لماذا الاستعجال في تغيير قوانين الأحوال الشخصية؟
لا نفهم سر الإصرار على تعديل قوانين الأحوال الشخصية في الفترة الأخيرة وسط الأزمات الكثيرة داخليا وخارجيا، وبالتأكيد لن تلتزم القوانين المقترحة بالشريعة الإسلامية، ولن تكون لصالح الأسرة، ولن تحقق العدالة المرجوة في ظل مناخ سياسي وإعلامي مُعادٍ للدين بشكل واضح وصريح.
عندما يكون القانون متعلقا بحياة الناس وتكوين الأسرة وتماسك المجتمع لا يصح أن تتولى التعديلات جهة غير مختصة، أيّا كان شكلها أو وضعها، بعيدا عن المجتمع الذي يعيش بهذه القوانين منذ قرون لارتباطها بالإسلام دين الأمة، كما لا يصح استبعاد المؤسسة الدينية الرسمية صاحبة الاختصاص.
نعم هناك مشكلات في حياة الأسر حيث لا يوجد مجتمع مثالي، لكن سببها فساد الأخلاق وانعدام الضمير وتراجع الحالة الاقتصادية، ولكن رغم الملاحظات على بعض القوانين فإن فتح الباب للتعديل يفتح علينا أبوابا تستغلها دوائر متربصة منذ سنوات، تريد تدمير الأسرة بخنق الزواج وتعطيله كما حدث في الدول الغربية.
قد يكون هناك نيات حسنة بالتعديل إلى الأفضل، ولكن هذه النيات تحتاج إلى مناخ صحي يراعي الثوابت ويحترم شعائر الدين، وأن تكون المؤسسات التي تضع نصوص التشريع تمثل الشعب بشكل حقيقي، وأن تطرح القوانين أمام الرأي العام وليس بشكل سري، وتناقشها صحافة حرة تستطيع النقد والتصويب بدون خوف أو ترهيب.
الحقيقة أن قوانين الأحوال الشخصية الحالية هي آخر ما تبقى من الشريعة الإسلامية في حياة الناس، وهي تتعرض للهجوم المتواصل منذ سنوات من منظمات دولية غربية، ومن منظمات نسوية محلية تمولها جهات خارجية، وقد شاهدنا الكثير من المؤتمرات المتعلقة بالسكان والمرأة تدعو إلى تعديل قوانين الأسرة لتوافق الثقافة الغربية
الهدف تدمير الأسرة
بغض النظر عن الدوافع المعلنة عن أسباب تعديلات قوانين الأسرة، وبعضها قد يكون ظاهره الرحمة لكن الباطن الذي قد يخفى على بعض المتحمسين فيه العذاب، وقد تغيب عنهم ألاعيب السياسيين والموظفين التابعين لجهات خارجية، هدفهم الرئيسي تدمير الأسرة التي تتكون من رجل وامرأة وأطفال، التي يقوم عليها المجتمع، وإطلاق العنان للشهوات والغرائز، واختراع نماذج شيطانية شاذة للأسرة بدون نسل.
لقد رأينا المعركة الحضارية في بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي انتصرت فيها قطر على اللوبي الدولي لتدمير الأسرة، وهو لوبي يضم سياسيين وأثرياء عالميين، أفسدوا المجتمع الغربي ويريدون إفساد بقية العالم، وهذا اللوبي يستخدم حكومات دول غربية وبنوكا عالمية ومنظمات دولية وشركات عابرة للقارات لفرض أجندتهم.
هذا اللوبي الدولي المتسلح بالهيمنة السياسية والاقتصادية هو الذي يضع السياسات لمعظم حكومات العالم الثالث، وقد قطع شوطا كبيرا في التضييق على تكوين الأسرة الطبيعية، وحارب الزواج وجعله من أصعب ما يواجهه الشباب حتى زادت العنوسة والعزوبية، فلا وظائف ولا مساكن، حتى وصلنا إلى اقتراحات باشتراط موافقة الدولة على الزواج وتحريم ما أحل الله.
الزواج حق إنساني وشرعي
زواج الشباب حق إنساني وشرعي، فالله أمر بالزواج، وحض عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا تسير كل الأمم في كل الحضارات منذ خلق الله أبانا آدم عليه السلام، وتشجع الحكومات في التاريخ القديم والحديث الشباب على الزواج وتقدّم لهم المساعدات، للحفاظ على العفة والأخلاق في المجتمع والأمة ولاستمرار النسل لتستمر الحياة.
إن السير في طريق تجريم الزواج ومنعه أو تعطيله أو وضع العراقيل لتحجيمه سلوك ضد الفطرة، لأن الغريزة تحتاج إلى إشباع مثلها مثل الطعام والشراب، والإسلام بشريعته علّم البشرية كيف يكون ترشيد الشهوة، فحمى مجتمعاتنا من الموبقات والفساد الأخلاقي الذي أفسد الأمم والشعوب التي انحرفت عن فطرتها.
يدعو تلاميذ مالتوس (الذي زعم أن الغذاء لن يكفي البشر) إلى إيقاف النمو السكاني في العالم الثالث بأي طريقة ولو بالحروب والأوبئة، وحتى لو بالمنع من المصدر بمنع الزواج، ولكن هذه النظرية ثبت فشلها، فالزيادة السكانية ليست هي سبب الأزمات الاقتصادية، وإنما الأزمات بسبب سوء توزيع الدخول حيث تسيطر قلة نسبتها 1% على 90% من الثروة، وتم استنساخ هذا النموذج في كل الدول التي فرّطت في استقلالها وسلّمت اقتصادها للرأسماليين العالميين.
الزيادة السكانية نعمة وليست نقمة، فالصين التي يصل عدد سكانها إلى 1400 مليون نسمة اعترفت بخطأ سياستها السكانية وتحديد النسل، وقررت السماح بـ3 أطفال بدلا من طفل واحد، خوفا من شيخوخة السكان، وللحفاظ على قوة العمل، وقد تناولت هذا في مقال سابق بعنوان “ انخفاض الخصوبة وشيخوخة أمريكا وأوربا”، وأكدت الأرقام أن أوربا تضربها الشيخوخة بسبب توقف الزواج وتراجع المواليد، ولولا المهاجرون لتوقفت الحياة عندهم.
النمو السكاني أحد العناصر المهمة لقوة الدولة ولكن مع إدارة تعرف كيف تستفيد من قوة العمل، وأوضح مثال يؤكد أهمية العنصر البشري في التنمية هو تحويلات المصريين العاملين في الخارج التي بلغت في عام 2021 نحو 31.9 مليار دولار أي أكثر من 5 أضعاف دخل قناة السويس، وهؤلاء يمثلون 10 ملايين من السكان، فماذا عن 94 مليونا أكثر من 60% منهم شباب؟!
القدرة البشرية تحتاج إلى تفكير وطني مستقل، يبحث عن استثمار الطاقة الإنسانية وتوظيفها في تعظيم الإنتاج وبناء مشروع حضاري يحترم العقيدة والثوابت، وليس التفكير في التخلص من البشر والعمل على حرمانهم من حقوقهم واحتياجاتهم، فالإنسان هو محور التنمية، ولا تنمية بدون الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق