الأحد، 8 سبتمبر 2024

كيف تصنع ألمانيا الفزاعة الإسلامية؟

كيف تصنع ألمانيا الفزاعة الإسلامية؟


أندرياس كريغ

 ترجمة وتحرير: نون بوست 

تقف ألمانيا في منعطف تاريخي يمكن أن يُعيد تعريف مبادئها وصورتها أمام العالم. فبينما يُحقّق اليمين المتطرّف تقدمًا انتخابيًا كاسحًا، تمرّ البلاد بأزمة هويّة عميقة في مواجهة تحديّات اقتصادية واجتماعية هيكلية خطيرة.

ينتشر بين صفوف الألمان شعورٌ بالقلق، وكما حدث في مرات عديدة على مر تاريخ البلاد، سرعان ما تم العثور على فزاعة. قبل قرن من الزمن، ازدهر الديماغوجيون والشعبويون في جمهورية فايمار على حساب اليهود الألمان “الآخرين”، أما اليوم أصبح هؤلاء “الآخرين” هم المهاجرين وبشكل أكثر تحديدًا أولئك الذين ينحدرون من أصول مسلمة.

أدى عقد من الخطاب السام حول الهجرة والإسلام الذي يروّج له المحرضون اليمينيون المتطرفون في حزب البديل من أجل ألمانيا إلى تطبيع وتعميم السرديّات والأيقونات التي يتم اعتبارها في الديمقراطيات الأخرى خطاب كراهية. ومن الأمثلة الصادمة بشكل خاص مقطع فيديو رسمي نشرته وزارة الداخلية في بافاريا تحت عنوان “فخ السلفية”.

أظهر الفيديو الذي تم حذفه منذ ذلك الحين رجلًا يرتدي الزي الإسلامي ويتحدث إلى شابة على وسائل التواصل الاجتماعي عن المكياج. ثم اتخذ الفيديو منعطفًا خبيثًا بالتركيز على ضحك “الرجل الشرير” بينما كان فمه الشيطاني يسحق الشابة التي ظهرت وهي تتحول من الرقص في ملهى ليلي إلى ارتداء الحجاب في الأماكن العامة ثم ارتداء النقاب والقيام بالأعمال المنزلية في جميع أنحاء المنزل بينما زوجها يتحكم فيها في الخلفية. ويمكن رؤية ملامح وجهها تتحول من السعادة إلى الحزن.

تشبه هذه الأيقونات الرسوم الكاريكاتورية المعادية للسامية التي نشرتها مجلة “دير شتورمر” النازية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ذلك أن الابتسامة الخبيثة وحركات البلع الشيطانية والضحك الشرير تهدف إلى وصم “الآخر” بالشر. وفي الوقت نفسه، تظهر المرأة المسلمة الشابة على أنها بريئة وساذجة واتكالية – غير قادرة على اتخاذ القرارات بنفسها – لأنها واقعة تحت تأثير الرجل الذي يجبرها على التستر، مما يعزز الصور النمطية المعادية للإسلام.

نظريات المؤامرة المعادية للإسلام

تستند السردية الأساسية إلى نظرية مؤامرة قديمة معادية للإسلام. ففي مقال استشراقي صدر سنة 1913 بعنوان “خطر الوحدة الإسلامية“، رسم ألبرت إدواردز صورة قاتمة لمؤامرة إسلامية عالمية ضد القوى الغربية، وذلك بتصوير النشاط السياسي باسم الإسلام على أنه تهديد أساسي للغرب.

وكما هو الحال في بلدان أوروبية أخرى، أصبحت هذه المقاربة الفضفاضة للإسلام السياسي مقبولة على نطاق واسع في التيار السائد في ألمانيا حيث يُنظر إلى أي شكل من أشكال النشاط الإسلامي على أنه “بوابة دخول” محتملة إلى عالم التطرف.

وعلى غرار القصة التي تم سردها في الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية في بافاريا، يتم تصوير أي اتصال بالخطاب الإسلامي على أنه يضع المتلقي تلقائيًا على حزام ناقل من الإسلام المعتدل إلى الإرهاب على طراز تنظيم القاعدة.

وقد تم الترويج لنظرية “الحزام الناقل”هذا – على الرغم من أنه كثيرًا ما تم تفنيدها – من قبل شبكات إسرائيلية وإماراتية في مجال مكافحة التطرف في محاولة لإضفاء الطابع الأمني على الإسلام السياسي بجميع أشكاله وصوره المتنوعة.

والحقيقة هي أن الفزاعة الإسلامية تمثل سردية تبسيطية جميلة لإثارة الخوف الشعبوي. فمن بين ما يقارب 5.5 مليون مسلم في ألمانيا، يُقدّر عدد السلفيين المتطرفين بحوالي 12 ألف شخص فقط، أي ما يعادل 0.2 بالمائة. مع ذلك، كلما ارتكب الأفراد المحرومون والمنبوذون جريمة عنيفة باسم الإسلام – كما حدث قبل أسبوعين في مدينة سولينغن – يؤجّج التيار السياسي والإعلامي السائد في ألمانيا نيران معاداة الإسلام.

تحوّل الخطاب

في حقبة يخشى فيها الكثير من الألمان فقدان ما كان يُعدّ حتى الآن من المسلمات – وهو التعريف الحقيقي للقلق الألماني – فإن تصوير المسلمين باعتبارهم “الآخر” المغاير يجد أرضًا خصبة. ومع وصم بلادهم مرّة أخرى بأنها “رجل أوروبا المريض“، يرى الألمان أن اليقينيات القديمة تختفي.

مركز القوة الصناعية في تدهور، والبنية التحتية الحيوية في حالة سيئة، والازدهار العام والقوة الشرائية في دوامة دائمة، والقيادة السياسية في حالة من الفوضى. وفي الوقت نفسه، فإن معدّلات المواليد المنخفضة نسبيًا وشيخوخة السكان تُلقي بثقلها على مستقبل ألمانيا الديموغرافي.

كانت العديد من اليقينيات القديمة التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بالقوة الاقتصادية والصناعية تكمّل العناصر العرقية التقليدية التي تشكل الهوية الألمانية بعد سنة 1945. وكان شعار “صُنِع في ألمانيا” مصدرًا للفخر الوطني لبلد كان عليه أن يتصالح مع العبء التاريخي للمحرقة. وعلى مدى عقود بعد الحرب العالمية الثانية، لم تعد الهوية الألمانية – التي كان تعريفها أصعب مقارنةً بدول مثل إنجلترا أو فرنسا، حيث كانت حدود الدولة والحدود الإقليمية تتداخل إلى حد كبير مع الحدود الثقافية واللغوية – تُعرَّف تعريفًا سلبيًا بما لم يكن عليه الألمان بل بما كانوا يفعلونه بشكل جيّد.

لكن اليوم، بدأ التفسير السلبي يظهر من جديد وليس فقط في دوائر حزب البديل من أجل ألمانيا. فقد ظل الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا لسنوات غامضًا بشأن ما إذا كان الإسلام ينتمي إلى ألمانيا. وبالتالي، ارتبط التسامح تجاه الإسلام في ألمانيا على نطاق واسع باستيعاب المسلمين ثقافيًا وليس فقط باندماجهم في المجتمع الألماني.

يُواجِه أولئك الذين يُنظَر إليهم بوضوح على أنهم مسلمون التحيز والكراهية والعنف، ليس فقط من الأطراف السياسية المتطرفة، بل وأيضًا من أجزاء معتدلة من المجتمع. ومقطع الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية ليس سوى أحد أعراض التحول الأوسع في الخطاب الألماني حول ما يعنيه أن تكون ألمانيًا، والدور الذي يلعبه الإسلام في هذا النقاش. وبدلاً من منع التطرف، فإن مثل هذه التوجهات لن تؤدي إلا إلى تأجيج الاغتراب والحرمان من الحقوق بين ملايين المسلمين الذين يعتبرون ألمانيا وطنهم.

وفي الواقع، يخدم الشعبويون المعادون للإسلام في البلاد – ربما دون إدراك منهم – مصالح الأصوليين الدينيين الذين يمكنهم استغلال مظالم المسلمين الذين يشعرون بأنهم منبوذون من المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق