الأربعاء، 16 سبتمبر 2020

لسنا بدعاً من الأمم..

 لسنا بدعاً من الأمم..


ما حَدَثَ لنا حَدثَ لغيرنا، ما فعله غيرُنا لا بد أن نفعله..

أيحبِطُكَ قِلةُ وعي الشعوب المسلمة وانشغالها عن الغضب للدين وأحكامه بالغضب للقمة العيش؟! أيحبطك انشغال من يسمونهم النخبة بالسفسطة الفارغة والتناحر فيما بينهم على سفاسف الأمور؟!
الشعبُ الأمريكي الذي رُوِّجَ لمبادئيته ومُثُلِهِ العليا لم يَثُر في القرن الثامن عشر من أجل المبادئ والمُثُل؛ بل من أجل (أكياسِ شايٍ) فرض الاستعمار البريطاني الضريبة والجمارك عليها، مختتماً بذلك سلسلةَ ضرائب على السكر والورق والزجاج ومواد البناء؛ فجاءت ضريبة الشاي كالقشة التي قصمت ظهر البعير؛ فأشعلت غضبَ شريحةٍ لا يُستهان بها في ثلاث عشرة مستعمرة أمريكية، وانقسم- رغم ذلك- الشعبُ الأمريكي إلى ثلاثة أثلاث؛ ثلثٌ مع الثورة على بريطانيا، وثلثٌ مع بريطانيا على الثورة، وثلثٌ (حزبُ كنبة) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!!
في وجود الرغيف قد يتغافل العامةُ طويلاً عن إسقاط المبادئ، فإذا فُقِد الرغيف فكل شهوة لهم تصبح مبدأً يتشدقون بالدفاع عنه، ولا هدف لهم سوى الرغيف!!
في مرحلة الصراع بين ستالين ورفاقه ضد تروتسكي وزينوفيف؛ كتب أحدُ العمال قائلاً:" وأنتم تتجادلون فيما بينكم قد تموت أسرتي من الجوع.. سجالاتكم لا تختلف عن السجالات الدينية في القرون الوسطى"!!
***
أتحبطك الخيانات وتعدد الولاءات واللعب بالمبادئ والبحث عن حظوظ النفس؟!
تسعة وستون بالمائة من الموقعين على وثيقة الاستقلال الأمريكية كانوا موظفين لدى بريطانيا ومرتبطين بها استعمارياً، ولم يقرأ وثيقة الاستقلال من شرفة مجلس مدينة بوسطن سوى (توماس كرافتس) عضو جماعة (المخلصين التسعة) التي عارضت اتخاذ أي إجراء عسكري ضد الاحتلال البريطاني والبريطانيين!!
(بيندكت أرنولد).. بطل السنوات الأولى في الثورة الأمريكية، دَوَّخَ البريطانيين في معارك كثيرة؛ فأعجب به واشنطن وأرسله إلى فيلاديفيا (نُصرةً) لها؛ فلم يكتف بالانقلاب على واشنطن؛ بل خطط- بعد زواجه من ابنة أحد الأمريكيين الموالين للتاج البريطاني، وبتشجيعها- للالتحاق بالبريطانيين وتسليمهم منطقة (ويست بوينت)، ثم هاجم ولاية فرجينيا وأنهى خيانته بالهجوم على مسقط رأسه (كونكتكت)؛ ليحصل على رتبة عميد في الجيش البريطاني بلا عملٍ حقيقي أو وظيفة، ويعيش سنواته الأخيرة في بريطانيا مكتئباً ومصاباً بمرض عصبي نتيجة ازدراء البريطانيين وتنكرهم له!!
في الثورات؛ لا نكاد نعرف أيهما أسرع سقوطاً؛ الثوار، أم الأنظمة التي ثاروا عليها!!
***
أيحبِطُكَ ما يقال عن الدم المسفوك دون جدوى؟!
في معركة (بنكرهيل) أراد الجيش البريطاني حصار بوسطن فقرر احتلال المرتفعات حولها، وحين عرفت المليشيات الأمريكية ذلك قررت تفويت الفرصة عليه باحتلال هضبة (بنكرهيل).. ولأنهم كانوا مليشيات بدائية لا يكادون يعرفون جغرافية بلدهم؛ احتلوا هضبة (برييد هيل) بدلاً من (بنكرهيل)، واستعدوا ببنادق صيد وسيوف وخناجر للقاء جيش نظامي مزودٍ بأحدث أسلحة العصر؛ وكانت المفاجأة أنهم أبادوا الموجة الأولى للهجوم البريطاني ثم الموجة الثانية، ثم استحرَّ القتلُ فيهم بعد نفاد ذخيرتهم في الموجة الثالثة؛ فانسحبوا تاركين الهضبة للجيش البريطاني بعد أن كبدوه خسارة مُذلة غَيَّرَ بعدها تكتيكاته في الحرب؛ معتبراً أن الثمن المدفوع في الاستيلاء على هضبةٍ لا جدوى حقيقية من الاستيلاء عليها؛ هزيمةٌ رغم وهم الانتصار، وخسارةَ المليشيات الأمريكية لهضبةٍ لا مكسب حقيقي من الاحتفاظ بها بعد إذلال الجيش البريطاني فيها؛ نصر رغم وهم الهزيمة!!
في بعض المراحل.. إذا لم تستطع هزيمةَ عدوك فلا أقل مِنْ أن تجعل انتصارَه صَعباً!!
اعمل واصبر.. فالدنيا دول والأيام تتقلب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق