عالم الظلم وحتمية الانهيار.. عندما تغيب شجاعة القلب والضمير!!
تأمل معي حال هذا العالم؛ لعلك تكتشف نذر الهلاك بعد أن غاب صوت المفكرين الذين يمتلكون الحكمة؛ فلم يحذروا الدول من عواقب الظلم الذي ضاعت كل فرص السيطرة عليه.
هل هناك أحد في عالمنا لا يسمع صوت أنين المعذبين، وصرخات المظلومين، ولا يشم رائحة الدم.. أم أن القلوب التي في الصدور عميت، وفقدت البصيرة؟!!
ومن يسمع ويرى هل يدرك أن العالم كله يقف على حافة الانهيار، وهل يتوقع أنه حتما سيذوق مرارة الظلم؟!!
والعذاب الذي سيعم الكون يمكن أن يبدأ بمن رضي عن الظلم؛ فصمت ولم يستنكر، وخنع فلم يقاوم، وخضع فلم يصرخ، وخاف فلم يجهر بكلمة حق، وتخلى عن إنسانيته خشية بطش الظالمين.
والمظلوم أيضا يتحمل المسؤولية؛ لأنه لم ينتفض طلبا للعدل، وقنع بحياة الذل والفقر.
المسلمون يتعرضون للظلم.. لماذا؟!!
تأمل معي وستكتشف أن أكثر من يتعرض لحالة ظلم عام هم المسلمون، وأن أقسى وأبشع وأغشم أشكال الظلم الذي يعانونه هو إهانة دينهم، والإساءة إلى رسولهم، وحرق قرآنهم، والاعتداء على مقدساتهم، وتشويه صورتهم، ووصفهم بالإرهاب.
كل مسلم الآن على وجه الأرض يواجه الظلم؛ ففي أي مطار عليه الانتظار حتى يتأكدوا من أنه لا خطر منه، وأنه ضعيف خانع؛ فإذا ما سمح له بالدخول فسيظل دائما تحت المراقبة، وينتظر إعادته إلى وطنه لتتولى أجهزة أمن الوطن تعذيبه.
والسؤال الذي يطرحه المثقفون المتغربون: لماذا لا يعود إلى وطنه، وما الذي دفعه إلى الذهاب إلى أمريكا وأوربا والدول المتقدمة؟!!
وذلك سؤال مشروع.. لكن لماذا لا يسأل هؤلاء المثقفون المتنورون أسئلة جديدة مثل: لماذا اضطر هذا المسلم المسكين إلى اللجوء، وترك أهله وماله وممتلكاته، وما دور أمريكا وأوربا في تشكيل مأساته، وفرض النظم المستبدة التي قهرته، وطردته من أرضه؟!!
هناك الكثير من المثقفين يدعون الحضارة والمدنية، ويتقربون للغرب بالهجوم على الإسلام، وإدانة المسلمين، والمساهمة في قهرهم، وإلحاق الأذى والضر بهم.
وهؤلاء مجرد أدوات يستخدمها الغرب في ظلم المسلمين؛ كما استخدم المستشرقين من قبل لتبرير الجرائم والمذابح التي ارتكبتها جيوش الاستعمار، وقتل الملايين من المسلمين خاصة في الجزائر.
ومهما صور هؤلاء المثقفون أنفسهم بالاعتدال والتقدم والتمدين؛ فإنهم لا يختلفون كثيرا عن الجلادين الذين يستخدمهم المستبدون في قهر المسلمين، وهم أكثر نفعا لأمريكا من جنودها الذين أطلقوا القنابل على الأفغان والعراقيين، وتفاخر أحدهم بقتل 25 من المدنيين الأفغان من طائرته.. ولا يختلفون عن الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا الأسرى المصريين عام 1967 لمجرد اللهو والحصول على المتعة واللذة.
وأكثر ما يثير الغضب هو ادعاء هؤلاء للحضارة والمدنية؛ فالمتحضر لا يبرر قهر الناس وتعذيبهم، ويرفض قتل النفس بدون نفس، أو فساد في الأرض.. والغربي الذي يقتل المسلم يرتكب جريمة في حق الإنسانية، كما أن ربط الإسلام بالإرهاب ظلم بشع، ومجرد تبرير وقح للإبادة، ونتيجة للاستكبار والاستعلاء الغربي.
لكن السؤال يظل بلا إجابة!!
السؤال الأكثر أهمية: لماذا يتعرض المسلمون لكل هذا الظلم، وتُراق دماؤهم دون تعاطف معهم، ويُلقَى علماؤهم في السجون دون أن يتذكر أحد حقوق الإنسان والحضارة والإنسانية.
لو راجعنا التاريخ فسنكتشف أن حالة الظلم التي يتعرض لها المسلمون بدأت منذ عام 1798 عندما قام نابليون بغزو مصر.
فمنذ ذلك التاريخ تتدفق دماء المسلمين، وتتوالى عليهم المآسي والكوارث، ولم يعد لحياتهم قيمة، ولا لأوطانهم حرمة.. لماذا؟!!
أول أسباب ذلك أن المسلمين نسوا الكثير من مبادئ دينهم، وتخلوا عن وظيفتهم في تحرير البشرية من الطواغيت، ومن العبودية لغير الله.. فانتهز الاستعمار الغربي الفرصة للانتقام منهم، والثأر للإمبراطورية الرومانية التي حرر المسلمون البشرية من ظلمها!
وكان انتقام الغرب قاسيا ومتوحشا؛ فاستخدم الاستعمار قوته الغاشمة لتفتيت المسلمين، وتمزيق الأمة، وإثارة التناحر بين الطوائف، وفرض حكام مستبدين يقومون بقهر المسلمين وإذلالهم.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فالقوة الغاشمة يمكن مقاومتها؛ كما أثبت الجزائريون أنها لا يمكن أن تخضع المسلمين، وأن الذين يثورون ويقاومون حتما سينتصرون.
الاستعمار الثقافي أشد خطرا!!
لذلك جربت أمريكا الاستعمار الثقافي في إخضاع المسلمين؛ فثبت أنه أكثر تأثيرا؛ حيث استخدمت الكثير من المثقفين للترويج لمنظومة من الخرافات العنصرية؛ من أهمها ربط التقدم بالغرب الذي فصل الدين عن الدولة، واعتمد على العقل وحده، وأن الفرد يجب أن يعتمد على جهده لتحقيق الثراء؛ فبالمادة وحدها يحقق السعادة؛ فعليك أن تكسب المال لتتسوق؛ فتكون أنيقا مثل الغربي الأبيض المتمدن المتحضر.
وبتلك الثقافة تمكنت أمريكا من تضليل الشعوب، ونهب ثرواتها من المواد الخام لتحويلها إلى منتجات غالية الثمن؛ فتزايد فقر الدول الإسلامية التي خضعت لحكام مستبدين باعوا الكنوز بثمن بخس.
هل تريد -أيها المسلم- أن تستعيد مكانتك وأهميتك في هذا العالم؟! سأقدم لك ملامح استراتيجية لتحقيق هذا الهدف، أبدأ في هذا المقال بأولها، وهو أن تتذكر وظيفتك الحضارية وهي أن تعمل لتحرير البشرية من الطغيان والعبودية لغير الله.. لكن لكي تقوم بهذا الدور يجب أن تحرر نفسك من الخوف، فالمسلم لا يخاف إلا من الله وحده.
وعندما تحرر نفسك من الخوف من كل الطواغيت يجب أن تنتفض وتقاوم وتستخدم عقلك وقلبك، فأنت تستطيع أن تقود ثورة عقول تتعلم وتعلم، وتنتج وتبتكر، وتزرع وتصنع، وتدافع عن الوطن.. فإن حررت نفسك من الخوف؛ فلن يستطيع أحد أن يقهرك، ويطردك من وطنك، أو يهين دينك وكرامتك.
وشجاعة النفس والقلب والضمير أساس الأخلاق والحضارة، وعندما تمتلك هذه الشجاعة ستنتفض وتقاوم وتتحرر وتقود شعوب العالم لتحقيق العدل والحرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق