الخميس، 3 أكتوبر 2024

حول دفع الإسلاميين للتحالف المطلق مع إيران

 

حول دفع الإسلاميين للتحالف المطلق مع إيران


مهنا الحبيل
رئيس المركز الكندي للاستشارات الفكرية

تطور خطاب مشروع وحدة الساحات بصورة خطِرة في زمن قياسي يستثمر مشاعر الفاجعة في غزة، رغم أنه يتجاوز سؤال البحث عن مخرج الإنقاذ للوطن الذبيح..

نحن هنا لم نعد نواجه تقديراً سياسياً للموقف الصعب، وهو ما اندفع فيه بعض إخواننا، من المشايخ أو المثقفين لأجل ردع العدوان عن غزة، عبر وحدة الساحات التي لم تنقذ غزة حتى الساعة، رغم أن وحدة الساحات كانت المركز في توريطها، كما شرحنا ذلك مراراً، من خلال إسقاط مشروع الشيخ ياسين، الذي سبق السابع من أكتوبر بسنوات، وعرضنا له في التحليلات ذات العلاقة.

الأمر الآن بات مختلفاً.. كيف ذلك؟

إن كتلة الترويج لمشروع الاندماج مع إيران، سواء كانت هذه الدعوة للاندماج مباشرة أو ضمنية، بحسن نية أو سوء نية، تنادي بإحلال التحالف المطلق مع أيديولوجية الثورة الإيرانية الشيعية المتطرفة، بحكم أنها- بزعمهم- المخرج الوحيد من السقوط في المشروع الصهيوني، والنجاة من الفتنة السنية الشيعية.. 

فهل هذا الطرح رأي دقيق؟

أولاً، إن تاريخ الفتنة المذهبية قديم وله أطوارٌ متعددة، وفي القرن العشرين خفتت زمناً طويلاً، ولكن كانت أبرز ظاهرة أخرجتها وقفزت بها هي عقيدة الثورة الإيرانية، التي يدعو المشروع الجديد إلى الالتحام معها.

إن كاتب هذا المقال من شعب، عاش قرونا في مجتمعات مشتركة بين السنة والشيعة (الساحل الشرقي السعودي)، نعرف جيداً واقع العلاقة والتعايش- بل والتآخي- قبل الثورة الإيرانية وبعدها. 
ورغم شراكة النظام العربي الرسمي في الفتنة الطائفية، فإن طهران الثورة هي التي كانت المصدِّر والمُفجّر الرئيسي الذي عاد بخطاب الكراهية، والتحريض الطائفي، ومنظومة الخرافة، إلى الوطن العربي. 
وحسبك في مشهد العراق دليلاً يقينياً، وصل إلى تشريع لعن الشيخين وغير ذلك من أمور مشابهة، فضلاً عن سحق سنة العراق اجتماعياً وسياسياً، وقس على ذلك الكثير.

هذا بالطبع لا يراه دعاة دمج الإسلاميين في المشروع الإيراني، فتنة!

لكن الأخطر من ذلك، وهو فكر يخدم المشروع الصهيوني المركزي بالفعل، هو دعوة المشروع الشبابَ للانخراط في التحالف معه مطلقاً، ولم يعد الأمر يخص غزة.. كلا، بل أضحى أيديولوجية مشتركة حتى مع شباب الأمة، التي ذُبحت شعوبها بهذه الأيديولوجية.

 وأود هنا أن أوضح قضية خطرة:

 دوماً، بعد تبين خطورة الخطاب العاطفي، ومعناه التنفيذي، ومفاهيمه التي ترسخ، يراجع البعض موقفه متأخراً.. فما عسى أن ينفع الأمةَ تصحيحُك، بعد أن وقع الفأس في الرأس؟

 فقط نُذكّر هنا، قبل أن نواصل المقالة، بالعودة إلى تاريخ صعود المشروع الصهيوني الأخير في عهد الثورة الإيرانية الطائفية، ثم تقاطع مشروع تل أبيب مع المشروع الصهيوني العربي، هذا لم يحصل إلا بعد حصاد من التجريف المتوحش، مارسته الثورة الإيرانية الطائفية للأرض العربية، بل لم يصل مطلقاً إلى هذا المستوى في عهد الشاه، الحليف العلني المباشر للمركزية الغربية وتل أبيب.

لماذا؟. لأن زحف المشروع الطائفي الإيراني كان يهدم الذات العربية من الداخل، ويقوّض بنيان العقيدة الإسلامية، من خلال الفكرة الطائفية والولاء لها، ويعبِّئ المجتمع العربي- بل العجمي الآخر- بثنائية الخرافة والانتقام، هذا الانتقام هو في ذاته عقيدة، فعلى من كانت تُعبَّأ الجموع والفصائل العسكرية والميلشيات؟. أليس على السُنة وأوطان الأمة العربية؟ أكان ما عايشناه صواريخ باليستية موسمية، أم هجوما فكريا وعسكريا وسياسيا متواصلا؟

يقول دعاة مشروع الاندماج اليوم إن إيران بريئة، أو مسؤوليتها بسيطة في ذبح ثورة سوريا!. كيف يا سادة؟

يقولون: لأن التلاعب العربي كان هو السبب الرئيس، ثم إن طهران البريئة قد خشيت على نفسها من الغرب، فكان هذا مبرراً لها لذبح الثورة!. هذا سياق يقدمه إسلاميون زعموا أنهم من نخبة الربيع العربي.. تصور ذلك!

دعك الآن من هذا الرأي المعوج المجرم، فدور إيران المركزي في ذبح سوريا وأهلها لا يغيب عن عاقل أخلاقي، لكن انظر إلى خطيئة دعاة مشروع الاندماج في تحشيد الشباب العربي، والاتجاه الإسلامي.. إلى أي حفرة وفتنة يدفعون شباب الأمة؟

فمقتضى أيديولوجية المشروع الجديد، أنه يجب أن ندعم صمود المشروع الإيراني (القائد الجديد للأمة) في سوريا، حتى لا تحل الفتنة السنية الشيعية، ولكي يثبت المشروع المقاوم، كما أن دعم ميلشيات إيران الطائفية في العراق واجب؛ فهي (مقاومة إسلامية)، ولا بأس من التجاوز، ولو شمل ذلك بعض التصفيات الدموية والسياسية لسُنة العراق، وللشيعة المخالفين لمشروع إيران في العراق، لأن ذلك يعني تعزيز محور المقاومة الجديد، الذي يقود الشباب العربي الإسلامي! ثم لا بد من تعزيز الانقلاب الطائفي، على وحدة الإنسان المسلم في اليمن، لأن هذا الانقلاب الحوثي هو أيضاً ضلع مهم لقيادة المشروع في طهران.

هل لاحظتم شيئا هنا؟

أين غزة الذبيحة في هذا الملعب؟ أين فكر الإنقاذ، وحماية ما تبقى من محضن وقاعدة لفلسطين ومقاومتها؟ لماذا حلال على حزب إيران السعي السياسي مع حكومة د. نجيب ميقاتي لوقف العدوان على لبنان، ولكن حرام على غزة أن تخرج عن وحدة الساحات، وتُزدرى كل دعوة تدعو لعمل تكافلي ضخم، يحرك حبل الله وحبل الناس، لإنقاذ غزة ومحضن المقاومة، وإخراج الشعب الذبيح من أفران النازية الصهيونية، والمركزية الغربية.

إن هذا المشروع ليس فقط كارثة يُدفع لها الشباب، وليس فقط غدرة كبرى لزج المشاريع التربوية الإسلامية في فتنة عظيمة، يسيل لها لعاب المحور الصهيوني العربي والمركزية الغربية، بل هو أيضاً عقيدة أيديولوجية خطيرة أسقطت صفاء الفكرة الإسلامية، وكفاحها النهضوي، في أتون المشروع الإيراني الصهيوني المزدوج.

ألا هل بلغت؟. اللهم فاشهد واغفر لنا الزلل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق