الثلاثاء، 3 يناير 2023

بيل غيتس .. الوجه المُدمِّر للأعمال الخيرية للنخب الغربية

بيل غيتس .. الوجه المُدمِّر للأعمال الخيرية للنخب الغربية 


تحرير/ عبد المنعم أديب

ذاع صيت “بيل غيتس”، وتألق نجمه في سماء الأعمال الخيرية التي أغدق على العالَمَ بها في السنوات الماضية، وسخَّرَ ثروته لخير هذا الكوكب. وتغنت وسائل الإعلام في كل أصقاع العالم بإحسانه وطِيب معدنه، وتصويره على أنه الفارس المغوار والمُخلِّص الذي أشهر سيفه لردع فيروس “كوفيد” وغيره من الفيروسات الفتَّاكة، وانتشال البشرية من الفقر المدقع.

وانبرت الشبكات الإعلامية العملاقة -المرئية منها والمقروءة-؛ لاستضافته بوصفه خبيرًا في مجال الصحة حتى إن لم يكن يملك شهادة في الطب أو ما يؤهله لذلك. من بين هذه الشبكات CNN, CNBC, FOX, BBC Washington post, التي وصفته بـ”بطل الحلول المرتكزة على العلم”، إلى جانب نيويورك تايمز التي توَّجتْه الرجل الأكثر تأثيرًا في العالم. ناهيك عن برامج الحوار والتسلية المؤثرة في العالم مثل The Ellen Show. وكان الموضوع الحصري الذي سوَّقتْ له كل الشاشات عند استضافته “لو أنصت قادة العالم لبيل غيتس، لكان العالم أفضل استعدادًا في معركته ضد الجائحة”. حتى أن مجلة فوغ الشهيرة في الموضة تساءلت: “لماذا لم يبادروا إلى تكليف بيل غيتس برئاسة فريق عمل إدارة جائحة كورونا في البيت الأبيض”. وعكفت شبكة نتفليكس إلى تقديم برنامج وثائقي تحت عنوان “الجائحة”، كان بيل غيتس البطل فيه، ومنتج البرنامج مراسل النيويورك تايمز “شيري فينك” الذي عمل سابقًا في ثلاث منظمات ممولة من غيتس!

هل يمكن أن يشيح العالم بنظره عن أعمال غيتس الخيرية، وتبرعاته التي فاقت الخيال لشركات الأدوية العملاقة ومنظمات الصحة والغذاء، وبرامج الأمم المتحدة وشركات التكنولوجيا؟! ساهم بيل غيتس بتأسيس التحالف العالمي للقاحات والتحصين GAVI، وقام بتمويله بمبلغ 41 مليار دولار، وشغر مقعدًا دائمًا في مجلس إدارته، وبات يلعب دورًا تقنيًا وماليًا في تشكيل أسواق توزيع اللقاحات.

وفي عام 2018 منحت مؤسسة بيل وميلندا غيتس تمويلًا قدره 237.8 مليون دولار لشراكات الأدوية الكبرى “Big Pharma”، عبر برنامج “GAVI”؛ ليكون ثاني أكبر متبرع في العالم لها بعد الولايات المتحدة الأمريكية. كما تبرع بمبلغ 300 مليون دولار للاستجابة لكوفيد، ولصالح تجارب اللقاحات للشركات المصنعة مثل أسترا زينيكا وموديرنا وفايزر. وأضحى بيل غيتس ومؤسساته أكبر متبرع وممول لمنظمة الصحة العالمية؛ خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب بالانسحاب من تمويلها. كما قدم تحالف GAVI مبلغ 158.5 مليون دولار للمنظمة؛ ليكون ثاني أكبر متبرع بعد مؤسسة غيتس. ومما يجدر بالإشارة إلى أن مدير المنظمة الحالي “تيدروس أدحانوم غيبرييسوس”؛ (وهو أول مدير عام من غير الأطباء) كان يشغر في السابق عضوية مجلس إدارة منظمتين أسستهما مؤسسة غيتس وماتزال تتبرع لهما وهما تحالف “GAVI” و “”Global Fund فضلًا عن أن معظم أعضاء فريق الخبراء الاستراتيجي الاستشاري SAGE الخاص بمنظمة الصحة في مجال اللقاحات ذات صلة بمؤسسة غيتس.

وفي عام 2017، ثبت أن 7 شركات من أصل 23 من شراكات الصحة العالمية GHP غير الربحية تعتمد اعتمادًا كليًا على تمويل مؤسسة غيتس، في حين تعتبر المؤسسة من أهم الممولين لتسع شركات أخرى. وصاحب التبرعات الضخمة المخصصة لشبكات الإعلام العملاقة الأجنبية والعربية، واستثمار الملايين في التدريبات الصحفية على صياغة الخبر الإعلامي، والقائمة تطول وتطول. قالت عالمة الطبيعة والإيكولوجيا وناشطة وصاحبة مؤسسة البحوث للعلوم والتكنولوجيا والبيئة “فاندان شيفا” في مقابلة أجرتها مع موقع “غراي زون” “أضحى كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أقزامًا أمام نفوذ وتأثير مؤسسة غيتس”.

الوجه الآخر لأعمال غيتس الخيرية
مؤسسة غيتس وتحويل الجزء الجنوبي من الأرض إلى مكب نفايات
جعل أفريقيا والدول الفقيرة فئران تجارب
غيتس ورؤية هنري كسينجر “مَن يتحكم بإمدادات الغذاء؛ يتحكم بالعالم”
منظمات وعلماء هبُّوا لمعارضة مشروع غيتس والأثرياء

الوجه الآخر لأعمال غيتس الخيرية

أرسلت الباحثة وعالمة الاجتماع الكندية “أليسون كاتز”؛ التي قضت 18 عامًا في منظمة الصحة العالمية رسالة لمديرة المنظمة آنذاك عام 2007، تشجب عبرها تحوُّل المنظمة إلى ضحية للعولمة الليبرالية الجديدة، محذرةً من أجندات المتبرعين. ويجدر التنويه إلى أنه لا يحق لمنظمة الصحة تحديد كيفية إنفاق هذه التبرعات من مؤسسة غيتس، بل يعود القرار للمؤسسة ناهيك عن تحول بيل غيتس نفسه بفضل التبرعات المالية الضخمة إلى زعيم غير رسمي وغير منتخب لمنظمة الصحة. الأمر الذي يبرر سبب تربع خطة اللقاح العالمية، التي شاركت مؤسسة غيتس في إعدادها، على رأس أجندة منظمة الصحة في عام 2012، والابتعاد عن أولويات أخرى.

وقال الدكتور “ديفيد ليغ” الباحث في كلية الصحة العامة في جامعة ميلبورن: “إن تبرعات غيتس هي في الواقع آلية لفرض أجندة؛ ناهيك عن تشويهها لأولويات ميزانية منظمة الصحة العالمية”. وهو ما أشار له موقع “فورين أفيرز Foreign Affairs” من أن أولويات غيتس باتت هي أولويات منظمة الصحة العالمية، وتخضع مبادراتها ومعاييرها لتدقيق مؤسسة غيتس قبل تبنِّيها؛ وهو ما حذرت منه مديرة المنظمة السابقة “مارغريت تشان” من أن أولويات المنظمة باتت تُساق نحو مصالح متبرعيها. في السياق ذاته أشار مقال تحت عنوان “نقدم لكم أقوى طبيب في العالم: بيل غيتس” على موقع “بوليتكو” إلى مخاوف ناشطين في مجال الصحة من أن غيتس بتبرعاته هو “بمثابة حصان طروادة لمصالح الشركات العالمية بهدف تقويض دور منظمة الصحة العالمية في وضع المعايير وصياغة السياسات الصحية”. وأعربوا عن رأيهم بأنه أضحى الرجل الأكثر نفوذًا على سياسة الصحة العالمية، ويلقى معاملة رئيس دولة في منظمة الصحة العالمية، وفي مجموعة الدول العشرين.

مؤسسة غيتس وتحويل الجزء الجنوبي من الأرض إلى مكب نفايات

عشرون عامًا ونيَّف، ومؤسسة غيتس تساهم في برمجة سياسات الصحة العالمية في الدول الفقيرة، خاصةً في أفريقيا وآسيا الجنوبية مُوظِّفةً ارتباطاتها الوثيقة بعمالقة صناعة الأدوية. وهو ما يبدو للوهلة الأولى عملًا خيريًا بامتياز. باستثناء الأدلة التي طفت على ساحة التاريخ الحديث، تفيد بتحويل تلك المناطق إلى مكب نفايات لأدوية ثبت عدم سلامة استخدامها في الدول المتقدمة، ناهيك عن استغلال هذه البلدان في تجارب أدوية جديدة غير مجازة بعدُ للاستخدام البشري.

كان مشروع بيل غيتس البارز مُتمثلًا ببرنامج اللقاحات في أفريقيا برعاية منظمة الصحة العالمية؛ فضلًا عن أدوية أخرى منها:

1- اللقاح الثلاثي للأطفال (لقاح الخناق والسعال الديكي والكزاز) الذي يُطعم به كل طفل في أفريقيا. في حين ثبت أنه لم يُصرح باستخدامه في الولايات المتحدة ومعظم دول العالم المتقدم. وفي دراسة قام بها خبراء بريطانيون في الطب نُشرت في مجلة “لانسيت” الطبية أن مخاطر السعال الديكي كامل الخلية (المستخدم في اللقاح الثلاثي) عالية جدًا؛ حيث أثبتت الأدلة ارتباط الدواء بتلف الدماغ والنوبات وحتى الموت؛ وهو ما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى إلى التخلص منه تدريجيًا واستبداله بنسخة أكثر أمانًا، لا تحتوي على خلية السعال الديكي. لكن يبدو ألَّا مكان للفقراء وأطفالهم في حسابات النُّخب وأرباح شركات الأدوية؛ حيث واصل برنامج GAVI الممول من غيتس إعطاء اللقاح الثلاثي في أفريقيا. ضاربين عرض الحائط بالدراسات التي أثبتت ارتباطه بوفيات الأطفال الأفارقة، ومنها دراسة أجريت عام 2017 بتمويل من الحكومة الدنماركية تثبت أن اللقاح يفتك بالأطفال أكثر مما يعالجهم.

2- أنفق غيتس مليار دولار أمريكي على لقاح شلل الأطفال عبر الفم، في الدول الأفريقية والآسيوية؛ ليتبين لاحقًا أنه يحتوي على فيروس يمكن أن يتكاثر في أمعاء الطفل ويسبب العدوى، بمعنى إمكانية إصابة الناس بالمرض من اللقاح نفسه. وهو ما أثبتته دراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا عام 2017 بإصابة عدد كبير من الأطفال بالشلل بسبب اللقاح. وبهذا الصدد قال أستاذ علم الأحياء الدقيقة راؤول أندفيو: “إنه للُغز يحير الألباب؛ كيف يتسبب اللقاح المستخدم للعلاج بالمرض نفسه!”. وعكفت الولايات المتحدة إلى وقف استخدامه عام 2000. كما خلصت المجلة الطبية المعنية بالأمراض المُعدِية إلى أن اللقاح تسبب بانتشار المرض ووقوع وفيات. وقد أكدت المجلة الطبية البريطانية أن برامج التطعيم باللقاح المدعوم من مؤسسة غيتس لشلل الأطفال تسببت بوفيات كثيرة. ونوَّه الأطباء في الهند إلى تفشي مرض آخر بسبب اللقاح، يُسمى الشلل الرخو الحاد؛ مُسببًا حالات شلل بين أعداد كبيرة من الأطفال.

بالطبع، لأطفال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الجنوبية وغيرهم من الفقراء شأن آخر؛ حيث تتحمل أجسادهم الصغيرة أمراضًا فتَّاكة ينوء تحت حملها أجساد نظرائهم في الدول المتقدمة. لهذا انكبَّتْ مؤسسات غيتس، ومن خلفها عمالقة صناعة الأدوية إلى الضغط على الحكومات للاستمرار في التطعيم بهذا اللقاح رغم الإجماع العلمي ضده وهم محصنون من أية مُلاحقات قانونية. والفضل يعود إلى تشريعات فيدرالية أمريكية تحصن شركات الأدوية من مثل هذه الملاحقات.

3- موانع الحمل طويلة المفعول والقابلة للانعكاس (LARC): تقوم مؤسسة غيتس بنشر هذه الأدوية لتقوية المرأة في الدول الفقيرة. مع العلم أن بعضها مثل نوربلانت لمنع الحمل لخمس سنوات، والمصنعة من قبل شركة Bayer حاليًا، وفي السابق كانت تسمى Schering؛ قد منعت الولايات المتحدة استخدامه على ضوء قضايا تقدمت بها 50.000 امرأة ضد الشركة، بسبب الأعراض الجانبية التي تشمل النزيف الحاد وخراجات في المبايض وغيرها الكثير. وسارعت على الفور مؤسس غيتس إلى تغيير اسمه بعد إجراء تعديلات بسيطة عليه، وأخرجته باسم Jadelle. وتم ترويجه في أفريقيا بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وEngenderhealthy التي كانت تسمى في الماضي جمعية العقم لتطوير الإنسان وتحسين الجنس البشري. ولا نستغرب إنْ علمنا أن المنتج لم يحُزْ على ترخيص إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ومنعت استخدامه. الأمر ذاته يسري على دواء آخر لمنع الحمل من شركة فايزر وهو “Depo-provera”، وتعهدت ميلندا زوجة غيتس إلى منحه لـ120 مليون امرأة بحلول عام 2020. ورُصد مبلغ إضافي وقدره 375 مليون دولار، وجنت شركة فايزر من عائداته أكثر من 30 مليار دولار بغضّ النظر عن أعراضه الجانبية المتمثلة بجلطات دم قاتلة في الرئتين والعمى وسرطان الثدي. ومثله دواء Sayana Press حيث مورست الضغوط على وزير الصحة في السنغال -بحسب موقع غراي زون- لتعديل قوانين الصحة في بلاده لتوزيعه. وتبين أنه لا يجوز على نساء مصابات بأمراض الروماتيزم تعاطيه، وهذا ما حدث في أوغندا، ناهيك عن تسببه بهشاشة العظام وأمراض أخرى.

جعل أفريقيا والدول الفقيرة فئران تجارب

تفرض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وهيئات مشابهة ضرورةَ اختبار أي دواء على الإنسان قبل ترخيصه؛ مما يقتضي من الشركات المُصنِّعة إخضاع الدواء لتجارب على الحيوان، وفي المرحلة النهائية تجري تجارب سريرية على عدد كبير من الناس. وهذه المرحلة تستوجب 90% من تكاليف العملية. وهو ما دفع الشركات الكبرى إلى اتباع استراتيجية تخفيض التكاليف وسرعة التنفيذ. وهنا انبرت مؤسسة غيتس مدعومةً بمنظمات عالمية لمساعدة شركات الأدوية في تنفيذ التجارب السريرية؛ لتسريع ترخيصها. وطالبت إجراء التجارب على الحيوان والإنسان في الوقت نفسه واضعةً نصب عينيها فقراء أفريقيا وغيرها من الدول الفقيرة. وهو ما صرحت به جريدة مؤثرة في جنوب أفريقيا قائلة:

نحن فئران تجارب لشركات صناعة الأدوية.

التجارب الممولة من مؤسسة غيتس كثيرة نستخلص بعضها كالآتي:

1-لقاح الملاريا: قدمت مؤسسة غيتس تمويلًا للتجارب السريرية للقاح المصنع من شركة GSK في عدة دول إفريقية، منها غانا وكينيا وموزامبيق وتنزانيا. وبحسب بيانات الشركة تسبب اللقاح بقضاء أطفال من الإناث، وارتفاع خطر الإصابة بالتهاب السحايا عند آخرين. وهو ما استدعى القلق، حسب ما أكدته المجلة الطبية البريطانية، إلا أن هذا لم يُحبط جهود الأمم المتحدة في استمرار تنفيذ تجاربها السريرية باسم “تجارب التنفيذ”؛ بناء على اقتراح فريق الخبراء الاستشاري SAGE المرتبط بمؤسسة غيتس، بغض النظر عن انتقادات واسعة من علماء الأخلاقيات البيولوجية، لهم شأنهم على مستوى العالم للانتهاكات الخطيرة للمعايير الأخلاقية الدولية.

هبَّتْ منظمة الصحة تدافع عن برنامجها بوصفه تجارب، وليس نشاطًا بحثيًا؛ حيث يتم منح اللقاح في المناطق العشوائية الفقيرة كجزء من برنامج التطعيم الروتيني، بمعنى أن الموافقة على أخذه متضمنة أساسًا، ولا يتم إعلام الأهالي بالأعراض الجانبية؛ مما يعتبر انتهاكًا لبيان أوتاوا حول أخلاقيات التجارب العشوائية الجماعية.

2-لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري، برعاية شركتي GSK و Merck: تلقى عدد كبير من الفتيات في مقاطعات هندية نائية اللقاح، ضمن مبادرة الصحة والتكنولوجيا PATH الممولة من غيتس. ورصدت مبلغ 3.6 مليون دولار للتجارب السريرية؛ إلا أنه أوقع وفيات كثيرة وتسبب بأعراض جانبية خطيرة، مما استلزم تدخل اللجنة الهندية للصحة ورعاية الأسرة، وإحالة القائمين على البرنامج إلى المحكمة بتهمة انتهاك حقوق الطفولة والإنسان. وقررت المحكمة في عام 2013 حقيقة أن الشركات الأجنبية تنظر إلى الهند كحقل تجارب سريرية، وفق أدلة حول هول عواقبها على الشعب الهندي.

وبهذا الصدد قال خبير أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى السيرجانجارام في نيودلهي، والمحرر الفخري للمجلة الطبية الهندية “سميران نوندي”: “إنها قضية هامة تثبت الاستعانة بالهنود كفئران تجارب”. وهو ما أكده كل من عالم الوراثة “كريشنا سوايفيجاي راجافات” سكرتير قسم التكنولوجيا الحيوية، و”نشاندرا إم غولهاتي” محررة مجلة طبية هندية مؤثرة “Monthly index of Medical Specialities” حول اعتبار الشعب الهندي فئران تجارب، وأن برنامج PATH ليس خيريًا بل ينطوي على دوافع خفية. وبات يتعذر عليهم بعد الآن إجراء تجاربهم في الهند، لكن هذا لم يثبط عزيمتهم؛ فثمة دول فقيرة أخرى فكانت بنغلادش محطتهم التالية.

في تموز 2020، اندلعت مظاهرة احتجاجية في مدينة جوهانسبورغ تندد بانطلاق تجارب اللقاحات المكافحة لكوفيد في أفريقيا، وتندد بالأخص أن مَن تمَّ انتقاؤهم من المتطوعين هُم من الفقراء الغافلين عن مخاطرها، كما عبر عنه منظم المظاهرة “فابانو فاشا” إلى صحيفة “أسوشيتد برس” إزاء تلاعب القائمين على التجارب بالمستضعفين؛ منوهًا إلى أننا أضحينا مكب نفايات وحقول تجارب، مؤكدًا أنهم لا يعارضون العلم، بل المنتفعين من النخب والشركات.

وممَّا يدعو للسخرية تصريحٌ لاح في الأفق، للباحث الفرنسي “جان بول ميرا” في العام نفسه: “لا يجب تطبيق تجربة الكوفيد في أفريقيا؛ فهي تخلو من العلاجات والتدابير الوقائية، ناهيك عن ضعف أنظمتها الصحية”. مُقاربًا العملية للتجارب حول الإيدز التي استقدموا فيها البغايا بالنظر إلى افتقارهم لتدابير الحماية وتعرضهم لمخاطر المرض أكثر من غيرهم.

وسَعَتْ مؤسسة غيتس، بالتعاون مع البنك الدولي؛ إلى تحويل الهند إلى مختبر للتعقب الرقمي، حيث غدت أكبر قاعدة بيانات تعريفية رقمية في العالم، عبر إدراج 1.3 مليار شخص بالهند في نظام يدعى Aadhar System””، الإلزامي في مجمل مناحي الحياة. وربطه بالقدرة على الحصول على الاستحقاقات الغذائية والرعاية الحكومية -إذا استبعدنا، ولن نستطيع، تحوله إلى نظام رقابة على قاعدة البيانات نفسه-؛ الأمر الذي تسبب بوقوع وفيات بين الأطفال والأرامل والشيوخ الذين حرموا من الإعانات؛ بسبب عدم التعرف على بطاقاتهم في النظام أو خلل في تسجيل بياناتهم. ويسعى المنتدى الاقتصادي ومؤسسة غيتس إلى تطبيق هذا النهج على أفريقيا حيث طالب البنك الدولي بتطبيق سوق رقمية واحدة، وتعديل القوانين في كل من الجزائر وتونس وغانا والسودان وغيرها لصالح الأوليغارشية (حُكم النُّخبة) الثرية.

غيتس ورؤية هنري كسينجر “مَن يتحكم بإمدادات الغذاء؛ يتحكم بالعالم”

استهدف غيتس بتبرعاته للزراعة تطبيق رؤيته في مشروع “التحرير الجيني”، والاعتماد على البذور المعدلة وراثيًا، والأسمدة الكيماوية والزراعة الأحادية، وإنتاج الأطعمة الاصطناعية، وإعادة قولبة الأسواق الزراعية وتخفيض عدد المزارعين، واستبدالهم بالروبوتات والذكاء الاصطناعي وسلب الإرادة الحرة منهم والمعرفة المتوارثة عبر الأجيال، وإخضاعهم كليًا إلى الصناعة الغربية؛ كل هذا تحت مظلة حماية المناخ، وحل مشكلة المجاعة عبر زيادة الإنتاج مع الحرص على تعديل أنظمة الدول المستهدفة بمشروعهم لتيسير التغلغل فيها عبر القطاع الخاص. ومن له غير قارة أفريقيا وجنوب آسيا والدول الفقيرة لتنفيذ خطته بالتعاون مع مؤسسة “روكفللر” ذات الباع الطويل في مشروع تطوير الجنس البشري الألماني؛ وهو امتداد لرؤية هتلر للعرق النقيّ.

وقدمت مؤسسة غيتس مبلغًا قدره 306 مليون دولار؛ لتشجيع الزراعة المستدامة عالية الإنتاجية، عبر التلاعب الجيني في أفريقيا وجنوب آسيا. كما أُرغم 15 مركزًا مستقلًا بالاندماج ضمن هيئة سماها “GATES AG ONE”؛ بغية الشروع بتنفيذ مشروعه وتطوير بذور معدلة جينيًا وتقديمها لصغار الفلاحين في تلك الدول. كما تشارك مع مؤسسة روكفللر لإطلاق مشروعه “تحالف من أجل الثورة الخضراء في أفريقيا” مُخصِّصًا مبلغ 100 مليون دولار بهدف تغلغل الشركات الزراعية الأمريكية فيها، وإغراقهم بالتكنولوجيا تحت عنوان تقويض المجاعة، ضمن مشروع التغيير المناخي. في هذا السياق مُورست الضغوط على الدول المستهدفة لتعديل قوانينها، وخلق بيئة جديدة للاستثمار القسري عبر القطاع الخاص. كما حدث على سبيل المثال في غانا وتنزانيا ومالاوي.

كما دشَّنت مؤسسة غيتس برنامج AGRA 2006، وخصصت مبلغ 524 مليون دولار في برامج دعم البذور المعدلة والأسمدة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، والمبيدات الكيماوية والضغط على الحكومات لتخفيف الأعباء على الشركات الأجنبية وخصخصة الأراضي، واستيراد البذور من أمريكا والشركات الأوروبية ضمن أهداف مضاعفة المحاصيل والدخل والتقليل من التهديد الغذائي في أفريقيا بحلول عام 2020.

وفي سبيل دعم مشروعه الجديد، بادر غيتس إلى التبرع عبر أدواته بمبلغ 120 مليون دولار لشركة ” Editas” التي تعمل في تعديل الجينات لمعالجة الأمراض الخطيرة، كما اشترى أكثر من 500 ألف سهم في شركة “Monsanto Research” متعددة الجنسيات العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية؛ ذات السمعة السيئة بتسبب منتجاتها بأمراض السرطان وغيرها. وورَّدوا معًا الأرز الذهبي المعدل وراثيًا إلى أفريقيا، وسبق ذلك توريد منتجاتهم في الستينات والسبعينات إلى الهند. وكانت النتائج كارثية أدَّت إلى فقدان ثلاثة أقدام من المياه الجوفية، وتدمير التربة الثرية وتجريدها من معادنها وتسرب المياه المالحة، واستخدام عدد أكبر من الأسمدة الكيماوية؛ كل ذلك لإنتاج الكمية نفسها من المحاصيل، مما أرغم الدولة على استيراد الأرز وارتفاع معدل الديون لدى المزارعين، وانتحار المزارعين كل عام وبعضهم الآخر اضطر إلى هجران الزراعة المتوارثة عبر أجيال، واستبدالها ببذور تلك الشركة الممولة من غيتس. وبالعودة إلى قضية مكب النفايات، لا بد أن نذكر ما أورده موقع “Move Om” من مسارعة إنكلترا وأوروبا عمومًا إلى حظر مبيعات المحاصيل المعدلة وراثيًا، خاصة تلك المنتجة من قبل شركة Monsanto.

والأخطر سيطرة بيل غيتس على المنتدى الاقتصادي العالمي؛ المُكوَّن من تحالف من شركات وحكومات ومنظمات، ومنظمات المجتمع المدني بقيادة “جورج سوروس”؛ المشهور بثوراته الملونة والناعمة على الدول عبر منظماته غير الحكومية. ونصَّبَ هذا المنتدى نفسه زعيمًا فكريًا للرأسمالية العالمية، وعبورهم من باب الجوائح والكوارث المناخية والمجاعات لفرض الهيمنة على الشعوب، وفرض أجندات إقليمية ودولية.

ويتربع مشروعهم الأكبر “إعادة التعيين الكبرى” على أجندتهم الحالية لاستبدال المؤسسات متعددة الأطراف بكيانات سريَّة، تديرها الشركات العابرة للأوطان والنخب، دون محاسبة. وألمحت مجلة “فورين أفيرز” إلى أن هذا المنتدى لا يملك سلطة رسمية، لكنه أضحى منتدى من النخب لمناقشة الأولويات والأجندات برئاسة “كلاوس شوب” صاحب كتاب “الثورة الصناعية الرابعة”؛ لتغيير حياة الناس ودمج العوالم المادية والرقمية والبيولوجية. وعبَّر عن ذلك بالقول: “إن الفارق في الثورة الصناعية الرابعة أنها لا تستهدف تغيير ما تفعله، بل تغييرك أنت ومن الأمثلة على ذلك مشروع التحرير الجيني”. مع التنويه إلى قيام المدير العام للأمم المتحدة بتوقيع شراكة استراتيجية مع المنتدى، دون الرجوع إلى الجمعية العامة أو أي كيان أممي آخر لينأى بالمنظمة عن التعددية إلى مصالح النخب؛ بما يقتضيه مشروع المنتدى “إعادة التعيين الكبرى”.

والنقطة الأخطر تمثلت بهيمنة غيتس على مخزون البذور العالمي، المحفوظة في 15 بنكًا للبذور في أنحاء العالم لحماية مستقبل البشرية؛ ثم تربَّعَ على عرش ملكية البذور في العالم. ومنذ عام 2003 ضخت مؤسسة غيتس بالتعاون مع مؤسسة روكفللر 720 مليون دولار في مشروع بنك البذور التابع للمجموعة الاستشارية حول البحوث الزراعية الدولية؛ ليكون الممول الأضخم له. وألقى موقع “Regeneration international” الضوء على تحويل غيتس البذور والأبحاث من مؤسسات البحث العلمي إلى الشركات التجارية المرتبطة به، ومنها Cargell، Bayer مُطلقًا حملة استعمارية لنهب وخصخصة مخزون البذور من المزارعين والسكان الأصليين وتسهيل قرصنة الملكية الفكرية والبيانات الجينومية لملايين النباتات.

وحتى لا نبخس لتلك النخب حقها؛ فقد بلغ أثرها المزارعين على امتداد أوروبا أيضًا، من خلال فرض قوانين صارمة، كانت نتاج المنتدى الاقتصادي وخطط النخب -وعلى رأسهم غيتس-. ومنها قوانين تخفيض النتروجين، كما فعلت الحكومة الهولندية برصدها مبلغ 25 مليار يورو لتنفيذه، وألمانيا خصصت مبلغ 200 مليار يورو للتقليل من تداعيات أزمة الطاقة إلى جانب إرغام الكثير من المزارعين على قتل عدد من مواشيهم.

وعمد غيتس ومِن خلفه المنتدى الاقتصادي والأوليغارشية الثرية إلى دعم منظمات، منها “Eat Forum”؛ لتعديل النظام الغذائي بالتعاون مع شركاء (منهم غوغل)، وبمشاركة 40 حكومة في كل أصقاع العالم، واليونيسف (الممولة بشكل كبير من غيتس). كما أطلق غيتس برنامج GAIN في جلسة خاصة للجمعية العمومية في الأمم المتحدة، والخاصة بالأطفال، بالتعاون مع مؤسسات يمولها مثل منظمة الصحة واليونسيف وشركات تغذية لدعم الأغذية المعدلة.

منظمات وعلماء هبُّوا لمعارضة مشروع غيتس والأثرياء

قضت محكمة العدل الأوروبية بوجوب إخضاع مشروع التعديل والتحرير الجيني للكائنات لضوابط أكثر حمايةً للصحة العامة. كما توجس العلماء منه مُنوِّهين إلى ضرورة التريُّث وأخذ الوقت الكافي لدراسته. ليجيبهم غيتس ذاته: “الوقت هو العدو”.

قامت جامعة TUFTS بدراسة خلصت فيها إلى ارتفاع معدل الجوع حتى 13% في 13 دولة خضعت لمشروع غيتس، وممارسته الضغط على المزارعين؛ لحصر عملهم بزراعة بذور الذرة المستوردة، وترك الزراعات التقليدية المتعددة.

كما هبَّت 500 منظمة عالمية بتوقيع رسالة شجب لقمة الغذاء 2021 التي عقدت بمشاركة محدودة من هيئات الأمم المتحدة، ودون مشاركة منظمة الزراعة والغذاء أو لجنة الأمن الغذائي العالمي المسؤولة عن سياسة الغذاء. بينما حضرت الدكتورة أغنيس كاليباتا مبعوثة خاصة عن الأمم المتحدة علمًا أنها رئيس منظمة AGRA، وهو مؤشر جلي عن هيمنة مؤسسة غيتس. وأطلقت المنظمات على القمة “قمة السُّمّ”؛ بسبب افتقارها الشفافية وعملها الدؤوب على تدمير منجزات سابقة في إطار الأنظمة الغذائية، والاستعاضة عنها بحلول زائفة، مثل صفرية الانبعاثات الكربونية، وتسعير كربون التربة، وغيرها من القرارات الرامية إلى الهيمنة على الأراضي والتنوع البيولوجي من قبل النخب والشركات العالمية.

تحدث رالف شولهامر (أستاذ مساعد في الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة ويبستر فيينا) في برنامج “Redacted” المستقل إعلاميًا، عن عواقب سياسات المنتدى الاقتصادي العالمي، ومشاريع النخب المؤثرة في العالم على الزراعة، وعلى رأسهم بيل غيتس. وتطرق إلى سياسة ألمانيا على سبيل المثال بالتحول إلى الزراعة العضوية ومزارع الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وتداعيات ذلك من فقدان الاكتفاء الذاتي والتحول إلى الاستيراد بسبب انخفاض الإنتاج. وهو أمر بمقدور الدول الثرية القيام به بغضّ النظر عن عواقبه؛  لكن ماذا عن الدول الفقيرة؟! ووجَّه سهامه إلى مشروع المنتدى الاقتصادي “إعادة التعيين الكبرى” مُعربًا عن ضرورة عدم الثقة بنخبه الذين يتخفون وراء شعارات حماية البيئة وتطوير الزراعة.

وصدرت دراسة عام 2009، قام بها برنامج التقييم الدولي للعلوم والتقنيات الزراعية لتحقيق التنمية؛ قدمت أدلة دامغة على فشل ذريع للثورة الخضراء برعاية غيتس وروكفللر، ودحضت المقولة باعتبار المحاصيل المعدلة وراثيًا هي الحل للنقص الغذائي. والمشروع الذي أطلقته مؤسسة روكفللر في الستينات في الهند والمكسيك كان كارثة نجم عنها دمار للتربة والمياه والتنوع البيولوجي. وعزَّزت الدراسة -كما العديد غيرها- التأكيد على أن السيادة في مجال البذور والغذاء والمعرفة هو المستقبل الحيوي لها؛ خلافًا لما يُروِّجه غيتس بمشروعاته متجاهلًا أصوات العلماء والمواثيق والمنظمات الإنسانية.

أجريت دراسة عام 2020 بعنوان “الوعد الزائف: تحالف من أجل الثورة الخضراء في أفريقيا”، خلصت إلى أن هذا المشروع تسبب بزيادة الجوع بمعدل 30%، وزاد عدد الجائعين إلى 131 مليون شخص، ناهيك عن تحولهم إلى عبيد على أرضهم بسبب معاييره. ووحدها الشركات -مثل شركة Monsanto- والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تعتبر واجهةً للاستخبارات الأمريكية، والمرتبطة جميعها ببيل غيتس؛ هي المستفيد الوحيد. وأضافت أن برامجهم ليست إلا شكلًا من أشكال الرأسمالية الخيرية القائمة على القرصنة البيولوجية. وهي النتيجة نفسها التي خلص إليها تحالف AGRA WATCH من أجل العدالة العالمية.  

انتقدت الدكتورة شيفا في مقابلة لها على محطة “فرانس 24” الدكتاتوريات الثرية، وعلى رأسها بيل غيتس؛ واصفةً إياه بكولومبس، بالطبع -ليس من باب المديح- لفرض استعمار جديد عبر مشروع المحاصيل المعدلة وراثيًا، والسيطرة تكنولوجيًا عبر الذكاء الاصطناعي على المزارعين. وقالت: “انبثقت شركة Monsanto عن العولمة، حيث كانت 90% من البذور في متناول المزارعين ويستقدمون الباقي من القطاع العام، ومع مجيء الشركة على نحو غير قانوني تحت مظلة زيادة المحاصيل والدخل”، وأضافت: “إن مشروع هؤلاء النخب “إعادة التعيين الكبير” ما هو إلا إكمال لانتزاع الثروة والملكية من الفقراء والطبقة الوسطى لصالح الأثرياء، وعلى رأسهم بيل غيتس من خلال أعماله الخيرية”.

نشرت مجموعة حقوق الإنسان “Heinrich Boll Siftung” أدلة عن تهرب غيتس من الضوابط المفروضة على مشروعه الخاص بالتحرير الجيني وسعيه لإفساد وشراء مسؤولين دوليين في الأمم المتحدة لوقف الهجوم على مشروعه؛ مدعومًا بشركات مثل Big Pharma وغيرها. كما ألقت الضوء على الدور الكبير الذي يضطلع به الجيش الأمريكي في مشروع غيتس الخاص بالتحرير الجيني، وأنفقت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية 100 مليون دولار فيه، إلى جانب معهد الدكتور فوتشي للصحة الوطنية.

عكفت حركة “lA VIA CAMPENSIA” (التي أسسها 200 مليون عامل في الزراعة، ومنهم السكان الأصليون في الدول للدعوة إلى السيادة الغذائية، وحق الشعوب في السيطرة على أنظمتها الغذائية، واستخدام طرق صحية زراعية وإيكولوجية) على خوض معارك شرسة ضد هؤلاء النخب والبنك الدولي. وأثمرت في صياغة بيان الأمم المتحدة في ديسمبر 2018 لتوفير كافة السبل للفلاحين لإنتاج الغذاء لهم ولبلدانهم.

هاجم موقع “The defender” غيتس وأمثاله وسياساتهم تحت غطاء إنقاذ البشرية، وأشار إلى تأسيس غيتس بالتعاون مع أصحاب المليارديرات: جيف بيزوس ومايكل بلومبرغ ومارك زوكربيرغ “نادي المنتفعين من الجائحة” علمًا أن حجم ثروة الأثرياء في أمريكا زادت بمقدار 1.1 ترليون دولار منذ بدء تطبيق سياسات الإغلاق التي دفع بها غيتس والشركات والمنظمات المتعاونة معه بينما زاد عدد الفقراء فيها بمقدار ثمانية ملايين.

قالت الدكتورة شيفا إن غيتس قد أعلن حربًا كيماوية على الطبيعة وأنظمة التمثيل الغذائي في أجسامنا، عبر حملته تحويل البشرية إلى كائنات معدلة وراثيًا. ويشغر مناصب بارزة في شركة “Impossible Foods” التي تعمل على صناعة اللحوم والأغذية المعدلة وراثيًا التي يرجح وصول عائداتها إلى 3.5 مليار دولار بحلول عام 2026، ناهيك عن مشاريع غيتس في تصنيع حليب الثدي صناعيًا، واستبدال الأغذية بالحشرات، وغيرها. ولا يمكن أن ننسى المقطع المصور الذي روَّجت له وسائل الإعلام، تظهر فيه الممثلة “نيكول كيدمان” تتناول غذاء من الحشرات وتثني عليه.

بهذا الشأن يقول “مارك هايمان” رئيس الاستراتيجية والابتكار في مركز كليفلاند كلينيك الطبي، ويوافقه في الرأي بروفسور علوم الأغذية والتكنولوجيا الحيوية “فريدريك ليروي” من جامعة بروكسل، أن ما يقومون بترويجه ليس بالغذاء الصحي والمستدام كما يدعون؛ بل هو مثقل بالسكر والنشاء ومواد حافظة ومبيدات وغيرها تحفز سوء التغذية وأمراضًا مزمنة في الوقت الذي يموت فيه 11 مليون شخص كل عام من الأطعمة فائقة المعالجة التي باتت القاتل الأول في العالم.

كما أطلقت مشاريع غيتس التي تستهدف الزراعة والمزارعين شرارة ثورات عديدة في كل أنحاء أوروبا، عمدت كل وسائل الإعلام المُموَّلة بسخاء هائل من غيتس إلى التعتيم إعلاميًا عليها وعلى طلباتها؛ ناهيك عن قيام بعض الحكومات -ومنها كندا- إلى حجب حساباتهم المالية ومعاقبتهم عقوبات صارمة لا يمكن أن تسمع بها إلا من خلال أصوات إعلامية مستقلة نأت بنفسها عن فساد غيتس وأمثاله. لكن لا يسعنا إلا أن نعترف بأن جهود جيش غيتس الإعلامي والمؤسساتي قد تكللت بالنجاح في إسكات الأصوات المعارضة وقمع حتى الحلول البديلة التي كانت تُقدم لحل المشاكل التي انبرى وحده إلى حلها.

استثمر غيتس والأوليغارشية الثرية في قطاع الأدوية والغذاء والتكنولوجيا -وعلى رأسهم المنتدى الاقتصادي العالمي-؛ في عناوين مُلحَّة تهم البشرية من التغير المناخي والاستدامة والمجاعة لفرض أجندات لا تفيد إلى جيوبهم العامرة، وغمرنا بمشاريع سريالية مثل مشاريع البالونات العملاقة؛ لإشباع غلافنا الجوي بجزيئات عاكسة لطمس الشمس وإطلاق البعوض المعدل وراثيًا في جنوب فلوريدا، وإغراق أسواقنا بأغذية الحشرات وقطع اللحم المصنعة، والبذور المعدلة وراثيًا؛ واستحواذ الشركات على المزارع والبذور والمعارف المتوارثة، وسرقة مزارعنا وسبل العيش المتوارثة.

كما انكب على شراء الأراضي الزراعية؛ حتى تربع على عرش المالكين للمزارع في أمريكا، دون أن نغفل ذكر استثماراته في شركات تكنولوجيا تغيير المناخ التي تعمل على زعزعة استقرار الأرض والتحكم بالأمطار والجفاف؛ ناهيك عن مشاريع أخرى تتعلق بالعملات الرقمية وتتبع السيارات، ومشاريع مدن 15 دقيقة التي دخلت حيز التجربة في باريس وسيول وبريطانيا وغيرها؛ التي توفر فيها الدول كل ما يحتاجه السكان على بُعد لا يزيد على 15 دقيقة من مكان إقامتهم، دون استخدام السيارات. وفي يوركشاير ببريطانيا يتعين على مَن يريد الخروج عن هذه المسافة أخذ موافقة من مجلس بلديتها.

كل هذا استجابة لتداعيات تغير المناخ وجائحة كوفيد-19 والعولمة مقابل تآكل الديمقراطية والسيادة. وكما قالت الدكتورة شيفا: “لقد رأيت بعيني الشر الذي يمكن أن يفعلوه؛ سواء ببرامج اللقاحات أوالأغذية باسم الصحة العامة لإحكام قبضتهم على الأرض والبذور والطعام والبشر. لدى غيتس القدرة على تجويعنا جميعًا حتى الموت”. ولا عجب عندما تتمادى خُطط غيتس إلى إرسال أسطول أقمار صناعية لمسح كل بوصة من الأرض على مدار 24 ساعة، وكما ذكر موقع “The defender” يبدو أننا أضحينا جميعًا فئران تجارب لغيتس والنخب الأوليغارشية ومنتدياتهم؛ بغية تحويل العالم بأسره إلى إمبراطورية عالمية يطبقون على خناقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق