الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

الإستعمار واحد.. من لورنس العرب إلى كوشنر

الإستعمار واحد.. من لورنس العرب إلى كوشنر


 كاتب ومفكر – الكويت.
“كان لا بد من أن أنضم إلى المؤامرة، وأن أطمئن الرجال العرب، فالأفضل لنا أن نفوز بدلاً من أن نخسر، حتى وإن نكثنا بوعدنا”، هذا ما قاله “لورنس العرب” مبرراً خداعه لـ “أصدقائه” في الجزيرة العربية بعد أن وعدهم بأنهم سيحصلون على وطن حر مستقل فيما لو وقفوا بصف بريطانيا ضد الخلافة العثمانية، خلال الحرب العالمية الأولى.
التاريخ لا ينسى
من المعروف أن الخلافة العثمانية كانت قوية جداً، وممتدة في أقطار بعيدة، وشكلت سداً منيعاً في وجه الهجرات اليهودية إلى فلسطين، أيام السلطان عبد الحميد الثاني؛ بالتالي، كانت مهمة الإستعمار تفكيك كل دولة قوية وهذه قاعدة عامة راسخة في سياساته القديمة – الحديثة، وشطب ومحو كل ما له صلة بالإسلام، ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبته جمعية الإتحاد والترقي مع الإستعمار حينها.
هكذا يفكر الغرب الإستعماري؛ فكل ما يقع عليه تفكيرهم ميزانه، الربح والخسارة. لا يوجد لديهم قيم ولا مبادئ، حتى على سبيل العشرة، حبل أي ود مقطوع لديهم ومعهم. من أين جاءت هذه القسوة؟ كيف لهم عدم التأثر بشيء؟ أسئلة كثيرة تضع الأمس مع اليوم وكأنه واقع يعيد نفسه، فـ “لورنس العرب”، في تلك الحقبة، أستنسخ عنه الكثير جميعهم لورنس ولكن للعنة العرب!
هو الذي خدع أصدقاؤه في الجزيرة، لأن الواقع آنذاك كان يرسم إتفاقية سايكس – بيكو لتقسيم الأمة العربية بين الإستعمارين الفرنسي والبريطاني، فلقد أراد الوقوف مع العرب ذات أنفسهم في وجه العثماني ليهيئ الساحة أمام فرنسا وبريطانيا. تخيلوا هو شخص واحد لكل إستطاع تدمير كل العرب، فيا لغباء بعض العرب!
رحلته في بلاد العرب
ربما يتساءل الكثيرون كيف وصل توماس إدوارد لورنس، أو “لورنس العرب”، إلى أرض الحجاز، ومن أين يتقن اللغة العربية. لقد زار الشرق الأوسط لأول مرة العام 1909 حين كان طالباً يدرس علم الآثار في الجامعة البريطانية الشهيرة أوكسفورد، وأمضى صيف ذاك العام وحده عبر أرجاء سوريا وفلسطين لمسح القلاع الصليبية أثناء إعداده أطروحته الدراسية، ويقال إنه سار على قدميه حوالي ألف ميل (أكثر من 1600 كلم)، وأطلقت عليه النار وسرق وتعرض لضرب مبرح. ورغم رحلته الشاقة، عاد بعد عام من تخرجه إلى سوريا أثناء مشاركته في بعثة استشكافية برعاية المتحف البريطاني. هذه الأسفار جعلته يتقن اللغة العربية عن ظهر قلب؛ بالتالي، وطدت علاقاته مع عموم العرب في مختلف الدول التي كان يحل بها ضيفاً.
لا بد هنا من ذكر أن الجواسيس العسكريين والمخابرات الأجنبية، وبدء تنفيذ المخطط لتفتيت الأمة العربية والإسلامية، لقد أتى مع هؤلاء تحت صيغة “مستشرقين” زاروا البلاد وشبه الجزيرة العربية، وتعلموا أصول الفقه واللغة، وقاموا بنقل الإحداثيات، كما نسميها اليوم وحيثيات المناطق وقوتها ونقاط ضعفها، للمخابرات البريطانية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الأمريكية. هذا بالضبط كان هدف تلك البعثات التي غزت العالم في حقب خلت.
ذاع صيت لورنس كعالم آثار، ومع إندلاع الحرب العالمية وإعلان الدولة العثمانية الحرب على إنكلترا، تم استدعاءه إلى مقر قيادة الجيوش البريطانية في القاهرة وعين في قسم الخرائط للإستفادة من خبرته في علوم الآثار. وبعد أن أظهر براعة تخطت دوره في قسم الخرائط، تقرر نقله إلى قسم المخابرات السرية، وهو هذا الدور الجديد تطلب الإنتقال إلى الجزيرة العربية، وهناك لمس بشكل مباشر وقائع الثورة العربية ومدى كراهية العرب للأتراك. وفي الجزيرة العربية، التقى بالأمير فيصل، النجل الأكبر للشريف حسين، حيث وجد فيه شخصية القائد، ما شجعه على التعاون والتباحث معه. وعبر المكر والخداع، إستطاع أن يكسب ثقة العرب.
معلم سياحي
لفتني خبر نشرته صحيفة “التلغرام” البريطانية مفاده العمل على إعادة إعمار منزل “لورنس العرب” تحت مسمى معلم سياحي. هل يُعقل أن نجد رحلة تضم جواسيس من دول العالم تريد أن تقرأ عن قرب كيف عاش “لورنس العرب”؟ فمنْ من الغرب الأوروبي أو الأمريكي من يريد رؤية الشاهد على تدمير الأمة العربية سوى من يسلكون ذات الخط والنهج. ولنعرج قليلاً على ما جاء في مذكراته وتحديداً عن الذين ساعدوه في تفجير سكة حديد الحجاز، التي أنشأها السلطان عبد الحميد الثاني إبان الخلافة العثمانية. للعلم، لا تزال آثار تلك السكة موجودة في الحجاز وفي منطقة الزبير في بغداد وأيضاً في دمشق، حيث إفتحتت العام 1908، وتدمرت عام 1916، واليوم يجري على العمل على إعادة إحيائها ولكن مع الكيان الصهيوني، للأسف.
عن هذا العمل يقول “كانوا همجاً رعاعاً، عندما أرادوا تفجير سكة الحديد، قلنا لهم إصمتوا حتى لا يسمعنا العثمانيون، فلم يستطيعوا أن يصمتوا 10 دقائق، وعندما فجر القطار، سرقوا القطع المتناثرة وهربوا”.

فهل يعقل ترميم منزل من شتم العرب وسخر منهم اليوم والنية جذب السياحة، وفي المقابل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي هو بيت خديجة عليها السلام رغم تبريرات السلاطين الكبيرة، وتحويل مهبط الوحي على النبي الأكرم إلى “حمامات عمومية” في مكة المكرمة؟ تخيلوا بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، البيت الذي يتلى فيه القرآن الكريم وتتنزل فيه الملائكة وجبريل الأمين عليه السلام يصبح حماماً عمومياً وبيت الجاسوس، مدمر الأمة العربية والعميل الإستخباراتي البريطاني، متحفاً؟
وبغض النظر عن أصول بيته، يكفي القول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مكث في هذا البيت فترة من الزمان؛ وحتى إن لم يثبت ذلك، يبقى أنه معلماً إسلامياً تاريخياً، والأمر بنفسه ينطبق على دور الصحابة، أمثال دار ابن الأرقم وبيت أبو طالب وبيت عبد المطلب وشعبة بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. وحتى عندما أزيلت الأقواس العثمانية عن الكعبة الشريفة، أفقدوها الروحانية.
الخوف على البقية الباقية من تراثنا أن تحول إلى ما نخجل وصفه والحديث عنه. فهل يكون توماس إدوارد لورنس أهم، والعياذ بالله من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكيف يطير جاريد كوشنر، الصهيوني، فوق قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته دون حياء مخترقاً أجواء بلاد الحرمين الشريفين المقدسة؟
قيادة المنطقة
كما جاء لونس العرب بمخطط إستعماري ليسوق الأمة، نرى اليوم ما يقوم به كوشنر، رجل الأعمال الأمريكي اليهودي، وتأديته لذات الدور مع فوارق بسيطة أبرزها أن الأول أنه تلظى خلف هوية أخرى، بينما كوشنر يريد قيادة العرب علناً والجميع يعلم تنظيره حول “صفقة القرن” ودوره في تقارب العرب مع الصهاينة في مسألة التطبيع، وتطير طائراتهم من فوق قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهدفه الأوحد محاربة الإسلام والمسلمين والعبث بتاريخهم والأحاديث النبوية.
في العام 1916، يقول لورنس العرب في مذكراته عن تفجير خط الحجاز “شعرت بأني وضعت يدي على الشريان الذي يربط الترك بالعرب، فلما فجرناه قطعنا ذلك الشريان”. هذا الجاسوس يتفاخر بتفتيت الأمة العربية والإسلامية. طبعاً، نحن هنا لا نبرر هنا ما قام به العثمانيون، فالجميع أخطأ بحق العرب والجميع نضع إلى جانبه علامات إستفهام، من تلك الحقبة وصولاً إلى تاريخنا المعاصر، من الأنظمة العربية التي تحارب مع الأسف شعوبها، وأغلبها دول تابعة للولايات المتحدة “العظمى”، والآن إلى الإحتلال الإسرائيلي. فعن أي إعمار منزل جاسوس نتحدث؟ وهل ذلك فخر لنا أم عار علينا؟ الجميع يتبع “لورنس 2020” لكن بشكل وإسم آخر. كوشنر هو اليوم زعيم التطبيع المدعوم من صندوق النقد الدولي.
من المعيب لصق العرب بإسم جاسوس بريطاني، ومن المعيب أكثر أيضاً تحويل منزله إلى معلم سياحي وهو الذي حولنا إلى محميات أمريكية.
سبق إعلامي
عندما قرأت هذا الخبر كما أسلفت أعلاه، أدهشني كيف تسارعت كل المواقع العربية إلى نسخه ولصقه. فهل شعوبنا مغيبة لا تعرف من يكون هذا الشخص ولا تعرف شيئاً عن تاريخه في دمار الأمة؟ نعم هو كذلك. أجيال اليوم بعيدة كل البعد عن التاريخ الذي عاشه أسلافنا، إلا من رحم ربك. كثيرون قد يقرؤون الخبر على أنه سبق صحفي وفتح من الفتوحات ومنقذ الأمة من الضياع وعظيم من عظماء العرب، لكن لا ملامة، فالعرب هم من فصّلوا المقصلة ووضعوا رقابهم تحت رحمة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصهره ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وكل من سبقهم.
لا أحد ينسى الفيلم البريطاني الشهير عن “لورنس العرب”، المنتج عام 1962 وكان من بطولة عمر الشريف رحمه الله، الذي حولوه بطريقة أو بأخرى إلى بطل شاهد قصته كل العالم. ليس هذا فحسب، بل عند قراءة مذكرات أية شخصية أمريكية أو بريطانية أو صهيونية نرى أنها تحتوي على كمية إشمئزاز كبيرة تجاه العرب، وكأن المجتمعات العربية مجتمعات منحطة. لكن مشكلة العرب من أصحاب السلطة على إختلاف مسمياتها، أنهم لا يقرأون التاريخ، وكلهم يطمحون إلى نيل الرضا من رؤساء أميركا المتعاقبين.
بعد سقوط الخلافة العثمانية، يبدو أن الإسلام السياسي بات “العدو الأكبر” للغرب الإستعماري، كما مهد له صامويل هنتنغتون في كتابه “صراع الحضارات”، بالإضافة إلى الهويتين العربية والقومية، وأي مشروع قد يوحد الأمة هم أعداء له.
خلاصة القول، عندما تفتقد الأمة للمشروع، كما كنت أوضح دائماً، يكون من السهل جداً إختراقها. اليوم، يبقى المشروع الأوحد للعرب العملاء، لا الشرفاء، الثبات على الكرسي. وكما إستطاع “لورنس العرب” أن يتغلغل بين العرب المسلمين وضربهم بعضاً ببعض وقطع شريان العرب والأتراك، بحسب قوله، بات العرب اليوم يطبقون “أجندة كوشنر”، ويحاربون أيضاً بعضهم البعض، دينياً وحزبياً وعرقياً ومن كل النواحي، في وقت تحولت فيه جرائم الإحتلال الصهيوني إلى “حمامات سلام” ولم تعد تذكر أية محطة عربية عنها شيئاً إلا القليل القليل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق