الجمعة، 29 أبريل 2022

«الواقعيون.. ووحي الشيطان» (3 – 10)

 «الواقعيون.. ووحي الشيطان» (3 – 10) 

د. حاكم المطيري

 أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت

«الواقعيون.. ووحي الشيطان»..

«الثورة العربية.. وتمثال الحرية»

هنالك جماعات تدعو دعوات إسلامية، ولكنها جماعات هزيلة الروح، ناضبة، خامدة، أضعف من أن تنفخ في الجيل الهابط المنحل، ترى هل يتمخض الانحلال عن قيادة روحية عظمى كما عودتنا روح الإسلام على مدى الزمان؛ نرجو أن تكون هناك وثبة قريبة، وأن يظلنا موعدها المرموق!

هذا ما كان يراه سيد قطب قبل سبعين سنة! وما كان يتطلع إليه سنة ١٩٤٧م! فهو لا يرى آنذاك إلا «جماعات إسلامية» هزيلة ناضبة خامدة! أو «إسلام أمريكي» يثق بأمريكا ويداهنها، ويبشر بالديمقراطية التي تسيطر بها!

فيدعو الله بظهور قيادة روحية عظمى تبعث الروح في الجيل الجديد!

فهو إلى تلك اللحظة لم يكن يرى تلك القيادة وإن كان يترقب ظهورها قريبا كما هي روح الإسلام المتجددة!

فهل استجاب الله دعاءه فكان هو تلك القيادة الروحية؟

وها هو المشهد نفسه اليوم لم يتغير كثيرا اللهم إلا في جهاد الشعوب الإسلامية للمحتل الأمريكي الأوربي الروسي في أفغانستان والعراق وسوريا، والذي غابت عنه جماعات إسلامية كبرى، حين صارت المواجهة مع أمريكا ونظامها الدولي بعد ١٩٩٠م، بل انحازت إليه، وتفاهمت معه، وقاتلت تحت رايته، واستلمت السلطة برعايته وبحماية دبابته!

وإلا ثورة الشعوب العربية على أنظمتها الوظيفية في «الربيع العربي»، التي تفاهمت أمريكا مع «الإسلام الأمريكي» ليكون الممثل للشعوب بلا اختيارها ولا إرادتها في المفاوضات والمساومات باسم «الواقعية السياسية» التي طالما احتقرها سيد قطب حين قال: كم ذا أكره أولئك الغربيين وأحتقرهم! والأمريكان الذين كانوا موضع الثقة من الكثيرين! ولكني لا أكره ولا أحتقر هؤلاء وحدهم، وإنما أكره وأحتقر أولئك المصريين، وأولئك العرب، الذين لا يزالون يثقون بالضمير الغربي!

فما الفرق في العالم العربي بين من يأتي بانقلاب عسكري بتفاهم مع الإدارة الأمريكية أو البريطانية واستخبارتهما وسفاراتهما ومن يأتي بتفاهم معها بانتخابات ديمقراطية لإقامة أنظمة وظيفية؟

وما الفرق بين الأنظمة العربية التي كانت تحتمي بالرئيس الأمريكي السابق ترامب، وقوى المعارضة العربية التي تستقوي بالرئيس الأمريكي الجديد بايدن الذي جرى انقلاب السيسي وهو نائب لأوباما؟

وما الحرية التي تريدها قوى «الربيع العربي» لشعوبها إن لم تكن التحرر من الاحتلال الأمريكي الأوربي الجاثم على أرضها بقواعده وجيوشه، والذي يقتل شعوبها، ويحتل أرضها، ويقف خلف المحتل الصهيوني منذ قيام دولته على أرض فلسطين حتى اليوم؟

إنه لا فرق بين الفريقين كما لا فرق بين الرئيسين في موقفهما تجاه العرب والقدس وفلسطين!

إن هذه القوى بكل ألوان طيفها السياسي الوطني أو القومي أو الإسلامي معارضة وظيفية تتخذ من تمثال الحرية الأمريكي إلها!

ومن الديمقراطية دينا! ومن أمريكا نموذجا! ومن الأمم المتحدة مرجعية!

إنها معارضة أشد خطرا على الأمة وثورتها وحريتها ووعيها الجمعي وهويتها من الأنظمة الوظيفية نفسها التي فقدت شرعيتها وشعبيتها، وباتت الشعوب العربية تترقب نهايتها، وتتربص بها، فقطعت أمريكا الطريق عليها فأعدت لها معارضة على عينها ووفق شروطها كحصان طروادة لاختراق حصون الثورة العربية، وإعادة شعوبها إلى أحضان المحتل الغربي ونظامه العربي الوظيفي مرة أخرى كما جرى في تونس واليمن وليبيا وسوريا ومصر!

إنه الطابور الخامس الذي أُتي به دوليا في الصف الأول على مقاعد «الجامعة العربية» و«الأمم المتحدة» لتمثيل الثورة العربية المنكوبة والشعوب المسلوبة!

إنهم «حراس معبد راند»، وقوى «الإسلام الأمريكي» الذي صرخ سيد قطب بأعلى صوته قبل سبعين سنة يحذر الأمة من خطرهم! فاستطاعت هذه القوى بوحي الشيطان أن تكتم صوته، وتنتحل دعوته، وتتحدث باسمه!

إنها القوى السياسية نفسها التي ترفع كتاب «المعالم» و«الظلال» وتؤمن في الوقت ذاته بالوطنية! وتموت من أجل الديمقراطية! وترفض «عودة الخلافة» ووجوب «الحاكمية»!

إنها القوى السياسية التي ترفع شعار «الإسلام هو الحل» و«الشهادة أسمى أمانينا» وتتحالف في الوقت ذاته مع المحتل الأمريكي الأوربي وتقاتل تحت رايته المجاهدين بدعوى مكافحة الإرهاب!

إنها القوى التي لا ترى وجود القواعد العسكرية للمحتل الغربي وحملته الصليبية في العالم العربي انتهاكا للحرية والسيادة والاستقلال بل ترى ذلك كله من ضرورات أمن الدول القطرية وسيادتها الوطنية!

إنها القوى التي لا ترى في القتال مع فرنسا في مالي، ومع أمريكا في أفغانستان والعراق والصومال، ومع روسيا في سوريا؛ ردة أو كفرا أو ما يتعارض مع دعوة سيد قطب وحسن البنا!

إنها قوى ثورية لا تؤمن بالجهاد سبيلا! وجماعات إسلامية لا تؤمن بالقرآن دليلا! ومع ذلك هي وبقرار أمريكي من يمثل «الإسلام السياسي» و«المشروع الإسلامي»!

صرخة قطب:

لقد كان سيد رحمه الله يحمل بين جنبيه روح «مصطفي كامل» الثورية، فلا يجد من يخاطبه يوم مذبحة الجلاء ٤ فبراير ١٩٤٦م – وهو يرى الدماء والأشلاء، وخور الأحزاب والزعماء – إلا مصطفي، فيندبه بمداد قلمه ويستصرخه :

(واسوأتاه! أين أنت يا مصطفي كامل؟! أين أنت لتعلم هؤلاء وهؤلاء كيف يردون العار الذي لطخ جبين الوطن في يوم ٤ فبراير؛ كما رددت الظلم الذي حاق بمصر في يوم دنشواي؟!).

وهو اليوم الذي غدا فيه مصطفي كامل سنة ١٩٠٦م زعيما لمصر، ورمزا للثورة، حين انبرى يحرض ويدعو إلى استقلال مصر، بعد أن قام عدد من ضباط الجيش البريطاني بمذبحة في قرية دنشواي، فانتفض الشعب المصري لها، واضطرت بريطانيا لعزل كرومر المندوب السامي لمصر.

وقال حافظ إبراهيم فيها:

قتيل الشمس أورثنا حياة‏ وأيقظ هاجع القوم الرقود

فليت كرومر قد بات فينا ‏يطوق بالسلاسل كل جيد

لننزع هذه الأكفان عنا‏ ‏ونبعث في العوالم من جديد

‏وقال أحمد شوقي‏:

يا دنشواي على رباك سلام‏ ذهبت بأنس ربوعك الأيام‏

يا ليت شعري في البروج حمائم‏ أم في البروج منيّة وحِمام

لقد كانت صرخة سيد قطب تلك بعد أربعين سنة من مذبحة دنشواي صرخة مقهور مكلوم، وزفرة مغبون مظلوم، لا يجد في نخب مصر السياسية كلها من ينهض معه يوم مذبحة الجلاء، ولا يجد إلا مصطفي كامل يندبه في قبره، ثم يعود ليبحث في أزمة هذا الشعب ونخبه الفكرية والسياسية!

لمَ لمْ يخض الشعب المصري حرب تحرير ضد المحتل البريطاني مدة سبعين سنة منذ دخوله مصر ١٨٨٢م حتى خروجه ١٩٥٦م، إلا ما كان من ثورة ١٩١٩م التي لم تكن حرب تحرير، بل تظاهرات سلمية، ما لبثت إلا قليلا حتى تخلى قادتها عن أهدافها وتعاونوا مع المحتل البريطاني الذي ثار الشعب لإخراجه؟!

وهي ظاهرة سياسية غير معهودة في العالم الإسلامي كله، الذي تؤمن شعوبه بوجوب دفع العدو عن أرض الإسلام، فقد ثار المسلمون في السودان بقيادة المهدي على القائد البريطاني والحاكم العسكري في الخرطوم جورج غوردون وقتلوه ١٨٨٥م في حرب طاحنة استشهد فيها آلاف المجاهدين، وكذا جاهد أهل أفغانستان المحتل البريطاني في حرب سنة ١٨٤٢م، وحرب ١٨٨٧م، وحرب ١٩١٩م، وكذا ثار المسلمون في الهند ضد بريطانيا، وظلت حركات المقاومة ضدها في كل بلد، إلا مصر فقد استتب لبريطانيا فيها الأمن والحكم مع شدة البؤس والحال التي كان يعيشها شعبها مما يجعل الثورة خيارا حتميا ومع ذلك لم تحدث! فلا الروح الدينية التي قد انحلت، ولا الحال السياسية التي قد اختلت أسعفت المصريين للقيام بخوض معركة تحرير، وهو ما لم يحدث حين دخل نابليون مصر ١٧٩٨م حيث عمت الفوضى وظل هناك من يقاتله من المصريين، حتى قتلوا قائده كليبر فور خروج نابليون من مصر، فلم تستطع فرنسا البقاء فيها أكثر من ثلاث سنين، بينما استطاعت بريطانيا البقاء بعد ذلك سبعين سنة!

لقد كان أثر حملة نابليون الثقافي على الشعب المصري أخطر فتكا وأشد هتكا في اختراق الروح المصرية الإسلامية، حيث بدأت البعثات العلمية إلى فرنسا وكانت أول بعثة بأمر من نابليون نفسه بغرض صناعة رجال فرنسا من أبناء مصر، والنخبة التي ستتولى إدارة الدولة وتوجيه الرأي العام عبر التعليم ووسائل الإعلام، فاستطاعت خلال ثمانين سنة إعادة إنتاج الشخصية المصرية، واستبدالها بشخصية مهزومة الإرادة، مبهورة بالغرب، فاقدة لروح الثورة والمقاومة والسيادة، وقد نعى سيد قطب على هذه النخبة السياسية العقلانية المسالمة ما هي فيه فقال – سنة ١٩٤٦م في مقال «منطق الدماء يوم الجلاء» في مجلة الرسالة عدد ٦٦١ ص ٢٣٨ -(ومصيبتنا الكبرى أن فينا من العقلاء أكثر مما ينبغي، ونتعقل، ونسلك “الطرق السلمية”، حتى لا نخسر عطف «العالم المتمدين»، أي العالم الأوروبي والغربي على العموم! فماذا جنينا اليوم من الانتظار بعد الانتظار) انتهى!

لقد كان من أبرز مظاهر فساد النخبة السياسية في مصر آنذاك -في نظر سيد- هو أنها مع شدة صخبها وضجيجها الإعلامي، إلا إنها كانت تتقي المحتل البريطاني الذي يسومها سوء العذاب! فلا تتعرض له بالنقد، ولا تجرؤ على مواجهته وهو المسئول عن كل ما كان يجري في مصر، بينما تصب جام غضبها على الحكومة ووزرائها التي لم تكن سوى دمى ليس لها من الأمر شيء إلا الوجاهة الزائفة، والألقاب الخادعة:

ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

بينما الحاكم الحقيقي المندوب البريطاني السامي بالأمس! والسفير الأمريكي اليوم!

وكان من أشد ما أثار غضب سيد هو ردة فعل الأحزاب المصرية تجاه مذبحة يوم الجلاء سنة ١٩٤٦م حيث يقول (فكيف تلقته الصحافة الحزبية في مصر الممثلة للأحزاب المصرية في عصر الأقزام؟ راحت الصحافة الوزارية تتهم النحاس باشا بالخيانة الوطنية، دون أن تمس السادة الإنجليز إلا في حذر ومن وراء ستار!

وراحت الصحف النحاسية تتهم الوزاريين بالتلفيق والتزوير، وتنتحل للسادة الإنجليز كل عذر في موقفهم هذا الغشوم، فهم قوم في حرب حياة أو موت، وهم يريدون الاطمئنان إلى أنهم لن يطعنوا في ظهورهم، وهم قوم محرجون، معذورون فيما صنعوا، مبراؤن فيما يصنعون!

واسوأتاه! أين أنت يا مصطفي كامل؟! أين أنت لتعلم هؤلاء وهؤلاء كيف يردون العار الذي لطخ جبين الوطن في يوم ٤ فبراير؛ كما رددت الظلم الذي حاق بمصر في يوم دنشواي؟!)

وهذه الحال التي نعاها سيد قطب بالأمس على النخب السياسية المصرية ما زالت هي الحال نفسها التي تحكم المشهد السياسي ونخبه في مصر حتى اليوم، سواء قبل سقوط نظام مبارك مدة ثلاثين سنة، أو بعد انقلاب السيسي، حيث تحكم أمريكا مصر بواسطة الجيش بموجب اتفاقية كامب ديفيد، كما كانت بريطانيا تحكمها بموجب اتفاقية الحماية!

وحيث الصراع فيها اليوم على أوجه بين النظام الوظيفي والمعارضة دون التطرق للمحتل الأمريكي الذي يدير المشهد كله!

لقد تحولت تلك الممارسة السياسية إلى فلسفة ونظرية سياسية باسم «الواقعية»، و«المحافظة على السلمية»، وهو كل ما تحتاجه أمريكا لتحكم مصر والعالم العربي كله وتفرض على الجميع «صفقة القرن» و«التطبيع»، ليستوي في ذلك الأنظمة العربية الوظيفية: سواء منها القومية والإسلامية، الملكية والجمهورية، الدكتاتورية والديمقراطية!

كيف وثقت قوى «الربيع العربي» بأمريكا وبالديمقراطية بعد مائة عام من تجارب الأمة وشعوبها معها؟

وكيف استطاعت أمريكا بعد مئة عام إعادة إنتاج القوى المعارضة للوجود الغربي في العالم العربي حتى القوى الإسلامية الرافضة له وفق مواصفات «معهد راند» وشروط «الإسلام الأمريكي»!

الرهان الخاسر:

لقد كان رهان النخب العربية عامة والمصرية خاصة على الضمير الإنساني الأمريكي للوقوف مع الشعوب العربية و«الربيع العربي» سذاجة طفولية مارستها القوى السياسية العربية وما تزال منذ سقوط الخلافة وحتى اليوم، دون أن ترعوي بعد مئة عام عن غيها في الثقة بعدوها الذي يحتلها، ويستبيح قتلها، وضميره الإنساني الذي يرى حضارته وازدهاره في احتلالها!

لقد كشف سيد قطب أكذوبة «الضمير الأمريكي»، وخيانة من يروجها من السياسيين في مصر، في مقاله -في مجلة الرسالة عدد ٦٩٤ سنة ١٩٤٦م- بعنوان «الضمير الأمريكاني»: حيث يقول:

(أخيراً يتكشف ضمير الولايات المتحدة الذي تعلقت به أنظار كثيرة في الشرق، وحسبته شيئاً آخر غير الضمير الإنجليزي، والضمير الفرنسي، وسائر الضمائر الأوربية المعروفة! أخيراً يتكشف ضمير الولايات المتحدة هذا، فإذا هو -ككل شيء أمريكي آخر- (ضمير أمريكاني)!

ولقد كان الكثيرون مخدوعين في هذا الضمير؛ لأن الشرق لم يحتك طويلاً بأمريكا، فلما بدأ الاحتكاك في مسألة فلسطين تكشف هذا الخداع عن ذلك الضمير المدخول، الذي يقامر بمصائر الشعوب، وبحقوق بني الإنسان، ليشتري بضعة أصوات في الانتخاب!

وكلهم سواء أولئك الغربيون: ضمير متعفن، وحضارة زائفة، وخدعة ضخمة اسمها «الديمقراطية» يؤمن بها المخدوعون!

تلك كانت عقيدتي في الجميع، في الوقت الذي كان بعض الناس يحسن الظن بفريق ويسيء الظن بفريق، وكانت أمريكا في الغالب هي التي تتمتع بحسن الظن من الكثيرين! فها هي ذي أمريكا تتكشف للجميع. هذا هو (ترومان) [الرئيس الأمريكي] يكشف عن (الضمير الأمريكاني) في حقيقته، فإذا هو نفسه ضمير كل غربي، ضمير متعفن، لا يثق به إلا المخدوعون!

كم ذا أكره أولئك الغربيين وأحتقرهم! كلهم جميعاً بلا استثناء: الإنجليز، الفرنسيين، الهولنديين، وأخيراً الأمريكان الذين كانوا موضع الثقة من الكثيرين.

ولكني لا أكره هؤلاء وحدهم، ولا أحتقر هؤلاء وحدهم، إنما أكره وأحتقر أولئك المصريين، وأولئك العرب، الذين لا يزالون يثقون بالضمير الغربي عامة، وضمير الاستعمار على وجه الخصوص!

إنها الجريمة تلك التي يقترفونها كل يوم في حق شعوبهم المسكينة: جريمة التخدير والتغفيل، وإنامة الأعصاب على الأذى، وهدهدة الآمال الباطلة، والأماني الخادعة؛ في ذلك الضمير المأفون.

يقول نبي الإسلام الكريم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وها نحن نلدغ من الجحر الواحد مرات، ثم نعود في كل مرة إلى هذا الجحر نفسه مغمضي الأعين نتطلب الشهد من جحور الأفاعي! ولا نجرب مرة واحدة أن نحطم هذه الجحور وأن ندوس هذه الأفاعي، وأن ننفض عن نفوسنا ذلك الوهم الذي يقودنا المرة بعد المرة إلى تلك الجحور!

إنها الجريمة تلك التي نعاودها مرة بعد مرة، الجريمة في حق النفس، والجريمة في حق الوطن، والجريمة في حق العقيدة، إنها الغفلة التي لا يستحق صاحبها الاحترام، وهو يشهد على نفسه بالتغفيل!

ولكن من الحق أن لا نصم الشعوب العربية بهذه الوصمة! إن هذه الشعوب لأذكى وأشد حمية من أن ترضى لنفسها بالهوان، ولكنها تلك الحفنة من ساسة الجيل الماضي في مصر وبعض البلاد العربية!

تلك الحفنة الرخوة المسنة الضعيفة المتهالكة، المهدودة الأعصاب، لا تقدر على الكفاح، ولا تدع الشعوب تكافح، لأن أنانيتها الأثرة تمسكها عن الانسحاب في الميدان وتركه للقادرين!

هذه الحفنة من ساسة الجيل الماضي هي التي اخترعت كلمات: المفاوضات، والمحادثات، والمؤتمرات… لماذا؟ لأنها وسيلة سهلة لا تكلف شيئاً، وتضمن كراسي الحكم والسلطة فترة من الزمان، وكلما همت الشعوب أن تسلك طريقها، وأن تواجه المستعمرين بذاتها، حال هؤلاء بينها وبين المستعمرين، ووقفوا من دونهم يصارعون الشعوب، وتصارعهم الشعوب، فإذا أتعبهم الصراع مع شعوبهم راحوا يبثون في الأمة روح الثقة بالمستعمرين، وراحوا يشيعون الآمال الخادعة في هذا الضمير المدخول!!

تلك هي القصة: قصة الجحور والأفاعي، وقصة اللدغ المتكرر من هذه الجحور، وإنها المأساة، ولكن من العدل أن نبرئ منها الشعوب العربية؛ فلا تؤخذ بجريرة حفنة من الساسة الضعفاء المرضى المتهالكين…

إنها الفرصة السانحة -أيها الشرق- للخلاص، فانفض عنك رجال الماضي الضعفاء المنهوكين، وابرز بنفسك للميدان، فقضايا الشعوب في هذه الأيام لا بد أن تعالجها الشعوب.

وما قضية فلسطين إلا قضية كل شعب عربي، بل كل شعب شرقي، إنها الصراع بين الشرق الناهض، والغرب المتوحش) انتهى كلام سيد وما زالت الأفاعي تلدغ من جحورها، وما زال حواتها يخدعون الشعوب بها!

النهضة الروحية:

لقد كان سيد يعزو أسباب الانحطاط في العالم الإسلامي في كل عصر من عصوره إلى الانهيار الأخلاقي بفقده للقيم الأخلاقية، وللقيادة الروحية، وقد عبر عن ذلك في مقاله «القيادة الروحية» الذي كتبه في مجلة الرسالة -عدد ٧٠٥ سنة ١٩٤٧م- فقال: (في حياة الأمم -كما في حياة الأفراد- فترات خاصة، ترتفع فيها على نفسها، وتسمو فيها على مألوفها فتأتي بالخوارق والمعجزات.. كان الإسلام تجميعاً للطاقة الإنسانية كلها، وتوجيهاً لها إلى الهدف الأعلى، إلى معنى الإنسانية الأسمى: المساواة والحرية والكرامة والعمل والرحمة والاستشهاد، وفي كل واحدة من هؤلاء كان يرتفع بالنفس الإنسانية إلى آفاقها العليا…

اندفع الإسلام بهذه السرعة الخارقة، وبهذه القوة الجارفة، لأن الذين اندفعوا به قد ارتفعوا على أنفسهم، وتساموا على ذواتهم، وخفتت في أرواحهم سورة الفردية، وغلت فيها فورة الغيرية. ولأنهم تخلصوا من أوهام الحياة المادية المجسمة، وعشقوا فكرة روحية مجردة… وصار لقاء الله في سبيل مبادئه، أحب إليهم من لقاء أهلهم وأبنائهم، ورغبوا في النعيم الموعود برضاء الله عن النعيم الذي يلذونه في هذه الحياة: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون، ويقتلون. وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به. وذلك هو الفوز العظيم}..).

وقد رصد سيد ما جرى في العالم الإسلامي في قرنه الأخير، خاصة مصر، فرأى بأن القيادة الروحية كان لها دور في حدوث اليقظة والنهضة، كما كان لغيابها دور في الانحلال، والضعف والاضمحلال، حيث يقول: (وقد ظل العالم الإسلامي بين مد وجزر منذ الموجة الأولى إلى أواخر القرن التاسع عشر، وكان قد وصل إلى انحطاط وخمول وإفلاس روحي ومعنوي.

وعلى عادة الروح الإسلامية في الانبعاث بين فترة وأخرى على مدى التاريخ رأيناها تنبثق في جمال الدين الأفغاني.

كان هذا الرجل شعلة محرقة مضيئة، ما مست روحاً إلا ألهبتها وأضاءتها بحسب ما فيها من استعداد للهب والإضاءة.

وكان في هذه الروح رصيد ضخم، تزود به كل من لقي الرجل في بلاد الشرق جميعاً.

ثم استقر في مصر فترة فأودعها الشعلة المقدسة التي يحملها ومنذ ذلك الحين، وفي خلال السبعين عاماً الأخيرة، نهضت مصر ثلاث نهضات عامة، وصلت فيها درجة اليقظة القومية حداً عاليا.

كانت النهضة الأولى نهضة (عرابي) لرفع شأن القومية المصرية، وإحلالها المكان اللائق بكرامة الشعوب.

وكانت النهضة الثانية نهضة (مصطفي كامل) لمقاومة الاحتلال الإنجليزي، الذي لا يستند على أساس من الحق والعدل.

وكانت النهضة الثالثة نهضة (سعد زغلول) للثورة على هذا الاحتلال، وتقرير مصر في الاستقلال.

وليست هذه النهضات الثلاث بمنفصلة في حقيقة دوافعها -وإن فصلت بينها الأعوام- فهي جميعها تنبعث عن مصدر واحد، هو هذه الطاقة الضخمة التي انتقلت من شعلة جمال الدين قبل ثلاثة أرباع قرن في الشرق الإسلامي.

ولم تكن شعلة جمال الدين سياسية صغيرة محصورة في الأهداف الوطنية المحدودة، إنما كانت شعلة روحية، تلهب النفس الإنسانية فتتفتح منافذها جميعاً، وهذا هو الذي كفل لها الامتداد طويلاً.

وقد ظلت الأمة المصرية تنفق من هذا الرصيد في ثوراتها السياسية الثلاث، تنفق وتستهلك، ولا تضيف شيئاً إلى الرصيد لأن الزعامات الثلاث، كانت بالقياس إلى جمال الدين، ضيقة محدودة، تطوي أنفسها على مطالب قريبة محدودة، وليس لها رصيد روحي جديد.

وهنا كان موضع الخطر.

فالدفعة السياسية تفلح حين يكون وراءها رصيد روحي ضخم تنفق منه وتشتعل به، وهذا الرصيد يحفظ مستواها من الهبوط، ويصونها من الخمود، فأما حين تنفد هذه الطاقة أو تضعف فالفورة السياسية وحدها لا تكفي وهي مهددة على الزمن أن تخبو.

ولا يصعب على الباحث أن يرد ما اعتور نهضتنا القومية الأخيرة من نكسة وفساد تتبدى آثارها في النزعات الحزبية على حساب الوطن، وفي هبوط مستوى الصراع والأسلحة التي تستخدم فيه إلى نفاد الطاقة الروحية أو اضمحلالها، لأن رصيدها المذخور من عهد جمال الدين لم يتجدد أبداً.

وبالمثل يمكننا أن نرد كثيراً مما نراه من الانحلال الخلقي الفردي والاجتماعي إلى خمود الشعلة المقدسة في الوقت الذي تغمرنا فيه موجات من أوربا المنحلة، التي خبت روحها من قرون، واستحالت آلة لا قلب لها ولا ضمير تنفق من رصيد قديم سينفذ بعد حين.

والآن يجب أن نتنبه إلى هذا الخطر…

إن اليقظة السياسية وحدها لا تبقى ولا تعيش، ولا يرتفع مستواها إلا إذا أمدتها طاقة روحية تنفخ فيها وتقويها، فأين هي القيادة الروحية لهذا الجيل؟ القيادة التي تخلق الشخصيات العظيمة كما خلقتها قيادة جمال الدين؛ وترتفع بالأفراد والجماعات عن المطالب الوقتية إلى المطالب العليا؟

هنالك جماعات تدعو دعوات إسلامية. ولكنها جماعات هزيلة الروح، ناضبة، خامدة، أضعف من أن تنفخ في الجيل الهابط المنحل.

ترى يتمخض الانحلال عن قيادة روحية عظمى كما عودتنا روح الإسلام على مدى الزمان؛ نرجو أن تكون هناك وثبة قريبة، وأن يظلنا موعدها المرموق)!

إن سيد قطب -المفكر الإسلامي آنذاك روحا وقلبا وعقلا- لم يكن يرى في المشهد السياسي والديني في مصر إلى سنة ١٩٤٧م قيادة روحية عظمى، تبعث في مصر فضلا عن العالم الإسلامي نهضة إصلاحية كبرى، بل لم يكن يرى سوى جماعات إسلامية هزيلة، خامدة، ناضبة، أضعف من أن تنفخ في الجيل روح الثورة!

إنه لأمر عجب جد عجب ألا يرى سيد قطب في مقاله هذا عن تاريخ النهضة الروحية والسياسية في مصر إلا جمال الدين الأفغاني (ت ١٨٩٧م)، وأحمد عرابي (ت ١٩١١م)، ومصطفي كامل (ت ١٩٠٨)، وسعد زغلول (ت ١٩٢٧م) مع ما عابه على الأخيرين -خاصة زغلول- من رؤية وطنية مصرية فقدت الروح الإسلامية الأممية الملهمة!

ولم ير سيد في مشهد النهضة «الجماعة الإسلامية» التي مضى عليها آنذاك عشرون سنة، وامتدت في كل مدن مصر، وأصبحت ملء السمع والبصر، ولا يرى إلا جماعات إسلامية هزيلة خامدة لا تستطيع بعث الأمة من جديد!

إنه لأمر غريب جدا ألا يذكر سيد قطب وهو الكاتب والمفكر والمؤرخ والأديب شيئا عن أثر «الجماعة الإسلامية» التي يفترض فيها أنها جاءت امتدادا لمشروع النهضة الدينية والسياسية التي بدأت قبل ذلك بسبعين سنة!

لقد كان سيد بروحه الثورية لا يرى في «الجماعات الإسلامية» كلها في مصر إلى سنة ١٩٥٢م روحا حية ثائرة توافق روحه الحية وفكره الإسلامي بل كلها جماعات «هزيلة» «خامدة»!

وهي أوصاف مفكر أمين ومؤرخ صادق عن واقع يعيشه لا ماض يخبر عنه!

وحتى الإهداء الذي كتبه في مقدمة كتابه «العدالة الاجتماعية» الذي نشره سنة ١٩٥٤م أهداه لفتية وصفهم بالجهاد وخصّهم به -دون الجماعة التي أشرف على مجلتها- فقال عنهم: (إلى الفتية الذين كنت ألمحهم بعين الخيال قادمين؛ فوجدتهم في واقع الحياة قائمين.. يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، مؤمنين في قرارة نفوسهم: أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.. إلى هؤلاء الفتية الذين كانوا في خيالي أمنية وحلما، فإذا هم حقيقة واقع، حقيقة أعظم من الخيال، وواقع أكبر من الآمال، إلى هؤلاء الفتية الذين انبثقوا من ضمير الغيب كما تنبثق الحياة من ضمير العدم، وكما ينبثق النور من خلال الظلمات..

إلى هؤلاء الفتية الذين يجاهدون باسم الله، في سبيل الله، على بركة الله أهدي هذا الكتاب)!

لقد عبّر سيد في هذه المقدمة في كتابه «العدالة الاجتماعية» عن أمله في الفتية المجاهدين، لا في شيوخ الجماعة المسالمين، الذين سيقفون في وجهه والبراءة من فكره ودعوته، وعن هذه الروح الحية الثائرة التي تتأجج وتتوهج في نفسه كالنار في المشكاة، ضد الاستعمار والمستعمرين، كما في مقاله «مبادئ العالم الحر» -المنشور في مجلة الرسالة عدد ١٠١٨ بتاريخ ٥/ ١/ ١٩٥٣- حيث يقول:

(العالم الحر اسم يطلقه الاستعماريون في إنجلترا وفي فرنسا وفي أمريكا على تلك الكتلة الاستعمارية التي تكافح ضد الزمن، وتقاتل ضد الإنسانية، وتقاوم ضد الحرية، ثم تطلق على نفسها في النهاية اسم «العالم الحر»..

و«العالم الحر» يشرد الشعوب من ديارها -على نحو ما فعل في فلسطين- وذلك رغبة منه في إيجاد (لاجئين) يتولى رعايتهم، والعطف عليهم، وإقامة الخيام لهم في العراء، فمبادئ العالم الحر تقتضي العطف على المشردين، الذين لا وطن لهم في هذه الأرض المعذبة!

و«العالم الحر» يتساند ويتكاتف في هذه المهام الضخام، أليس الدولار هو الذي يشد من أزر فرنسا في تونس ومراكش وفيتنام، ويشد من أزر إنجلترا في كينيا ومصر وفي كل مكان؛ ويشتري الصحف والأقلام والجماعات والجمعيات والرجال والنساء في هذه الأيام؟!

وأنا لا أعيب على «العالم الحر» أن يمزق إهاب الحرية ويمثل بجثث الضحايا من الأحرار، ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ في القرى الآمنة، ويرتكب الجرائم الوحشية التي يرتكبها بلا تحرج، فإن هدفه السامي من وراء ذلك كله واضح -كما قلت- وهو نقل مبادئ الحضارة الغربية بطريقة عملية إلى الشعوب المتأخرة، التي لا يجوز أن تظل متأخرة…

كلا! إنما أنا أتلفت إلى شعوبنا وحكوماتنا ومفكرينا وكتابنا وشعرائنا وجماعاتنا وجمعياتنا، ألتفت إليهم لأرى هل سكتت الأبواق التي تهتف بحمد الحضارة الغربية؟ هل خرست الألسن التي تتحدث عن الصداقة الأمريكية والصداقة الإنجليزية والصداقة الفرنسية؟ هل انزوت الجماعات والجمعيات التي تحمل ألوية الصداقة مع «العالم الحر»، وتشيد بجهوده في الخدمات الاجتماعية والتعليم الأساسي واليونسكو والنقطة الرابعة وسائر الوسائل الاستعمارية الحديثة التي تنجز في صخرة المقاومة الشعبية؟

أتلفت لأرى هذه الأبواق لا تزال مفتوحة، ولأرى هذه الألسنة ما تزال طليقة، ولأرى هذه الجمعيات والجماعات ما تزال تتبجح وتعلن عن نفسها بلا حساب، وتنفق الأموال الضخمة في هذا الإعلان، والدولار من خلفها يمكن لها من العمل ويمكن لها من الإعلان!

إن «العالم الحر» لا يحاربنا بالمدفع والدبابة إلا في فترات محدودة؛ ولكنه يحاربنا بالألسنة والأقلام ويحاربنا بالمنشآت البريئة في مركز التعليم الأساسي، وفي هيئة اليونسكو، وفي النقطة الرابعة؛ ويحاربنا بتلك الجمعيات والجماعات التي ينشئها وينفخ فيها ويسندها ويمكن لها في المراكز الحساسة في بلادنا.. وأخيراً فإنه يحاربنا بأموال وأقلام المخابرات التي تشتري الصحف والأقلام، وتشتري الهيئات والجماعات!

وواجبنا نحن أن نكافح، واجبنا أن نكافح الوسائل الاستعمارية الحديثة، ونكافح الهيئات والجماعات والمؤسسات التي تيسر العمل لهذه الوسائل: مهما كانت أسماؤها بريئة! إن الاستعمار الروحي والفكري هو الاستعمار الخطير حقاً، فاستعمار الحديد والنار يثير المقاومة بطبيعته، ويؤرث الأحقاد القومية التي تقتلع الاستعمار من أساسه، أما الاستعمار الروحي والفكري فهو استعمار ناعم لين، مخدر، ينوم الشعوب ويستل أحقادها المقدسة التي يجب أن تتأجج، وتستحيل ناراً وشواظاً يحرق ويدمر الاستعمار عملاءه في يوم من الأيام…

إن الحرب المقدسة مع الاستعمار اليوم تقتضي تخليص ضمائر الشعوب أولاً من الاستعمار الروحي والفكري، وتحطيم الأجهزة التي تقوم بعملية التخدير، والخدر من كل لسان ومن كل قلم، ومن كل جمعية أو جماعة تهادن معسكراً من معسكرات الاستعمار، التي ترتبط جميعها بمصلحة واحدة، ومبادئ واحدة، مبادئ العالم الحر ومصالح العالم الحر!

في الغرب يقوم «العالم الحر»، وفي الشرق تقوم «الديمقراطية الشعبية»، ونصيب هذه الديمقراطية من اسمها كنصيب العالم الحر من اسمه بسواء!

فالديمقراطية الشعبية هي الديمقراطيات التي تحكم حكماً ديكتاتورياً مباشراً، تحرسه الجاسوسية الرهيبة؛ ولا تسمح لفرد من الشعب فضلا على الشعب كله أن يفكر بحرية، لا أن يفكر في الحرية ذاتها بحال!

وإذا كان للعالم الحر أجهزته وأقلامه وألسنته، فإن للديمقراطية الشعبية أجهزتها وأقلامها وألسنتها، وكلها تعمل في محيطنا العربي والإسلامي، وكلها تستحق منا المكافحة كما نكافح الاستعمار، إلا أن الاستعمار يجثم على صدورنا اليوم ويخنق أنفاسنا بعنف، والواجب يقتضينا أن نوجه المقاومة الإيجابية للاستعمار، والمقاومة الفكرية للديمقراطيات الشعبية!

والراية التي تجمعنا لنكافح هي وحدها راية الإسلام!

إن بعضنا يؤثرون أن يتجمعوا تحت الراية العربية، وأنا لا أُعارض في أن يكون هذا تجمعاً وقتياً يهدف إلى تجمع أكبر منه، فليس هناك تعارض جدي بين القومية العربية والوطنية الإسلامية إذا نحن فهمنا القومية العربية على أنها خطوة في الطريق، إن أرض العرب كلها جزء من أرض الإسلام، فإذا نحن حررنا الأرض العربية فإننا نكون قد حررنا بضعة من جسم الوطن الإسلامي، نستعين بها على تحرير سائر الجسد الواحد الكبير.

والمهم أن نتجمع اليوم ونتساند كما يتساند «العالم الحر» ضدنا، فكل بلد صغير لا يستطيع وحده أن يكافح عالما، والسياسة القصيرة النظر التي تريد أن تحصرنا في حدودنا الجغرافية المصطنعة هي سياسة حمقاء؛ فالعالم يسير نحو التكتل في الشرق والغرب سواء، ومن واجبنا أن نتكتل على الأقل تمشياً مع منطق العصر؛ إن لم يكن تمشياً مع منطق الإسلام..) انتهى كلام سيد مختصرا!

ولم ينته العجب من حديثه عن «العالم الحر»، وعن «الإسلام الأمريكي»، وعن «الجماعات الإسلامية الخامدة الهزيلة»، وعن الجماعات والجمعيات التي تدعو إلى الصداقة مع الاستعمار الغربي وتهادنه!

عمن كان يتحدث سيد هنا؟ وممن كان يحذر ويحاذر؟

وما زال للحديث بقية عن الواقعية السياسية والمثالية!


«الواقعيون.. ووحي الشيطان» (1-10)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق