سردية شخصية في التعليم
خواطر صعلوك
الذين يعرفونني كشخص، يعرفون أني أعمل رئيس قسم اجتماعيات في وزارة التربية في الصباح، وقائد جيوش الشمال عند ماركوس أوريلوس في المساء.
وبعد ثلاثة عشر عاماً من الخدمة في وزارة التربية،رأيت فيها 9 وزارء وثلاثة وكلاء وأربعة مدراء مدارس وخمسة وعشرين حارس مدرسة وأربعة ممرضين، وجدت نفسي أتعلم كيف أُعلم من جديد عبر برامج التدريس عن بُعد، وهذا شيء جيد لأن جائحة كورونا ذكرتنا أنه لا بد أن نتعلم كيف نتعلم! ولكن ما حدث معي كان شيئاً غريباً.
أنا شخص أحب التنمية المهنية، وأحب تطوير الذات وتعلُم أشياء جديدة، ولكني أيضاً على الضفة الأخرى من النهر أحب التعليم والتدريس، وأحب طلابي وأحب التفاعل معهم مباشرة، أقرأ تعابيرهم واندهاشهم واستعدادهم الذهني ورغبتهم في السؤال وليس فقط الإجابة... نضحك... نُمثل... نغني.. نصفق... ثم في نهاية اليوم نتجول معاً إلى مسجد المدرسة أو إلى قاعة الموسيقى.
فجأة وجدت نفسي خلف شاشة... وعقلي غير قادر على استيعاب المشهد، واللاوعي عندي رافض تماماً للفكرة... أتواجد مع طلابي بصور ولكن بلا ذكريات، ورسائل جماعية بلا روح، وواجبات من دون مراعاة للفروق الفردية... وبتفاعل حذر، ورغبة محمومة في إنهاء اللقاء، نتكلم من طرف واحد... وكل منا لا يرى الآخر!
السادة المدافعون عن «التدريس» عن بُعد، وليس التعليم عن بُعد كما يظنون... يعتقدون أن التعليم يجب أن يستمر بأي شكل، لأنه قيمة في حد ذاته، ويجب ألا يتوقف حتى لو كان فاقداً لجوهره، ولا يمت للتعليم بصلة، وقد ضغطوا بكل قوتهم نحو هذا الاتجاه، لأنه في النهاية يجب أن يكون هناك شيء ما يمارسه أبناؤهم بعيداً عن عواقب هذا الشيء النفسية والعصبية والاجتماعية.
ولن أناقشهم في هذا لأنهم يملكون الحق الكامل في أن يقولوا ما يشاؤون، لأني أيضاً لدي الحق الكامل في أن أقول إن ممارسة الطب عبر الهاتف ربما تقلل الأخطاء الطبية من جانب الطبيب، وتصبح الكرة في ملعب المريض!
كل ما في الأمر أن قدراتي العقلية تحتاج إلى وقت، قبل أن تستوعب أننا كنا قبل سنة في المدارس نمنع الطلاب من اصطحاب هواتفهم للفصول، وبعد جائحة كورونا نقلنا المدرسة كلها في هواتفهم!
قد يكون الأمر برمته هماً شخصياً بحتاً، وفكرة سلبية في رأسي وحدي، ولا تعني أحداً من القراء أو المستشارين التربويين أو الإخوة والأخوات المتخصصين في إعطاء دورات بمقابل مادي من أجل مزيد من التدريس عن بُعد!
لذلك، فكرت أن أرمي نفسي من الدور الثالث يوم الإثنين المقبل، ثم وجدت أن هناك حلاً أفضل وهو أن أذهب لمطعم مشويات تكة وكباب وحمص وليمون وبصل وقليل من الجرجير، ثم بعد ذلك أذهب للفراش دون أن أفرش أسناني وأنتظر الصباح... وسأنسى ما حدث... وهو ما حدث فعلاً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق