتفل بميلاده المدَّعون من أتباعه لم يحتفل بولادته مع أنها ولادة خارقة للعادة وإنما كان الاحتفال بولادة عيسى عليه السلام من البدع التي ابتدعها النَّصارى في دينهم، وهي كما قال عز وجل: {ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27] كغيرها من بدعهم الكثيرة التي انتهت بهم إلى تغيير دينهم وانحرافهم عنه حتى صاروا من الضالين إلى قيام الساعة والمسلم يدعو في كل صلاة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7].
28- لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتدى بالأنبياء بعدم احتفاله بهذا اليوم فعيسى عليه السلام لم يحتفل بميلاده، ومحمد صلى الله عليه وسلم أيضًا لم يحتفل بميلاده، والله عز وجل يقول: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. فهذا من جملة اقتداء نبيِّنا بعيسى عليه الصلاة والسلام، وهو نبينا أيضًا ولكن نبوَّته نُسِخَت ورُفِعَت بنبوَّة خاتم الأنبياء والرُّسل صلوات الله وسلامه عليهما، ولذلك فعيسى حينما ينزل في آخر الزمان كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة إنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
29- وهكذا تتوالى الأسباب الوجيهة المتناسقة كما نجد ثم جاء الضغث على إبالة كما يُقال؛ فصار عندنا أعياد واحتفالات كثيرة؛ كما جاء الاحتفال بسيد البشر تقليدًا للنصارى؛ كذلك جرينا نحن؛ حتى في احتفالنا بمواليد أولادنا أيضًا على طريقة النصارى، وإن تعجب فعجبٌ من بعض هؤلاء المنحرفين عن الجادة؛ يقولون: النصارى يحتفلوا بعيسى بنبيهم، نحن ما نحتفل بميلاد نبينا عليه الصلاة والسلام؟! أقول: هذا يذكِّرُنا بما هو أقل من ذلك، وقد أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حينما كان في طريق في سفر فمرُّوا بشجرةٍ ضخمة للمشركين؛ كانوا يعلِّقون عليها أسلحتهم؛ فقالوا كلمة بريئة جدًّا؛ ولكنها في مشابهة لفظيَّة قالوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ؛ قال عليه السلام: اللَّهُ أَكْبَرُ! هَذِهِ السُّنَنُ، لَقَدْ قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً» (صحيح الترمذي: 2180).
30- لذلك فمن الأدلة التي تمنعنا من هذا الاحتفال القصة السابقة والتي استدل بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: «اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً». وقد يستغرب الإنسان كيف الرسول عليه السلام يقتبس من هذه الآية حجة على هؤلاء الذين ما قالوا: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة؛ وإنما قالوا: اجعل لنا شجرة نعلِّق عليها أسلحتنا، كما لهم شجرة؛ فقال: «اللَّهُ أَكْبَرُ! هَذِهِ السُّنَنُ»؛ يعني بدأتم تسلكون سنن من قبلكم كما في الأحاديث الصحيحة، «قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة»، فكيف بمن يقول اليوم صراحة النَّصارى يحتفلوا بعيسى نحن ما نحتفل بنبينا عليه السلام؟! الله أكبر! هذه السَنَن، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حين قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ؛ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ! اليَهُودُ وَالنَّصَارَى هُمْ؟ قَالَ: فَمَنْ» (البخاري: 7320).
31- لأن العبادات الأصل فيها التوقف والاتباع ولا تُبنى على الرأي والابتداع. وما عظمه الشرع من تعظيم زمان أو مكان فإنه يستحق التعظيم بالدليل وعلى سبيل المثال اتخاذ مقام إبراهيم مصلى قد جاء به الشرع أما الاحتفال بالمولد فلم يرد به دليل أو سنة.
32- لأن التقدم بين يديه في سنته كالتقدم بين يديه في حياته والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]. أي لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعجلوا بالأمر والنهي دونه في جميع أموركم صغيرها وكبيرها أي في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله. وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن الحقيقي فيتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مرجعاً له في حياته ولا يتعدى سنته؛ فالتقدم بين يديه في سنته كالتقدم بين يديه في حياته.
33- لأن من أراد أن يعظِّم اليوم الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم فعليه بالبديل الشرعي، وهو صوم يوم الاثنين، وليس خاصّاً بيوم المولد فقط بل في كلّ يوم اثنين. فقد روى (مسلم: 1162) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ»، وروى (الترمذي: 747) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كانت قدماه تتفطر من طول قيام الليل ويقول أفلا أكون عبداً شكوراً لن يختار إلا الأفضل وهديه أكمل الهدي ناهيك عن يوم الاثنين يتكرر في كل أسبوع ولم يخص النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لذلك فحسب؛ بل لأنه يوم تُرفع فيه الأعمال إلى الله ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم الثاني عشر من ربيع والاستدلال بهذا فاسد.
34- لأن من أشاعه واحتفل به العبيديون -الذين سُموا زورا (فاطميون) الذين كانوا من الخلفاء أجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية، كما أخبرنا العلماء في تاريخهم- وهؤلاء أول من أحدثها وحضرها وحث عليها. وأول من أحدث المولد النبوي بمدينة (إربل): الملك المظفر أبو سعيد في القرن السابع، وقد استمر العمل بالمولد إلى يومنا هذا، وتوسع الناس فيها، وابتدعوا كل ما تهواه أنفسهم، وتوحيه شياطين الإنس والجن. وفي جميع الأحوال فإن أصل عمل المولد النبوي لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة وإنما أُحدِث بعدهم وفي هذا وحدة كفاية لترك العمل به.
35- لأنك تشاهد الكثير ممن ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها ممن يتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي نسأل الله العافية لجميع المسلمين.
36- لأنك تشاهد اليوم أيضاً حال هؤلاء المبتدعة وكيف أنهم انقسموا إلى فرق كل فرقة تحيي ذكرى موالد أئمتها كمولد الجيلاني والبدوي وابن عربي والدسوقي والشاذلي، وهكذا لا يفرغون من مولد إلا يشتغلون بآخر، ونتج عن ذلك الغلو بهؤلاء الموتى وبغيرهم ودعائهم من دون الله، واعتقادهم أنهم ينفعون ويضرون؛ حتى انسلخوا من دين الله وعادوا إلى دين أهل الجاهلية الذين قال الله فيهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]، وقال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
37- لأننا رأينا أن جُل من يقوم بذلك هم من القبوريين، بل كيف أصبح هذا المولد ذريعة للتشقيق والاحتفال بالموالد التي تنطلق من قبور الأولياء ليستفيد منها السدنة وأرباب الطرق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا» (البخاري: 437)، وعنه صلى الله عليه وسلم: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» (البخاري: 437، ومسلم: 530). أليس في هذا تحذير من مشابهتهم وتحذير واضح في عدم الوقوع بمثل أمرهم؟ بلى والله.
38- لأنه ثبت أنها ساقت بعض القوم إلى الشرك الأكبر فإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع بالإضافة إلى ما ذكرنا من أنك تجد عندهم فتوراً عن كثير من السنن؛ بل في كثير من الواجبات والمفروضات تجد أمراً خطيرا يقع في بعض هذه الاحتفالات من الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم المؤدي إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يحارب الناس عليه، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم، ومن أشهر ذلك أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد قول البوصيري:
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي *** صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علمُ اللوح والقلم
وهذا مما يُخرج عن الملة قطعاً فمثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل، والعجب العجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام: "فإن من جودك الدنيا وضرتها" والقارئ يعرف أن (من) للتبعيض (والدنيا) هي الدنيا (وضرتها) هي الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وليس كل جوده! فما الذي بقي لله عز وجل؟
الجواب: إن هذا لم يبقي لله تعالى شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة تعالى الله عن قوله علواً كبيراً وكذلك في البيت الآخر: "ومن علومك علم اللوح والقلم" (ومن): هذه للتبعيض أيضا وليت شعري ولا ندري ماذا أبقينا لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب؟! وهذا هو الغلو بعينه وحوله يدندنون، حاشا لرسوله الكريم أن يرضى عن هؤلاء، وتعالى الله عن قولهم سبحانه عز وجل. فلا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين بل يضاف إليها شيء من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك.
39-لأن هذه الاحتفالات حرام في ذاتها فكيف وقد سمعنا أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد.
40- لأنها ليست من قضايا الخلاف السائغ فالعلماء لا يعتبرونها من المسائل الخلافية المعتبرة التي لا ينكر فيها؛ بل يعتبرونها من المسائل البدعية التي يُنكر فيها على المخالف فالمخالفين لهم ليس عندهم سند علمي صحيح سوى العواطف.
41- لأن الدين وعبادات أهل الإسلام لا تؤخذ من المنامات والأحلام بل مصدرها الوحيد هو الوحي. لأنك تجد أن بعض هؤلاء المبتدعة يستدل على مشروعية الاحتفال بناء على الرؤى والمنامات فجعلوا ذلك سنة مؤكدة.
والصحيح أن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عمل بمقتضاها وإلا وجب تركها والإعراض عنها وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا.
42- لأن هذا الأمر ينطوي على أمور خطيرة فقد يبدو هذا الأمر صغيراً في أوله ولكنه عظيم في نهايته فالاحتفال بالمولد: أوله بدعة ومعصية وآخره كفر وزندقة والعياذ بالله.
وهذا الجواب رسالة أخ محب لإخوانه المسلمين، ونصيحة من القلب إلى القلب لا أنسبها لنفسي: إن هي إلا كلمات جمعتها من كلام أهل العلم قد رتبتها ورأيت أن تكون بدون إشارة اختصارا وقد نقلتها نصاً مراراً وبتصرف يسير أحياناً، ومقصودي الأول والأخير أن يُعرض الحق بالدليل والكلام الرصين بدون تطويل بعيداً عن التنفير؛ فبعض القوم هداهم الله قد ينفر من الكلام بمجرد سماع اسم قائله لما جرى لهذا القائل من التشويه أو التحقير من مشايخ السوء والضلال أعاذنا الله من شرورهم.
أسأل الله تعالى أن يجزي كل من استفاد منه وجميع علمائنا خير الجزاء، وأن يرشدنا لما فيه الخير والصواب وأن يرزقنا شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يوردنا حوضه وأن يسقينا منه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً إنه سميع قريب.
حازم بن أحمد الهاشمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق