الخميس، 4 نوفمبر 2021

معجزة رواندا والحقيقة

معجزة رواندا والحقيقة
دخل الفرد في رواندا ارتفع من 60 إلى 800 دولار وسط انتعاش بعد حروب

جواد العناني

حكم رواندا، الدولة الأفريقية غير البحرية، رئيسٌ اسمه بول كاغامي، والذي يرأس حزباً اسمه جبهة رواندا. وقد سيطر الحزب على أول انتخابين، مكتسحاً كل المقاعد لمدة 14 عاماً، بعد مذابح عام 1994 الشهيرة.

وفي الانتخابات الثالثة التي جرت في عام 2018 وأتت بعد تعديل دستور البلاد لتمكين الرئيس بول كاغامي من الترشّح لفترة سبع سنوات ثالثة رئيسا للدولة، تمكّن حزبان معارضان من الحصول على مقعدين في البرلمان لكل منهما. وهما حزب الخضر الديمقراطي والحزب الاجتماعي امبيراكوري.
وتتحدّث وسائل الإعلام ومواقع إلكترونية كثيرة في مقالات عن معجزة رواندا الاقتصادية، بعد المذابح الدامية وجرائم الإبادة الجماعية التي شهدها البلد الأفريقي، في الفترة ما بين إبريل/نيسان ويوليو/تموز من عام 1994، بين قبيلتي الهوتو (Hutu) والتوتسي (Tutsi)، وأدت إلى مقتل ما يزيد على مليون شخص، غالبيتهم من قبيلة الهوتي، خلال مائة يوم، في ربيع ذلك العام المشؤوم. 
وقد دخلت البلاد بعد هذه الحرب الأمنية والعرقية في حالة فوضى وفقدان للوزن امتدت سنوات. وفي أثنائها، لم يزد معدّل دخل الفرد عن خمسين دولاراً في العام.
أما اليوم، فتتحدث الإحصاءات الدولية عن أن عدد سكان رواندا يبلغ 12.5 مليون نسمة، وأن معدل دخل الفرد في هذه الدولة يقارب ثمانمائة دولار في العام.
وقد قدّم كل من صندوق النقد والبنك الدوليين مساعدات وقروضا ميسرة للبلاد، من أجل إعادة البنى التحتية، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ودعم القطاع الخاص.

التعليم أساس تطوير القوى البشرية

وقد ركز البنك الدولي على برنامج أسموه "التعليم الأساس لتطوير القوى البشرية" بقيمة مائتي مليون دولار، وبرنامج قطاع الطاقة بقيمة 225 مليون دولار، وأولويات المهارات المطلوبة للتنمية بقيمة 270 مليون دولار، ومشروع تمويل الإسكان بقيمة 150 مليون دولار. وأخيراً، مشروع التطوير الحضري بقيمة 160 مليون دولار.
ولو جمعت هذه الأرقام الخمسة فإنها ستنقص قليلاً عن مليار دولار، ولكنها نفعت في إعادة إحياء هذه الدولة التي تخطط لكي تصبح متوسطة الدخل.
ومع أن التعريف الدولي حالياً للدول متوسطة الدخل يتراوح بين 1.036 دولاراً حتى 12.535 دولاراً في العام، إلا أن رواندا تسعى، على الأقل، إلى مضاعفة دخل الفرد في عام 2035.
وتسعى إلى أن تكون دولة عالية الدخل عام 2050. ولكن هذا البرنامج الذي انطلق بقوة عام 2018 لتحقيق تلك الأهداف جُوبه بتحدي جائحة "كوفيد 19"، فبعدما حققت رواندا واحداً من أعلى معدلات النمو في العالم (10%) عام 2019، والناتج عن كبر حجم الإنفاق التنموي الحكومي واستراتيجية التحول الوطني (National Transformation Strategy)، إلا أن انتشار وباء كورونا عطَّل المسيرة، وحوّل الاهتمام الحكومي إلى الجانب الصحي.
وقد سبّب ذلك، بالإضافة إلى انقطاع التزويد السلعي والخدمي، إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي تراجعاً كبيراً. ولا تتوفر إحصاءات نهائية بعد عن حجم الناتج المحلي الاجمالي للعام 2020.
زيادة الدين العام
ومع أن رواندا حققت قفزات كبيرة في معدلات النمو، إلا أن ذلك كله لم يخلُ من التحدّيات والإشكالات المستقبلية. ووفقاً لدراسات البنك الدولي، تواجه رواندا الآن عبئاً كبيراً في دينها العام، بسبب إنفاقها الرأسمالي من الموازنة العامة الذي وصل إلى نسبة 13% من الناتج المحلي الإجمالي. ولذلك، قفز الدين العام للدولة كنسبة مئوية من 19.0% عام 2010 إلى 57% عام 2019. ويقدّر أنه وصل إلى 71% عام 2020.
ولهذا بات من المفروض أن تقوم الدولة الرواندية ببرنامج قوي، لتحفيز دور القطاع الخاص في الاستثمار، والذي يبدو أن معظم فوائضه المالية قد تحقّقت من إنفاق القطاع العام نفسه.
ولذلك، فالدولة بحاجةٍ ماسة إلى تطوير دور القطاع الخاص ليكون أكثر انطلاقاً واعتماداً على ذاته، ورديفاً للقطاع العام في الحفاظ على معدّلات التنمية المطلوبة لنجاح استراتيجية التحوّل الاقتصادي في الدولة.
ولم يتوقف نجاح رواندا على الإنجاز الاقتصادي الحِسّي، بل تعدّاه إلى الجوانب الاجتماعية والقوة الناعمة. ووفق الإحصاءات الدولية المتاحة، قلّصت رواندا معدلات الفقر من 77% عام 2001 إلى 55% عام 2017. وقفزت توقعات عمر المواطن من 29 سنة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى 69 سنة عام 2019.
وحصلت تطورات واضحة في كل مقاييس التنمية الاجتماعية، مثل وفيات الأطفال، ووفيات الأمهات المنجبات عند الولادة. ولكن من الواضح أن غياب الطبقة المتوسطة يدلّ على سوء في توزيع الدخل داخل البلاد.

تحدي الفساد

التحدّي الآخر الذي يواجه رواندا هو نفسه الذي يواجه دولا كثيرة، خاصة في القارّة الأفريقية. وهو الفساد خصوصا داخل الأجهزة الحكومية.

ولعل أهم ما حصل في هذا الأمر هو اعتقال السياسي المعارض، بول روسيسابا غينو، بتهمة الفساد. علماً أن الرجل قد اكتسب سمعة دولية، بسبب إيوائه أكثر من ألف شخص في فندقه خلال الحرب الأهلية، وخرج جميعهم سالمين.

وقد حصد السياسي المعارض جوائز وميداليات كثيرة، وصار خطيباً معروفاً. وحوّلت هوليوود قصته إلى فيلم ناجح اسمه "هوتيل رواندا" أو فندق رواندا Hotel Rwanda (فندق رواندا) الذي أنتجته "هوليوود" عام 2004، فهل وقع الرجل ضحية معارضته الرئيس القوي كاغامي؟ أم أنه فعلاً فاسد؟ هناك جدل كبير عن الرجل ودوره داخل رواندا نفسها.
قصة رواندا يحبّها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويحرصان على نجاحها، لأنها تقدم مثالاً حياً على نجاح سياستيهما. ولكن أين الحد الفاصل بين الخرافة والواقع؟ سؤال يبقى رهن الإجابة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق