زمن التِّيهِ المصري (2-2)
أحمد عبد العزيز
"ليعلم بنو مصر، علم اليقين، أن السّامريُّ لن يرحل، ولن يمشي، ولن يغور، إلا إذا اقتلعوه اقتلاعا.. فماذا لو اقتلعوه؟!.. إن الفرق شاسع جدا بين أن يقتلعوه بأيديهم وأظفارهم، وأن يقتلعه الجيش، كما اقتلع مبارك من قبل".. بهذه العبارة، ختمت الجزء الأول من هذا المقال، واليوم أُتِمُّ ما بدأته.
(3)
في الحالة الأولى (اقتلاع بني مصر للسامري بأظفارهم).. سنرى صورة (طبق الأصل) مما حدث، إبّان انتفاضة 25 يناير 2011.. شركاء متشاكسون.. لن يتفقوا على شيء.. وآية ذلك، أنه على مدى سبع سنوات عجاف، لم نرَ كيانا (عليه القيمة) يجمع متصدري المشهد المصري، في الخارج، ولم نسمع بجبهة وطنية موحدة، لديها رؤية؛ لإدارة مصر بعد اقتلاع السامري! بل كل كيان يغرد منفردا، معتقدا (حد النرجسية) بفاعلية ما يصدر عنه، من بيانات هزيلة، أو تصريحات إنشائية، تُطمئن السّامريَّ، بدلا من أن تجعله يتحسس رقبته!
"نحن لا نتأخر عن الشعب المصري، ولا نتقدم عليه".. هذا ما صرّح به المتحدث الإعلامي باسم "سِبط" الإخوان المسلمين!.. كلام "شكله حلو"، لكنه لا يحمل أي مضمون! فهذا "السِّبط" تقدم في 2012 لشغل موقع الرئيس، في أول انتخابات حقيقية تشهدها مصر في تاريخها، وفاز بالرئاسة، وقبلها فاز بالأغلبية المطلقة في البرلمان، وكان لديه مشروع بعنوان "النهضة"، تمت الإطاحة به بالقوة المسلحة! فكيف يتوقف عن المُضي في تسويق مشروعه، والسعى لبيانه، وإقناع الشعب به؟!
إن تقاعس هذا "السِّبط"، ولّد قدرا كبيرا من اليأس في نفوس المصريين! فلم يعد هناك مَن يُريهم كيف سيكون الحال عليه، إذا تمت الإطاحة بهذا السّامري! ومن كانوا يظنون أنه سيقودهم، فإذا به يقول لهم: "نحن لا نتأخر عنكم، ولا نتقدم عليكم"! فمن سيقود الشعب إذِنْ؟!
وللتاريخ، فقد تقدمت في 2014، لقيادة هذا "السِّبط" في الخارج، بمشروع مكتوب لتشكيل واجهة سياسية، تمثل "الشرعية الدستورية" التي كانت لا تزال محل احترام وتقدير العالم وقتذاك. وتضم هذه الواجهة كل من في الخارج، من مستشاري الرئيس، والوزراء، والمحافظين، ونواب الشعب. فقد كان العالم مستعدا (وقتذاك) وفي مقدمته تركيا وقطر، للتعامل مع هذه الواجهة، باعتبارها ممثلا للشرعية الدستورية المنقلب عليها، ومن حق هذه الواجهة، بل من واجبها، أن تتحرك على الساحة الدولية، مستخدمة كل الوسائل السياسية؛ لإعادة الشرعية التي كانت ممثلة في الرئيس الشهيد محمد مرسي، طيّب الله ثراه..
بيْد أن قيادة هذا "السِّبط" آثرت أن تتواصل مع الدول باسم "الإخوان المسلمين"، وهو الأمر الذي لم يَلقَ أي تجاوب، من أي نوع، في أي دولة؛ لأن الدول (ببساطة) لا تتعامل (رسميا) مع أحزاب وحركات، بل تتعامل مع "ممثلي الشعوب".. وفاتت الفرصة، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه..
"سبط" آخر، حمل السلاح (لسنوات) ضد مبارك، واليوم، بات "يتحلى" بما يسميه هو "حكمة" و"سياسة" في مواجهة نظامٍ منقلبٍ فاشيٍّ فاسدٍ مستبدٍ، يقتل المصريين العُزّل، في وضح النهار، بدم بارد، ويمنع عن آخرين، أبسط أنواع الرعاية الصحية في المعتقلات، حتى تصعد أرواحهم إلى بارئها! ناهيك عن تفريطه في أرض مصر، ومياهها، وثرواتها، لصالح من يدفع له، لا لمصر!
ما هي الحكمة والسياسة في تبني "خطاب معارض" لنظام كهذا، بدلا من تبني "خطاب ثوري" يدعو لاقتلاع هذا النظام من جذوره، وإعادة السيادة للشعب؛ كي يختار من ينوب عنه، ويمثله (بحق) في إدارة البلاد؟!
"سِبط" ثالث، يسمي نفسه "التيار المدني"، والمدنية منه براء!.. لقد أدمن هذا "السِّبط" العيش في ظل البيادة العسكرية، وقنع بـ"تمثيل" دور المعارضة، استكمالا للشكل "الديمقراطي" لكل الأنظمة المستبدة التي تعاقبت على حكم مصر منذ 1952، مقابل بعض الامتيازات والنفحات التي يلقيها النظام لقيادات هذا التيار، من آن لآخر..
"سبط" رابع، وهم مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.. وفي الحقيقة، فإن كل منهم "سبط" مستقل، ولِمَ لا والواحد منهم يتابعه مليون، أو أكثر، أو أقل.. هؤلاء يجمعهم "التنافس" قبل القضية! إذ لم أجد عملا واحدا، على مدى سبع سنوات يجمع هؤلاء "الأسباط"، ولو على سبيل "المحاولة".. وهذا ممكن جدا، وسيكون له أثر هائل على الرأي العام المصري. فأول ما سيلفت انتباه المصريين، في هذه الخطوة، هي "الوحدة"، وهو مفهوم بات من الماضي لدى المصريين.
(4)
في الحالة الثانية (اقتلاع الجيش للسَّامريِّ، كما اقتلع مبارك).. هذا الوضع سيعيد العداد إلى الصفر، أو "هيصفّر العداد" بلغة المصريين الدارجة، كي تبدأ مرحلة جديدة، لن تكون أفضل من سابقتها، على أية حال؛ لأن القيادة ستظل في قبضة "سِبط" العسكر، وهو"سِبط" لم يَرَ المصريون منه خيرا (أبدا) على مدى سبعين عاما!
فهذا "السِّبط" تربى وعاش على الامتيازات، لا على التضحية، وعلى الأخذ لا على العطاء، وعلى الغطرسة والاستعلاء لا على النُّبل والتواضع، وعلى الأثرة لا على الإيثار..
إن قيادة كهذه ستعتبر أن الفرصة قد واتتها، وأن دورها قد حان؛ للحصول على نصيبها من الكعكة المصرية "المنهوبة"، منذ مئات السنين، ولا يزال فيها ما يُنهب! أما الشعب المصري، فسيظل في هذا التِّيه، إلى أن تبرز قيادة "ثورية" راشدة، لديها رؤية واضحة للمستقبل، ولديها الكفاءات والكوادر القادرة على تحقيق هذه الرؤية، وِفق خطة مُحكمة، تتمتع بالمرونة، تبعا للمستجدات..
إن تدني الوعي الجمعي لدي الشعب قد يؤخر بروز هذه القيادة، وقد يعوقها عن إنجاز رؤيتها، ومن ثم، فإن واجب الوقت هو العمل على زيادة رقعة الوعي بين المصريين، بتغذية الجوانب الروحية والإنسانية والسياسية والاجتماعية، بلغة راقية، وأساليب مبتكرة، بعيدا عن "الأدلجة" والتحزب..
twitter.com/AAAzizMisr
الجزء الاول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق