قهرمان مرعش و"أسد كويك" وجراد مكة
لم يهرع الأسد ليزور منطقة الزلزال في حلب مثلما فعل أردوغان في تركيا
استمرت الحرب الساكنة في أثناء الزلزال، الذي أغنى العدو عن القصف بالطائرات، لكن القصف الإعلامي لم يهمد، فشمتت صحيفة " شارلي ايبدو" بالضحايا، وآزرتها صحيفة ألمانية، وتباهى الإعلام المصري الذي يستبطن شعار: "والنبي لنكيد العزال" بالمدينة الإدارية وعصمتها عن الزلازل والزلل.
وتنفس كثيرون الصعداء لأنهم يقيمون على اللوح غير الأناضولي، مع أنَّ العلماء حذروا دولاً عربية من موجات الزلزال الأناضولي المرتدة عن دين الجيولوجيا، وصدمات الصفائح الأرضية ونطح بعضها ببعضها.
المروءة الدولية نائمة وكرمها استعراضي ومتأخر، وهي ما تزال تبحث عن موافقة "الطرف الآخر"، وهي لا تكتفي "بالصمات" إذنا. والمعونات العربية الحكومية لم تبلغ مقدار هدية إيفانكا عند حجها إلى بلاد الحرمين، أو تشاكل أجرة اللاعب العاشق رونالدو، حتى إن ديفيد هيرست نعى في مقال الضمير الأوروبي الذي مدّ أوكرانيا بالمليارات، وبخل بها على ضحايا الزلزال.
ذمّ هيرست الحكومة البريطانية التي اكتفت بالتبرع ببضعة ملايين من الدولارات. السعودية نفسها مدّت أوكرانيا قبل بضعة أيام بأربعمائة مليون دولار لا تنقص سنتا، بينما أغاثت تركيا بعُشر مبلغ أوكرانيا "الشقيقة"، أما الأمم المتحدة، وهي ليست بصاحب، فتذرعت بفساد الطرق حيناً، وإذن الطرف الآخر، ومماطلات النظام حيناً آخر، حتى قضى معظم الضحايا السوريين تحت الأنقاض، ثم خرج الأسد في اليوم الرابع من تحت الأنقاض السياسية سعيداً، فرحاً، مستبشراً، وعلى وجهه فالق ابتسامة، بالربيع السياسي، فزار حلب التي كان محروماً من زيارتها، واستقبلته الحسناوات بالزغاريد والقبلات، وهتف أحد المستقبلين به أن زيارته أزالت آثار النكبة: لم تعد حلب منكوبة يا سيادة الرئيس.
سمعنا ورأينا وقرأنا مئات التقارير عن الزلازل، منها أنه تقع كل يوم ألف هزة لا نشعر بها، وأن زلزال قهرمان مرعش يعادل 130 قنبلة نووية، وذكر تقرير إخباري آخر أنه يعادل 500 قنبلة، ثم قيل إنها تعادل ألفي هيروشيما (وحدة تدميرية). وذكرت تقارير أنَّ تركيا انزلقت وتمددت ثلاثة أمتار تحت تعذيب الشدّ الجيولوجي.
وعزا بعضهم الزلزال إلى السدود التي بنتها تركيا على مياه دجلة والفرات والأنهار الصغيرة التي أسرت وراء السدود، وقيل إن الزلزال وقع بسبب ظلم الإنسان للإنسان، وفي حبس المياه ظلم، وفي الإفساد في الأرض ظلم. واشتكى سوريون كُثر من ارتفاع منسوب العنصرية الذي تشنّه أحزاب معارضة، وازداد بعد الزلزال، فقد وُصف بيوم القيامة، وفي يوم القيامة يفرّ المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وقيل إن الزلزال وحّد مشاعر الشعب التركي والمصائر، لكن التوحيد لم يدم سوى يوم أو بعض يوم، فما لبث الصراع السياسي أن برز، فغرد كمال قليتشدار أوغلو، كبير الطاولة السداسية، متسللاً إلى تويتر، يشكو من حظر المنصة، وكانت الحكومة التركية قد حظرتها في بعض المناطق خوفاً من الإشاعات، واختناق الشبكة بالاتصالات والاستغاثات. ثم ذكرت الأخبار تسجيلاً لنحو 600 واقعة سطو على المحلات والبيوت في الأناضول، ونقل أحد المغيثين واقعة لقُطّاع طرق بثّها على الهواء.
وطُرد سوريون لاجئون من أماكن إقامتهم لتخلى للمواطنين الترك، ثم نعى "المناضل" كمال كليتشدار أوغلو تقصير الحكومة، ثم ما لبث أن ظهر ألد أعداء السوريين، وأحد كبار اللاعبين بورقة اللاجئين السوريين، أوميت أوزداغ، الذي اتهم شاباً سورياً بسرقة الهواتف النقالة، فظهر أن الشاب تركي، وكذّب زعيم حزب ظفر، وبيّن هويته، وأنَّ أوزداغ استغل فيديو له وهو يبدل مكان هاتفه من الجيب الخلفي إلى الجيب الأمامي فنسبه إلى سوري واتهمه بالسرقة. لم يكف أوزداغ عن التأليب ضد السوري، ودعا إلى مؤتمر صحافي بجانب أماكن إقامتهم لتحرير تركيا من الغزاة السوريين، فالصراع السياسي اشتد على مقياس ريختر، والكراهية بضاعة سهلة ومربحة.
يتضايق العلمانيون من ربط الزلزال بالظلم، فهو عندهم ظاهرة جيولوجية منقطعة، وذكرت تقارير أنَّ المياه الكثيرة التي حجزت وراء سد اتاتورك قادرة على إبطاء حركة دوران الأرض بضع ثوان! وكان سدُّ أتاتورك قد حجز خلفه سبعة مليارات متر مكعب، فأطلقت الحكومة التركية السدّ في اليوم الخامس تخفيفا له عن الأثقال التي حملها على كاهله سنوات طويلة، وخوفا من تصدعه وكسر ظهره، فجرت المياه مرة ثانية في نهري الفرات والخابور، فتذكر الناس المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد. وكان النظام السوري قد فتح سدّ الرستن أيضاً، خوفاً عليه.
وانتظر السوريون كثيراً معونات الأمم المتحدة لصناعة خيام اللاجئين، التي تأخرت، ولعلَّ الأمر يذكر بمذبحة سربرنيستا التي تواطأت عليها الأمم المتحدة مع الصرب.
تحسنت العلاقات التركية اليونانية بعد شدة وتهديدات متبادلة وصراع على الجُزر والغاز، وفتح الطريق بين أرمينيا وتركيا بعد خمس وثلاثين سنة من القطيعة. آخر سيارة عبرت الطريق بين الدولتين كانت مساعدات تركية بعد الزلزال الذي ضرب أرمينيا سنة 1988. هي الدنيا كذلك؛ يوم لك ويوم عليك.
وقد عجب كاتب هذه السطور من مطالبة السوريين الأسدَ بإعلان الحداد أسوة بالرئيس التركي، وكان الرئيس التركي قد أعلن الحداد أسبوعا على الضحايا، والعجب أولى من عدم إعلان الأسد النصر، أو عدم إعلانه يوم قهرمان مرعش عيداً وطنياً!
لم يطل الحزن الذي وحّد الشعب التركي، فالإنسان سريع النسيان، وكان الإنسان نسيّا. منذ شهور مضت والحيوانات تطوف حول نفسها محذّرة منذرة، وأمس غزا الجراد مكة المكرمة، وظهرت صور جحافل الحشرة والجمهور ذاهل، شارد عنه، مشغول بجهاد اللاعبين. وأصدر المركز الوطني للوقاية من الآفات النباتية والأمراض الحيوانية ومكافحتها في السعودية "وقاء"؛ بيانا ضد "المرجفين" قال فيه: "إنّ ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود جراد صحراوي في ملعب الشرائع بمكة المكرمة، إنما هو نوع من أنواع النطاطات يسمى "الجخاخ" أو "النطاط"، وهو جراد صديق مثل أمريكا، فعسى أن يكون كذلك!
ذُكرت أسباب كثيرة للزلزال لكن لم يذكر أحد كثرة القنابل التي ضرب الأسد وحلفاؤه سوريا بها، فقشرة الأرض سميكة، وإن لم تكن أغلظ وأسمك من قلب الإنسان. ولم يذكر أي تقرير أن الشعب السوري، مقيما ونازحا، ما يزال تحت الأنقاض.
twitter.com/OmarImaromar
وتنفس كثيرون الصعداء لأنهم يقيمون على اللوح غير الأناضولي، مع أنَّ العلماء حذروا دولاً عربية من موجات الزلزال الأناضولي المرتدة عن دين الجيولوجيا، وصدمات الصفائح الأرضية ونطح بعضها ببعضها.
المروءة الدولية نائمة وكرمها استعراضي ومتأخر، وهي ما تزال تبحث عن موافقة "الطرف الآخر"، وهي لا تكتفي "بالصمات" إذنا. والمعونات العربية الحكومية لم تبلغ مقدار هدية إيفانكا عند حجها إلى بلاد الحرمين، أو تشاكل أجرة اللاعب العاشق رونالدو، حتى إن ديفيد هيرست نعى في مقال الضمير الأوروبي الذي مدّ أوكرانيا بالمليارات، وبخل بها على ضحايا الزلزال.
ذمّ هيرست الحكومة البريطانية التي اكتفت بالتبرع ببضعة ملايين من الدولارات. السعودية نفسها مدّت أوكرانيا قبل بضعة أيام بأربعمائة مليون دولار لا تنقص سنتا، بينما أغاثت تركيا بعُشر مبلغ أوكرانيا "الشقيقة"، أما الأمم المتحدة، وهي ليست بصاحب، فتذرعت بفساد الطرق حيناً، وإذن الطرف الآخر، ومماطلات النظام حيناً آخر، حتى قضى معظم الضحايا السوريين تحت الأنقاض، ثم خرج الأسد في اليوم الرابع من تحت الأنقاض السياسية سعيداً، فرحاً، مستبشراً، وعلى وجهه فالق ابتسامة، بالربيع السياسي، فزار حلب التي كان محروماً من زيارتها، واستقبلته الحسناوات بالزغاريد والقبلات، وهتف أحد المستقبلين به أن زيارته أزالت آثار النكبة: لم تعد حلب منكوبة يا سيادة الرئيس.
سمعنا ورأينا وقرأنا مئات التقارير عن الزلازل، منها أنه تقع كل يوم ألف هزة لا نشعر بها، وأن زلزال قهرمان مرعش يعادل 130 قنبلة نووية، وذكر تقرير إخباري آخر أنه يعادل 500 قنبلة، ثم قيل إنها تعادل ألفي هيروشيما (وحدة تدميرية). وذكرت تقارير أنَّ تركيا انزلقت وتمددت ثلاثة أمتار تحت تعذيب الشدّ الجيولوجي.
وعزا بعضهم الزلزال إلى السدود التي بنتها تركيا على مياه دجلة والفرات والأنهار الصغيرة التي أسرت وراء السدود، وقيل إن الزلزال وقع بسبب ظلم الإنسان للإنسان، وفي حبس المياه ظلم، وفي الإفساد في الأرض ظلم. واشتكى سوريون كُثر من ارتفاع منسوب العنصرية الذي تشنّه أحزاب معارضة، وازداد بعد الزلزال، فقد وُصف بيوم القيامة، وفي يوم القيامة يفرّ المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وقيل إن الزلزال وحّد مشاعر الشعب التركي والمصائر، لكن التوحيد لم يدم سوى يوم أو بعض يوم، فما لبث الصراع السياسي أن برز، فغرد كمال قليتشدار أوغلو، كبير الطاولة السداسية، متسللاً إلى تويتر، يشكو من حظر المنصة، وكانت الحكومة التركية قد حظرتها في بعض المناطق خوفاً من الإشاعات، واختناق الشبكة بالاتصالات والاستغاثات. ثم ذكرت الأخبار تسجيلاً لنحو 600 واقعة سطو على المحلات والبيوت في الأناضول، ونقل أحد المغيثين واقعة لقُطّاع طرق بثّها على الهواء.
وطُرد سوريون لاجئون من أماكن إقامتهم لتخلى للمواطنين الترك، ثم نعى "المناضل" كمال كليتشدار أوغلو تقصير الحكومة، ثم ما لبث أن ظهر ألد أعداء السوريين، وأحد كبار اللاعبين بورقة اللاجئين السوريين، أوميت أوزداغ، الذي اتهم شاباً سورياً بسرقة الهواتف النقالة، فظهر أن الشاب تركي، وكذّب زعيم حزب ظفر، وبيّن هويته، وأنَّ أوزداغ استغل فيديو له وهو يبدل مكان هاتفه من الجيب الخلفي إلى الجيب الأمامي فنسبه إلى سوري واتهمه بالسرقة. لم يكف أوزداغ عن التأليب ضد السوري، ودعا إلى مؤتمر صحافي بجانب أماكن إقامتهم لتحرير تركيا من الغزاة السوريين، فالصراع السياسي اشتد على مقياس ريختر، والكراهية بضاعة سهلة ومربحة.
يتضايق العلمانيون من ربط الزلزال بالظلم، فهو عندهم ظاهرة جيولوجية منقطعة، وذكرت تقارير أنَّ المياه الكثيرة التي حجزت وراء سد اتاتورك قادرة على إبطاء حركة دوران الأرض بضع ثوان! وكان سدُّ أتاتورك قد حجز خلفه سبعة مليارات متر مكعب، فأطلقت الحكومة التركية السدّ في اليوم الخامس تخفيفا له عن الأثقال التي حملها على كاهله سنوات طويلة، وخوفا من تصدعه وكسر ظهره، فجرت المياه مرة ثانية في نهري الفرات والخابور، فتذكر الناس المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد. وكان النظام السوري قد فتح سدّ الرستن أيضاً، خوفاً عليه.
وانتظر السوريون كثيراً معونات الأمم المتحدة لصناعة خيام اللاجئين، التي تأخرت، ولعلَّ الأمر يذكر بمذبحة سربرنيستا التي تواطأت عليها الأمم المتحدة مع الصرب.
تحسنت العلاقات التركية اليونانية بعد شدة وتهديدات متبادلة وصراع على الجُزر والغاز، وفتح الطريق بين أرمينيا وتركيا بعد خمس وثلاثين سنة من القطيعة. آخر سيارة عبرت الطريق بين الدولتين كانت مساعدات تركية بعد الزلزال الذي ضرب أرمينيا سنة 1988. هي الدنيا كذلك؛ يوم لك ويوم عليك.
وقد عجب كاتب هذه السطور من مطالبة السوريين الأسدَ بإعلان الحداد أسوة بالرئيس التركي، وكان الرئيس التركي قد أعلن الحداد أسبوعا على الضحايا، والعجب أولى من عدم إعلان الأسد النصر، أو عدم إعلانه يوم قهرمان مرعش عيداً وطنياً!
لم يطل الحزن الذي وحّد الشعب التركي، فالإنسان سريع النسيان، وكان الإنسان نسيّا. منذ شهور مضت والحيوانات تطوف حول نفسها محذّرة منذرة، وأمس غزا الجراد مكة المكرمة، وظهرت صور جحافل الحشرة والجمهور ذاهل، شارد عنه، مشغول بجهاد اللاعبين. وأصدر المركز الوطني للوقاية من الآفات النباتية والأمراض الحيوانية ومكافحتها في السعودية "وقاء"؛ بيانا ضد "المرجفين" قال فيه: "إنّ ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وجود جراد صحراوي في ملعب الشرائع بمكة المكرمة، إنما هو نوع من أنواع النطاطات يسمى "الجخاخ" أو "النطاط"، وهو جراد صديق مثل أمريكا، فعسى أن يكون كذلك!
ذُكرت أسباب كثيرة للزلزال لكن لم يذكر أحد كثرة القنابل التي ضرب الأسد وحلفاؤه سوريا بها، فقشرة الأرض سميكة، وإن لم تكن أغلظ وأسمك من قلب الإنسان. ولم يذكر أي تقرير أن الشعب السوري، مقيما ونازحا، ما يزال تحت الأنقاض.
twitter.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق