الاثنين، 5 يوليو 2021

الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية والقوانين الإنسانية

الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية والقوانين الإنسانية


 بادية شكاط 

كاتبة في الفكر وقضايا الأمة

إن هناك من الشخصيات العظيمة التي شخصت لها الأبصار،وأسمعت سمعتها الأمصار،فعاشت وهي من الأموات،وماتت وهي من الأحياء،ومن هؤلاء العظماء “الأمير عبد القادر “وهو عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد،والذي يعود نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن علي بن أبي طالب،وأمه فاطمة الزهراء بنت سيد الخلق محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ،ولد يوم 25 سبتمبر1807م بولاية معسكر في الجزائر.



هذا الشريف صاحب المعدن الشريف هو مؤسس الدولة الجزائرية التي نتفيأ ظلال استقلالها اليوم،وهو الرجل الذي اجتمعت فيه أطراف لاحد لها من سماوات روحية،وأخرى عقلية،مع جوانب عسكرية وإنسانية،فضرب في الجزائر الدراهم فسماها محمدية،وضرب في الأرض فنشر القيم المحمدية.

فكأنه لوحده مجمع الدولة وليس جامعها،وأساسها وليس مؤسسها.

ويكفي أن نذكر أنه بعد البذل العظيم  لوالده السيد محيي الدين في التصدي للإحتلال الفرنسي،وقيادة القبائل للجهاد في سبيل الله،واعتذاره لمبايعته لكبر سنه،أشار على الجزائريين للتفكير في مبايعة ابنه عبد القادر،لتتم له البيعة  صباح الاثنين الثالث من شهر رجب 1248ه / 1832م)،فتقدم الوالد محي الدين من الأميرعبد القادر مبايعاً لابنه صاحب 21 سنة وشد على يده سائلا له: كيف ستحكم البلاد يا ولدي؟

فيجيب عبد القادر: “بالعدل والحق الذي أمر به رب العالمين،سأحمل القرآن بيد وعصا من حديد بيد أخرى،وسأسير على هدى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام”

ليلتفت والده مخاطباً الجموع قائلاً : “إنه ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين لقب ليس سلطاناً ولا ملكاً،وإنما أمير عليكم أيها الأخوة المؤمنون” ثم اجتمعت أيادي عائلته تبايعه،لتتبعها أيادي زعماء القبائل وأعيانهم،وكذا العلماء والأشراف.ليبدأ بعدها سجال من الإنتصارات على الغزاة الفرنسيين ل17 سنة دون انقطاع أو هوادة،ويمنى الجيش الفرنسي بهزائم تترى لم يسمع عنها من قبل ولم ير،فالامير عبد القادر قتل من المتوحشين الفرنسيين في معركة المقطع لوحدها 1500 فرنسي،أما ماقتل في معاركه مجتمعة فقد كان ضعف ما قتل الجزائريون مجتمعين في ثورة نوفمبر الخالدة.

وليس هذا بدليل وحشية،انما هو دليل بسالة،نضال وندية،فالتاريخ لم يحجب عن الأمير عبد القادر مواقفه الإنسانية،فيكفي أنه أول من وضع اتفاقية الأسرى في الحرب،حيث يقول المؤرخون إن الأمير عبد القادر سن جملة من القوانين حول كيفية معاملة الأسرى،وشرع في تطبيقها سنة 1837 أي قبل إصدار معاهدة جنيف الأولى 1864،حيث حدد حقوق الأسرى وجرحى الحرب والسجناء،ثم قام في 1843 بصياغة مرسوم عسكري  يحظر تعذيب الأسرى من الأعداء وتصفيتهم جسديا وينص على حقوق الأسرى الروحية من خلال السماح للقساوسة بزيارتهم في معسكرات الأسر،وافق عليه زعماء العشائر وشيوخ القبائل والأعيان والعلماء.
وأصدر تعليمة بالتحريم القطعي لقتل أسير مجرد من السلاح،و أن أي جزائري في حوزته أسير فرنسي يجب أن يعامله معاملة حسنة،وأنه في حال شكوى الأسير من سوء المعاملة فإن ذلك سيترتب عنه أشد العقوبات.

كذلك فإن ماسجله له التاريخ بأحرف من ذهب هو تدخله بكل ما يملك لأجل انقاذ المسيحيين في 6 تموز/يوليو 1860،حين عاقبهم الحاكم في دمشق لعدم دفعهم الجزية. فنظّم الأمير عبد القادر وأبناؤه عملية الإنقاذ والحماية لآلاف الأشخاص في الحي المسيحي المجاور،حتى أنه قدّم لهم الهبات ونقلهم إلى مكان إقامته الضخم الذي دفعت فرنسا مقابله.

فتم إنقاذ حوالى 10000 شخص في خلال  أيام،وقام بإرفاقهم بمواكب حماية في رحلتهم إلى لبنان .لتنهال عليه بعدها رسائل الشكر والعرفان من مختلف أصقاع العالم،وكانت إحداها موجَّهة من أسقف الجزائر لوي بافي،فرد الأمير عليه قائلًا: “ما فعلناه للمسيحيين،إنما فعلناه لنكون أوفياء للشريعة الإسلامية،وبسبب احترام حقوق الإنسان… فيعطي القانون أهمية كبيرة للشفقة والرحمة وكل ما يحافظ على التماسك الاجتماعي…فمن ينتمون إلى ديانة محمد عليه الصلاة والسلام أفسدوها،لذلك هم الآن كالخرفان الضالة” ماجعله ينال نظير هذا الموقف العديد من النياشين من مختلف قادة العالم .

فهذا الرجل الذي يمسك المسبحة بيمينه والسيف بيساره،علّم العالم أن رسالة الإسلام رسالة سلام،وأن السيف مارفع إلا لرد الظلم عن المستضعفين،وحماية العرض والأرض،فكان له الإستحقاق أن يبلغ اسمه الآفاق

حتى أنه في عام 1846 قرر تيموثي ديفيس وجون تومسون وسيج تشيستر الذين أسسوا مدينة صغيرة في مقاطعة كلايتون في ولاية آيوا الأميركية،تسمية مدينتهم “الكايدر”،نسبة إلى الأمير عبد القادر،الشاب الذي قاد شعبه لمقاومة المستدمر الفرنسي.
 
وتقول بيتي بوشهولز،مديرة متحف مدينة “الكايدر”أو القادر:”إن الأمير عبد القادر كان محل إعجاب كبير من قبل الأميركيين في الوقت الذي كان يقاوم فيه المستعمر الفرنسي،وكتبت عنه العديد من الصحف الأميركية مثل “نيويورك تايمز” مقالات صورته فيها بطلا حقيقيا،حتى أن بعض الأميركيين كانوا يلقبونه بجورج واشنطن الجزائر”.

وتشتهر مدينة القادر بكونها تحمل العديد من المعالم التي ترمز إلى الأمير عبد القادر،منها متحف المدينة “كارتر هاوس ميوزيوم” الذي يحتفظ بتذكارات للأمير عبد القادر،وكذا لوحات فنية وصور.

وتقول روبرت غارمز عمدة مدينة”الكايدر”:”رسالتنا للأميركيين هي أنه ليس كل المسلمين متشددين وقتلة،والأهم بالنسبة لنا هو الإعتماد على التعليم وتثقيف الناس لإيصال الرسائل الصحيحة عن الإسلام”.

ثم بعد كل هذا يأتي من لم يبلغ بعد من فرنسا الفطام ليقذف عرض الرجال العظام.

يقول العلامة الجزائري البشير الإبراهيمي:“يقول عنا المستعمرون إننا خياليون وإننا-حين نعتز بأسلافنا- نعيش في الخيال،ونعتمد على الماضي ،ونتكل على الموتى،يقولون هذا في معرض الاستهزاء بنا،أو في معرض النصح لنا،وأنا لا أدري متى كان إبليس مذكِرا. ما يرمون إليه،أنهم يريدون أن ننسى ماضينا فنعيش بلا ماض، حتى إذا استيقظنا من نومنا أو من تنويمهم لنا،لم نجد ماضيا نبني عليه حاضرنا فاندمجنا في حاضرهم وهو كل ما يرمون إليه. وسلوهم… هل نسوا ماضيهم؟إنهم يبنون حاضرهم على ماضيهم، إنهم يعتزون بآبائهم وأجدادهم،إنهم يخلدون عظمائهم في الفكر والأدب والفلسفة والحرب والفن،إنهم لا ينسون الجندي ذا الأثر فضلا عن القائد الفاتح،وهذه متاحفهم تشهد وهذه متاحفهم تردد الشهادة”.














تحيا الجزائر والمجد لكل الأحرار والخلود لشهدائها الأبرار 

 

                                                                    بادية شكاط كاتبة في الفكر وقضايا الأمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق