زلزال تركيا: مرحلة جديدة للعلاقة بالمهاجرين العرب
(حان وقت الوحدة) هو عنوان الحملة التي أطلقتها منظمة الإغاثة التركية IHH لحشد جميع الجهود لإغاثة منكوبي الزلزال، هي حملة وإن استهدفت أساسا الأتراك، إلا أنها -عمليا- شملت كل الجاليات المقيمة على الأرض التركية بما فيها الجاليات العربية التي تحركت منذ اللحظات الأولى لوقوع الكارثة لتكون كتفا بكتف مع أشقائهم الأتراك والسوريين في المواقع المنكوبة.
شهدت بنفسي حالة التفاعل العالية للمصريين والسوريين والعراقيين والليبيين والفلسطينيين واليمنيين وغيرهم من العرب المقيمين على الأرض التركية، وحملاتهم لجمع التبرعات المالية والعينية، وحملات التبرع بالدم، في مظهر جديد لاختلاط الدم العربي بالدم التركي، وقد اختلطت الدماء بصورة أخرى لكنها مأساوية تحت الأنقاض لضحايا عرب وأتراك أيضا.
نفرة عربية للإنقاذ
هرع الشباب العربي إلى مناطق الزلزال للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، هرع الأطباء المصريون إلى الجنوب التركي وكانوا أول من وصلوا إلى الشمال السوري لإنقاذ المصابين، هرعت النساء للتبرع بحليهن، تحولت الجمعيات العربية في تركيا إلى مخازن لتجميع المساعدات من خيام وبطاطين وأغطية وملابس ومولدات كهربائية وأدوية، وتجهيزها للشحن إلى المناطق المنكوبة بالتعاون مع منظمات الإغاثة التركية الرئيسية.
وقف الشباب العربي كتفا إلى كتف مع أشقائهم الأتراك في مراكز المنظمات الإغاثية التركية أيضا للمساعدة في شحن وإيصال المؤن والمساعدات إلى المناطق المنكوبة، فتح بعض المصريين والعرب بيوتهم لإيواء بعض المنكوبين الناجين، اقتسموا معهم الملبس والمطعم، إنهم يشعرون أنهم يردّون بعضا من الجميل للأتراك الذين فتحوا لهم بلادهم، وقاسموهم اللقمة والمسكن أيضا على مدار السنوات الماضية بعد اضطرار الكثيرين من ضحايا الربيع العربي للهجرة إلى تركيا التي عاملتهم بالفعل معاملة المهاجرين وسط أشقائهم الأنصار.
دماء السوريين والأتراك
إنها إرادة الله أن يضرب الزلزال جنوبي تركيا وشمالي سوريا، لتكون المصيبة واحدة، والمصير واحدا، وأصبح ما أحدثته السياسة من شروخ في العلاقة بين بعض الأتراك والمهاجرين العرب خلال الفترة الماضية في طريقه إلى الاندمال، بعد أن أصبح الجميع في مصيبة واحدة، فالمصائب يجمعن المصابين.
تحتضن تركيا نحو خمسة ملايين لاجئ عربي، بين طلاب وناشطين سياسيين هاجروا من بلادهم بعد انتصار الثورات المضادة، وغالبيتهم العظمى من السوريين يليهم العراقيون، وظلت معاملة الأتراك لهم طيبة في السنوات الأولى للهجرة، لكن أصحاب توجهات قومية عنصرية نجحوا في زرع الفتن، والتحريض ضد المهاجرين العرب، مما تسبب في وقوع بعض المشاجرات، والتعاملات السيئة، وقد نفخت بعض القوى السياسية في تلك النزعات العنصرية لتوظيفها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، التي تتصاعد التوقعات بشأن إمكانية تأجيلها عن موعدها بسبب الظروف الراهنة.
أما الأتراك ذوو الأصول العربية فهم يمثلون نسبة 11% تقريبا من الشعب التركي، وغالبيتهم من سكان المناطق المنكوبة، خصوصا لواء إسكندرون، وغازي عنتاب وأنطاكيا وهاطاي وشانلي أورفة وملاطيا وعثمانية وأضنة وديار بكر.
جسور الإغاثة الخليجية
ليس خافيا على الأتراك حجم المشاركة العربية في جهود الإنقاذ، سواء من العرب المقيمين على الأراضي التركية، أو الشعوب العربية التي تنافست في الجود بما لديها، أو الحكومات العربية التي أرسلت كميات كبيرة من المعونات العاجلة، سبقت بها غيرها من دول العالم. ويشعر الأتراك بصورة كبيرة بالمعونات الخليجية وفي مقدمتها الجسر الجوي القطري، والسعودي والكويتي، والمساكن الجاهزة التي وفرتها قطر، بالإضافة إلى لمعونات الخليجية والعربية إلخ.
تسهم هذه “النفرة” العربية في رسم ملامح علاقة جديدة بين الأتراك والعرب على الصعيدين الرسمي والشعبي، والأخير هو الأهم خصوصا للعرب المقيمين في تركيا، وفي مقدمتهم السوريون، الذين عانوا من بعض السلوكيات العنصرية خلال الفترة الماضية.
لم تقتصر جهود منظمات الإغاثة التركية على المناطق المنكوبة جنوبي البلاد، بل سارعت منظمة الإغاثة IHH إلى الشمال السوري منذ اليوم الأول في لفتة أخوية تؤكد أن لا فرق لديها بين تركي وسوري، كما سمحت تركيا بعبور المتطوعين العرب إلى الشمال السوري الذي افتقد الدعم الدولي وحتى الدعم العربي الكافي، ولا يزال الوضع كذلك حتى الآن.
معركة إعادة الإعمار
معركة إعادة الإعمار بعد رفع الأنقاض ستكون معركة كبرى، وستحتاج إلى المليارات، لبناء مساكن جديدة، وإعادة تأهيل البنية التحتية خاصة المطارات والموانئ وطرق النقل وخطوط النفط والغاز التي تضررت كليا او جزئيا. ورغم أن تركيا دولة ذات وضع اقتصادي جيد، فإنها ستكون بحاجة إلى مساعدات أو استثمارات دولية جديدة لإعادة الإعمار، وهنا ستبرز مجددا الاستثمارات والدعم العربي، سواء من الحكومات أو القطاع الخاص، وفي اعتقادي أنها ستكون سخية، ورغم أن تلك الاستثمارات ستحقق مكاسب بالتأكيد فإنها ستسهم أيضا في إعادة رسم العلاقة بين الشعبين التركي والعربي، وهو ما ينعكس إيجابا على الجاليات العربية في تركيا.
خلاصة القول إن التعامل مع الجاليات العربية في تركيا سيختلف بعد الزلزال عما كان قبله، وستتراجع حالة العنصرية في المجتمع بعد أن عاش الجميع كارثة واحدة، واجهوها كجسد واحد، وستتراجع شماعة اللاجئين في أجندة الجدل الانتخابي كثيرا لتحل محلها مدى قدرة الحكومة على علاج تداعيات الزلزال، وإعادة تسكين المنكوبين، وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، ووضع السياسات والتشريعات اللازمة لمجابهة أي زلازل مستقبلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق