دروس تربوية من القرآن الكريم
يفصل الله تعالى في كتابه العزيز بين المنافقين والمنافقات، وبين المؤمنين والمؤمنات، في الحال والمقام،
فحال المنافقين والمنافقات الظلام والسواد الكالح، وحال المؤمنين النور والضياء والبهجة والسرور،
ومقام المنافقين والمنافقات النار والعذاب الشديد، بما كسبت أيديهم والعياذ بالله.
وفي حال استجداء المنافقين للمؤمنين والمؤمنات أن ينظروهم ليلتمسوا من نورهم الذي أعطاه الله لهم؛ جزاء إيمانهم بالله وتصديقهم لرسوله ﷺ.
قال تعالى:
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ)
الحديد ١٣
وهؤلاء المنافقون الذين لم يؤمنوا بالله ولا برسوله يطلبون نفس جزاء من آمن بالله ورسوله، وهذا يتنافى مع العدل؛
بل كيف سوّلت لهم أنفسهم بأن يطلبوا ما ليس لهم بحق؟
ولكن هذا حال النفاق والمنافقين حين يرون العذاب، وإن وعد الله حق وإن الله لا يخلف وعده من ثواب، ولا يخلف وعيده من عقاب.
وفي السور الذي يحول بين الفريقين يقول: شهيد القرآن الأستاذ سيد قطب رحمه الله: يبدو أنه سور يمنع الرؤية ولكنه لا يمنع الصوت.
فهاهم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين (ألم نكن معكم) فما بالنا نفترق عنكم؟
وقد بُعثنا معكم في صعيد واحد؟ قالوا بلى! كان الأمر كذلك.
(ولكنكم فتنتم أنفسكم) فصرفتموها عن الهدى، (وتربصتم) فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة، (وارتبتم)
فلم يكن لكم من اليقين ما تعزمون به العزمة الأخيرة، (وغرتكم الأماني) الباطلة في أن تنجوا وتربحوا بالذبذبة وإمساك العصا من طرفيها،
(حتى جاء أمر الله) وانتهى الأمر، (وغركم بالله الغرور) وهو الشيطان الذي كان يطمعكم ويمنّيكم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ
(إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترًا منه على عباده، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا، وكل منافق نورا،
فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات؛ فقال: المنافقون (انظرونا نقتبس من نوركم)،
وقال: المؤمنون (ربنا أتمم لنا نورنا) التحريم (8)، فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا.(تفسير ابن كثير).
وقوله تعالى:
(فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)
قال: الحسن وقتادة هو حائط بين الجنة والنار.
وهذا الكلام في هذه الآية من الروعة والبيان ما فيه دلالة على إعجاز القرآن فهو بيان البيان؛
فيه من الدروس ما يفوق كل فهم وهو أعلى من كل شرح أو تفسير، ويأتي كلام البشر لأخذ الدروس والعبر، والموعظة كما بين الأستاذ سيد رحمه الله.
وأعقب على آخر كلامه النفيس رحمه الله؛ أن الشيطان قد يكون من الأنس أو الجن؛
فالشياطين تتعدد أشكالها وأنواعها وطرقها في الغواية؛
فلنحذر من مكائدها ووساوسها، ونتمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا ﷺ، فبهما العصمة وفيهما النجاة من النار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق