عندما فرضت أميركا الديمقراطية في أفغانستان والعراق!
ياسر أبو هلالة
لم تتغير المجتمعات التي أنتجت خاطفي طائرات "11 سبتمبر" الـ 19. بقيت كما هي، لا بل أسوأ في الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية، ثقافة وممارسة ومؤسسات، (السعودية، والإمارات، ومصر، ولبنان).
صحيحٌ أن النظامين في السعودية والإمارات أجريا عمليات تجميل (حريات أكثر للنساء وتسامح مع غير المسلمين)، وخصوصا في السنوات الأخيرة، لكن ذلك لم يغيّر من طبيعتهما الشمولية.
أما مصر، فبعد خطوة إلى الأمام في أيام الربيع العربي، وانتخاب محمد مرسي رئيسا، ارتدّت خطواتٍ إلى الوراء في حكم عسكري دموي متعسّف.
وظل لبنان على حاله في "مؤسساتٍ ديمقراطية"، برلمانا وأحزابا، تتحكّم فيها ثقافة طائفية عنصرية تعيد إنتاج الفاسدين.
وفي المجمل، لا تزال بلدان الخاطفين تقمع الحريات والثقافة الديمقراطية وأي إمكانية للتغيير السلمي، لا داخل الوطن ولا خارجه.
تركت إدارة بوش، ومن حالفها من المحافظين الجدد، تلك الأنظمة، واعتبرتها "حليفة" في الحرب على الإرهاب، وتدخلت أميركا بقوتها العسكرية لتغيير نظامي "طالبان" في أفغانستان وصدّام حسين في العراق، مع أنه لا يوجد في الخاطفين عراقي أو أفغاني.
لم يكن الحال في العالم الإسلامي أفضل من البلدين، ولا يزال كذلك. فقط لدينا اليوم ستون مليون مسلم يشكلون 3% فقط من المسلمين، يعيشون في دولٍ أكثر حريةً من المتوسط العالمي، بحسب استطلاعٍ لمعهد كيتو في واشنطن، غير أن أميركا تركت العالم الإسلامي، ولم تزعم أنها تريد تحريره، وشنّت حربين مدمرتين لـ "تحرير" البلدين.
كلفت حرب العراق زهاء أربعة ترليونات، وإلى اليوم لم تغادر القوات الأميركية. وكلفت الحرب على أفغانستان نحو ترليون، وتسعى إدارة ترامب، بكل قوتها، إلى ترتيب انسحاب سريع عبر مفاوضات الدوحة.
وفي الحالين، لم يتحقق هدف الحرب بالقضاء على نظامين داعمين للإرهاب، وبناء نظامين ديمقراطيين صديقين. ما تحقق أسوأ بكثير مما كان عليه البلدان. في أفغانستان كان نظام شمولي برؤية إسلامية متشددة. وفي العراق نظام لا يقل شمولية، بأيديولوجيا قومية، غير أن حياة الناس في كلا النظامين كانت أكثر أمنا واستقرارا مما عليه الآن.
مقاربة المحافظين الجدد في المجمل صحيحة، ولا يمكن أن تختلف مع بوش الابن في خطابه الذي كتبه فؤاد عجمي "ضحّينا بالديمقراطية من أجل الأمن فخسرنا الاثنين". تختلف معها أولا بأن الديمقراطية لا تُفرض باحتلالٍ عسكري، وأنها قبل أن تكون مؤسسات هي ثقافة حريات وحقوق إنسان، لا تنمو في أجواء حروب أهلية وأنظمة شمولية، وإنما يتجسّد ذلك كله بدساتير وقوانين وأنظمة.
ترسم "إيكونومست"، بناء على استطلاع معهد كيتو، صورة سوداوية لحال الحريات والديمقراطية في العالم الإسلامي بعد 18 عاما من أحداث "11 سبتمبر" التي كان مفترضا أن تدفع العالم الإسلامي إلى مزيد من الحرّيات الخاصة والعامة، وهو ما يؤدي، بالضرورة، إلى تجفيف ثقافة الإرهاب. ما حصل العكس تماما، وبالنتيجة انتشرت ثقافة الإرهاب، ولم تتقلص. ومعهد كيتو مركز أبحاث في واشنطن، ويبحث استطلاعه بشكل رئيسي في 51 دولة، حيث المسلمون على الأقل مجموعة من السكان. وقد وجد أن 60 مليونًا فقط من مسلمي العالم (1.9 مليار) يعيشون في بلدان المستوى العام للحرية الشخصية فيها أكبر من المتوسط العالمي، بينما يعيش أكثر من 1.8 مليار مسلم في أماكن تتدنى فيها مستويات الحرية بوضوح عن المتوسط. وللوصول إلى هذا الاستنتاج، استخدم مؤشر حرية الإنسان الذي طوّرته مؤسسته الفكرية بالتعاون مع اثنين آخرين. يقيس مجموعة من الاستحقاقات، بما في ذلك حرية التنقل والتعبير والهوية واللجوء إلى القانون، والدين طبعا.
يعتمد عدد الـ 60 مليونًا على تجميع 30 مليونًا، السكان الأصغر لعدد قليل من البلدان الإسلامية التي تسجل أداءً جيدًا إلى حد ما في الحرية، ألبانيا والبوسنة وبوركينا فاسو وقيرغيزستان، إلى 30 مليون مسلم (أو نحو ذلك) يعيشون في الديمقراطيات الغربية. وفي أسفل المقياس توجد دول استبدادية، مثل مصر وإيران والسعودية والسودان، ودول هزّها الصراع الداخلي، العراق وسورية واليمن. وبينهما عمالقة آسيويون مكتظون بالسكان، ولديهم مسلمون أكثر من أي دولة أخرى (بنغلاديش والهند وإندونيسيا وباكستان)، وكلها ديمقراطيات اسمية، ولكنها جميعًا تحت متوسط المؤشر. تخلص "إيكونومست" إلى أن هذا كله يضيف حدّة إلى المقال الأخير للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، "أكثر ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير"، ونُشر في "واشنطن بوست" في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بعد وقت قصير من قتله في قنصلية بلاده في إسطنبول".
خسرت أميركا في "11 سبتمبر" أرواح نحو أربعة آلاف. وخسرت في حروبها مثلهم، وخسرت اقتصاديا، لكن مكانتها في قيادة العالم، اقتصاديا وعسكريا وثقافيا، لم تتزعزع. ولم يتغير نمط حياة الأميركي. لم تسلب حريته بسبب الخوف من الإرهاب. ظل متمتعا بحرياته، والرئيس الذي أسقط نظامين يتمتع بتقاعده إلى جوار الرئيس الذي بدأ الانسحاب من العراق وأفغانستان، وترامب اليوم يعد باستكمال الانسحاب منهما، وهما أكثر فوضى مع قليل من الديمقراطية.
ياسر أبو هلالة
لم تتغير المجتمعات التي أنتجت خاطفي طائرات "11 سبتمبر" الـ 19. بقيت كما هي، لا بل أسوأ في الحريات العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية، ثقافة وممارسة ومؤسسات، (السعودية، والإمارات، ومصر، ولبنان).
صحيحٌ أن النظامين في السعودية والإمارات أجريا عمليات تجميل (حريات أكثر للنساء وتسامح مع غير المسلمين)، وخصوصا في السنوات الأخيرة، لكن ذلك لم يغيّر من طبيعتهما الشمولية.
أما مصر، فبعد خطوة إلى الأمام في أيام الربيع العربي، وانتخاب محمد مرسي رئيسا، ارتدّت خطواتٍ إلى الوراء في حكم عسكري دموي متعسّف.
وظل لبنان على حاله في "مؤسساتٍ ديمقراطية"، برلمانا وأحزابا، تتحكّم فيها ثقافة طائفية عنصرية تعيد إنتاج الفاسدين.
وفي المجمل، لا تزال بلدان الخاطفين تقمع الحريات والثقافة الديمقراطية وأي إمكانية للتغيير السلمي، لا داخل الوطن ولا خارجه.
تركت إدارة بوش، ومن حالفها من المحافظين الجدد، تلك الأنظمة، واعتبرتها "حليفة" في الحرب على الإرهاب، وتدخلت أميركا بقوتها العسكرية لتغيير نظامي "طالبان" في أفغانستان وصدّام حسين في العراق، مع أنه لا يوجد في الخاطفين عراقي أو أفغاني.
لم يكن الحال في العالم الإسلامي أفضل من البلدين، ولا يزال كذلك. فقط لدينا اليوم ستون مليون مسلم يشكلون 3% فقط من المسلمين، يعيشون في دولٍ أكثر حريةً من المتوسط العالمي، بحسب استطلاعٍ لمعهد كيتو في واشنطن، غير أن أميركا تركت العالم الإسلامي، ولم تزعم أنها تريد تحريره، وشنّت حربين مدمرتين لـ "تحرير" البلدين.
كلفت حرب العراق زهاء أربعة ترليونات، وإلى اليوم لم تغادر القوات الأميركية. وكلفت الحرب على أفغانستان نحو ترليون، وتسعى إدارة ترامب، بكل قوتها، إلى ترتيب انسحاب سريع عبر مفاوضات الدوحة.
وفي الحالين، لم يتحقق هدف الحرب بالقضاء على نظامين داعمين للإرهاب، وبناء نظامين ديمقراطيين صديقين. ما تحقق أسوأ بكثير مما كان عليه البلدان. في أفغانستان كان نظام شمولي برؤية إسلامية متشددة. وفي العراق نظام لا يقل شمولية، بأيديولوجيا قومية، غير أن حياة الناس في كلا النظامين كانت أكثر أمنا واستقرارا مما عليه الآن.
مقاربة المحافظين الجدد في المجمل صحيحة، ولا يمكن أن تختلف مع بوش الابن في خطابه الذي كتبه فؤاد عجمي "ضحّينا بالديمقراطية من أجل الأمن فخسرنا الاثنين". تختلف معها أولا بأن الديمقراطية لا تُفرض باحتلالٍ عسكري، وأنها قبل أن تكون مؤسسات هي ثقافة حريات وحقوق إنسان، لا تنمو في أجواء حروب أهلية وأنظمة شمولية، وإنما يتجسّد ذلك كله بدساتير وقوانين وأنظمة.
ترسم "إيكونومست"، بناء على استطلاع معهد كيتو، صورة سوداوية لحال الحريات والديمقراطية في العالم الإسلامي بعد 18 عاما من أحداث "11 سبتمبر" التي كان مفترضا أن تدفع العالم الإسلامي إلى مزيد من الحرّيات الخاصة والعامة، وهو ما يؤدي، بالضرورة، إلى تجفيف ثقافة الإرهاب. ما حصل العكس تماما، وبالنتيجة انتشرت ثقافة الإرهاب، ولم تتقلص. ومعهد كيتو مركز أبحاث في واشنطن، ويبحث استطلاعه بشكل رئيسي في 51 دولة، حيث المسلمون على الأقل مجموعة من السكان. وقد وجد أن 60 مليونًا فقط من مسلمي العالم (1.9 مليار) يعيشون في بلدان المستوى العام للحرية الشخصية فيها أكبر من المتوسط العالمي، بينما يعيش أكثر من 1.8 مليار مسلم في أماكن تتدنى فيها مستويات الحرية بوضوح عن المتوسط. وللوصول إلى هذا الاستنتاج، استخدم مؤشر حرية الإنسان الذي طوّرته مؤسسته الفكرية بالتعاون مع اثنين آخرين. يقيس مجموعة من الاستحقاقات، بما في ذلك حرية التنقل والتعبير والهوية واللجوء إلى القانون، والدين طبعا.
يعتمد عدد الـ 60 مليونًا على تجميع 30 مليونًا، السكان الأصغر لعدد قليل من البلدان الإسلامية التي تسجل أداءً جيدًا إلى حد ما في الحرية، ألبانيا والبوسنة وبوركينا فاسو وقيرغيزستان، إلى 30 مليون مسلم (أو نحو ذلك) يعيشون في الديمقراطيات الغربية. وفي أسفل المقياس توجد دول استبدادية، مثل مصر وإيران والسعودية والسودان، ودول هزّها الصراع الداخلي، العراق وسورية واليمن. وبينهما عمالقة آسيويون مكتظون بالسكان، ولديهم مسلمون أكثر من أي دولة أخرى (بنغلاديش والهند وإندونيسيا وباكستان)، وكلها ديمقراطيات اسمية، ولكنها جميعًا تحت متوسط المؤشر. تخلص "إيكونومست" إلى أن هذا كله يضيف حدّة إلى المقال الأخير للصحافي السعودي، جمال خاشقجي، "أكثر ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير"، ونُشر في "واشنطن بوست" في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بعد وقت قصير من قتله في قنصلية بلاده في إسطنبول".
خسرت أميركا في "11 سبتمبر" أرواح نحو أربعة آلاف. وخسرت في حروبها مثلهم، وخسرت اقتصاديا، لكن مكانتها في قيادة العالم، اقتصاديا وعسكريا وثقافيا، لم تتزعزع. ولم يتغير نمط حياة الأميركي. لم تسلب حريته بسبب الخوف من الإرهاب. ظل متمتعا بحرياته، والرئيس الذي أسقط نظامين يتمتع بتقاعده إلى جوار الرئيس الذي بدأ الانسحاب من العراق وأفغانستان، وترامب اليوم يعد باستكمال الانسحاب منهما، وهما أكثر فوضى مع قليل من الديمقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق