دواد باشا الجورجي
دواد باشا الجورجي هو واحد من أقدر وأفضل الولاة العثمانيين وقصته من البداية إلى النهاية في غاية العجب وتكشف عن جوانب خفية في سقوط الدولة العثمانية
ولد دواد باشا في جورجيا سنة 1767 وأختطف من أهله عندما كان في سن الثالثة عشر فجاء به أحد النخاسين إلى بغداد وعرضه للبيع وصار بعدها داود ينتقل من شخص لأخر حتى انتهى به المطاف إلى يد الوالي سليمان باشا الكبير، فلمح فيه ذكاء ونجابة وفطنة فأولاه رعاية وتربية خاصة على غرار تربية المماليك المعروفة ، ثم تدرج داود في المناصب الإدارية في عهد الوالي سليمان باشا ، ثم تزوج داود إحدى بنات الوالي سليمان باشا.
بعد وفاة الوالي سليمان أصبح دواد مغضوباً عليه من الوالي الجديد ، فترك الولايات وعمل معلماً للقرآن بأحد مساجد بغداد ، وكان صوته جميلاً بالقرآن ، وخلال تلك الفترة وثق علاقاته بالعلماء والفقهاء وعامة الشعب ، وهي الفئات التي وقفت خلفه وطالبت الدولة العثمانية بتعيينه والياً على بغداد ، وهو ما حدث سنة 1817.
كان داود باشا صاحب مشروع نهضة حضارية ، وصاحب فكر ثاقب ورؤية عميقة لـــ أسباب تدهور الدولة العثمانية والأمة الإسلامية ، فعمل على بناء المصانع ، وتحسين الخدمات ، وتوسع في بناء المدارس والمعاهد ، وأخمد ثورات الأكراد والقبائل العربية المنتشرة على الحدود مع نجد ، وأدخل زراعات جديدة ، كما أنشأ مصانع للذخيرة وساهم في تحديث الجيش واستعان بخبرات بعض ضباط نابليون ، فقد كان يرى أن افتقار المسلمين للقوة والعلم من أهم اسباب الضعف والتراجع.
هذه الإصلاحات جلبت عليه عداوة أشد خصوم المسلمين وقتها : الإنجليز ، والإيرانيون الشيعة ، فدخل في حروب شديدة مع الإيرانيين الذين حاولوا احتلال العراق عدة مرات مستغلين ضعف الدولة العثمانية، وقد استطاع ردهم بل حاول غزو بلادهم .
أما الإنجليز فقد ساءهم تقدم العراق وازدهاره واصابهم القلق الشديد من بناء مصانع الذخيرة ،وساءهم نهضة جديدة للمسلمين ، فعمل الانجليز على تأليب السلطان العثماني محمود الثاني حتى أمر بعزله من غير سبب ، مما دفع أهل العراق لرفض القرار ، ووقف الشعب في صف داود باشا والتف العلماء حول داود باشا وعلى رأسهم العلامة الكبير محمود الآلوسي الكبير صاحب التفسير ، فصعّد الإنجليز من ضغوطهم على السلطان العثماني فأرسل جيشاً كبيراً لإرغام داود باشا على التنحي ، فقبل داود باشا التنحي حقناً للدماء .
بعد وفاة السلطان محمود الثاني قام خليفته السلطان عبد المجيد الأول بتعيين دواد باشا شيخاً على الحرم النبوي في عام 1260هـ / 1844م، وتفرّغ هناك للعبادة والتدريس إلى أن توفي، ودفن في مقبرة البقيع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق