الأحد، 9 أكتوبر 2022

الواقعيون ووحي الشيطان (٦- ١٠)

  الواقعيون ووحي الشيطان (٦- ١٠)

د. حاكم المطيري 
أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت


«مصر .. والحكومة العالمية» «الواقعيون … ووحي الشيطان»

لم يتوقع سيد قطب الكاتب الإسلامي الثائر على المحتل البريطاني الأمريكي أن يكون جزءا من مشروع أمريكا التي طالما حذر منها ودعا للتحرر من نفوذها! وهو الذي فارق حزب «الوفد» سنة ١٩٤٢م

بسبب تعاون الحزب مع المحتل البريطاني لمصر بدلا من مقاومته له، وهي اللحظة التاريخية التي كشفت مدى فساد الحياة السياسية الحزبية البرلمانية في مصر في ظل النفوذ البريطاني،

إذ عدّ خالد محيي الدين -في مذكراته «والآن أتكلم» ص٣٤- حادث ٤ فبراير ١٩٤٢م،

وتهديد الإنجليز للملك فاروق، وحصارهم قصر عابدين، واشتراطهم عليه تكليف مصطفى النحاس وحزب الوفد بتشكيل الوزارة،

السبب المباشر لبدء موجة الغضب في نادي الضباط، وهم نحو ٤٠٠ ضابط، حيث شعروا بالإهانة والعار، وبدأوا في الحديث عن الثأر لكرامة مصر وشعبها!

ولم يخطر ببال سيد قطب قط -وهو يفارق حزب الوفد في تلك اللحظة ثائرا ساخطا على كل القوى السياسية والدينية في مصر،

ومحرضا على الثورة على الاحتلال، وداعيا إلى الكفاح من أجل الاستقلال- أن الثورة التي طالما بشر بها،

ودعا إليه ستكون هي أخطر أدوات النظام الدولي الجديد للسيطرة على مصر خاصة والعالم العربي عامة!

الحكومة العالمية

ولم يتصور سيد أن «الحكومة العالمية» التي تأسست في العام نفسه وهو ١٩٤٢م

قد قررت إنهاء الاستعمار القديم آحادي الجانب حيث كانت مصر تخضع للنفوذ البريطاني؛

لصالح احتلال دولي مشترك تخضع فيه مصر كما غيرها من دول العالم لمجموعة دول كبرى لا لمحتل واحد!

وستقوم أمريكا باحتواء سيد قطب نفسه، وكسبه لصف تنظيم عسكري سري تديره الاستخبارات الأمريكية، وتوظيف كتابه «العدالة الاجتماعية»

الذي كتبه سنة ١٩٤٨م لمواجهة الشيوعية في مصر والعالم العربي، لخدمة مشروع ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا -الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس-

الذي حدد مع الرئيس الأمريكي روزفلت في السنة نفسها ١٩٤٢م مهام «الحكومة العالمية» وأهدافها وأعضاءها وقيادتها،

والتي ستؤسس هي بدورها «الأمم المتحدة» التي ستكون الجهاز الإداري لهذه «الحكومة العالمية»، التي سيخضع لها «النظام العربي الوظيفي»

الذي أسسه تشرشل نفسه سنة ١٩٢١م في مؤتمر القاهرة، وثبّت قواعده بشكل جماعي سنة ١٩٤٥م بتأسيس «الجامعة العربية»، قبل الإعلان عن «الأمم المتحدة»!

وسيجعل تشرشل من القاهرة -حيث بؤرة الثورة العربية ضد بريطانيا- مركزا للسيطرة على العالم العربي كله،

لتصبح قاعدته العسكرية الرئيسية في الشرق الأوسط التي سيواجه منها تشرشل جيوش هتلر بقيادة القائد رومل في صحراء مصر في معركة «العلمين»!

خلية «الضباط الأحرار»

تلك السنة ١٩٤٢م التي ستتشكل فيها أيضا خلية «الضباط الأحرار» برعاية بريطانية ثم أمريكية؛

لقطع الطريق على الدعاية الألمانية النازية في الجيش المصري في الحرب العالمية الثانية، ثم على الشيوعية بعد الحرب،

وسيتم رعاية هذا التنظيم العسكري بشكل مباشر من «الحكومة العالمية»،

ليتولى بعد عشر سنوات من تأسيسه حكم مصر سنة ١٩٥٢م، بعد احتواء «الإخوان المسلمون»، وكسبهم إلى صف التنظيم!

«مانيفستو» الثورة

وسيكون كتاب «العدالة الاجتماعية» لسيد قطب هو «مانيفستو» الثورة،

وسيصبح سيد بعد الثورة مباشرة هو الموجه الفكري والمشرف على منابر التوجيه الإعلامي للثورة في بدايتها

قبل أن يدرك سيد حقيقة «الضباط الأحرار» ويفارقهم لينتهي به الأمر إلى السجن فالإعدام!

ذلك «التنظيم السري» الذي لم يكن أحد يعرف عنه شيء إلا جمال عبد الناصر وحده!

وكان بدء تأسيسه سنة ١٩٤٢م كما يؤكد الرئيس المصري أنور السادات -في كتابه «يا بني إنه جمال» ص٨٣-

حيث يقول: (قبض علي في السنة السابقة أي سنة ١٩٤٢م، وإلى ذلك التاريخ الذي تولى فيه جمال مسئولية التنظيم أي سنة ١٩٤٢م لم يكن هناك جهاز لهذا التنظيم،

وإنما كانت هناك جماعات من الضباط تجمعهم الصداقة تارة، والزمالة في الدراسة تارة أخرى،

ويربط الجميع شعور واحد هو كراهية السيطرة البريطانية، التي اتخذت أشكالا متعددة سواء في الجيش،

أو في جميع فروع الحياة في مصر، مما أوقع البلاد بين أنياب استعمار سياسي واقتصادي واجتماعي،

كاد يقضى على كل كيان هذا الشعب، لذلك كانت تتسم كل خططنا بالحماسة عندما يقع حدث معين،

فمثلا عندما هجمت إيطاليا على مصر سنة ١٩٤٠م كان أول ما تبادر إلى ذهننا هو أن ننتهز هذه الفرصة ونقوم بثورة نقضي بها على فلول البريطانيين الذين كانوا في مصر،

خاصة وأن استعداد الجيوش البريطانية في مصر في ذلك الوقت كان ناقصا إلى الحد الذي طلبوا فيه إلى الجيش المصري أن يعطيهم أسلحته،

وكادوا أن يتسلموها لولا أن رفضنا نحن الضباط الأصاغر -وقتذاك- تسليم أسلحتنا ونحن أحياء،

وكذلك حدث نفس التفكير، عندما سلمت فرنسا، وعندما وصل روميل بجيوشه إلى العلمين)!

«الضباط الأحرار».. و«الحكومة العالمية»

إلا أن السادات الثائر على بريطانيا، والمتهم بالتعاون مع ألمانيا النازية سيطلق سراحه،

ويضم إلى خلية من «الضباط الأحرار» في السنة نفسها ١٩٤٢م

لينفذ بعد ذلك ما تريده «الحكومة العالمية» منذ تلك اللحظة حتى توقيعه معاهدة كامب ديفيد ١٩٧٨م

وانتهاء حكمه باغتياله سنة في ١٩٨٢م بعد أربعين سنة قضاها في خدمة النظام الدولي الجديد!

الضباط الأحرار والاستخبارات الغربية:

وقد أكد الرئيس محمد نجيب في مذكراته -«كنت رئيسا لمصر» ص٦٦- ما ذكره خالد محيي الدين بأن ٤ فبراير ١٩٤٢م هو بداية تفجر الغضب في الجيش،

وذكر -في ص٦٩- اعتقال السادات في سنة ١٩٤٢م بتهمة التجسس لألمانيا النازية،

وكيف تدخل نجيب نفسه لإطلاق سراحه، حيث كان السادات تحت قيادته، وكان السادات يجيد التمثيل كما وصفه الرئيس نجيب!

ولا يبعد أن السادات كان يقوم بتلك المهمة بإيعاز بريطاني لاختراق الجبهة الألمانية!

وقد ذكر خالد محيي الدين في مذكراته -ص ١٠٧-  بأنه سأل جمال عن سر ضمه للسادات إلى «الضباط الأحرار» مع عدم ثقته به،

فقال: (لأنه مصدر مهم للمعلومات، ولأنه على علاقة بيوسف رشاد، وبمستر سامسون السكرتير بالسفارة البريطانية،

وكان سامسون هو ممثل المخابرات البريطانية في مصر في الحرب العالمية الثانية، وكان السادات يعرفه منذ حادثة القبض عليه سنة ١٩٤٢م)!

كما اعترف السادات في كتابه «يا بني» الذي ألفه في يناير ١٩٥٧م، بأن هذا التنظيم العسكري كان سريا لا يعرف أحد عنه شيئا إلا جمال عبد الناصر!

فقال في ص٨١: (جمال هو عقل الثورة ومدبرها ورائدها، وإلى هذه اللحظة بعد مضي عدة سنوات على قيام الثورة،

فإن أحدا منا نحن الذين كنا في مجلس «قيادة الثورة» لا يعلم بالضبط عدد الضباط الأحرار!

ومن هم الذين خرجوا يوم ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢م! ومن هم الذين لم يخرجوا إلا فرد واحد هو جمال!

مولد «الهيئة التأسيسية»

وما زلنا بين الحين والآخر نسمع أسماء ضباط لا نعرفهم فيقول جمال إن فلانا هذا خرج يوم ٢٣ يوليو،

وكان يقود الوحدة الفلانية، وفلان هذا تأخر ساعتين عن موعد وصوله المنطقة الفلانية)!

وقال أيضا في ص٨٣: (من أجل ذلك ظل جمال يعمل ليل نهار منذ سنة ١٩٤٣م إلى سنة ١٩٤٨م حيث وقعت الحرب الأولى مع الكيان الصهيوني،

ثم استأنف نشاطه بعد هذا سنة ١٩٤٩م، بعد عودته من الحصار في الفالولجا إلى أن كانت سنة ١٩٥٠م

حيث فرغ من بناء القاعدة الأساسية لتنظيم «الضباط الأحرار» في شُعب ولجان،

وأصبح الأمر يتطلب إيجاد هيئة عليا للتنظيم، وكان هذا هو بدء مولد «الهيئة التأسيسية».

إن الذي جمع أعضاء هذه الهيئة التأسيسية فرد واحد هو جمال! اجتمع بهم فرادى أول الأمر، ثم جمعهم في هيئة بعد ذلك) انتهى.

وكان هذا يجري كله طوال عشر سنوات كاملة من سنة ١٩٤٢م إلى حدوث الثورة سنة ١٩٥٢م، تحت سمع وبصر الاستخبارات البريطانية والأمريكية في مصر!

حيث يعترف السادات في كتابه «يا بني» بمدى سيطرة الاستخبارات البريطانية على كل شئون مصر آنذاك داخليا وخارجيا،

حيث يقول ص٦٥ تحت عنوان: المخابرات البريطانية فشلت:

فلقد كان لبريطانيا جهاز مخابرات في مصر، وكان متغلغلا في كل الأوساط، وكانت سمعته أسطورية، بمعنى أن مجرد ذكر اسم قلم المخابرات البريطانية،

كان يعني القوة التي لا قبل لأحد بها، والقدرة الخارقة على معرفة ما يجول حتى في النفوس من قبل أن ينطق به اللسان،

وكان الإنجليز مغرورين جدا بمخابراتهم، إلى جانب شيء آخر أهم من مخابراتهم وجيوشهم، وهو ما كان يسمى بالهيئة البريطانية!

لذلك كانت الضربة مذهلة حينما قامت الثورة، وليس لدى مخابراتهم علم سابق كما تعودوا في كل الأحداث!

وأكتر من ذلك طعنت هيبتهم في الصميم من أول لحظة، حينما تجاهل القائمون بالثورة بريطانيا، والسفارة البريطانية تجاهلا تاما..

وهي السفارة التي كانت منذ ساعات سابقة مصدر السلطات في مصر، وسيدة القصر الذي يحكم البلاد، وقبلة الأحزاب، ومنتهى أمل القادة والزعماء،

وكان هذا التصرف طبيعيا يا بني بعد كل تلك السنين الطوال من الاحتلال والإذلال) انتهى كلامه.

بينما يؤكد الرئيس محمد نجيب معرفة الملك فاروق بالتحضير للانقلاب عليه قبل عشرين يوما من حدوثه -كما في مذكرات نجيب ص١٠٥-

وكان يعلم بوجود حركة داخل الجيش ضده، واتهم بها نجيب وذلك في ٢ يوليو ١٩٥٢م،

فحذر نجيب جمال عبد الناصر من خطورة الوضع مما يؤكد عدم عنصر المفاجأة للملك فضلا عن الاستخبارات البريطانية والأمريكية!

وقد ذكر نجيب  – في ص١١٦- أنه وفي ليلة الثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، وفي وقت السيطرة على مبنى «القيادة العامة»

كان علي صبري أحد «الضباط الأحرار» يشرح للملحق العسكري الأمريكي دايفيد إيفانس بالقاهرة أهداف الثورة، ويحيطه بما يجري؛

لغياب السفير الأمريكي جيفر سون كافري الذي كان ومساعديه بالإسكندرية حيث يقيم الملك في الصيف،

وكذا أبلغ كروزويل القائم بأعمال السفير البريطاني بالقاهرة!

كما ذكر -في ص١٢١- اعتذار السفير الأمريكي عن مساعدة الملك فاروق بعد اتصاله به لإنقاذ عرشه، ووعده إياه بتأمين خروجه من مصر سالما فقط،

وقد طلب فاروق من قائد القوات البريطانية التدخل والاتصال بإيدن رئيس الوزراء البريطاني

الذي طلب من الرئيس الأمريكي «ترومان» الموافقة على تدخل بريطانيا للدفاع عن الملك فرفض رفضا قاطعا!

واشنطن خلف الانقلاب العسكري

مما يؤكد وقوف واشنطن خلف الانقلاب العسكري الذي سُمي لاحقا ثورة يوليو! لتحل أمريكا محل بريطانيا في مصر،

وتحول دون وصول الشيوعيين للسلطة في مصر، كما ذكر نجيب في ص١٢٠ عن الإفراج

 بعد الثورة بيوم واحد فقط عن كل الضباط الذين اعتقلوا ليلتها إلا ٣٤ شيوعيا!

وسيقوم جمال في تلك السنة نفسها ١٩٤٢م التي أسس التنظيم بالتعاون مع «الإخوان المسلمين»،

حيث بدأ أيضا الدعم البريطاني للجماعة -كما سبق ذكره- عبر الحكومة المصرية الوفدية سنة ١٩٤٢م!

وفي هذه السنة أيضا ١٩٤٢م شارك الشيخ حسن البنا، لأول مرة، ومعه عدد من قيادات الجماعة في الانتخابات البرلمانية، في سياق مخطط بريطاني لدمج الجماعة في الحياة السياسية بشرط الاعتراف بالعملية الديمقراطية،

 للسماح للجماعة بإصدار صحيفة خاصة بها، تلك الحياة السياسية التي كان سيد قطب قد ثار عليها سنة ١٩٤٢م وترك حزب الوفد،

وثار على كل المشاركين فيها، واعتبرها حياة سياسية فاسدة يديرها المحتل!

كما اعترف الرئيس محمد نجيب في مذكراته –ص١٦٧- بعلاقة جمال بالإخوان قديما ومساعدتهم له على تشكيل التنظيم قبل معرفته هو به!

كل هذه الترتيبات كان تجري سنة ١٩٤٢م أثناء خوض بريطانيا أخطر معركة في التاريخ الأوربي على أرض مصر!

وستكون معركة «العلمين» بداية النصر في الحرب العالمية الثانية،

ليتنازل تشرشل بعدها بموجب معاهدة «شرعة الأطلنطي» لأمريكا عن قيادة «الحكومة العالمية» -كما اعترف بمذكراته كما في الجزء الأول من هذه الدراسة-

وستتولى واشنطن النظام الدولي الجديد، وإدارة شئون العالم العربي وسترث محميات بريطانيا بعد النصر مباشرة!

وسيأتي الملك فاروق والملك عبد العزيز بن سعود ليؤديا فروض الطاعة للرئيس الأمريكي روزفلت

وهو على ظهر البارجة «كوينسي» في البحيرات المرة في مصر عائدا من مؤتمر «يالطا» في فبراير سنة ١٩٤٥م،

بصفته الوريث الشرعي الأنجلوساكسوني الوحيد للإمبراطورية البريطانية الفرنسية!

تأسيس الحكومة العالمية:

هذه “الحكومة العالمية” التي شارك تشرشل في تأسيسها أثناء الحرب العالمية الثانية حيث يقول عنها في مذكراته ٢/ ٢١٩:

(وبالإضافة إلى هذه القضايا الخطيرة التي أثرت على أواسط أوروبا كلها، فإن مشكلات التنظيم العالمي، بدأت تلقي بثقلها على تفكيرنا،

وكنا قد عقدنا من قبل مؤتمرا طويلا في «دومبارتون أوكس» على مقربة من واشنطن [١٩٤٤م]، امتد بين أغسطس أكتوبر،

حيث وضعت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي والصين، المشروع الذي أصبح الآن معروفا لحفظ سلام العالم وأمنه،

وقد كشفت المناقشات عن خلافات عدة بين الدول الكبرى الثلاث،

لأن وفد الكرملين لم يكن راغبا في الاشتراك في هيئة دولية تتغلب فيها أصوات مجموعة من الدول الصغرى على صوته،

وقد كنت على ثقة من أننا نستطيع الوصول إلى قرارات طيبة مع روسيا طالما أننا لا نزال في حرب مع عدو مشترك..).

وقال في ٢/ ٢٣٦:

(وقد تمكنا بعد الكثير من الجهد والإيضاح من إقناع ستالين،

بقبول مشروع أمريكي يصبح فيه «مجلس الأمن» عاجزا عن إصدار أي قرار إلا إذا أجمع عليه «الأربعة الكبار»

وإذا رفضت أية دولة منها أي مشروع فلا يجوز لمجلس الأمن إقراره، وهذا هو “الفيتو”.

وكنت من ناحيتي أرى أن إقامة أي «جهاز عالمي» يجب أن يكون على أساس إقليمي، فهناك مناطق إقليمية رئيسية موجودة وتفرض هذا الوجود،

كالولايات المتحدة، وأوروبا المتحدة، وجامعة الشعوب البريطانية، والاتحاد السوفيتي، وأمريكا الجنوبية،

وهناك مجموعات أخرى، كالمجموعات الأسيوية [كالجامعة العربية]، والمجموعة الأفريقية، وفي الإمكان تنمية هذه الفكرة عن طريق الدرس.

وكان الهدف من فكرتي هو حل القضايا التي تدور حولها الخلافات المحلية الحادة في المجالس الإقليمية التي تبعث بعد ذلك بثلاثة أو أربعة من ممثليها إلى المجلس الأعلى،

الذي يتألف من ثلاثين أو أربعين شخصا من أبرز السياسيين العالميين، يكون كل واحد منهم مسئولا عن منطقة [المبعوثين الدوليين]،

ومعالجة القضايا العالمية أيضا، ولا سيما قضية الحرب،

أما دعوة جميع الدول صغيرها وكبيرها، قويها وضعيفها، إلى الاشتراك على قدم المساواة في الهيئة المركزية «مجلس الأمن»

فهي أشبه ما يكون بتنظيم جيش لا تفريق فيه بين قيادته العليا وقادة فرقه وألويته)!

لقد قررت هذه الدول الخمس تنظيم شئون العالم دون تخويل منه، وجعلت من نفسها القيادة العليا له،

لتصبح باقي دول العالم بما فيها العالم الإسلامي كله أحجارا على رقعة الشطرنج!

الأنجلو ساكسونية الصليبية

 تلك الترتيبات البريطانية التي ستمثل فيه الأنجلو ساكسونية الصليبية القيادة العليا للعالم مع إفساح المجال تحتها لروسيا والصين،

وفتح المجال للتنافس بين الأقطاب في السيطرة على مناطق النزاع دون الخروج عن حلبة الصراع،

وهو ما عاشه العالم منذ سنة ١٩٤٥م، وطوال ما عرف بالحرب الباردة، ثم طوال فترة القطب الأوحد الأمريكي منذ ١٩٩٠م، حتى اليوم،

دون وقوع حرب مباشرة بين الأقطاب الكبار، بل حروب بالوكالة تخوضها الدول الأخرى نيابة عنهم وبدعم منهم!

هذا النظام الدولي الذي سيخضع العالم كله لقيادته بإدارة واشنطن، بينما لن يكون للعالم الإسلامي كله -بكل شعوبه

وهم ربع سكان الأرض عددا، وبخمسين دولة من دوله وهي ثلث اليابسة مساحة- ما لفرنسا وحدها من سلطة وقرار فيه!

هذه «الحكومة العالمية» التي سيشترك في قيادتها على حد سواء الرأسماليون والشيوعيون، والمسيحيون الأوربيون والوثنيون الصينيون،

وسيبقى المسلمون خاضعين لها، تابعين لقيادتها، ملتزمين بقرارتها!

 وقد ذكر تشرشل -في مذكراته ٢/ ٢٢٥-

خشية ستالين على هذه «الحكومة العالمية» بعد وفاة المؤسسين لها حيث يقول:

(هذا وقد انتهي مؤتمر «دوميرتون أوكس» كما سبق لي أن ذكرت دون الوصول الى اتفاق كامل بشأنه).

وقد قال ستالين: إنه يخشى -على الرغم من أن الدول العظمى الثلاث متحالفة الآن،

وأنه لن تقوم أية منها بأي عمل من أعمال العدوان- أن يختفي الزعماء الثلاثة من المسرح في غضون عشر سنوات أو نحوها،

وقد يتولى السلطة جيل جديد لم يمر بتجربة الحرب، وقد ينسى كل ما مررنا به من محن،

ثم قال: إننا جميعا متفقون على الرغبة في إحلال السلام لمدة خمسين عاما على الأقل،

ويقوم الخطر الأكبر في أن نتصارع بعضنا مع بعض، فلو ظللنا على اتحادنا، فلن يكون للخطر الألماني أية أهمية.

ولهذا يجب علينا أن نفكر في ضمان وحدتنا في المستقبل، وأن نؤمن بقاء الدول العظمى الثلاث ومعها الصين وفرنسا إن أمكن في جبهة متحدة!

ويقول أيضا في ٢/ ٢٩٣:

(وقبل أن أنتهي من هذا العرض الموجز للأمور التي أثرت علي منذ انتهاء الحرب أرى أن ألقي نظرة على «الأمم المتحدة»،

ففي وسع أي جهاز «لحكومة عالمية» أن يفشل بسهولة في تحقيق غرضه،

وكان من رأيي عندما دنت الحرب من نهايتها، أن من الواجب أن تتحكم أعظم العقول وأعظم الأفكار التي يملكها البشر في مصير العالم،

وكَان هذا المشروع يقضي، إذا تحتم تمثيل جميع البلاد كبيرها وصغيرها، أن تضعف البلاد المذكورة [غير الدول الخمس]،

فالمغزى الذي تقدمه «الأمم المتحدة»، ليس إلا تأكيدا لا جدوى منه لتعادل النفوذ والسلطان، لا يمت بصلة إلى الحقائق المجردة،

وقد أسفرت النتيجة عن عمليات النشاط اللامع وراء الكواليس تحاول أن تقبض على زمام «الحكومة العالمية»،

وقد استعملت كلمة «المحاولة» لأن صوت أي بلد لا يعد سكانها أكثر من مليون او مليونين، لا يمكن أن يقرر، أو حتى يتحكم في أعمال الدول الكبرى،

وتميل «الأمم المتحدة» في شكلها الحالي إلى مصانعة الدول الديكتاتورية،

وإرهاب الدول الضعيفة، وليس من حق الدول الصغرى، أن تتحدث باسم الجنس البشري كله، وعليها أن  تقبل،

ولا ريب في أنها ستقبل ذلك عن طيب خاطر، مرتبة أكثر خفضا، ولكنها أكثر قربا من الدول الكبرى!

ويجب أن تقوم على «حكم العالم» مجموعة من القادة البارزين، في مجموعات من البلاد المؤلفة حسب أوضاعنا الجغرافية..

وما دام العالم الحر متماسكا والحالة هذه، ولا سيما بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، وما دامتا تحتفظان بقوتهما،

فستجد روسيا أن السلام والرخاء أجدي نفعا من حرب الإبادة..)!

ويؤكد تشرشل هذا الهدف

وهو ضرورة استمرار هذه «الحكومة العالمية» التي تقود فيها أعظم العقول، وتتحكم في هذا العالم أقوى الدول،

فيقول في مذكراته في ٢/ ٢٦٧: (كان القلق من المستقبل، وغيره من مشاعر الخوف تملأ جوانحي،

وأنا أنتقل بين الجماهير المحتفلة بالنصر الذي استحقوه عن جدارة، بعد تلك المصائب التي اجتازوها ومروا بها،

وبدا لمعظمهم أن خطر هتلر قد اختفى بعد أن استسلم العدو الهائل، الذي قاتلوه أكثر من خمس سنوات، دون قيد أو شرط،

وكل ما بقي هناك أمام الدول الظافرة الثلاث [بريطانيا وأمريكا وروسيا]،

أن تضع سلاما عادلا ودائما تحرسه “منظمة عالمية”، لكي يدخل العالم في عصر ذهبي من الرخاء والازدهار)!

انتهى كلام تشرشل عن «الحكومة العالمية»، وعن جهازها التنفيذي «مجلس الأمن» و«الأمم المتحدة»!

وستتولى «الحكومة العالمية» إدارة المستعمرات والمحميات العربية والإسلامية،

التي ستُمنح لاحقا الحكم الذاتي بصورة استقلال صوري، تحت سيادة النظام الدولي الجديد وقيادته العليا،

التي ستصوغ فيه أذكى العقول وأقواها واقع شعوب العالم ومستقبلها!

وسيجد سيد قطب مصر التي دعا إلى الثورة من أجل تحريرها -فضلا عن الجماعة التي راهن عليها لتحقيق التغيير في مصر-

ليست سوى لبنة في بناء ضخم محكم من الدول العربية الوظيفية،

التي صنعها المحتل الغربي وأتقن بناء نظامها الإقليمي، وأحكم أسوارها، وأعلى قلاعها،

ولن تستطيع أكبر الجماعات في ظله أن تخرج من الدور المرسوم لها!

الحكومة العالمية وصناعة الدول العربية الوظيفية:

 وقد اعترف تشرشل نفسه بأنهم هم من صنعوا الدول العربية وأوجدوها من العدم بعد أن احتلوها وقضوا على الخلافة العثمانية الإسلامية!

فيقول في مذكراته ٢/ ٢٩٢:

(قد دار شطر كبير من الحرب العالمية الثانية للدفاع عن الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا [المنطقة العربية]،

والحفاظ على تمويناتنا من الزيت [النفط]، وحماية قناة السويس، وكانت دول الشرق الأوسط،

ولا سيما مصر قد تمتعت بمزية الحماية التي أضفيناها عليها من الغزو الألماني والإيطالي،

دون أن تكلف نفسها عناء الاشتراك في الدفاع عن نفسها،

وقد أعقبت الحرب زيادة جديدة في عدد الدول المستقلة التي كانت توجد ضمن الممتلكات السابقة للإمبراطورية العثمانية،

وكان خروج الفرنسيين من سورية ولبنان مؤلما لهم، ولكنه كان محتوما،

وليس في وسع أي إنسان أن يزعم أننا حصلنا لأنفسنا على أي قدر من الفوائد هناك، فقد شهد العالم في هذه المنطقة اندفاعا في الإحساس الوطني،

فالشعوب الإسلامية من أندونيسيا حتى مراكش في حالة غليان واضطراب،

وأدى تصميمها إلى مواجهة الدول الغربية، ولا سيما تلك التي تتحمل مسؤوليات وراء البحار، إلى مشكلات ذات صعوبة خاصة،

وفي وسع هذه الشعوب، وسط الهتافات الصاخبة للاستقلال والحكم الذاتي، أن تنسى المنافع الكثيرة والمهمة التي أضفاها عليها الحكم الغربي،

ومن الصعب أيضا الاستعاضة عن النظام الذي طبقته الدول الاستعمارية في هذه المناطق الشاسعة، بأنظمة جديدة ومستقرة من الحكم السيادي،

مشكلة فلسطين أعقد المشكلات

وكانت مشكلة فلسطين أعقد المشكلات التي واجهتها بريطانيا في هذه الأرجاء، ولقد كنت منذ صدور وعد بلفور في عام ۱۹۱۷م من أخلص أنصار القضية الصهيونية ومؤيديها،

ولم أشعر قط أن البلاد العربية قد جنت منا إلا العدل في معاملتها،

«فالعرب مدينون لبريطانيا ولبريطانيا وحدها في وجودهم كدول، فنحن خلقنا هذه الدول»،

فلقد دفعت الأموال البريطانية والمستشارون البريطانيون بها سريعا في طريق التقدم، و«كانت الأسلحة البريطانية هي التي تتولى حمايتهم»،

وكان لنا، وما زال كما آمل، عدد من الأصدقاء الأوفياء والشجعان في المنطقة، وكان الملك عبدالله [بن الشريف حسين] حاكما في منتهى الحكمة،

وأدى اغتياله [في المسجد الأقصى سنة ١٩٥١م] إلى زوال الفرصة في تسوية سلمية للمشكلة الفلسطينية،

وكان الملك ابن السعود حليفا قويا، وكنت أتابع في العراق بإعجاب سلوك نوري السعيد الشجاع والحكيم،

إذ كان يخدم بإخلاص ملكه [الشريف فيصل وأبناءه في العراق]،

ويقود بلاده في طريق الحكمة، دون أن يتأثر بالتهديدات الخارجية، أو بالضجيج المتأثر من الخارج في الوطن،

ومن سوء الحظ أن هؤلاء الرجال كانوا من الشواذ، وواجهت الحكومة البريطانية كدولة منتدبة،

المشكلة الشاقة من الجمع بين هجرة اليهود إلى «وطنهم القومي»،

وحماية حقوق السكان العرب، ولا يستطيع إلا القليلون منا لوم اليهود على آرائهم العنيفة المتطرفة)!

سيد قطب يراهن على يقظة الشعوب العربية والأمة الإسلامية

انتهى كلام تشرشل الذي كتبه في الوقت الذي كان سيد قطب يدعو في مقالاته في مجلة الرسالة وغيرها إلى الثورة، ويراهن على يقظة الشعوب العربية،

ويراهن على الأمة لتواجه هذا المحتل الغربي دون أن يعرف شيئا عن هذه «الحكومة العالمية»، وإن كان يشعر بيدها التي تفتك في كل مكان بجسد الأمة وشعوبها،

ويدعو بنظرته المثالية إلى الوحدة الإسلامية، مع يأسه من الحكومات في مقاله “الكتلة الإسلامية في الميزان الدولي” في الرسالة عدد ٩٤٩ بتاريخ ١٠/ ٩/ ١٩٥١م

حيث يقول: (وليس هذه الدعوة التي أدعوها هنا مستحيلة،

وما يراها مستحيلة إلا الذين يختانون أنفسهم، ويحتقرون ذواتهم، وييأسون من الشعوب التي تملك كل شيء حين تريد!

إنني يائس من الزعماء، يائس من الحكومات، يائس من مئات أو ألوف خدعتهم الدعاية الرأسمالية،

أو الدعاية الشيوعية -ولكنني لست يائسا من الشعوب- على ما يجثم عليها من جهل ومن ضغط اقتصادي،

ومن قنوط في بعض الأحيان، إن هذا كله إلا غاشية سطحية تزول، وستقف هذه الشعوب على قدميها يوما،

وستحطم كل من يعترض طريقها من المستعمرين والمستغلين! ونحن في الطريق).

ومع كل ذلك سيكون سيد نفسه ضحية خدعة الرأسمالية الصليبية التي طالما حذر من دعايتها!

سيد قطب والثورة على الواقع السياسي:

لقد كان سيد يدعو سنة ١٩٤٢م الأمة وشعوبها للثورة على بريطانيا وأمريكا وفرنسا،

وكان تشرشل في لندن يجهز سنة ١٩٤٢ (الحكومة العالمية) التي ستدير النظام الدولي،

الذي ستخضع له مصر والعالم العربي كله فضلا عن الحركة الإسلامية

التي ستتخذ لاحقا من لندن نفسها مقرا لاجتماعاتها الدولية تحت سمع وبصر المخابرات البريطانية! 

وقد شن سيد بعد الثورة مباشرة حملة شعواء على الأقلام المأجورة للغرب في مقاله «الرجل الأبيض عدونا» -في مجلة الرسالة ٣/ ١١/ ١٩٥٢م عدد ١٠٠٩-

حيث قال فيه محذرا من الكتاب المأجورين:

(كتاب خانوا أماناتهم للوطن، وخانوا أماناتهم للإنسانية، فوقفوا أقلامهم طويلاً على تمجيد فرنسا،

ومع ذلك فإن بعضنا لا يزال يهتف لهم، ويعدهم رواداً للفكر في الشرق! إنني أفهم أن تهتف لهم فرنسا،

أو أن تهتف لهم إنجلترا، أو أن تهتف لهم أمريكا، أما أن نهتف لهم نحن العرب فهذا هو الهوان البشع، الذي لا يقدم عليه فرد وله كرامة!

إن مكان هؤلاء اليوم كان ينبغي أن يكون مكان الجواسيس والخونة والطابور الخامس، لا مكان التمجيد والتقدير والاحترام.

كل رجل غمس قلمه ليمجد فرنسا، أو يمجد إنجلترا، أو يمجد أمريكا، هو رجل منخوب الروح، مستعمر القلب،

لا يؤتمن على النهضة القومية، ولا يجوز أن يكون له مكان في حياة هذه البلاد بعد نهضتها..).

الحركة الإسلامية جزء من النظام العربي الوظيفي

ولم يتصور سيد قطب قط، ولم يخطر بباله، ولا عبر بخياله،

بأن «الحركة الإسلامية» التي راهن عليها وكُلف بقيادتها الفكرية بعد الثورة في مصر سنة ١٩٥٣م،

ستصبح لاحقا جزءا من النظام العربي الوظيفي، تدور في فلك «الأمم المتحدة» وتخضع للنظام الدولي و«الحكومة العالمية»!

وستقاتل في كل ساحات الصراع مع الحملة الصليبية المعاصرة من أفغانستان والعراق شرقا، إلى ليبيا والصومال ومالي غربا وجنوبا،

بدعوى مكافحة الإرهاب، وستطبع في المغرب مع المحتل الصهيوني بدعوى تحقيق السلام!

هذا مع كل ما جاء في القرآن من التحذير الشديد للأمة من أعدائها من اليهود والنصارى، ومن موالاتهم، والرُكون إليهم،

كما يقول سيد قطب في تفسيره ٦/ ٩٢٢:

(وها نحن أولاء رأينا ونرى أن أعداء هذا الدين، وأعداء الأمة المسلمة على مدار التاريخ، أمس واليوم،

 من الذين قالوا: إنهم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار مجتمعين!

فهؤلاء -كهؤلاء- قد ناصبوا الإسلام العداء، وترصدوه القرون تلو القرون، وحاربوه حربًا لا هوادة فيها منذ أن اصطدم الإسلام بالدولة الرومانية على عهد أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- حتى كانت الحروب الصليبية،

ثم كانت «المسألة الشرقية» التي تكتلت فيها الدول الصليبية في أرجاء الأرض للإجهاز على الخلافة،

ثم كان الاستعمار الذي يخفي الصليبية بين أضلاعه فتبدو في فلتات لسانه، ثم كان التبشير الذي مهد للاستعمار وسانده،

ثمّ كانت وما تزال تلك الحرب المشبوبة على كل طلائع البعث الإسلامي في أي مكان في الأرض،

وكلها حملات يشترك فيها اليهود والنصارى والكفار والوثنيون،

وهذا القرآن جاء ليكون كتاب الأمة المسلمة في حياتها إلى يوم القيامة،

الكتاب الذي يبني تصورها الاعتقادي، كما يبني نظامها الاجتماعي، كما يبني خطتها الحركية سواء،

وها هو ذا يعلمها ألا يكون ولاؤها إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، وينهاها أن يكون ولاؤها لليهود والنصارى والكافرين،

ويجزم ذلك الجزم الحاسم في هذه القضية، ويَعْرضها هذا العرض المنوع الأساليب).

الإسلام الأمريكي يرفض الخلافة الإسلامية

ولن تقف قوى «الإسلام الأمريكي» عند موالاة الحملة الصليبية، والقتال تحت رايتها في ساحات الصراع،

بل ستمضي إلى الإعلان الصريح عن إيمانها بالديمقراطية نظاما للحكم،

وعن رفضها للخلافة الإسلامية، والتزامها بالنظام الدولي وقرارات الشرعية الدولية!

وقد كان كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» الذي ألفه سنة ١٩٤٨م ثورة على الواقع السياسي آنذاك في مصر،

وإعلانا عن رفضه للحياة السياسية كلها في العهد الملكي، وعن رفضه لواقع العالم الإسلامي

الذي تخلى عن سيادته وهويته ورسالته تحت نفوذ الحملة الصليبية ونظامها الدولي الطاغوتي، حيث كتب في «العدالة الاجتماعية» ص ١٨٢:

(إن الأمر المستيقن في هذا الدين أنه لا يمكن أن يقوم في الضمير عقيدة، ولا في واقع الحياة دينا، إلا أن يشهد الناس: أن لا إله إلا الله.

أي لا حاكمية إلا لله: حاكمية تتمثل في قضائه وقدره، كما تتمثل في شرعه وأمره، وهذه كلها سواء في كونها أساسا للعقيدة لا تقوم ابتداء في الضمير إلا به،

كذلك هو لا يمكن أن يقوم في واقع الحياة دينا، إلا أن تتمثل العقيدة في نظام واقعي للحياة هو الدين،

فتفرد فيه شريعة الله بالهيمنة على حياة الناس جملة وتفصيلا، ويبرأ فيه الحاكم والمحكوم من ادعاء حق الألوهية عن طريق ادعاء حق الحاكمية،

ومزاولة التشريع فعلا بما لم يأذن به الله؛ مما يتخذه البشر لأنفسهم من أنظمة، وأوضاع، وتشريعات، وقوانين؛

غير مستمدة من شريعة الله، نصا حين يوجد النص، واجتهادا -في حدود المبادئ العامة-

حين لا يوجد النص، طاعة لأمر الله سبحانه

{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، ‏

{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}، ‏{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}..

وكلها تقرر حقيقة واحدة:

أنه لا إسلام ولا إيمان بغير الإقرار بالحاكمية لله وحده، والرجوع إليه فيما يقع عليه التنازع -مما لم يرد به نص- إذ لا رأي مع النص ولا نزاع،

والحكم بما أنزل دون سواه في كل شؤون الحياة، والرضى بهذا الحكم رضا قلبيا بعد الاستسلام له عمليا، وأن هذا هو الدين القيم، وهذا هو الإسلام الذي أراده الله من الناس.

وحين نستعرض وجه الأرض كله اليوم -على ضوء هذا التقرير الإلهي لمفهوم الدين والإسلام- لا نرى لهذا الدين وجود،

إن هذا الوجود قد توقف منذ أن تخلت آخر مجموعة من المسلمين عن إفراد الله سبحانه بالحاكمية في حياة البشر،

وذلك يوم أن تخلت عن الحكم بشريعته وحدها في كل شؤون الحياة..

ونحن واثقون بعد ذلك أن المستقبل هذا الدين، وأن هذا التوقف عن الوجود لن يستمر،

بل لن يطول! وأن جميع الفقاعات التي ينفخ فيها الاستعمار الصليبي والصهيوني في هذه الأرض ستنفى

كما تنفى الفقاعات دائمة مهما تكن ضخمة المظهر، شديدة البريق!

هذا الدين عميق في تربة الفطرة

إن هذا الدين الذي توقف -مؤقتا- عن الوجود عميق عمق الجذور في هذه التربة، وهو أعمق من هذا في تربة الفطرة،

إن اثني عشر قرنا من الوجود الواقعي لهذا الدين في الأرض لن يمكن محوها من هذه الأرض،

وإن فطرة الله التي فطر الناس عليها لن تلغيها محاولات الاستعمار الصليبي والصهيوني!

إن المستقبل هذا الدين، في هذه الأرض التي تحقق فيها وجوده الفعلي أكثر من مائتين وألف عام،

وفي غيرها من الأرض أيضا التي تصارع فيها الفطرة ما هو مفروض عليها من المذاهب والأنظمة والأحكام..

لقد أشرنا من قبل إلى الهزة التي أصابت المجتمع المسلم وهو حديث عهد بالوجود،

وذلك فيما وقع من بني أمية من انحراف عن القمة التي كان المجتمع مستويا عليها على عهد رسول الله  وعهد الخلافة الراشدة.

أهم الصدمات التي واجهت هذا الدين

فالآن نشير إشارات سريعة إلى أهم الصدمات التي واجهت هذا الدين بعد ذلك فثبت لها طوال هذه القرون.

ونحن واجدون أولاها في قيام الدولة العباسية واعتمادها على عناصر حديثة العهد بالإسلام،

لم تخلص نيتها له بعد، لما يعتمل فيها من عصبية قومية لا تزال جذورها كامنة؛

فلما تقدم العهد بالدولة العباسية تركت العناصر التي قامت عليها والتي أخذت تندمج في الإسلام؛ إلى عناصر أخرى قلوبها غلف من الترك والشراكسة والديلم وسواها،

وهكذا ظلت الدولة تعتمد على عناصر مضادة لروح الإسلام، وتتأثر بهذه العناصر بحكم اعتمادها عليها.

فلم يكن إلا روح الإسلام مقاوما لهذه العناصر ولسلطان الدولة معها، بما يحمله من طاقة كامنة، وحيوية عظيمة.

غزوات التتار المدمرة

ثم كانت غزوات التتار المدمرة، التي طغت على العالم الإسلامي ببربرية متوحشة،

لم يلبث الإسلام أن طواها في تياره، وابتلعها فصارت بعض رواسبه، ولكن بعد أن هزت هذا الروح الإسلامي هزة عنيفة،

وأثرت حتما في أوضاعه وتقاليده، إلا أن الأمة الإسلامية ظلت -على الرغم من تضعضع الدولة أمام عاصفة التتار-

قوية متماسكة الأواصر، قائمة على أصول الدين مهما ندت عنها في بعض الجوانب الرسمية الخاصة.

وينبغي أن نذكر هنا أن الإمبراطورية الرومانية التي استغرق بناؤها ونموها نحو ألف عام،

انقرضت وتفسخت في قرن واحد نتيجة لغزوات الهون والقوط،

فلم يبق منها سوى بضعة معالم وإمارات، على حين بقيت الدولة الإسلامية قائمة في رقعة فسيحة،

وهي الدولة التي لم يستغرق بناؤها سوى نيف ونصف قرن، على الرغم من جميع النزاعات الداخلية بين الأسر الحاكمة،

والضربات الخارجية من التتار وغيرهم، مما يشهد بحيوية الإسلام العظيمة في مواجهة تلك الظروف.

فإذا مضينا في تتبع الصدمات وجدنا صدمة الأندلس في الغرب، بعد صدمة الحروب الصليبية في الشرق،

وقد هزم الإسلام في الأول وانتصر في الثانية، وظل يعاني العداء الوحشي من الروح الصليبية منذ ذلك الحين ظاهرة ومستمرة حتى الآن.

ظل الاستعمار الصليبي

ولكن الكارثة التي أطلقت على الإسلام إنما كانت في هذا العصر الحديث، حين غلبت أوربا على العالم، وامتد ظل الاستعمار الصليبي،

وغشي العالم الإسلامي كله شرقه وغربه، وأرصد لقتل الروح الإسلامية كل قواه،

مستمدا دفعته من العداء الصليبي الموروث، ومن القوة المادية والثقافية التي يحملها،

مضافا إليهما التضعضع الداخلي في قوة الأمة الإسلامية وابتعادها رويدا رويدا في هذا المدى الطويل من تعاليم دينها ووصاياه.

الحريات الدينية؟!

وفي الحديث عن العداء الصليبي الكامن في النفس الأوربية للإسلام ينبغي ألا تخدعنا الظواهر، وألا يستغفلنا التظاهر باحترام الحريات الدينية،

والقول بأن أوربا ليست متحمسة للمسيحية اليوم تحمسها إبان الحروب المسيحية،

فليس هناك ما يدفعها إلى التحمس ضد الإسلام كما كانت في تلك الأيام، إنها كلها خدع وأضاليل،

وما كان اللورد اللنبي إلا مثلا لضمير أوربا كلها، وهو يدخل بيت المقدس في الحرب العظمى الماضية

فيقول: اليوم فقط انتهت الحروب الصليبية، وما كان الحاكم العام للسودان إلا ممثلا لهذا الضمير،

وهو يضع كل قرى الحكومة تحت تصرف المبشرين في جنوب السودان، ويمنع أي تاجر مسلم أن يمر منها مجرد مرور!

وقد يعجب البعض لأن تظل هذه الروح التعصبية ضد الإسلام قوية إلى هذا الحد في الشعور الأوربي، بعد ما تنكرت أوربا للمسيحية،

ولم تعد صيحات الحجاج والقديسين هي التي تملأ سمعها كما كانت أيام الحروب الصليبية، ولكن هذا العجب يزول حين نلقي بالنا إلى حقيقتين واقعتين:

الحقيقة الأولى:

أن الشر الذي بعثة الصليبيون لم يقتصر على صليل السلاح، ولكنه كان قبل كل شيء، وفي مقدمة كل شيء شرا ثقافيا.

لقد نشأ تسمم العقل الأوربي عما شوهه قادة الأوربيين من تعاليم الإسلام ومثله العليا أمام الجموع الجاهلة في الغرب.

والحقيقة الثانية:

أن الاستعمار الأوربي والأمريكي الصليبي لا يملك أن يغفل من حسابه أن الروح الإسلامية صخرة مقاومة لمد الاستعمار؛

وأنه لا مفر من تحطم هذه الصخرة أو زحزحتها على الأقل،

ولا عبرة بما يقوله بعض المخدوعين أو المأجورين من أن أوربا لا يهمها الدين،

ولا تراه مصدر قوة، ولا تخشى من العالم الإسلامي إلا قوته المادية!

فالدين في حقيقته قوة روحية لها حسابها في تجديد القوى المادية؛

فوق أن الإسلام بالذات غير المسيحية، فهو يأمر بإعداد القوى المادية ويحض على المقاومة والكفاح،

وينذر المستسلمين والمستضعفين بسوء المآل في الدنيا والآخرة:

{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}،

{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين}..

فالدين قوة روحية، وتنظيمية، ودعوة إلى قوة مادية، والدين صخرة مقاومة، ودعوة إلى شدة المقاومة،

فلا مفر للاستعمار الأوربي والأمريكي أن يكون عدوا لهذا الدين، كل ما هنالك أن مظاهر العداء تختلف بحسب أساليب كل أمة في الاستعمار؛

ثم بحسب الظروف والأحوال، ففرنسا مثلا تعلنها حربا صريحة سافرة في المغرب العربي كله على الإسلام باسم «الظهير البربري» أو بأي اسم آخر،

ويعلن ممثلوها في دمشق أحقاد الصليبين جهارا نهارا.

وإنجلترا تراوغ فتسلك طريقها خلسة إلى معاهد التعليم في مصر لتنشئ عقلية عامة تحتقر كل مقومات الحياة الإسلامية بل الشرقية،

فإذا تم لها تكوين جيل من المعلمين بهذه العقلية، أطلقتهم في المدارس وفي دواوين المعارف يصبغون عقلية الأجيال هذه الصبغة،

ويضعون المناهج والخطط المؤدية إلى تكوين هذه العقلية، مع المحافظة التامة على إبعاد العناصر التي تمثل الثقافة الإسلامية عن مراكز التوجيه في الوزارة،

وبذلك تستغني عن مواجهة الشعور الديني بالعداوة السافرة، إذ تدع هذه المهمة لفريق كبير ذي أثر بعيد في تكوين العقلية المصرية العامة..

أما في السودان الجنوبي فلا تجد حاجة إلى هذه المواربة!

وأمريكا تقيم الأوضاع والأنظمة التي تسحق الإسلام بكل مقوماته العقيدية والخلقية والحركية في جميع أنحاء العالم الإسلامي..

وهكذا سارت كل دولة مستعمرة على طريقة في مقاومة هذا الدين وخنقه منذ قرون مضت، وما تزال تسير على خطة متعاونة في تصميمها التي تبديه في موقف الأمم الغربية من كل قضية تواجه فيها الإسلام من قريب أو من بعيد!

والّذين يحْسبون أن نفوذ اليهود المالي في الولايات المتحدة وسواها هو الذي يوجه الغربيين هذا التوجيه،

والذين يحسبون أن المطامع الإنجليزية والمكر الإنجلوسكسوني هو الذي يوجه الموقف،

والّذين يحْسبون أن الصراع بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية هو الذي يؤثر..

كل أولئك يغفلون عنصرا حقيقيا في المسألة يضاف إلى هذه العناصر جميعا، هو الروح الصليبية التي تحملها دماء الغربيين، والتي تندس في عقلهم الباطن،

مضاف إليها الخوف الاستعماري من الروح الإسلامية، والعمل على تحطيم قوة الإسلام،

حيث يربط الغربين جميعا شعور موحد ومصلحة موحدة في تحطيمها، تجمع بين روسيا الشيوعية وأمريكا الرأسمالية،

ولا ننسى دور الصهيونية العالمية في الكيد للإسلام وتجميع القوى ضده في العالم الاستعماري الصليبي والعالم المادي الشيوعي على السواء،

وهو الدور المستمر الذي قام به اليهود دائما منذ هجرة الرسول  إلى المدينة وقيام دولة الإسلام!

روح الإسلام في ذاتها سليمة

والعجيب أن روح الإسلام على الرغم من جميع هذه الصدمات التي واجهته منذ الفترة الأولى في حياته إلى اليوم،

وعلى الرغم من معاجلة الصدمات له وأثر ذلك في كيانه الوليد، ثم على الرغم من غلبة الحضارة الغربية اليوم بقوتها المادية والثقافية،

مما أحال بعض من يحملون أسماء المسلمين أدوات هدم وتحطيم للإسلام في أيدي المستعمرين وهم مستريحون!

على الرغم من هذا كله ظلت روح الإسلام في ذاتها سليمة، وظلت طاقته الكامنة تؤثر في مجرى الحياة الإنسانية بصفة عامة،

وتؤثر في صوغ السياسات العالمية وتوجيهها منذ أربعة عشر قرنا إلى اليوم،

فما من حركة سياسية أو حربية في العالم لم يحسب فيها للإسلام حساب؛

حتى في عصور الضعف والفرقة وتخلخل الحياة الروحية والاجتماعية والاقتصادية في العالم الإسلامي.

ولقد انقضت فترة الخمول والاضمحلال،

وأخذ المد الإسلامي في الظهور في كل مكان على الرغم من الضربات الساحقة التي توجه إلى طلائع البعث الإسلامي في كل مكان،

وهي مظاهر لا يمكن إغفالها، على الحيوية الكامنة في الإسلام، وعلى أن رصيده المدخر يكفي لاستئناف حياة إسلامية جديدة،

لا تقوم على مجرد الرغبة والتفاؤل، بل على أسس عملية وواقعية كذلك ظاهرة للعيان،

هي اليوم في دور التجمع والاستعداد على الرغم مما يبدو أحيانا من عوامل الانتكاس..

 إن الإسلام هو القوة الحقيقية التي يحسب لها المعسكران كل حساب، ويبقى أن يعرف أصحاب الإسلام هذه الحقيقة وأن يقيموا خطتهم على هذا الأساس.

وحركات البعث الإسلامي اليوم في مفترق الطرق،

ونقطة البدء الصحيحة في الطريق الصحيح، هي أن تتبين الشرط الأساسي لوجود الإسلام،

أو عدم وجوده، وأن تستيقن أن وجود الإسلام اليوم قد توقف، وألا تفزع لهذا التقرير الخطير،

ولا يتعاظمها الأمر، فتحجم عن رؤيته والجهر به، وأن تعلم أنها تستهدف إعادة إنشاء الإسلام من جديد،

أو بتعبير أدق رده مرة أخرى إلى حالة الوجود، بعد أن توقف هذا الوجود فترة..

هذا طريق..

والطريق الآخر

أن تظن هذه الحركات -لحظة واحدة- أن الإسلام قائم، وأن هؤلاء الذين يدعون الإسلام ويتسمون بأسماء المسلمين هم فعلا المسلمون!

وأن الأوضاع العلمانية السائدة في الأرض هي أوضاع إسلامية، كالوضع الذي أقامه أتاتورك، والأوضاع التي سارت على نسقه..

كما يريد «ولفرد كانتول سميث»، وأمثاله والمخدوعون به والخادعون، أن يلقوا في روع الناس!

هذا طريق وذلك طريق، وحركات البعث الإسلامي اليوم علي مفرق الطريق: فإن سارت في الطريق الأول سارت على صراط الله وهداه،

وعلمت أنها تواجه توقفا في وجود الإسلام ذاته، وأنها تستهدف ما استهدفه محمد رسول الله  والجماعة المسلمة الأولى،

وأنها ستلقى مثلما لقي رسول الله  وأصحابه، من الاضطهاد والتعذيب، ومن الصبر والمصابرة،

ثم من النصر والتأييد، والتمكين في الأرض في نهاية المطاف.

وإن سارت في الطريق الثاني

الذي يدلها عليه مستر «اولفرد كانتول سميث»، وضرباؤه والمخدوعون به والخادعون،

فستسير وراء سراب كاذب، تلوح لها فيه من بعيد عمائم.. تحرف الكلم عن مواضعه، وتشتري بآيات الله ثمنا قليلا،

وترفع راية الإسلام على مساجد الضرار وتضع لافتات إسلامية على معسكرات الفجور والانحلال!

إن حركات البعث الإسلامي تتناثر اليوم على وجه الأرض كلها،

 وتقتحم على الصليبية عرينها في قلب أمريكا وأوربا، وتنتفض في آسيا وإفريقية

على الرغم من كل ما وصلته الحملة الصليبية والصهيونية من الأجهزة والأوضاع التي تحاول سحقها،

ولكن هذه الحركات، يمكن أن تذهب وراء السراب الخادع، ويمكن أن تسلك الطريق الفاسد..

ورجاؤنا في الله كبير أن يفتح البصائر على الحق، وأن يفتح العيون على الواقع..

والله الهادي والموفق والمعين..)!

 أمريكا واحتواء الثورة بتنظيم الضباط الأحرار:

هذا في الوقت الذي كانت بريطانيا ثم أمريكا بعدها تنسج خيوط العنكبوت وتحيك النظام المصري العسكري الجديد، الذي سيكون بديلا عن النظام الملكي،

وعن حزب الوفد، الذي صار تحت ضغط الشعب المصري -الذي انفض عنه بعد سنة ١٩٤٢م- يواجه بريطانيا ويدعوها للجلاء،

مما دفع أمريكا لصناعة البديل لحكم مصر، لينتظم في نظامها العالمي الجديد وقيادتها «الحكومة العالمية»،

كما اعترف بذلك الرئيس محمد نجيب، الذي أدرك حقيقة الدور البريطاني الأمريكي في صناعة الانقلاب العسكري باسم الثورة!

حيث ذكر نجيب -في مذكراته ص٣٠٨-٣١٤-

توقف المفاوضات مع البريطانيين حول الجلاء عن قناة السويس، وخطابه للشعب المصري الذي قال فيه:

(لقد أفزع تجمعكم وراءنا، والتفافكم حولنا، السير ونستون تشرشل فجعله يتخبط، ويهذي بأقوال إن دلت على شيء،

فإنما تدل على حنق المغيظ من عهدٍ سدّ على المستعمرين المسالك، وألزم أذنابهم جحورهم وخلص البلاد،

أو كاد من دعاة الفرقة والانحلال والهزيمة، وإني لواثق أن تشرشل لن يجد منكم إلا كل ما يزيده غيظا على غيظ، وحنقا على حنق،

لن يجد منكم إلا إصرارا على حقوقكم، وإلا استمساكا باتحادكم، وإلا تفانيا في مطاردة عملائه الذين يستهدفون السعي بينكم بأراجيفهم الدنيئة،

ولم يقف غيظ تشرشل عند المصريين وحدهم بل تعداهم إلى الخبراء الألمان الذين يعملون في جيشنا فصب جام غضبه عليهم،

وقال في وصفهم، أنهم ينشرون النازية في الجيش المصري،

وأن أفهم جيدا سر حقد تشرشل على هؤلاء الخبراء، وإنا لموفرون البعض الآخر في يوم قريب!

 قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}).

وقال نجيب بعد ذلك عن تلك الضغوط:

(إلى هذا الحد كنت واقعيا، إلى هذا الحد كنت صريحا، وواضحا، ومباشرا،

ودفع هذا الكلام العلني الذي نقله العالم كله إلى أصعب أزمة بيننا وبين الإنجليز،

ودفعت هذه الأزمة الولايات المتحدة للتدخل بين مصر وبريطانيا لحل الأزمة، ولإيجاد وسيلة عاجلة لإنقاذ المباحثات،

ففي ٢٤ مايو وصل وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس إلى القاهرة، ضمن جولة له في دول المنطقة..

وقابلته أنا والدكتور محمود فوزي..

وقال دالاس: إنني أريد منك أن تعدني بأن يخيم الهدوء على منطقة قناة السويس إلى أن أعود من رحلتي في الشرق الأوسط إلى واشنطن وأجتمع بالرئيس آيزنهاور.

فقلت له: أنا أعدك ولكن هل يقدم لك الإنجليز نفس الوعد؟ إن الانجليز لم ولن يحترموا ذلك..

وانتقل فجأة وبدون مقدمات طويلة للكلام عن الشيوعية، وعن خطرها الزاحف على الشرق الأوسط،

وقال: إن روسيا تريد أن تسيطر على العالم عن طريق الشيوعية،

ونحن في أمريكا نقوم بعمل حزام حولها للدفاع عن العالم الحر، والشرق الأوسط يمثل جزءا من هذا النزاع،

وعلى ذلك يجب قيام حلف من الدول العربية بزعامة مصر لاستكمال هذا الحزام، وسكت لثوان.

وعندما وجدني لم أعلق، قال:

إن حكومة الرئيس آيزنهاور عنيت بدراسة الدفاع عن الشرق الأوسط بالاشتراك مع بريطانيا،

وإن مسألة الدفاع عن هذا الجزء من العالم ورفاهيته من المسائل التي تعنى بها الحكومة الأمريكية.

ولم أكن في حاجة لمزيد من الإيضاح، فقد كان كلام دالاس مباشرا وقاطعا،

يريد أن ندخل في إطار الأحلاف الغربية يريد أن نستبدل الاستعمار القديم بالاستعمار الجديد، يريد أن نخرج من نقرة لنقع في بئر!

قلت له: إن الخطر الشيوعي هو خطر محتمل، ولكن الواقع الآن هو أن الإنجليز يحتلون بلادنا فعلا رغم إرادتنا، فهم الآن أعداؤنا، ومن البديهي أنه لا يمكننا أن نتحالف مع أعدائنا!

وقلت له: إن جلاء الجيوش البريطانية هو أهم شيء أجمع عليه الشعب المصري،

أما الحديث عن عمل حزام حول الاتحاد السوفيتي واشتراك مصر في حلف العالم الغربي فهذا أمر لا يمكنني البحث فيه الآن،

لكنني أعدك بدراسة هذا الموضوع بعد جلاء الانجليز وتحرير أرضنا.

فسألني دالاس عن أسباب قطع المفاوضات مع البريطانيين؟

فشرحت له الأسباب.

فقال: أعتقد أنه لابد من وجود عمل يتماشى مع السيادة الكاملة لمصر مع جلاء القوات البريطانية، على أن ينظم هذا الجلاء،

حتى تظل القاعدة الحربية الهامة في منطقة قناة السويس بمستودعاتها في أمان تام،

وأن تكون ميسرة لاستعمال العالم الحر في حالة قيام حرب في المستقبل!

وأنهى دالاس حديثه بالطلب الذي طلبه في البداية، وهو الوعد بأن يشمل الهدوء منطقة القناة إلى أن يعود إلى واشنطن.

كان ما قاله دالاس عن سياسة الأحلاف، كلاما ليس جديدا، وسبق أن سمعته من جيفرسون كافري،

ونحن على مائدة العشاء في بيت عبد المنعم أمين، قبل أن يخرج من مجلس القيادة ويعين سفيرا لمصر في هولندا.

مكان لقاءات رجال الثورة والأمريكان

وقد كان بيت عبد المنعم أمين الفخم هو مكان اللقاء المستمر بين رجال الثورة والأمريكان..

وأنا لم أحضر مثل هذه اللقاءات سوى مرتين فقط، لأنني كنت أخشى من أن تقع الثورة فريسة سهلة في يد الأمريكان،

وحذرت عبد المنعم أمين منها، لكنه لم يسمع كلامي، وفضل أن يستجيب لكلام جمال عبد الناصر الذي كان على صلة وثيقة بالأمريكان، منذ الساعات الأولى بعد نجاح الحركة.

وكنت قد قرأت الكثير عن علاقة المخابرات المركزية بعبد الناصر وتنظيم «الضباط الأحرار» قبل الثورة،

لكنني لا أملك أي دليل على صحة ما قرأت، ولا على نفيه، وكل ما أستطيع أن أجزم به، هو أن الأمريكان،

منذ اللحظة الأولى لنجاح الحركة، كانوا يحاولون التقرب منا، وكسب ثقتنا،

وكنت كما قلت من قبل، قد أبلغتهم في صباح ۲۳ يوليو أن الحركة لا تستهدف التعرض للأجانب،

وذلك بواسطة علي صبري ضابط مخابرات الطيران في ذلك الوقت، والذي كان وثيق الصلة بالملحق الجوي البريطاني مستر إيفانز!

أما المرة الأولى التي قابلت فيها الأمريكان وجها لوجه فكانت يوم خروج الملك فاروق،

حيث التقيت ساعتها بالسفير الأمريكي يفرسون كافري، وتبادلنا التحية العابرة، دون حديث.

وأول مرة تبادلنا فيها الكلام كانت في بيت عبد المنعم أمين، المطل على النيل، عند كوبري عباس،

وكان معه أربعة من رجال السفارة الأمريكية، عرفت فيها بعد أن اثنين منهم من رجال المخابرات المركزية،

وكَان معي عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وعبد اللطيف البغدادي، وزكريا محيي الدين، ومحمد رياض قائد الحرس.

 وتكررت الدعوة مرة أخرى في نفس المنزل بعد أسبوع واحد.

وفي اللقاء الأول قال كافري:

إن حكومته تخشى تسلل الشيوعية إلى مصر، وترى ضرورة وجود أجهزة أمن قوية لحماية شعبها،

وعرض معاونة أجهزة المخابرات المركزية لها في هذا الأمر، وتحدث أيضا عن ضرورة ارتباطنا بأحلاف العالم الحر!

وبنفس الصراحة التي تكلم بها كافري، قلت له: لا فأنا أعترض على ما تقوله يا سيدي السفير، فالشعب المصري بطبيعته لا يهتم بالشيوعية،

وأنا لا أخشى من أي تسلل شيوعي إلى مصر، كما أنني ضد أي استعمار، وضد أي قيد على حريتنا من أي نوع.

 وقلت له: ونحن نرفض تعاون أجهزة الأمن مع المخابرات المركزية لأنني لا أريد تقييد حرية المواطنين،

وتقوية هذه الأجهزة يجعلها في آخر الأمر هي التي تحكم فعلا، وكفى ما عانيناه وعاناه شعب مصر من القلم السياسي،

أما من حيث الأحلاف فلا حديث عنها قبل الجلاء الكامل غير المقيد بشروط.

لكن ما رفضته أنا بصراحة، قبله جمال عبدالناصر بعد ذلك!

المخابرات الأمريكية ترسم خطط حماية عبد الناصر

تدخلت المخابرات المركزية في رسم خطط حماية عبد الناصر الأمنية،

وجاءت له بسيارات وأسلحة خاصة لتنفيذ هذه الخطط كما أن أسس تكوين المخابرات المصرية التي أقامها زكريا محيي الدين،

كانت مستمدة من أفكار بعض الأمريكان،

وتحولت هذه المخابرات كما توقعت إلى جهاز لتعذيب الشعب المصري وفض كرامته، كما حدث بعد ذلك.

كان إحساسي بخطر احتواء الأمريكان للثورة، هو دافعي لقطع حبال الاجتماعات الخاصة مع رجالهم،

وتأكيدا لهذا الموقف، أعلنت بصراحة لوكالة اليونيتدبرس، ونحن على وشك المفاوضات مع الإنجليز بأنني:

أصر على أن يكون الجلاء غير مشروط بشرط ما، فنحن غير مستعدين لمناقشة أية منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط سواء كانت حلفا، أو ميثاقا أو تحت أي اسم تطلقه عليها..

عبد الناصر يجتمع سرا مع الأمريكان

ولكني عرفت أن الاجتماعات الخاصة مع الأمريكان استمرت سرا مع جمال عبد الناصر وعدد من أعضاء مجلس القيادة،

وعندما عرفت ذلك عارضت هذا الاتجاه بشدة، ونصحتهم في الابتعاد عن هذه الاتصالات،

وأخذت جمال عبد الناصر معي إلى مكتبي وقلت له: إن وجود المخابرات المركزية وسطنا أمر خطير جدا.

قال: لكن.

لكنني لم أتركه يعترض وقلت له: إن الأمريكان يريدون تخريب الثورة واحتوائها لتسير في ركابهم، ويجب أن تقطع صلتك بهم فورا.

ووعدني عبد الناصر بذلك لكنه لم ينفذ وعده، واكتشفت ذلك بنفسي، ففي يوم كنت أغادر مكتبي في القيادة ليلا،

فمررت على مكتب جمال عبد الناصر، فوجدت عنده كيرميت روزفلت، رجل المخابرات الأمريكية الذي حضر العشاء معنا في بيت عبد المنعم أمين،

والذي تحدث عن دوره في مصر بعد الثورة مايلز كوبلاند في كتابه «لعبة الأمم»،

فسالت عبد الناصر: ماذا يفعل كرميت روزفلت عندك يا جمال؟

فقال لي: إنه كان يرغب في مقابلة سيادتكم!

فغضبت لهذا العذر الذي كان أقبح من ذنب! وقلت له في جفاء: أنت تعرف أنني أكره رجال المخابرات،

ولا أريد مقابلة هذا الرجل، وإذا كان الأمريكان يريدون الاتصال فعلا، فالأفضل أن يتصل بي السفير الأمريكي فقط.

ووعدني عبد الناصر مرة أخرى أن لا يتصل بهم، ولكنه مرة أخرى لم ينفذ وعده، فلم تنقطع اتصالاتهم مع الأمريكان بل وزادت كما قلت من قبل.

ولست أريد بذلك إطلاق الأحكام أو إثارة الشبهات، ولكني استنكرت اتصالا يتم بين قيادة سياسية وعملاء في مخابرات دولة أجنبية!

وكان الأمريكان في هذه الفترة يظهرون في صورة الدولة التي تريد مساعدتنا في التخلص من الاحتلال البريطاني،

وكنت لا أجد مناسبة في أي مقابلة رسمية دون أن أثير معهم الحديث في ضرورة إقناع البريطانيين بقبول مبدأ الجلاء،

حتى إن مستر تشرشل رئيس الوزارة البريطانية قد صرح يوم وصول مستر دالاس:

يبدو أن مصر تقبل أن تكون أمريكا طرفا ثالثا في مباحثات الجلاء!

وكان السفير كافري قد عرض علي هذا فعلا، لكنني رفضته، وسألت دالاس عن تصريح تشرشل، هل قرأت التصريح؟

ولم يعقب، فخشيت أن يكون ما قاله تشرشل صحيحا، وخشِيت أن يكون هناك اتفاقا بين أمريكا وبريطانيا على ذلك،

وخشيت أن يؤثر تصريح تشرشل على الثورة، فخرجت من اجتماع دالاس،

وقلت للصحفيين تعقيبا على تصريح مستر تشرشل: إننا لن نقبل خصما ثانيا، فما قاله تشرشل غير صحيح.

وغضب دالاس وسافر إلى بيروت..).

وما ذكره الرئيس نجيب عن علاقة جمال بأمريكا ومخابراتها

أكده خالد محيي الدين -في مذكراته ص١٢٢-

وهو من النواة الأولى للضباط الأحرار، والستة المؤسسين للحركة،

حيث قال عن إحدى الاجتماعات السرية قبل الثورة

(التفت جمال إلى البغدادي وسأله: إيه أخبار علي صبري؟ كانت المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الاسم!

وسألت: من هو علي صبري؟

وأجاب بغدادي: إنه مدير مخابرات الطيران، وهو معنا، وقد أخذ بعثة في أمريكا،

وهو على علاقة حسنة بالأمريكان، وأنه من خلال علاقته بالملحق الجوي في السفارة الأمريكية سمع تلميحات بأنه في حالة تحرك الجيش فإنهم سيطلبون من الإنجليز عدم التدخل إذا كانت الحركة غير شيوعية،

ولا تهدد مصالحهم، وانتهز بغدادي الفرصة ليعود إلى المطالبة بعدم مهاجمة الأمريكان،

ذلك أنه لا داعي لإثارة عداء الأمريكان، وعندما حاولت الرد عليه،

قال عبد الناصر: معلهش بلاش حكاية الأمريكان دي حتى تنجح حركتنا وبعدها نقول ما نريد ونفعل ما نريد!

ثم ألقى عبد الناصر في الاجتماع بقنبلة جديدة،

فقال: إن حسن عشماوي من قادة «الإخوان المسلمون» عاود الاتصال به وأبلغه أن الإنجليز يريدون التخلص من الملك،

فقد أصبح مكشوفا ومكروها من الشعب، ولم يعد قادرا على ضمان مصالحهم،

وأنهم يرون أن الشعب لن يقبل باستمرار هذا الملك المنحل والضعيف،

ثم قال: إن عشماوي أكد له أن الإنجليز طلبوا من الإخوان اغتيال الملك،

لكن الإخوان رفضوا خوفا من عواقب ذلك ضدهم، لقد كان حقا يوم المفاجآت بالنسبة لي)!

كما ذكر -في ص٩٦- ردة فعل جمال حين نشروا بيانا تعرضوا فيه لأمريكا فناقشهم فيه (لكن أكثر العبارات

التي لفتت نظر جمال عبد الناصر ودفعته إلى الاعتراض عليها هي عبارة الاستعمار الأمريكي!

وقال: الشعب لا يعرف سوى الاستعمار البريطاني، فلماذا ندفعه إلى اللخبطة ونتحدث عن الأمريكان؟

ولما تحدثت عن أن الاستعمار البريطاني يتهاوى وأن الخطر الحقيقي هو الاستعمار الأمريكي! قال: لكن هذا التعبير لا يستعمله إلا الشيوعيين،

فقلت: إن الكثير من الحركات الوطنية التحررية في العالم أصبحت تستخدم هذا التعبير)!

حزب الوفد يضغط على بريطانيا

وفي الوقت الذي بدأ حزب الوفد يضغط على بريطانيا من أجل الجلاء عن مصر،

والالتزام بتعهداتها للمصريين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية

(انفجرت مظاهرات الغضب ضد القصر الملكي، وبدأت المظاهرات تهتف بسقوط الملك،

لكن حكومة الوفد وقفت عاجزة، وفي نفس الوقت كان هناك مخطط استعماري لمحاصرة حكومة الوفد،

ولعبت صحف دار أخبار اليوم الدور الأساسي في تنفيذه، فهي تركز على مظاهر الفساد المتفشية في الحكومة،

وفي نفس الوقت تتهم الحكومة بالضعف والعجز إزاء الإنجليز،

بل وتتهمها باعتقال الفدائيين وعرقلة نشاطهم!

وكان الإنجليز يواصلون عملياتهم ضد المواطنين وضد البوليس المصري بهدف إذلال حكومة الوفد وإظهار ضعفها وعجزها)!

أمريكا تعزز علاقتها مع الضباط الأحرار

كما ذكر محيي الدين -ص ١١٧- وفي المقابل كانت أمريكا تعزز علاقتها مع «الضباط الأحرار» وتعدهم للحكم،

لتبدأ علاقتهم بها بشكل مباشر بعد الثورة مباشرة، كما قال محيي الدين في ص٩٧: (وأخذ الأمريكيون يتقربون من الحركة،

وأذكر أن عبد المنعم أمين وهو الذي قاد قوات المدفعية التي شاركت في الثورة وانضم بعدها إلى مجلس قيادة الثورة قد دعانا إلى العشاء في بيته،

وحضر كافري السفير الأمريكي والمستشار السياسي للسفارة الأمريكية، وأحسست أن هذه الجلسة كانت تمهيدا لعلاقة حسنة مع الأمريكان.

وطبعا أنا كيساري كنت أشعر برفض داخلي لذلك، لكن الزملاء كانوا واقعيين..)!

انتهت شهادة خالد محيي الدين ومحمد نجيب عن علاقة الاستخبارات الأمريكية بالضباط الأحرار،

ودورها من وراء الكواليس وعبر وسائل الإعلام والأقلام التي تديرها في مصر من استثمار الثورة الشعبية،

واحتواء القوى السياسية وتوظيفها لإسقاط الملكية، واستبدال المؤسسة العسكرية بالمؤسسات البرلمانية والحزبية!

وبقي السؤال الخطير

كيف استطاع هذا «التنظيم السري» العسكري الأمريكي احتواء «الإخوان المسلمون» وكسب سيد قطب إلى صفه حتى إذا نجح الانقلاب كانوا هم أول ضحاياه؟

وما زلنا مع سيد ودعوته «المثالية» وفتنة «الواقعية السياسية» فللحديث -بإذن الله- بقية!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق