السبت، 14 ديسمبر 2019

غزة 2020: ما مدى سهولة قيام العالم بمحو الألم الفلسطيني؟

غزة 2020: ما مدى سهولة قيام العالم بمحو الألم الفلسطيني؟


ديفيد هيرست

رجل يحمل يد ماريا الغزالي، وهي رضيعة فلسطينية تبلغ من العمر 14 شهرًا، بينما ترقد على نقالة في مستشفى في بيت لاهيا في شمال غزة، في الخامس من أيار/ مايو 2019. وقد توفيت أثناء غارة جوية إسرائيلية

ترجمة وتحرير: نون بوست
أود منك أن تقوم بشيء بسيط. أدخل عبارة "أسرة مُكوّنة من ثمانية قتلى" في محرك غوغل للبحث وستحصل على العديد من النتائج، إحداها في ولاية سونورا المكسيكية، وأخرى في مقاطعة بايك في ولاية أوهايو الأمريكية، وأخرى في مقاطعة ميندوسينو في ولاية كاليفورنيا. لكن يبدو أن ذاكرة غوغل الهائلة تعاني من فقدان الذاكرة عندما يتعلق الأمر بما حدث قبل شهر واحد فقط في دير البلح في غزة.

للتذكير لأنك ربما قد نسيت أنت أيضًا: في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، أسقط طيار إسرائيلي قنبلة من ذخائر الهجوم المباشر المشترك تزن طنا على مبنى كان ينام فيه ثمانية أفراد من عائلة واحدة، تتكون من خمسة أطفال ورضيعين.
جثث خمسة أطفال من العائلة ذاتها قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر ترقد في جناح مستشفى في غزة.
في البداية، حاول الجيش الإسرائيلي أن يتملّص من مسؤوليته إزاء مقتل عائلة السواركة (توفي أحد أفراد الأسرة بعد ذلك متأثرا بجروحه ليبلغ مجموع القتلى تسعة). فقد ادعى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أن المبنى كان مركز قيادة لوحدة إطلاق صواريخ تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في وسط قطاع غزة. ولكن كشفت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، أن عمر المبنى المستهدف كان نحو عام. وقد استندت المعلومات الاستخباراتية إلى شائعات، ولم يسعَ أي طرف للتأكد من هوية الأفراد الذين كانوا يعيشون داخل هذا المبنى، فأسقطوا القنبلة على أي حال.
يبدو أن المخابرات العسكرية، التي كانت قادرة على تحديد وضرب أهداف متحركة مثل بهاء أبو العطا، القائد العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في شمال قطاع غزة، أو محاولة قتل أكرم العجوري، عضو المكتب السياسي لهذه الحركة في دمشق، غير قادرةٍ على تحديث المعلومات حول البنك المستهدف من سنة واحدة. لا يحتاج الجيش الإسرائيلي للكذب، ولم يلاحظ أحد ذلك، حيث لم تحتل أخبار تبادل إطلاق الصواريخ ولا مقتل عائلة السواركة الصفحات الأولى في صحف عالمية مثل "الغارديان" أو "نيويورك تايمز" أو "واشنطن بوست".

الخطة التي وضعتها "إسرائيل" لغزة

هكذا تعيش غزة الآن: حصار وحشي لأشخاص منسيين يعيشون في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بأنها تجعلها غير قابلة للعيش بحلول سنة 2020، التي لا تفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة عليها. من غير الصحيح قول إن وفاة عائلة السواركة قوبلت باللامبالاة في "إسرائيل". المنافس الوحيد لبنيامين نتنياهو هو بيني غانتس. ينبغي لأولئك الأشخاص في العواصم الغربية، الذين يعتبرون غانتس داعية للسلام، لمجرد كونه يتحدى نتنياهو، أن يشاهدوا سلسلة مقاطع الفيديو التي نشرها قائد الجيش الإسرائيلي السابق مؤخرا حول غزة خلال حملته الانتخابية.
في سنة 1967، أنشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ليفي أشكول وحدة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة
في الواقع، يُستهل أحد مقاطع الفيديو بصور تشبه تلك التي كان من الممكن أن تلتقطها طائرة روسية بعد قصفها لشرق حلب. فحجم الدمار يشبه الدمار الذي طال مدينة درسن الألمانية أو ناغازاكي اليابانية بعد تعرضهما للقصف. يتطلب الأمر بضع ثوان فحسب لندرك أن هذه الصورة المرعبة للطائرات دون طيار تمثل احتفالا بالدمار، وليس إدانة له. 
تعتبر الرسالة التي خطتها "إسرائيل" باللغة العبرية واضحة ولا لبس فيها لما يعتبر في القانون الدولي جريمة حرب، والتي جاء فيها: "أُعيدت أجزاء من غزة إلى العصور الحجرية ...دُمّر 6231 هدفًا… وقُتل 1364 إرهابيًا... 3.5 سنوات من الهدوء... القوي وحده من ينتصر". اللامبالاة ليست الكلمة الصحيح. إن العبارات التي استُخدمت لوصف ما حدث تعبّر عن الابتهاج والغبطة. 
لقد سبقت محاولات "إسرائيل" لتضييق الخناق على غزة الحصار الذي فرضته حين تولت حركة حماس مقاليد السلطة في سنة 2007. وكما قال الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت، ظل القادة الإسرائيليون يؤيدون أفكارًا حول الإبادة الجماعية وما ينبغي القيام به حيال الجيب الذي لاذ إليه جميع هؤلاء اللاجئين بعد سنة 1948.
 في سنة 1967، أنشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ليفي أشكول وحدة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة. قال أشكول، وفقًا لجلسات رفع السرية عن اجتماعات مجلس الوزراء الصادرة في سنة 2017، "ربما سينتقل العرب من قطاع غزة على وجه التحديد بسبب الاختناق والسجن اللذين يمرون بهما هناك. ربما إذا لم نعطهم ما يكفي من المياه فلن يكون لديهم خيار، لأن البساتين ستصبح مجرد أراض قاحلة". وفي سنة 2006، قال مستشار الحكومة، دوف ويسغلاس: "يتمحور الهدف حول تقييد الفلسطينيين بنظام غذائي، ولكن ليس جعلهم يموتون من الجوع".

معبر رفح كصمام للإغاثة


إن هذه المشاعر لم تتغير بمرور الوقت. ويكمن الفرق الوحيد اليوم في أن القادة الإسرائيليين لا يشعرون بالحاجة إلى إخفاء أفكارهم عن غزة بعد الآن. كما فعل غانتز، إن هؤلاء القادة يقولون بصراحة ما كانوا في السابق يقولونه أو يفكرون فيه سرّا. في الواقع، لم يتوقف رؤساء الوزراء الإسرائيليون عن التواصل مع حماس في كنف السرية من خلال الوسطاء، خاصة حول مسألة تبادل الأسرى.
المتظاهرون الفلسطينيون يهربون من الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته القوات الإسرائيلية شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة، في كانون الأول/ ديسمبر 2019.
انخرط المبعوث السابق للشرق الأوسط في اللجنة الرباعية، توني بلير، في دبلوماسيته الخاصة من خلال إهداء ميناء بحري ومطار لحماس مقابل إنهاء النزاع مع "إسرائيل"، لكن دون جدوى. لقد عرضت حماس بشكل مستقل هدنة طويلة الأجل أو وقفا لإطلاق النار، كما غيرت ميثاقها لتعكس تسوية تستند على هدنة حدود حزيران/ يونيو 1967. لكن، رفضت حماس تفكيك قواتها المسلحة أو تسليمها، وانتهى الأمر بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بالتدهور وانعدام الأهمية السياسية نظرا لإعترافهما بوجود "إسرائيل". لا يوفر ذلك الكثير من الحوافز لحماس وجماعات المقاومة الأخرى في غزة.
من جميع النواحي، أصبح التقلب بين الحوار وخوض الحروب ومصالح الأطراف الأخرى من حصار غزة واضحًا أيضًا. في بعض الأحيان، كانت هذه الأطراف كاثوليكية أكثر من البابا في رغبتها في رؤية تعافي غزة وحماس، ومثلت مصر الخاضعة لسيطرة عبد الفتاح السيسي بقيادة المؤسسة العسكرية إحدى هذه الأطراف.
في سنة 2012، في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، مرّ ما يقارب 34 ألف شخص عبر معبر رفح كل شهر. وفي سنة 2014، بعد تولي السيسي السلطة، ظلت الحدود مع مصر مغلقة لمدة 241 يومًا، وأُغلقت لمدة 346 يومًا في سنة 2015 - ولم تُفتح إلا لمدة 19 يومًا. كان للسيسي يد في التحكم في معبر رفح الحدودي تماما مثل "إسرائيل".
اعتاد المجتمع الدولي على إعفاء "إسرائيل" من أي مساءلة عن العقاب الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها
يمثل المعبر صنبورا يتسبب إغلاقه في تسليط ضغط سياسي على حماس عن طريق حرمانها من الحصول على الرعاية الطبية المناسبة، ويخفف فتحه من الضغط المسلط على نزلاء هذا السجن العملاق. من جهة أخرى، تشكل السلطة الفلسطينية نفسها المتعاون الثالث لتفعيل الحصار. وفقا لحماس، منذ نيسان/ أبريل 2007، خفضت السلطة الفلسطينية من رواتب موظفيها في غزة، وأجبرت 30 ألف موظف عام على التقاعد المبكر، وقلصت عدد التصاريح الطبية لتلقي العلاج في الخارج وقطعت الأدوية والإمدادات الطبية. لا جدال في التخفيضات في الرواتب.

تجربة غير إنسانية

أشار موقع "ميدل إيست آي"، هذا الأسبوع، إلى أن التأثير التراكمي للحصار على المنطقة المحاصرة كان مدمرا. تخيل كيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي إذا بلغ معدل البطالة في هونغ كونغ أو نيويورك، وهما إقليمان آخران مزدحمان، 47 بالمئة، ومعدل الفقر 53 بالمئة، ومتوسط حجم الصف الدراسي 39 تلميذا، ومعدل وفيات الرضع 10.5 لكل ألف مولود حي.
اعتاد المجتمع الدولي على إعفاء "إسرائيل" من أي مساءلة عن العقاب الجماعي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها. لكن يتمثل الهدف المهم الآن في ضرورة اعتبار ما يحدث في غزة من انتهاكات وصمة عار إنسانية على ضمير العالم. والواقع أن جميع الحكومات الغربية قد ساهمت بنشاط في بؤس غزة عن طريق الإهمال أو التقصير.
جميعهم متواطئون بعمق في تجربة تفتقر للإنسانية: إبقاء أكثر من مليوني شخص على مستوى إعالة تعتبره الأمم المتحدة لا يطاق ولا يمكن تحمله، دون دفعهم إلى الموت الجماعي. ما الذي يجب أن يحدث حتى يتحقق التغيير؟ إلى متى سنحذف، كما يفعل غوغل على الأرجح، غزة ولاجئيها ومعاناتها اليومية من الوعي الجماعي في العالم؟
المصدر: ميدل إيست آي
تقول الأمم المتحدة إن قطاع غزة سيصبح غير صالح للعيش بحلول عام 2020. إسرائيل ساهمت عمداً في إيصال القطاع إلى هذا الحال.

أريد منكم أن تجربوا عمل الآتي. ابحثوا في غوغل عن عبارة "قتل عائلة من ثمانية أفراد". إذا فعلتم، فسوف تحصلون على عدة خيارات – الأول في سونورا بالمكسيك، والثاني في بايك، بولاية أوهايو، والثالث في مقاطعة ميندوتشينو بولاية كاليفورنيا.

يبدو أن ذاكرة غوغل الهائلة تعاني من النسيان إذ لا ذكر فيها لما جرى قبل شهر واحد فقط في دير البلح بقطاع غزة.

ونظراً لأنكم أنتم أيضاً قد تكونوا نسيتم، إليكم ملخصاً لما وقع: في الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، أسقط طيار إسرائيلي قنبلة من طراز جيه دام وزنها طن على مبنى كانت تنام فيه عائلة من ثمانية أفراد، خمسة منهم كانوا أطفالاً، واثنان منهم من الرضع.

في البداية، حاول الجيش الإسرائيلي التنصل من المسؤولية عن قتل عائلة السواركة (والتي فقدت منذ ذلك الوقت فرداً أخر من أفرادها متأثراً بما أصيب به من جروح، فصار مجموع من قتلوا في الغارة تسعة). وادعى المتحدث باسم الجيش باللغة العربية أن البناية كانت مقراً قيادياً لحركة الجهاد الإسلامي وأن بها وحدة لإطلاق القذائف من المنطقة الوسطى في قطاع غزة.

إلا أن صحيفة هآريتز كشفت عن أن الهدف كان عمره عاماً واحداً على الأقل، وأن المعلومات الاستخباراتية كانت تعتمد على الإشاعات، وأن أحداً لم يأبه بالتأكد مما إذا كان أحد يعيش داخل المبنى: قاموا فقط بإلقاء القنبلة ومضوا.

لقد عجزت الاستخبارات العسكرية عن تحديث بنك المعلومات لديها منذ عام بينما لديها القدرة على تحديد وضرب أهداف متحركة مثل بهاء أبو العطا، قائد المنطقة الشمالية من قطاع غزة في حركة الجهاد الإسلامي، أو محاولة قتل أكرم العجوري، عضو المكتب السياسي للحركة المقيم في دمشق.

لم يكن الجيش الإسرائيلي بحاجة لأن يعبأ حتى يكذب، فلا أحد يلتفت، كما أن صحفاً مثل الغارديان والنيويورك تايمز والواشنطن بوست لم تعبأ بتخصيص أدنى مساحة على صفحاتها سواء لخبر تبادل القذائف أو لخبر مقتل عائلة السواركة.

خطة إسرائيل لنظام تغذية في غزة

هذه هي غزة الآن: حصار وحشي يفرض على شعب منسي في أوضاع تتنبأ الأمم المتحدة بأنها ستكون غير مناسبة للعيش بحلول عام 2020، أي العام الذي لا تفصلنا عنه سوى أسابيع قليلة.
ليس من الصواب القول إن موت أفراد عائلة السواركة قوبل داخل إسرائيل باللامبالاة.
تجدر الإشارة إلى أن
 بيني جانتز هو المنافس الوحيد لبنجامين نتنياهو على الزعامة، وكل من يظن خاطئاً في العواصم الغربية أن غانتز رجل محب للسلام، لمجرد أنه يتحدى نتنياهو، فإن عليه أن يتأمل في سلسلة الفيديوهات الانتخابية التي مقاطع الفيديو حول غزة والتي نشرت مؤخراً لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، وكانت قد سجلت له أثناء حملته الانتخابية.

يبدأ أحد هذه المقاطع بصور أشبه ما تكون بما يمكن أن تكون طائرة روسية مسيرة قد التقطتها بعد أن قصفت موقعاً في شرق مدينة حلب. حجم الدمار يشبه ذلك الذي حل بمدينة دريزدن الألمانية أو مدينة ناغازاكي اليابانية. بعد ثوان معدودة يدرك المشاهد أن هذه الصور الملتقطة بواسطة طائرة مسيرة إنما القصد منها هو الاحتفال بالتدمير بدلاً من إدانة مرتكبه.

لا غموض يكتنف الرسالة العبرية المصاحبة للمقطع، والتي تؤكد أن ما جرى ما هو في عرف القانون الدولي إلا جريمة حرب. تقول الرسالة: "أجزاء من غزة أعيدت إلى العصور الحجرية .... 6231 هدفاً تم تدميرها ... 1364 إرهابياً تم قتلهم .... 3.5 عاماً من الهدوء .... القوي فقط يفوز."

عدم المبالاة ليست الكلمة الصحيحة، بل الأمر أقرب ما يكون إلى الاحتفاء.
يعود خنق إسرائيل لقطاع غزة إلى ما قبل الحصار الذي بدأ بعد أن سيطرت حماس على القطاع في عام 2007. فكما يقول الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت، لطالما عشعشت في أذهان الزعماء الإسرائيليين فكرة الإبادة العرقية حين يتعلق الأمر بما ينبغي أن يفعلوه بالقطاع الذي دفعوا إليه بكل تلك الأعداد من اللاجئين بعد عام 1948.

في عام 1967، شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول وحدة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة.

قال حينها إشكول: "بالضبط بسبب الخنق والسجن هناك، سوف ينتقل العرب إلى قطاع غزة ... وربما لو لم نمنحهم ما يكفي من المياه فلن يكون لديهم خيار، لأن الأشجار ستصفر وستذبل."

وفي عام 2006، قال دوف ويزغلاس، المستشار في الحكومة الإسرائيلية: "الفكرة هي أن نضع الفلسطينيين في نظام تغذية، لكن دون أن نصل بهم إلى الموت جوعاً."
معبر رفح كصمام إنقاذ


لم تتراجع أو تخف حدة هذه المشاعر مع مرور الزمن.

إنما الفرق اليوم هو أن زعماء إسرائيل ما عادوا يشعرون بالحاجة إلى إخفاء ما يجول بخاطرهم تجاه غزة. فكما فعل غانتز، باتوا يصدعون جهاراً بما كانوا من قبل يسرون به في المجالس الخاصة أو يخطر ببالهم.

في السر، لم يتوقف رؤساء الوزراء الإسرائيليين في التواصل مع حركة حماس عبر وسطاء، وبشكل رئيسي بخصوص تبادل الأسرى.

وقام طوني بلير، المبعوث السابق للرباعية الدولية، بالتواصل من خلال جهوده الدبلوماسية عارضاً على حماس إقامة ميناء بحري ومطار جوي مقابل إنهاء الصراع مع إسرائيل. إلا أن جهوده لم تثمر شيئاً.

كما عرضت حماس بشكل مستقل هدنة طويلة المدى وغيرت ميثاقها لكي يعكس قبولها بتسوية على أساس حدود فلسطين ما قبل عام 1967. إلا أنها رفضت تفكيك قواتها المسلحة أو تسليم أسلحتها. بالمقابل، انتهى الأمر بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بالسير في طريق الانحلال والتلاشي السياسي منذ أن اعترفتا بحق إسرائيل في الوجود. ولا شك أن ما آلت إليه أوضاعهما لا يوفر حافزاً لا لحركة حماس ولا لغيرها من فصائل المقاومة في غزة لانتهاج سلوك مشابه.

طوال ذلك الوقت بات واضحاً ذلك التذبذب بين اللجوء إلى المفاوضات والذهاب إلى الحرب وكذلك تغليب مصالح الأطراف الأخرى التي ترى استمرار فرض الحصار على قطاع غزة. في بعض الأوقات، كانت هذه الأطراف أكثر كاثوليكية من البابا نفسه وأشد حرصاً على رؤية غزة وحركة حماس تركعان وترضخان.

ومن هذه الأطراف مصر تحت الحكم العسكري بقيادة عبدالفتاح السيسي.
في عام 2012، في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، كان يمر عبر معبر رفح ما متوسطه 34000 شخص كل شهر. بينما في عام 2014، بعد أن جاء السيسي إلى السلطة، ظلت حدود غزة مع مصر مغلقة لـ 242 يوماً. وفي عام 2015 بقيت الحدود مغلقة لـ 346 يوماً ولم تفتح سوى لتسعة عشر يوماً. بل لقد شغل السيسي المعبر الحدودي في رفح تماماً كما تفعل إسرائيل نفسها.

يشبه المعبر صنبور المياه:
أغلقه فتمارس ضغطاً سياسياً على حركة حماس من خلال حرمان المرضى من الوصول إلى حيث توجد الرعاية الطبية المناسبة، وافتحه فتخفف الضغط الذي تمارسه على نزلاء هذا السجن الضخم.

المتواطئ الثالث في فرض الحصار على غزة هو السلطة الفلسطينية ذاتها. فحسبما تقول حماس، بادرت السلطة الفلسطينية منذ شهر إبريل / نيسان من عام 2007 إلى قطع رواتب موظفيها في قطاع غزة، مجبرة بذلك ثلاثين ألفاً من موظفي القطاع العام على التقاعد المبكر، وقلصت أعداد التصاريح الطبية بتلقي العلاج في الخارج، وقطعت الأدوية والمستلزمات الطبية. على الأقل، لا يوجد من يجادل في حقيقة أن الرواتب قد قطعت فعلاً.

تجربة لا إنسانية

كما ذكر موقع ميدل إيست آي هذا الأسبوع، كان الأثر التراكمي للحصار على القطاع مدمراً.

تخيل كيف كان المجتمع الدولي سيتصرف لو أن هونغ كونغ أو نيويورك، وكلاهما مشابه لغزة من حيث ازدحام أراضيه بالسكان، وصلت فيهما نسبة البطالة إلى 47 بالمائة، ونسبة الفقر إلى 53 بالمائة، وبلغ حجم صف التعليم في المدارس في المتوسط 39 طالباً، وبلغت نسبة وفيات الرضع فيه 10.5 من كل ألف من المواليد.

لقد تعود المجتمع الدولي على إعفاء إسرائيل من المحاسبة على ما تمارسه به من عقوبة جماعية وعلى ما ترتكبه من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان.
ما هو مؤكد أن غزة ينبغي أن تكون لطخة عار في جبين الضمير العالمي.
وسواء من خلال الإهمال أو بحكم الأمر الواقع، ساهمت جميع الحكومات الغربية فيما يعانيه القطاع من بؤس وشقاء. كل هذه الحكومات متواطئة في إجراء تجربة لا إنسانية: كيف تبقي مليوني إنسان في مستوى من العيش لا يطاق ولا قبل لأحد أن يعيش فيه، كما تقول الأمم المتحدة نفسها، ولكن مع إبقائهم على قيد حياة مريرة على شفا هوة من الموت الجماعي.
ما الذي ينبغي أن يحدث حتى يتغير هذا الحال؟ إلى متى سنستمر في طمس غزة ولاجئيها – كما يفعل غوغل – وحذف المعاناة اليومية من الضمير الجمعي للعالم؟

(عن موقع ميدل إيست أي البريطاني، ترجمة خاصة لـ"عربي21")

لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق