الأربعاء، 1 يونيو 2022

اللورد كرزون…يحكمنا من قبره!

 اللورد كرزون…يحكمنا من قبره!  

سيف الهاجري

في رواية تاريخية خطيرة الأبعاد والتأثير على واقعنا السياسي المعاصر حالها كحال اتفاقية سايكس بيكو أكد مفتي القدس الحاج أمين الحسيني -رحمه الله- في مذكراته ص211 بأن (كمال بك اوخري، والذي كان على اتصال مستمر بمصطفى كمال -أتاتورك-، روى له عن أوثق المصادر ما انتهت إليه المفاوضات-بين تركيا وبريطانيا عام 1921- فقال : إن كرزون وزير خارجية بريطانيا وقف وقفة المتصلب وقال لعصمت أينونو رئيس الوفد التركي: إننا لا نستطيع أن ندعكم مستقلين لأنكم تكونون حينئذ نواة يتجمع حولها المسلمون مرة أخرى فتعود المسألة الشرقية -أي الخلافة- التي عانينا منها كثيرا واصطدمنا بها طويلا…فأكد لهم مصطفى كمال بأن استقلال تركيا لن يكون خطرا عليهم وعندئذ أملى الانكليز شروطهم المعروفة بشروط كرزون الأربعة وهي:

1- قطع الصلة بالإسلام.

2- إلغاء الخلافة الإسلامية.

3- إخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة.

4- إلغاء الشريعة وأحكامها ووضع دستور مدني.

وأكد لي هذه الرواية والأحداث صهر السلطان العثماني الداماد ذا الكفل باشا والدكتور عبد الوهاب عزام في القاهرة).

وكما وضعت اتفاقية سايكس بيكو 1916 الحدود وأقام مؤتمر القاهرة 1921 النظام العربي فإن شروط كرزون حددت طبيعة النظام والفضاء السياسي الحاكم.

وهذا ظاهر تماما من حيث إن النظام السياسي العربي الذي أقامته الحملة الصليبية البريطانية الفرنسية قد قطع علاقته بالإسلام كمرجعية حاكمة، وعصفت بالشعوب المهزومة الجاهلية السياسية القومية والليبرالية واليسارية لينتهي المطاف بهذه الجاهلية بالدعوة للحكم الديموقراطي المدني وفقا للشروط الكرزونية كمحددات ملزمة في المشهد السياسي والثقافي في العالم العربي أنظمة وحكومات وجماعات!

فبعد فرض هذه الشروط الكرزونية نشر علي عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) نظريته الاستشراقية بأن الخلافة ليست من الدين لتصبح هي المرجعية السياسية الشرعية للجماعات الإسلامية والتي لم يعد من مناهجها الدعوية ولا أدبياتها الفكرية الدعوة للخلافة ولا إقامة الدولة الإسلامية ولا جهاد المحتل الصليبي ولا وحدة الأمة السياسية، وتحولت نحو الدعوة للحكم الديموقراطي المدني بدعوى أن الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم بل جاء بمبادئ وقيم عامة ليشرعوا بذلك للواقع السياسي الذي حددته شروط اللورد كرزون، وهذا ما لم يحلم به اللورد كرزون نفسه!

بل ووصل الحال بالجماعات الإسلامية ونخبها ومراكزها الفكرية والشبابية بعد تخليها عن الدعوة للخلافة والجهاد والشريعة وأحكامها بأن أصبحت مبادئ النظام الدولي وقوانينه هي المرجعية السياسية الشرعية والقانونية لها وهذا ما جعلها لا تجد غضاضة في الاصطفاف مع حملة بوش وبلير الصليبية لاحتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003، والقبول بمخرجات اتفاقية أوسلو بالمشاركة في انتخابات 2006 في فلسطين وفي التطبيع مع الكيان الصهيوني والجلوس معه على طاولة واحدة كما في المغرب عام 2020، ناهيك عن اصفافها مع النظام العربي في احتواء ثورة الربيع العربي بعد عقود من التحالف مع النظام العربي وواجهوا كل من جاهده وعارضه في كل الساحات من الخليج إلى المحيط!

وبعد هذا القرن الوظيفي الذي لم تشهد الأمة مثله في تاريخها من غياب خلافتها ودولتها وهيمنة الحملة الصليبية عليها ليس بقوتها ولا بعددها بل بأنظمة وجماعات من بني جلدتنا ينبغي أن ندرك بأنه كما أن الشروط الكرزونية هي المحدد الأساسي لهذه الأنظمة والجماعات فهي كذلك الحد السياسي الفاصل الكاشف لحقيقة موقف الجماعات والأحزاب الإسلامية والهيئات العلمائية والمراكز الفكرية من الوجود الغربي الصليبي وقواعده في العالم العربي هل هي احتلال أم تعاون؟ وهل الخلافة الإسلامية وأحكامها من الدين أم لا؟ وهل شرعية الأنظمة مرهون بحاكمية الشريعة أم لا؟ وهل وحدة الأمة سياسيا واجب أم لا؟ فهذه هي المحددات الواجب شرعا التزامها وليست شروط اللورد كرزون البريطاني التي ألغت وحظرت الخلافة والشريعة ووحدة الأمة والجهاد!

‏{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق