الثلاثاء، 3 سبتمبر 2024

متى يتخلون عن أفكار القرون الوسطى؟

 

متى يتخلون عن أفكار القرون الوسطى؟



عامر عبد المنعم


لا يمكن فهم ما يجري في المسجد الأقصى واجتياح الضفة بعد تدمير غزة إلا في إطار التأييد الغربي للتوسع الإسرائيلي، والموافقة على التهام القدس وكل الأرض الفلسطينية كمرحلة أولى، يليها تكبير حجم الكيان الاستيطاني على حساب الدول العربية المحيطة، وهو ذات الهدف الذي أطلق شرارة الحملات الصليبية في القرون الوسطى، التي انتهت بطرد المحتلين من القدس على يد صلاح الدين، ثم إنهاء الوجود الصليبي تماما على يد المماليك المصريين.

التجرؤ الإسرائيلي على قدسية المسجد الأقصى والاقتحامات المتكررة ثم إعلان قادة أحزاب الصهيونية الدينية عن تخطيطهم لإقامة كنيس يهودي داخل الحرم، يعني أنهم يريدون الانتقال إلى مرحلة فرض السيطرة بالقوة، وتجاوز كل الخطوط الحمراء، مستغلين حالة الضعف والخذلان التي يعيشها العرب، وعجز النظام الدولي عن التصدي للجرائم الصهيونية والمجازر في غزة والضفة.

الغطرسة التي نراها من نتنياهو ليست بسبب قوة الاحتلال الذي تعرض لضربة أفقدته توازنه منذ عام، وإنما بسبب الدعم الغربي اللامحدود، والمساندة المعلنة من الولايات المتحدة وأوروبا، فقد أظهرت حرب غزة أن الغرب -مع بعض الاستثناءات- يدعم الاحتلال بالسلاح والجيوش وبالحماية السياسية في المنظمات الدولية، ورغم ما يبديه بعض السياسيين الغربيين من تعاطف مع الضحايا المدنيين فلا توجد دولة غربية واحدة قررت التوقف عن إرسال السلاح الذي يقتل الفلسطينيين.

في الحرب الجارية على غزة التي تتوسع لتشمل الأقصى والضفة تجنب القادة الأمريكيون والأوروبيون تقليد جورج بوش عندما وصف الحرب على أفغانستان والعراق في بداية الألفية بأنها حرب صليبية، حتى لا يثيروا الشعوب المسلمة على دوائر المتعاونين مع نتنياهو الذين اختاروا ما يسمى “التطبيع”، كي يعطوا الاحتلال الوقت اللازم لإنهاء مهمة القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية بقتل الفلسطينيين وتخريب مدنهم، وتهجير من ينجو من الموت إلى الخارج.


ترامب يفضح ما هو أبعد

في تصريحات صريحة تفضح ما يخطط له الإسرائيليون واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وعد المرشح الأمريكي لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب بتوسيع مساحة الكيان الصهيوني، وقال إن الحجم الحالي لـ”إسرائيل” صغير جدا ومطلوب تكبيره، ويأتي تسرع ترامب بالكشف عن هذا الموقف في إطار وعوده لليهود الأمريكيين بأنه سيقدم لهم أكثر مما تقدمه مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس المتزوجة من يهودي أمريكي، وهي كذلك لا تتوقف عن الهجوم على حماس وتصفها بأنها “حركة إرهابية” ولا تمل من تكرار تأييدها للقضاء عليها “لأن بقاءها يشكل تهديدا للإسرائيليين”، وهو ذات الموقف الإسرائيلي الذي يبرر استمرار الحرب.

من متابعة موقف الحزبين الأمريكيين لا نرى فروقا واضحة في الموقف من غزة وحتى من الاجتياح الإسرائيلي للضفة، فإذا كان ترامب في فترة رئاسته السابقة قد قرر ضم الجولان للكيان واعترف بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية وهو يعد بالمزيد؛ فإن بايدن شريك في الحرب على غزة منذ بداية العدوان، وحتى اللحظة يراوغ ويقف مع نتنياهو ويردد الاتهامات لحماس، وتمارس إدارته كل الحيل لدعم مواقف مجرم الحرب الإسرائيلي رغم أنهم يعلمون أنه يؤيد ترامب!

الأوروبيون من جهتهم يقفون في ذات الخندق المؤيد للإسرائيليين والالتزام المطلق بالدفاع عن “إسرائيل”، ويواصلون دعم الجيش الإسرائيلي عسكريا، وما زالت مصانع السلاح الأوروبية تعمل لصالح آلة القتل الإسرائيلية، ولا يتوقف الإعلام الأوروبي عن دعم الاحتلال وإضفاء مشروعية على الإبادة بمزاعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ورغم ما يصدر من تصريحات إيجابية من جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية؛ فإن الاتحاد الأوروبي داعم لـ”إسرائيل” وكاره للفلسطينيين، والأفعال تكذب الأقوال.


مشروع استعماري غربي

الكيان الإسرائيلي تم تأسيسه بعد السيطرة الغربية على النظام الدولي عقب الحرب العالمية الثانية، وهو كيان استيطاني استعماري أنشأته الدول الغربية ليكون دولة حاجزة تقطع التواصل بين أرض المسلمين، حيث تفصل الجناح الإسلامي الآسيوي عن الجناح الإسلامي في إفريقيا، وهو رأس حربة للدول الاستعمارية التي لم تعد قادرة على البقاء في المنطقة العربية والدفاع عن مصالحها.

تم الإتيان باليهود الغرباء من أراضي الإمبراطورية الروسية في شرق أوروبا، الذين كانوا يعيشون في “جيتوهات” معزولة يعانون من الاضطهاد من الشعوب الأوروبية إلى فلسطين، للخلاص منهم ومن الفتن والقلاقل التي كانوا يتسببون فيها، وليكونوا القاعدة المتقدمة أو “حاملة الطائرات الثابتة” التي تحافظ على المصالح الغربية بالمنطقة، ومنذ تأسيس “إسرائيل” هناك التزام غربي بالدفاع عن الكيان ضد المحيط العربي والإسلامي.

رغم الشعارات اليهودية وتبني فكرة “أرض إسرائيل” والمزاعم بأن الله في التوراة قد وعد إبراهيم ثم يعقوب بأرض فلسطين؛ فإن الكيان في حقيقته مشروع استعماري غربي برأس صهيوني، يتخذ من الدين اليهودي شعارا له، ويساند الساسة الغربيون الذين ما زالت تسيطر عليهم الأفكار الصليبية هذا الكيان الذي يرتكب الجرائم، حتى ولو على حساب القيم الحضارية والأخلاقية وتشويه صورتهم.


مصيرهم الفشل

ما لم يدركه الكثير من العقول التي تحدد الاستراتيجيات في الغرب أن مرحلة الحروب الدينية انتهت، ففي عالم اليوم قد زال الكثير من الخنادق والفوارق العنصرية والدينية في قارات العالم، ومن يريد العودة إلى الماضي سيصطدم بواقع جديد امتزجت فيه الشعوب والمصالح، كما أن طفرة المعلومات وما أنتجته من قوة في الإدراك والوعي الجمعي جعلت مثل هذه الحروب بلا أنصار، وأمامنا مظاهرات الملايين في العواصم الغربية الرافضة للحرب، ومعظمها من الشعوب غير المسلمة، ومنهم يهود يرفضون الصهيونية المحاربة.

أثبت عام من القتال في غزة أن المكر الصهيوني أضعف من بيت العنكبوت، ولن تتغير هزيمة الاحتلال التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023، ولن يحقق نتنياهو وأنصاره الغربيون النصر الذي يحلمون به، حتى لو استمر العدوان والدعم الأمريكي والأوروبي أعوامًا أخرى، فلن تستسلم حماس ولن يركع الفلسطينيون، وها هي المقاومة تضرب في خاصرة المحتل في الضفة، وقد نرى قريبا توسعا جديدا ودخولا من أطراف أخرى في الحرب، التي تسري كالنار في أكثر من اتجاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق