زمن التِّيهِ المصري! (١ – ٢)
أحمد عبد العزيز
(1)
كان سَامِرِيُّ بني إسرائيل صائغا ماهرا، يُشِيد قومُه بموهبته، ويُشار إليه بالبنان. أما سامري المصريين، فعسكري محدود القدرات، فقير الإمكانات، إلا من الخُبث، والكذب، والنفاق، والخيانة، و"السَّهْوَكَة" التي أوتِيَ منها (جميعا) حظا عظيما.. ليس له أي إنجاز يُذكر، فلم يصنع شيئا في حياته العسكرية، سوى "طأطأة الرأس" أمام رؤسائه، حتى واتته الفرصة، فتقدم الصفوف، وجَزَّ رؤوسَهم جميعا!
وبينما صنع سامري بني إسرائيل عِجْلا من ذهب له خوار، بطلب من قومه الذين تنَكَّروا للطف الله بهم، حين نجَّاهم من بطش فرعون، استأجر سامري المصريين (بأموال فراعين الخليج الصغار) عجولا (ذكورا وإناثا) يضج الفضاء بخوارها ليل نهار، ولا موضوع لديها سوى اتهام شيعة "موسى المصري" بالإرهاب، والتجسس لصالح تركيا وقطر، والسعي لإقامة خلافة إسلامية، وقطع الطرق، وترويع المواطنين، وسرقة الخرفان والحمير أثناء "هروب" بعضهم من سجن وادي النطرون، إبّان انتفاضة ٢٥ كانون الثاني/ يناير ٢٠١١!
عاث سامري بني إسرائيل فسادا، وفَتَنَ قومه، غير عابئ بإنكار هارون الذي استخلفه أخوه موسى (عليهما السلام) قبل أن يذهب إلى ميقات ربه؛ لاستلام الألواح التي حَوَت من كل موعظة.. أما سامري المصريين، فقد عاث فسادا على طريقة قاطعي الطرق، فاختطف "موسى المصري" بعد ساعات من إلقاء موعظته التاريخية التي كانت إلهاما وارتجالا! ومن الملفت، أنه بدأها بقول موسى بني إسرائيل:
"رب اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي".
فهل فَقِهَ المصريون قوله الذي جاء فيه:
"أقول للمؤيدين كما أقول للمعارضين، حافظوا على مصر، حافظوا على الثورة، الحفاظ على الثورة اللي احنا اكتسبناها بعرقنا، وبدم شهدائنا، وبمسيرتنا سنتين ونُص، حافظوا عليها كلكم، يا مؤيدين ويا معارضين.. اوعوا الثورة تتسرق منكم، بأي حجة! الحجج كتير، والسحرة كتير، والتحدي كبير، وانتم قادرين تواجهوا هذا..".
وتابع..
"ثورة 25 يناير، وتحقيق أهدافها كاملة، والحفاظ على الشرعية.. تمن الحفاظ عليها حياتي.. حياتي أنا.. أنا عايز أحافظ على حياتكم كلكم.. أنا عايز أحافظ على الأطفال، ولادنا اللي هيكبروا بعدنا.. أنا عايز أحافظ على البنات.. اللي هيبقوا أمهات المستقبل، يعلموا ولادهم، إن آباءهم وأجدادهم كانوا رجال.. لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون أبدا على رأي الفسدة، ولا يعطون الدنية (أبدا) من وطنهم، أو شرعيتهم، أو دينهم.. أنا عايز أحافظ على النساء.. على الرجال.. على الجيش.. الجيش المصري دا بنيناه كلنا بعرقنا.. بدمنا.. بمواردنا.. إحنا عايزينه جيش قوي..".
اعتصم شيعة موسى المصري في ميداني رابعة والنهضة، وميادين أخرى في الأقاليم، مطالبين بعودته إلى سدة الحكم، وتمكينه من استكمال فترته الرئاسية المنصوص عليها في الدستور، حتى ضاق سامري المصريين بهم ذرعا، فأعمل فيهم آلته العسكرية (بُعَيْدَ عيد الفطر) قتلا وحرقا ودهسا واعتقالا، بينما وقف باقي "أسباط" مصر، بين غاضب، وساكت، وشامت، وراقص على أنغام "تسلم الأيادي.. تسلم يا جيش بلادي".. ذلك الجيش الذي لا ينتظر منه المصريون إلا حماية أرواحهم، وصون أعراضهم ودمائهم، والدفاع عن أرضهم.. لكن السامري جعل منه عصابات مسلحة؛ لترويع المتظاهرين السلميين العُزَّل إلا من إيمانهم وإصرارهم على نصرة الشرعية، وإنقاذ مصر من "تِيهٍ" بدت معالمه تتشكل منذ ما قبل 30 حزيران/ يونيو 2013، يوم خرج شيعة السامري، المموَّلين من فراعين الخليج الصغار، إلى الشوارع، يطالبون برأس موسى المصري، ورؤوس شيعته!
(٢)
في آذار/ مارس 2014، أعلن السامري "ترشحه" لخوض انتخابات رئاسية "صورية".. فماذا قال للمصريين يومذاك؟!
قال نصا:
"فيه ملايين من الشباب بيعانوا من البطالة، ومفيش لهم عمل في مصر، دا أمر غير مقبول.. كمان فيه من المصريين بيعانوا من المرض، ولا يجدون علاجا مناسبا، دا أمر آخر غير مقبول.. مصر البلد الغنية بمواردها، وبشعبها، بتعتمد على الإعانات والمساعدات، دا أمر غير مقبول.. المصريون يستحقون حياة أفضل من كدا.. يستحقوا إنهم يعيشوا بكرامة.. ويعيشوا بأمن، ويعيشوا بحرية.. ويكون لهم الحق في الحصول على العمل، والغذاء، والتعليم، والعلاج، والمسكن، كل دا لازم يكون في متناول إيد كل المصريين".
فماذا أنجز السامري في أيٍّ من هذه الملفات، خلال ست سنوات قضاها منفردا في السلطة؟!
الإجابة: لا شيء.. بل زاد الأمر سوءا فيها جميعا..
ولم يكتف السامري بارتكاب هذا الانهيار الداخلي، بل سمح وسهّل للجيران قضم أطراف مصر، والاستيلاء على ثرواتها الطبيعية، ومصادرة جزء كبير من حصتها في مياه النيل، وأسرف في الاستدانة بغير حساب، وأعلن في تبجح ظاهر: "مفيش حل قدَّامي غير الاقتراض"!
فين التنمية والإنتاج؟ فين وعودك بعدم المساس بالأسعار، وتحسين الخدمات؟!
مفيش.. معنديش.. مش قادر أديك! هتاكلوا مصر يعني؟! أنا لو ينفع أتباع.. أتباع!
لكن في موضع آخر يقول وهو يُصَعِّر خده بكل صلف: "آآآه ببني قصور رئاسية، وهابني، هو أنا ببنيها ليّا؟! أنا ببنيها لمصر!".
وبما أن المصريين يستحيل عليهم دخول هذه القصور، فإن مصر في هذه الحالة ليست سوى انتصار.. زوجته التي خصص لها ميزانية مفتوحة (من الديون التي سيسددها المصريون) لهدم وبناء وتعديل ما تريد، وقتما تريد!
يعرف السامري أن الشارع المصري يغلي، تحت وطأة الجبايات والإتاوات التي يفرضها عليه مع شمس كل يوم، دون أن يرى أي تحسن في أحواله على أي صعيد.. ما يعني أن قنبلة بشرية ضخمة قيد الانفجار في أية لحظة، ولأتفه الأسباب، فيلجأ إلى حيلة باتت سمجة ومكشوفة، ألا وهي التهديد بترك السلطة!
لو عايزيني أمشي.. أمشي! والله لا يمكن أقعد في مكاني دا ثانية واحدة لو مش عايزيني!
فيرد المصريون: ارحل.. امشي.. غور في ستين داهية!
فيعاتبهم في مشهد تمثيلي تصنَّع فيه التأثر: يعني أنا لما ابقى عايز أخرجكم من العوز اللي انتو فيه، تعملوا هاشتاج "ارحل يا سيسي"؟! ازعل وللا مزعلش؟!
تزعل ليه؟!
ماذا تتوقع من شعب تسومه سوء العذاب، آناء الليل وأطراف النهار، ولم تُبقِ له من خدمة مجانية إلا استنشاق الهواء الملوث؟!
ثم يعاود الكرّة من جديد: "أنا مستعد للاستفتاء على وجودي.. وأمشي لو مش عايزيني، وأسيبها لواحد يجي يخربها"!
فيرد الشعب عبر تويتر: مش عايزينك.. ويصبح تريند في مصر، والثالث عالميا!
ولا أعرف أي خراب ينتظر مصر، أشد من الخراب الذي لحق بها، على يد هذا السامري الدجال؟!
على المصريين أن يعلموا علم اليقين أن هذا الدجال لن يكف عن إشغالهم بمثل هذه الإلهاءات، ولن يرحل، ولن يمشي، ولن يغور في ستين داهية، ولا حتى داهية واحدة، إلا إذا اقتلعوه اقتلاعا.. فماذا لو اقتلعوه؟!
الفرق كبير وهائل، بين أن يقتلع المصريون هذا السامري الدجال، بأيديهم وأظفارهم، وأن يقتلعه الجيش، كما اقتلع مبارك من قبل.. وهذا حديث آخر، وفصل جديد، من فصول التيه الذي دخلته مصر، ولن تخرج منه في المستقبل القريب، ولا حتى في المستقبل المنظور، إلا أن يشاء الله غير ذلك.
وللحديث بقية..
twitter.com/AAAzizMisr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق