من أعلام المعاصرين .. محمد رشيد رضا
حفل عصرنا الحديث بكوكبة مباركة من المجددين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وثبتوا على الحق الذي آمنوا به ودعوا الناس إليه، وصبروا على كل نصَب ومخمصة.. ولهذا فلقد التفّ الناس حولهم، واستجابوا لمطالبهم النبيلة، ووثقوا بهم أشد الثقة.
محمد رشيد رضا .. (1282 ــ1354) هـ ـ (1865 ـ 1935) م
مولده ونشأته
محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية
جهود الشيخ رشيد رضا
استقامته وجهاده
تمثيل “رشيد رضا” للاسلاميين في عصره
قالوا عن “محمد رشيد رضا”
تأثر “رشيد رضا” بشيخه محمد عبده
خاتمة
مولده ونشأته
“محمد رشيد بن علي رضا. وُلد 27 جمادى الأولى 1282 هـ/23 سبتمبر 1865 في قرية “القلمون” (لبنان)، وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، وتُوفي بمصر في 23 جمادى الأولى (1354) هـ/22 أغسطس (1935)م.
كان أبوه “علي رضا” شيخًا للقلمون وإمامًا لمسجدها، فعُني بتربية ولده وتعليمه. حفظ القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم انتقل إلى طرابلس، ودخل المدرسة الرشيدية الابتدائية، ثم المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس التي كانت تهتم بتدريس اللغة العربية والعلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية، وقد أسّس هذه المدرسة وأدارها الشيخ “حسين الجسر”، وكان يرى أنه من الضرورة لرُفي الأمة الجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة الأوروبية الحديثة مع التربية الإسلامية الوطنية.
وحين أُغلقت المدرسة، توثقت صلة “رشيد رضا” بالشيخ “الجسر”، واتصل بحلقاته ودروسه، حيث أحاط الشيخ الجسر “رشيد رضا” برعايته، ثم أجازه سنة 1897 لتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية.
وفي الوقت نفسه درس “رشيد رضا” الحديث على يد “محمود نشابة” وأجازه أيضًا لرواية الحديث، كما واظب على حضور دروس نفر من علماء طرابلس مثل: الشيخ عبد الغني الرافعي، ومحمد القاوجي، ومحمد الحسيني، وغيرهم”. (1)
محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية
بداية شاذليــة ثم نقشبندية
لقد بدأ تصوف رشيد حين كان يقرئه شيخه “حسين الجسر” بعض كتب الصوفيـة ومنها بعض الفصول من “الفتوحات المكية”، وفصول من “الفارياق”.
يذكر “رشيد” في هذا المجال أن الذي حبّب إليه التصوف هو كتاب “إحياء علوم الدين للغزالي”.
ثم طلب من شيخه “الشاذلي محمد القاوقجي” أن يُسلكه الطريقة “الشاذلية الصورية” فاعتذر الشيخ وقال: “يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه؛ فهذا بساط قد طُوي وانقرض أهله”.
يقول عن هذه التجربة الصوفيــة”
“وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه، وأنه نافع يُرجى به معرفة الله بما لا يوصَل إليه بدونه”. (2).
هدايتـــه من الصوفية إلى السلفيــة
يعبر عن هذه التجربــة الصوفيــة بعد سنوات طويلة جداً في التصوف:
” إنني قد سلكت الطريقة النقشبنديــة، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها، وخضت بحر التصوف ورأيتُ ما استقر في باطنه من الدرر، وما تقذف أمواجه من الجيف، ثم انتهيت إلى مذهــــب السلــــف الصالحين، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين”. (3)
جهود الشيخ رشيد رضا
مجلة المنار وسِماتها
“تُعَدُّ مجلة المنار التي أصدرها الشيخ بعد شهر واحد من مقدِمه إلى مصر أكبر مجلة إسلامية في العالم الإسلامي بأسره، وأكثرها تداولاً وأعظمها تأثيرًا وأبعدها صيتًا.
كانت المنار منارًا للإحياء والتجديد والتربية والتعليم، وقد تصدت لقضايا الأمة بعامة، وعُنيت بإصلاح العقيدة ومحاربة البدع والخرافة، والاهتمام بشأن العلم المادي والتجريبي، والدعوة إلى إنهاض الأمة في جميع المجالات، ولقد كانت بصمات الشيخ “رشيد رضا” على المجلة واضحة، فهو أكبر محرريها، وأكثر من كتب فيها، بل جُلّ مقالاتها تُنسَب إليه شخصيًّا أو إلى المدرسة التي انتمى إليها في المرحلة الوسيطة من حياته”. (4)
“كانت مجلة المنار سجلاً تاريخياً لأحداث العالم الإسلامي طيلة أكثر من ثلث قرن، وكان (رشيد رضا) هو المنار بتحليلاتها السياسية، ودراساتها الشرعية.. ولهذا فلقد كان يواصل الليل مع النهار من أجل أن تخرج المنار في مطلع كل شهر.. والعجيب أنها كانت تخرج كثيفة المحتوى، كثيرة الفائدة، وكان بعيد النظر في تعليقاته ومواقفه، غزير المادة، كما كان أسلوبه قوياً متماسكاً. (5)
مقالاته
كتب رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأُمة وتقويتها وخص العلماء والحكام بتوجيهاته وغير ذلك قوله:
“إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمة، فاحكم على أمرائها وحكامها بالظلم والاستبداد وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس”.
عنايته بكتب السلف
حيث عُنِي بكتب “ابن تيمية” و”ابن القيم” و”محمد بن عبد الوهاب” وغيرهم؛ حتى اشتهر بذلك وأسماه خصومه بـ “الوهّابي”.
ولعل سبب هذه التسمية أيضًا أنه كتب مقالات عديدة في الدفاع عن الشيخ “محمد بن عبد الوهاب”، منها مجموعة مقالات أسماها “الوهابيون والحجاز” شرح فيها دعوة الشيخ، وجَلَّى مبادئها وأهدافها، كما كتب كتابًا رَدَّ فيه على خصوم الدعوة من الشيعة والرافضة، أسماه (السُنة والشيعة) أو (الوهابية والرافضة)، وعندما انتشرت الأراجيف ضدهم بعد افتتاح الطائف وزع ألوفاً من رسالة (الهدية السنية والتحفة النجدية) ونشر مقالات في الدفاع عنهم والرد على خصومهم، وقد قال له شيخ الأزهر أمام ملأ من العلماء: “جزاك الله خيراً بما أزلت عن الناس من الغمة في أمر الوهابية”. (6)
استقامته وجهاده
كما كانت عقيدته أسلم فقد كان مسلكه أقوم؛ فلم تُعرف له صلات مشبوهة مع الإنجليز، بل إنه فضح مخططاتهم وشنّع عليهم في مواضع عديدة من مقالاته، ولم يُعرف أنه انتسب إلى “الماسونية” كما ثبت ذلك في حق شيخيه “عبده” و”الأفغاني”.
ولقد حُمِدَ له تصديه لكتاب “علي عبد الرازق” (الإسلام وأصول الحكم) ومحاربته لجمعية “الاتحاد والترقّي” التي عملت على خلع السلطان “عبد الحميد الثاني” وتقويض الخلافة، ووصف “مصطفى كمال أتاتورك” بالإلحاد والمروق من الدين، وأصدر كتابه (الخلافة أو الإمامة العظمى) يدعو فيه بشدة إلى إعادة الخلافة الإسلامية، وعقد مؤتمرًا عام 1343 هـ للدعوة إلى هذا الأمر(7).
نبذ البدع وحرب الخرافات
من أهم ما دعا إليه نبذ التقليد، والتحذير من البدع والخرافات، والتنديد بمناهج الصوفيين وبيان ما وقعوا فيه من انحرافات وضلالات. وموقف رجال عصره من البدع والتقليد يختلف عن موقف رجال وعلماء عصرنا.
لقد عاصر رحمه الله هيمنة أصحاب البدع والخرافات على شئون العالم الإسلامي ومقدراته، فالسلطان “عبد الحميد” كان صوفياً نقشبندياً، وبقُربه قبع “أبو الهدى الصيادي” يأمر وينهى مدة لا تقل عن ثلاثين عاماً، وكان يوغر صدر السلطان “عبد الحميد” ضد كل جديد ومجدد.. وكان اسم وظيفته الرسمية “مشيخة المشايخ” أو “شيخ مشايخ الطرق الصوفية” و”نقيب الأشراف”.
وفي مصر خاض السيد رشيد معركة حامية الوطيس ضد “الخرافيين” و”المبتدعين”.. وردوا من جهتهم له الصاع صاعين، وحاولوا تشويه سمعته، وبالغوا في الإساءة إليه، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا: كان رشيد رضا أول داعية في العصر الحديث يتصدى للمبتدعين والخرافيين، وكان ينطلق في مواجهتهم من التزامه بمنهج أهل السنة والجماعة.
ربط المفاهيم الاسلامية بواقع العصر
كان بارعاً في ربطه بين التصورات والمفاهيم الإسلامية، وبين واقع العصر وذلك لأنه كان من العلماء المعدودين في عصره، وكان باعه طويلاً في العقائد والتفسير والحديث والفقه والأصول وعلوم اللغة العربية، والعلوم الاجتماعية.
كما كان إلمامه بمشكلات العصر جيداً وذلك بسبب أسفاره ومخالطته لعدد من علماء الغرب وفلاسفتهم، وكان يعرف أفكارهم وطروحاتهم، وله ردود جيدة عليهم في كتابه “الوحي المحمدي” وفي “مجلة المنار”.
تقديره لدور الجمعيات
كان رشيد رضا يدرك أهمية إنشاء الجمعيات وأنها تجمع الطاقات وتعظمها وتكسبها الاستمرارية، وأنها سبيل نهضة الأمة، فيقول عن دور الجمعيات في تربية الأمة ونهضتها:
“وإنما يقوم بذلك على الوجه النافع خيار الأمة ديناً وعقلاً وأدباً بتأليف الجمعيات الخيرية والعلمية، فإن لم يوجد من هؤلاء من يقوم بهذا العمل على وجهه بالتعاون، فإن الأمة تظل مذبذبة لا يستقيم لها أمر ولا يتم فيها إصلاح”.
وكان يسعى لتكوين الجمعيات المتخصصة، فجمعيات تعليمية وجمعيات سياسية وجمعيات اقتصادية، وهكذا، فيقول:
“وزماننا هذا زمان الجماعات العلمية والأدبية والسياسية، والشركات الزراعية والصناعية والتجارية”. (8)
تمثيل “رشيد رضا” للاسلاميين في عصره
عندما أصدر علي عبد الرازق كتابه (الإسلام وأصول الحكم) الذي تحمس له العلمانيون أشد التحمس، كان الكاتب يرد في بعض ما كتبه على رشيد رضا في كتابه (الخلافة أو الإمامة العظمى) الذي نشره في المنار قبل إلغاء أتاتورك للخلافة، وبيت القصيد أن العلمانيين كان يمثلهم علي عبد الرازق والإسلاميين كان يمثلهم رشيد رضا.(9)
إنشاء المدارس الشرعية الحديثة، والإرشاد، والجمعيات
في عام 1328هـ، قام برحلته الثانية إلى “القسطنطينية”، وكان هدفه إنشاء معهد ديني علمي في العاصمة للتربية الإسلامية الصحيحة الكاملة، والجمع بين التعليم الإسلامي بمواده الشرعية والتعليم الحديث بفروعه الرياضية والطبيعية والصحية والاقتصادية، وذكر جهوده التي بذلها لإزالة سوء التفاهم بين العرب والأتراك. (10)
حاول إنشاء مدرسة الدعوة والإرشاد بهدف الإصلاح الديني والاجتماعي في “الآستانة”، غير أن المحاولة فشلت فعاد إلى “القاهرة”، وأنشأ المدرسة فيها وتخرجت فيها أول دفعة (1912)، إلا أنه اضطر لإغلاقها مع بدايات الحرب العالمية الأولى.
أنشأ في مصر مع بعض العثمانيين «جمعية الشورى العثمانية»، وتولى رئاستها، وأسس لها فروعًا في أقطار مختلفة، وكانت تطبع منشوراتها باللغتين العربية والتركية، وأصدرت الجمعية جريدة تحمل اسمها (1907).(11)
قالوا عن “محمد رشيد رضا”
شكيب أرسلان
“ويطول العهد بعد الأستاذ الأكبر السيد “رشيد” ـ فسّح الله في أجله ـ حتى يقوم في العالم الإسلامي من يسد مسده في الإحاطة والرجاحة وسعة الفكر وسعة الرواية معاً، والجمع بين المعقول والمنقول والفتيا الصحيحة الطالعة كفلق الصبح في النوازل العصرية، والتطبيق بين الشرع والأوضاع المحدَثة؛ مما لا شك أن الأستاذ الأكبر فيه نسيج وحده انتهت إليه الرئاسة لا يدانيه فيه مُدانٍ مع الرسوخ العظيم في اللغة، والطبع الريان من العربية، والقلم السيال بالفوائد؛ في مثل نسق الفرائد والخبر بطبائع العمران وأحوال المجتمع الإنساني ومناهج المدنية وأساليبها وأنواع الثقافات وضروبها إلى المنطق السديد الذي لم يقارع به خصماً مهما علا كعبه إلا أفحمه
وألزمه، ولا نازَل قرناً كان يستطيل على الأقران إلا رماه بسكاته وألجمه.
وأجدِر بمجموعة “المنار” أن تكون المعلمة الإسلامية الكبرى التي لا يستغني مسلم في هذا العصر عن اقتنائها”. (12)
محمد فريد وجدي
يقول الكاتب الكبير الأستاذ العلاَّمة: محمد فريد وجدي (13) عن زميله النَّابه وصنوه العظيم، نقلا عن مجلة الأزهر (رجب 1354 هـ):
“إنَّ ثورة المرحوم السيد “رشيد” على البدع لا يوجد لها نظير، إلا في أفراد من السلف الصالح، فقد صمد لها صموداً أَشفق عليه منه حتى الذين كانوا يُشاطرونه رأيه من العارفين، ولكنهم لم يؤتوا الشجاعة التي أُوليها، فباتوا يتوقَّعون له الشرَّ المستطير، وقد لقي منه ما لو لقيه سواه لصدَّه عن السبيل، ولكنه ثبت للمعارضين، واستبسل في الكفاح أيما استبسال، حتى استطاع بفضل إخلاصه وصبره أن يحدث في الصفوف المتراصَّة حياله ثغرة، اقتحمها على مناوئيه، وفي أثره جمهور غفير ممن كانوا لا يجرؤون على مواجهتها مجتمعين، وأصبحنا وللسُّنَّة الصحيحة أنصار مُجاهِرُون، وحيال البِدَع خصوم مجاهدون.
فلو لم يكن لفقيد العلم والدين السيد “رشيد” رضا غير هذا الموقف لخُلِّد ذكرُه في تاريخ المسلمين، فما ظنُّك به وقد أسقط دولة التقليد، تلك الدولة التي قضت على المسلمين أن ينقسموا شطرين:
- شطراً جمَدوا على ما هم عليه من التقاليد المنافية لروح الدين.
- وقوماً مرقوا من الإسلام واتخذوا لهم غير طريق المؤمنين.
فكان السيد رشيد البطل المعلِّم في هذا الموطن الشريف تلقى بصدره كل ما يتلقَّاه المصلحون من الجامدين، وكان لجهاده أثر بعيد في تبصير المسلمين بسماحة دينهم، وبقاء باب الاجتهاد فيه مفتوحاً إلى يوم يبعثون”. (14)
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
“السيد محمد رشيد رضا، رحمه الله له فضل كبير على العالم الإسلامي، بصورة عامة، وعلى السلفيين منهم بصورة خاصة، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بوساطة مجلته المنار”.
ويقول أيضاً:
“فإذا كان من الحق أن يعترف أهل الفضل بالفضل، لذوي الفضل، فأجد نفسي بهذه المناسبة الطيبة مسجلاً هذه الكلمة، ليطّلع عليها من بلغته، فإنني بفضل الله عز وجل، بما أنا فيه من الاتجاه إلى “السلفية” أولاً وإلى تمييز الأحاديث الضعيفة والصحيحة ثانياً؛ يعود الفضل الأول في ذلك إلى السيد “رضا” رحمه الله ـ عن طريق أعداد مجلته المنار التي وقفت عليها في أول اشتغالي بطلب العلم”. (15)
العلامة ابن عثيمين
يقول عن موسوعية رشيد رضا:
“ولا ريب أن العلماء، علماء الشريعة، عندهم علم في الاقتصاد وفي السياسة، وفي كل ما يحتاجون إليه في العلوم الشرعية، وإذا شئت أن تعرف ما قلته فانظر إلى محمد رشيد رضا رحمه الله صاحب مجلة المنار في تفسيره وفي غيرها من كتبه”. (16)
الشيخ الغزالي
يقول رحمه الله:
“كان محمد رشيد رضا .. شارة السلفية الصحيحة والمفتي العارف بأهداف الإسلام والمستوعب لآثاره”، وإن “مدرسة المنار هي المهاد الأوحد للصحوة الإسلامية الحاضرة، وعلى الذين يرفعون القواعد من هذا المهاد أن يتجنبوا بعض الهِنات التي فات فيها الصواب إمامنا الكبير، فما نزعم عصمة له أو لغيره”.
ويقول:
“أتردد على تفسير المنار بين الحين والحين لأتعلم منه ما لم أكن أعلم، وهو في نظري موسوعة ثقافية موّارة بالأبحاث التي تشمل الدين كله”. (17).
تأثر “رشيد رضا” بشيخه محمد عبده
كان “رضا” من أبرز تلامذة ومحبي الشيخ “محمد عبده”، وهو وإن اختلف معه في بعض الأمور أو ابتعد عن منهجه في التفسير بعد أن استقل به منفردًا ولكنه ظل وفيّاً له، منافحًا عنه وعن الأفغاني حتى آخر حياته.
ومع انتهاجه مذهب السلف في الأسماء والصفات، والرجوع إلى الأحاديث النبوية ـ وهذا مما يختلف به عن شيخه ـ إلا أنه ظل متأثرًا به في كثير من المواضيع، فهو يردد شبهة العقلانيين التي تقول بأن علماء الحديث لم يبحثوا في المتون أو يعتنوا بها، وإنما كانت عنايتهم بالأسانيد، وظل متأثرًا بشيخه في موضوع “المعجزات” التي ذُكرت في القرآن يحاول تأويلها تأويلاً بعيدًا غير مقبول، اعتذارًا من “أحرار الغرب” ـ كما يسميهم..!”. (18).
ولقد أخبرنا رشيد رضا بنفسه عن منهجه في التفسير بعد أن انفرد في العمل بعد وفاة عبده، قائلاً:
“هذا، وإنني لما استقللتُ بالعمل بعد وفاته، خالفتُ منهجه رحمه الله تعالى بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السُنة الصحيحة، سواء كان تفسيراً لها أو في حكمها، وفي تحقيق بعض المفردات أو الجمل اللغوية، والمسائل الخلافية بين العلماء، وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة”. (19)
يمكن أن نفهم من هذا النص أنَّ رشيد رضا قام بعد استقلاله بالعمل بتضييق فسحة حرية النظر اللغوي والعقلي المستقل التي كان يمنحها عبده لنفسه أثناء تفسيره لصالح توسيع دائرة الاعتماد على النصوص الدينية؛ قرآناً وسنةً، وعلى أقوال السلف، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على التفريع الفقهي، والتوسع الكلامي واللغوي”. (20)
خاتمة
لا عصمة لأحد بعد رسول الله؛ وإنما يقارب الناسن ويقترب الخيرون، ولعل الله تعالى أن ينفع بهم وبعلومهم وجهودهم. ويجب عدم الغلو في الأشخاص ولا إجحاف حقوقهم وغمصهم حقهم؛ بل يجب العدل والأخذ بما اصابوا فيه مشكورين.
__________
هوامش:
- رشيد رضا: الإصلاح يبدأ بالصحافة والتعليم موقع إسلام أون لاين الأرشيف
- المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية. موقع صيد الفوائد.
- المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية. موقع صيد الفوائد.
- التعريف بمنهج المنار. موقع المكتبة الشاملة.
- السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، شكيب أرسلان، ص 366 الناشر مطبعة ابن زيدون بدمشق.
- السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة، شكيب أرسلان، ص 366 الناشر مطبعة ابن زيدون بدمشق.
- التعريف بمنهج المنار. موقع المكتبة الشاملة.
- الإمام المجاهد محمد رشيد رضا. موقع الراصد.
- مجلة البيان، العدد 11، 1408 هـ.
- محمد رشيد رضا.. الزاهد والمفكر والرحالة صاحب المنار. صحيفة الاتحاد،15 نوفمبر 2012.
- ترجمة السيد محمد رشيد رضا وفوائد من مؤلفيه ( مجلة المنار ـ تفسير المنار). موقع ملتقي أهل التفسير.
- حاضر العالم الإسلامي: المجلد الأول، الجزء الأول،؟ 284 والسيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة تأليف شكيب أرسلان، ص 15، مطبعة ابن زيدون بدمشق.
- محمد فريد وجدي (1878 – 1954) كاتب إسلامي مصري الجنسية من أصول شركسية ولد في مدينة الإسكندرية بمصر سنة 1878م / 1295 هـ وتوفى بالقاهرة سنة 1954م /1373 هـ. عمل على تحرير مجلة الأزهر لبضع وعشر سنوات.
- محمد رشيد رضا صاحب المنار موقع رابطة العلماء السوريين.
- مجلة البيان، العدد 11، 1408 هـ.
- موقع الشيخ، كتاب العلم، سؤال رقم 75.
- رأي الغزالي في رشيد رضا ونقد الغزالي. موقع الجزيرة نت.
- مجلة البيان – العدد 10 ، جمادى الآخرة 1408 هـ / فبراير 1988م.
- تفسير المنار 1/16.
- (قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير المنار وموقف النقاد منه) موقع ملتقي أهل التفسير.
اقرأ أيضا:
- من أعلام الأمة المعاصرين .. الشيخ أحمد محمد شاكر
- أما “سفر الحوالي” فقد أعذر إلى الله
- الأمة تفتقدكم .. فأين أنتم يا معشر العلماء
- استهداف العلماء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق