الجمعة، 1 مايو 2020

قلنالك...! مذكرات قصة أماني


قلنالك...! مذكرات قصة أماني
خواطر صعلوك


محمد ناصر العطوان
أشاركك عزيزي القارئ اليوم... قصة أماني.
تقول وقد بدأت الحكاية من اخرها:
- الأصدقاء هم الذين يقولون لك دائما «قلنالك...! بس انت ما سمعت الكلام».
نخوض في حياتنا تجاربنا الشخصية ونحن محاطون بأصدقاء يتقبلون تقلباتِنا كما هي، ولكن ذلك لا يمنعهم من أن يُبدوا لنا الغضب والاستياء والنصح وما يرونه من رأي، فيقولون لنا ما لا نرغب في سماعه، فنذهب في رحلتنا الخاصة... ونعود بقناعات نكتشف أنها ذات القناعات التي أخبرنا بها أصدقاؤنا ولكننا لم نكن نسمع... فيقولون لنا «قلنالك»!
وكوننا نعود إلى الأصدقاء أنفسهم لنخبرهم ما حدث معنا، ونتقبل «لوم» المُحبين فينا وهم يشعرون بالنصر لما أبدوه من نصح لم نسمعه، وفي الوقت نفسه يشعرون بالحزن علينا، في الوقت الذي تغيرنا عليهم فيه، وحسرتهم على ما نشعر به من ألم ونحن نحكي لهم... ونردد:
- كان من الأجدى أن أنصت إليكم!
فهذا يعني أنهم أصدقاء حقيقيون، لأن صديقك الحقيقي هو الذي دائماً يردد على مسامعك «قلنالك!» وليس الذي يردد على مسامعك «اللي تشوفه»!
فالأصدقاء الذين يقولون لك «قلنالك» هم شركاء رحلة... ترحل فينتظرون عودتك وتقال لك كلمتهم التي تشعرك بحاجتك للتعلُم أكثر، وأما من يقولون لك ويخبروك «باللي تشوفه»، فهم لا يخبروك شيئاً إطلاقاً،لأنهم فقط شركاء محطة يخبروك دائماً بما تراه في الإضاءة التي وضعتها لنفسك، ولن تستطيع أن ترى في الضوء أكثر مما يريك.
تتوقف أماني عن الاستخلاصات... وتبدأ في سرد قصتها، وإليك عزيزي القارئ صفحة من مذكرات قصة أماني.
تخبر أماني أصدقاءها أنها ستنزل من القطار في المحطة المقبلة، يُخبروها أن كل الذين توقفوا هنا لم يصلوا أبداً، يصرخون، يحذرون، يتهامسون... ولكن قرار أماني وحماسها وتصميمها على المضي نحو هدفها أمر مبالغ فيه... ومن الصعب تصوره أو القبول فيه، يُصاب أصدقاؤها باليأس من عنادها... يخبروها شيئاً واحداً:
- هناك دائماً في داخل كل نفس بشرية «موريارتي»، و«فولدمورت» قابعان وينتظران الفرصة المثالية... احمِ نفسك!
تتوقف «أماني» في محطة قطار من الدرجة العاشرة بنوايا صافية... ويبدو أن القائمين والعاملين في قاعة الانتظار هنا قد فقدوا أحلامهم منذ زمن طويل، تعتقد أنها بين اخوانها واخواتها في المحطة، ثم بدأت تنهض كل يوم صباحاً وتتجه إلى القاعة من أجل مزيد من التعلم، لدرجة أنها نصبت خيمة في المحطة وأعطت اسماً واحداً لكل من في صالة الانتظار وهو «واكوشلا» ويعني باللغة الأيرلندية (عزيزتي التي من دمي).
عاشت «أماني» جميلة مشعة بالأمل وتحقيق الأفضل... حالمة... بريئة ولا تريد الكثير... مدفوعة إلى الامام بنواياها وليست مسحوبة من الخلف باحتياجاتها.
تبدأ القصة بالتأملات في البداية، ولكنها لا تنتهي بالتأملات في النهاية، وما بين البداية والنهاية هناك خيمة عملاقة مرفوعة تظلل مصائر الشخوص، وأعمدتها ليست سوى كل ما لا يمكن رؤيته أو الإمساك به!
ولطالما أن الأبرياء هم وحدهم من يدفعون الثمن... ولطالما ثمة أناس لا يستحقون النهايات القاسية... فقد سارت البطلة بين البداية والنهاية دون أن ترى ذلك.
تتجاوز الحكاية في المحطة إطارها البسيط، والذي يكاد يكون مألوفاً في قصص كل الذين اكتشفوا أنه تم خداعهم...الفتاة البريئة التي تقابل أشخاصاً في الحياة ثم تكتشف أنهم ليسوا كما يظهرون!
ولكن الحكاية هنا تتجاوز إطارها فعلاً!
هناك حلم لا يراه أحدٌ غيرك، إنه السحر الذي يدفعك للمخاطرة بكل ما هو أكبر من أن يُرى! ومن أجل حلم لا يراه الآخرون... خرجت حكاية «أماني» عن إطارها البسيط.
وفي طريقها لهذا الحلم، تخطت كل الصعاب بنواياها وليست بمهاراتها فقط... بدأت تنسى أهم قاعدة كان كل من حولها يذكرها بها:
- احمِ نفسك يا أماني!
تستيقظ أماني في الصباح على قاعة انتظار فارغة من كل الذين أطلقت عليهم «واكوشلا»، كعادتهم يتنقلون بين المحطات ولكن لا يكملون الرحلة مع أحد، وتعود لأصدقائها كالذي وجد كيسا من الرمل وسط الصحراء... فيقولون لها:
- قِلنالك...!
ليس هذا المقال عزيزي القارئ تجربة شخصية أنقلها لك عن أشخاص قابلتهم في الحياة، أكثر ما يميزهم أنهم بشر يفتقدون معنى وجودهم ويتحول وجودهم في الحياة إلى ملعب أو مسرح يمارسون فيه أدواراً اجتماعية يحيط بها الغموض، وعدم الوضوح وخذلان من عرفوهم.
ولكنه تأمل شخصي في معنى الصداقة وملازمة الطريق، ولا أنكر أنه انطبق عليّ في لحظة ما انطبق على الأستاذ أحمد خالد توفيق رحمه الله عندما قال:
- انعزلت وقرأت أكثر من اللازم بينما كان أصدقائي يمارسون الحياة، ولا يقرؤون عنها... اليوم أجد أنهم لم يكونوا بهذه الحماقة.
وكل ما لم يذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan @

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق