السبت، 4 يونيو 2022

نعتذر لك أخت جيهان

نعتذر لك أخت جيهان


إقبال الأحمد

إذا تم تعيين أي مسؤول أو مسؤولة في دول غربية تتحدر أصولهما من دول عربية أو إسلامية.. تصدرت أخبارهما عندنا الصحف الأولى في إعلامنا التقليدي والإلكتروني.. وتشدقنا بالأصول العربية أو الإسلامية وثقة الغرب بنا.
وفي سنوات النهضة الكويتية عندما كان يشار إلينا بالبنان، ‏كانت الكفاءات الكويتية هي التي تتصدر المواقف والمشاهد داخل الكويت وخارجها.. في سفاراتنا وممثلينا بالخارج.. 
من دون النظر إلى أصولها وتوجهاتها إذا ما كان أداؤها وطنياً بالدرجة الأولى.. 
ومن دون أن يكون هناك ‏مزاج شعبي عنصري دمّر ويدمّر البلد يوماً بعد يوم كما هو حاصل عندنا اليوم للأسف الشديد.

تناقلت الوسائل الإعلامية قبل أيام قليلة ردود فعل، بعضها اعتبره مخزياً يغلفه النفس العنصري الرخيص، بشأن تعيين أخت فاضلة كويتية أصولها من دولة عربية كريمة في منصب حكومي في مجال ديوان الخدمة.

وكما نشرت صحيفة القبس أن المعنية اعتذرت عن قبول المنصب بعد أن تعرّضت لتنمر بسبب أصولها، وبنفس عنصري بشع حسب ما جاء في كتاب اعتذارها، الأمر الذي أشعرني بأننا نعيش في وطن غير وطن الإنسانية الذي تعودنا عليه.

ردة الفعل وتفاعل متخذ القرار مع الهجمة على الزميلة الفاضلة أكد لي أن جزءاً من قراراتنا ضعيف وهش لا يستند على القوة والقدرة على المواجهة.. بدليل أنه سريعاً ما تُسحب بعضها أو يتم تغييرها وبشكل سريع وغير طبيعي.

أنا أعتب على متخذ القرار.. انه لا يصدر قراره بعد دراسة وتمحيص بشكل كافٍ ليتحلى بالقوة والحجة اللازمة للدفاع عنه خلال تصديه لأي هجمة مضادة إذا كان بالفعل واثقاً من قراره.. انطلاقاً من الأداء المتميز والقدرات والخبرات.

أقولها بكل حسرة إننا تعودنا من حكومتنا، ومن خلال وزرائها أو كبار مسؤوليها.. على التراجع فوراً وبشيء من الضعف وعدم الثقة ومنذ اللحظة الأولى.. لأي قرار يصدر أو يُتخذ بشأن قضية ما، مما يؤدي إلى التراجع عنه فوراً، لأنه لم يُعطَ حقه في الدراسة للوقوف على مدى صحة أو دقة الإجراء الذي تم اتخاذه.

‏هل هناك شرط أو مادة تنص على أن مناصب معينة يجب ألا يتولاها إلا كويتي الأم والأب؟ هل من الإنصاف استثناء طاقة وكفاءة.. (وأنا هنا لا أتحدث عن هذه الحالة فقط ولكن في العموم) من التعيين في مناصب معينة.. فيما يتم التناسي وإغماض العين عن شرط.. «يقرأ ويكتب» في شروط من يحق له الترشح لمجلس الأمة ومطبخ التشريع، الذي يتحكم بحياتنا وقضايانا وكل أمورنا؟!

من المستحيل أن يقبل الناس كلهم أو يرفضوا أي قرار أو إجراء أو قانون بالدرجة نفسها.

ردود الفعل عندنا تتحكم بها أمور كثيرة، منها القبول أو المصلحة أو الخوف أو أمور أخرى كثيرة.. مما يتطلب القوة بالحجة والإقناع والدفاع عن كل قرار أو قانون أو إجراء يتخذه مسؤول بالحكومة في أي مجال.. وهذا للأسف الشديد شبه غائب عن حكومتنا.

المخزي في كل الحالات التي نعيشها هذه الأيام.. أن بعض المسؤولين يتجاوبون مع كل أنواع الطرح العنصري والتنمر والتطرف الديني والفكري كما حصل بسرعة غريبة، وآخرها هذه الحالة.

أقولها بكل قوة ووضوح الحكومة تتحمّل مسؤولية كبيرة في حالة التردد والضعف هذه. فماذا عن تعيينات الأقرباء والمعارف ومن قبيلتي ومذهبي وعائلتي وحزبي من دون وجود أي خبرة أو كفاءة؟.. الأمر الذي أوصلنا إلى تردي الأداء والإنتاج في بعض المجالات ووصولنا للحال الذي نحن فيه.

ما أحوجنا اليوم إلى احتضان الكفاءات الكويتية، مهما كانت أصولها أو توجهاتها أو فكرها أو انتماءاتها، إذا كانت كفاءات مطلوبة ولا تخلط هذا بذاك.

‏ما أستغربه فعلاً عندنا.. أن من يتم الاستماع إليهم والتجاوب مع آرائهم وردود فعلهم هم أصحاب الرأي المتطرف بكل الاتجاهات والعنصري، أما الآراء ووجهات النظر المتوازنة، والتي تقوم على مبادئ راسخة، وعلى جوانب واضحة، ‏وعلى المنطق والعقل والاتزان.. فلا يؤخذ بها ولا يتم التفاعل معها بالسرعة نفسها كما يحصل مع الأولى.

حكومتنا الرشيدة.. النفس العنصري بدأ يأكل ما تبقى لنا من إنجازات إنسانية منذ تاريخ الكويت الطويل بالأسود والأبيض وبالألوان.. وأنت تقفين متفرجة.

لابد من تحرك جاد وفاعل لاجتثاث هذا النفس قبل أن يأكلنا كلنا بحجة القبيلة والمذهب والدين والجنسية والفكر واللون.. مما شوّه صورتنا أمام القاصي والداني.. للأسف.

وأخيراً، أؤكد أن ما ورد في المقال أعلاه هو تعليق لا أكثر على رد الفعل في وسائل التواصل حول موضوع تعيين الأخت جيهان.. وعن ردود الفعل وليس عن القرار أو مدى قانونيته.

إقبال الأحمد
I.alahmad@alqabas.com.kw

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق