الديانة العالمية الجديدة (الإبراهيمية)
افتتح في أبو ظبي “البيت الإبراهيمي”، الذي يضم مسجدا، وكنيسة وكنيس يهودي كمحاولة لمنح بعد ديني لمسار التطبيع.
لقد ظهر وشاع في الآونة الأخيرة ما يُسمّي “الدين الإبراهيمي” فما هي حقيقة هذه الدعوي؟ وماذا يقبع خلف هذه الضلالة؟
المحتويات
ما المراد بالإبراهيمية
نشأة الفكرة وتطورها
مصطلحات “الإبراهيمية” ومفاهيمها
موقف اليهود والنصارى من هذه الدعوات
المنهجية وآليات التنفيذ
أساليب ومظاهر نشر دعوى “الإبراهيمية”
الاستعمار الأجنبي واستعمال بعض شيوخ المسلمين في توطيد أركانه
مآلات الإبراهيمية:
إيضاحات ووقفات فيما يتعلق بطبيعة هذه الدعوة الباطلة البدعية الكفرية:
واجب الأمة المسلمة في مواجهة الإبراهيمية الـمُصنَّعة
حتمية بقاء دين الإسلام
مقدمة
هذا المقال مستخلص من الدراسة العميقة الموثقة التي كتبتها الدكتورة/ هبة جمال الدين -نسأل الله أن يهديها للإلتزام والحجاب-، ومن بعض مقالات إخواننا الدعاة حفظهم الله.
لقد ظهر وشاع في الآونة الأخيرة ذكر ما يُسمَّى «الدين الإبراهيمي» أو «الدين الإبراهيمي العالمي« أو «الاتفاق الإبراهيمي» أو «الدين العالمي الجديد» نسبة إلى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فما حقيقة هذه الدعوى؟ وما مدى صحتها؟.
ولأجل أن تكون الأمَّة على وعي بما يُراد لها من مخططات ومؤامرات جديدة وبوسائل متجددة، فلابد من الردِّ على هذه الضلالة وتبيين حقيقتها.
ما المراد بالإبراهيمية
هي مبادرات ومشاريع ونظم واستراتيجيات ومرجعية دينية وثقافية وسياسية تدور حول محورية شخص سيدنا “إبراهيم” -عليه السلام- باعتباره الجد المعتبر لأصحاب الديانات الثلاث، والتي تشكل نصف العالم تقريبًا، كما تدور حول مرجعية قيم “المشترك الإبراهيمي” الذي تتفق عليه الديانات الثلاث لتهميش أو إلغاء أي مرجعية أو مركزية دينية أو ثقافية أخرى.
نشأة الفكرة وتطورها
- في أوائل التسعينات كانت بذرة هذه الفكرة الخبيثة، وذلك في رسالة من رجل يُدعى نصير (سجين مصري في السجون الأمريكية متهم بالإرهاب وبقتل الحاخام اليهودي (مائير كاهانا) وتتضمن هذه الرسالة فكرة مشروع “الاتحاد الإبراهيمي الفيدرالي”، وتهدف لتحقيق المصالح الأمريكية، وتقليص الصراعات في الشرق الأوسط. وقد أرسلت هذه الرسالة إلى عدة شخصيات أمريكية منهم هيلاري كلينتون، دون جواب من أيّ منهم.
- في عام 2000م تمَّ تبني الفكرة عمليًّا وتمهيد الطريق لها حينما تسلَّم (ديك تشيني) رسالة نصير وردَّ عليه قائلًا: “وصلت الرسالة”. وفي عهد الرئيس الأمريكي أوباما أخذت الفكرة زخمًا واهتمامًا كبيرين مقرونًا بمبادرات تمهيدية في أرض الواقع السياسي والثقافي والأكاديمي كما يظهر ذلك من زيارة أوباما للقاهرة..
- في عام 2004م تمَّ بلورة المصطلح والفكرة أكاديميًّا من خلال تبني بعض الجامعات له بالبحث الأكاديمي والتسويق العلمي، وإنضاج المشروع مؤسساتيًّا من خلال تهيئة الأرضية المؤسساتية والمجتمعية والفكرية والنفسية لتبنِّي الإبراهيمية، وكذلك التطبيقات التمهيدية بالتنفيذ الجزئي للمسار الإبراهيمي مع برامجه التنموية والسياحيَّة.
- في عام 2020م كان اكتمال نضج المشروع والتنفيذ المعلن والنشط له في ظل إدارة ترامب ونتن ياهو والتي كانت موجات التطبيع أهم ملامحها وبرامجها..
مصطلحات “الإبراهيمية” ومفاهيمها
أمامنا حزمة كبيرة من هذه المصطلحات التي فوجئنا بها في هذه الآونة والمتعلقة بالإبراهيمية، فمن هذه المصطلحات: الدين الإبراهيمي، وتارة يقال: الدين العالمي الموحَّد أو الموحِّد أو الجديد، أو البيت الإبراهيمي والعائلة الإبراهيمية، ومن هذه المصطلحات كذلك: أصحاب الحق الأصلي، والمراد بهم اليهود بحكم أنهم أقدم الشعوب الإبراهيمية وبالتالي هم الأصليُّون، ومن المصطلحات كذلك: الاتفاقات الإبراهيمية، والمسار الإبراهيمي، والدبلوماسية الروحية، والولايات الإبراهيمية المتحدة أو الإتحاد الإبراهيمي الفيدرالي، وغير ذلك.
وقد يصعب علينا أن نتناول كل ما له صلة بهذه المصطلحات لأنها كثيرة عديدة، لكن ربما نأخذ شيئًا من هذه المصطلحات لنعرِّفها بإيجاز:
1- الديانة الإبراهيمية أو الدين العالمي الموحّد
قال في تعريفه الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم: على أننا نحن جميعًا المسلمين واليهود والنصارى أبناء العائلة الإبراهيمية، وأنَّ الديانة الإبراهيمية هي التي نتشارك فيها.
ومن التعريف أعلاه يتبيَّن لك أنَّ هذا الدين المزعوم يقوم على تبني المشترك من القيم في الديانات الإبراهيمية الثلاث، وصياغتها وتوثيقها كمرجعية تلغي ما سواها، ويكون لها القدسية والاحتكام، وحيث أنَّ الإسلام يعترف ببعض ما جاء في اليهودية والنصرانية، وكذلك حال النصرانية مع اليهودية، بينما اليهودية لا تعترف بالإسلام ولا النصرانية فسيكون المشترك الفعلي هو بعض ما لدى اليهودية، فهذا المشروع يهدف بامتياز إلى نشر الثقافة اليهودية ورسم المعايير والقيم بناء عليها كمشترك إبراهيمي زعموا.
2- الدبلوماسية الروحية
أو دبلوماسية الاختراق الإبراهيمي للمجتمعات، أو دبلوماسية كسب العقول والقلوب وتسمى دبلوماسية المسار الثاني أي التي لا تعتمد على مسارات وبروتوكولات الدبلوماسية الرسمية، وتعتمد بصورة أساسية على استعمال العلماء والساسة بعضهم مع بعض في حلِّ النزاعات، واستعمال أدوات الإخضاع الناعمة، بالتركيز على القيم الدينية المشتركة، من خلال المراكز التي تُعنى بالبحث والدراسة بين الفريقين، وأنهم يشاركون في الرواية الأصيلة للقيم والفضيلة وأصول الأخلاق، وتعد هذه الدبلوماسية في الوقت الراهن من أهم الأدوات لتسويق الإبراهيمية وأخطرها، ومن خلالها ينشط من يسمَّون بالقادة الروحيين في تسويق الفكر الإبراهيمي وإضعاف المرجعيات الدينية الأخرى، ومن مظاهرها العامة إقامة الملتقيات ومنظمات حوار الأديان، والصلوات المشتركة بين قيادات دينية مختلفة لمقاصد مشتركة (كدفع جائحة كورونا)، ومن مظاهر هذه الدبلوماسية كذلك الاتفاق الأخير الذي جرى توقيعه بين الإمارات والبحرين والكيان الصهيوني برعاية أمريكية، أطلقوا عليه الاتفاق الإبراهيمي أو الاتفاق الإبراهامي باللفظ العبري؛ وبرغم أنَّ العرف الدبلوماسي والسياسي جرى على تسمية المعاهدات والاتفاقات السياسية بأسماء الأماكن التي تم توقيع الاتفاقية فيها، أو بأسماء الأشخاص ذوي العلاقة (كاتفاقية سايكس بيكو، وكامب ديفيد ووادي عربة وغيرها)، إلا أنَّ اتفاق السلام والتطبيع هذا أطلق عليه الاتفاق الإبراهيمي في إشارة إلى مصطلح الإبراهيمية التي على أرضيتها وخلفيتها جرى توقيع هذا الاتفاق.
3- المسار الإبراهيمي (السياحة الثقافية الدينية)
والمراد به مسار الحج الإبراهيمي، وهو مسار يتتبع رحلة إبراهيم من مولده إلى موضع موته ودفنه، ويرتبط بهذا المسار مسارات دينية وثقافية ثانوية وداعمة، كالمسار الصوفي ومسار أبناء الهيكل. ويغطي هذا المسار في مرحلته النهائية حوالي عشر دول تمتد على طول (5000كم) يخترق فيها حاليًّا تركيا وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وفي فترة لاحقة سيخترق إيران والعراق ومصر والسعودية (وصولًا إلى المشاعر المقدَّسة في مكة والمدينة).
وقد عملت جامعة هارفرد -وهي أحد الجامعات الدولية الداعمة للفكرة الإبراهيمية- على تبني هذا المسار بأبحاثه وتسويقه، وعلى القيام باستطلاعات لرأي شعوب المنطقة حوله، ومتابعة تنفيذه على أرض الواقع، حيث تمَّ تنفيذ حوالي (300كم) منه تحت مسمى مبادرة المسار الإبراهيمي، وكونت منظمة (API) والتي بدأت فعليًّا في استقطاب الحجاج والزوار، وتهيئة المرشدين السياحيين والبرامج الإثرائية لهم. ومن المتوقع لاحقًا أن يتمَّ تدويل هذا المسار باعتباره منطقة من مناطق التراث العالمي. وبالتالي سيكون هذا التدويل مدخلًا لتحكم الصهيونية العالمية في الدول العربية الواقعة على هذا المسار.
4- الولايات الإبراهيمية المتحدة أو الاتحاد الإبراهيمي الفيدرالي
وهي كافة دول الشرق الأوسط تقريبًا، وبالأخص الواقعة على المسار الإبراهيمي أو المباشرة له، والتي سينتهي بها المقام إلى كيان موحد على هيئة وحدة فيدرالية أو كونفدرالية. وتتجاوز مساحة هذا الكيان الإبراهيمي الموحد وحدوده ما يسمَّى بأرض إسرائيل (التي يزعمون أنها من الفرات إلى النيل) لتشمل مساحات ودولًا أكثر في المنطقة بما فيها جزيرة العرب.
ومن المتوقع أن يكون لليهود اليد العليا في إدارة هذا الكيان الموحّد، بحكم التفوق التقني والمعرفي والإداري والعسكري، ويدعم ذلك كلّه التعاطف العالمي..
موقف اليهود والنصارى من هذه الدعوات
يقول اليهود في بعض بروتوكولاتهم: عندما نغدو سادة لن نترك دينًا قائمًا غير ديننا القائم بالإله الواحد الذي يرتبط به مصيرنا.
والدعوة إلى الماسونية تقترب من هذا المعنى وترتبط به، فقد قال ما يسمَّى برئيس محفل الشرف الأعظم محمد رشاد فياض: الميمات الثلاث في الموسوية والمسيحية والمحمدية تجتمع هكذا في ميم واحد وهي ميم الماسونية، وأن باء البوذية والبرهمية تجتمع أيضاً في باء البناء -بناء هيكل الإنسان-. ثم يقول: الماسونية ليست عمالة لأي ديانة أو عنصرية معينة، إنها عقيدة العقائد وفلسفة الفلسفات وبالمبادئ الإنسانية هي مزينة.
أما النصارى فهم أكثر من عرفوا بنزعة التقارب والحوار المصوِّب للأديان الثلاث، وهذا يرجع إلى نحو سبعة أو ثمانية قرون ماضية عند النصارى، وكانت لهم مقولات اشتهرت وعرفت ونقلت وتداولها كثيرون حتى انتهينا إلى “ماسينيون” الفرنسي.
المنهجية وآليات التنفيذ
أولًا: الإبراهيمية مزيج من الفلسفات والعلوم الباطنية وبالأخص ما يعتنقه أصحاب حركة العهد الجديد (new age movement).
ثانيًا: تقوم على ما يسمى بعقيدة الثيوصوفية، وهذه عقيدة قام عليها فكر للغلاة الباطنيين كالحلاج وغيره، ولهذا كان “ماسينيون” مقتنعًا بما يطرحه الحلاج ويعده شهيد الإسلام، وتقوم على وحدة الديانات في جوهرها، وبأنَّ الدين الحق هو دين الحكمة، وهو دين فلسفي باطن، وهذا الدين في الحقيقة عبارة عن مزيج من أفلاطونية وبوذية وهندوسية وغنوصية وغير ذلك من النِّحَل.
ثالثًا: استغلال مفهوم التعددية الدينية في تطوير الدين العالمي، ويرون أنها يمكن أن تكون سببًا إلى إضعاف هذه الأديان وإعادتها إلى دين واحد وهو الحكمة التي هي منبع الشرائع والتعاليم.
رابعًا: تأجيج الصراعات الدينية والطائفية والعرقية داخل الدين الواحد، وأبناء البلد الواحد؛ حتى يتبرهن للناس أنَّ الدين الواحد غير قادر على حلِّ النزاعات الداخلية فيه، ولهذا يدعمون ما يسمَّى بالخلاف السنِّي الشيعي، والاقتتال السنِّي الشيعي، وذلك ملحوظ وظاهر في اليمن والعراق وغيرهما من البلاد. وهذا بدوره سيؤدي إلى تحويل بوصلة الصراع الإسلامي العربي مع اليهود المغتصبين لفلسطين، إلى صراع داخل الصف الإسلامي العربي (الإخوة الأعداء).
خامسًا: توظيف المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوربي وصندوق النقد والبنك الدوليين، والدعم الحكومي الرسمي من أمريكا وكندا وبريطانيا وغيرها من القوى العظمى في المعسكر الغربي.
سادسًا: استعمال الجامعات العالمية، فكثير من جامعات أوربا وأمريكا ألحقت بها مراكز للإبراهيمية تعنى بالترويج وإطلاق المبادرات والتدريب وإعطاء المنح الدراسية.
سابعًا: توظيف المؤسسات الدينية والرموز الدينية الكبرى، سواء مشيخة الأزهر أو غيره، أو الكنيسة أو المجمع البابوي أو مجلس الكنائس العالمي، كلُّ ذلك يخضع لهذا التوظيف الذي لا نرى مثله فيما يتعلق باليهود، وإنما نراه عند المسلمين فقط.
ثامنًا: تفريغ الساحة الإقليمية والعالمية حسيًّا ومعنويًّا من أي محورية دينية أو وطنية جامعة سواء كانت أدبيات أو فعاليات أو رموز أو قيادات أو منظمات، يمكن أن تصادم المحورية والمرجعيَّة الإبراهيمية أو تكون عثرة في طريقها.
تاسعًا: تعزيز التبرم الشعبي من الواقع والتطلع للمنقذ، من خلال نشر الفوضى الخلاقة وصناعة الدول الفاشلة مع تعزيز عدم الاستقرار في مناطق ثورات الربيع العربي، وهذا كله مشاهد على أرض الواقع.
عاشرًا: استغلال التعاونيات النسائية باعتبارها أهم سبل تحرير المرأة، والحركات الشبابية باعتبارهم أساس الحركة المجتمعية، وتدريبهم مع غيرهم من أتباع الأديان الإبراهيمية ومن ثمَّ استخدامهم في إقناع مجتمعاتهم بتطبيقها بالفعل داخل دور العبادة.
أساليب ومظاهر نشر دعوى “الإبراهيمية”
- دعوات الحوار بين الأديان.
- تأسيس منظمات واتحادات وجمعيات تتبنى الدعوى.
- إنشاء مؤسسات دينية ودور عبادة متعددة أو موحدة.
- إقامة فعاليات دينية مشتركة لأتباع الديانات الثلاث.
- إطلاق مبادرات ومشاريع إنسانية مشتركة.
- تهوين الشخصيات الدينية من الخلاف بين الديانات الثلاث.
الاستعمار الأجنبي واستعمال بعض شيوخ المسلمين في توطيد أركانه
لقد سمع الجزائريون من بعض المعمَّمين في بلادهم أنَّ فرنسا حين دخلت الجزائر إنما دخلت بقدر الله، وقدر الله غالب ولا يُغالب، وأنَّ من غالب فرنسا وجاهدها إنما يخالف إرادة الله تعالى القدرية ويعارض ما أراد الله تعالى للجزائر من التطور والتقدم باحتلال فرنسا لها!!
وسمع الليبيون نحو ذلك عن عمر المختار وأنه كان مارقًا خارجيًّا، وكان ذلك أيضًا من بعض هؤلاء المعمَّمين!
بل لما اختُرعت فكرة القومية لتفكيك الدولة العثمانية انبرت لهذه الفكرة قامات معمَّمة وغير معمَّمة تنادي بالفكرة القومية التي من شأنها أن تسلخ هذه الأقطار لتؤسس وفقًا لهذه القوميات دولًا جديدة وتسقط بذلك الدولة الجامعة؛ ليسقط المسلمون من وقتها في ضعف وانحدار ونزول إلى أن جاءت هذه الدولة القطرية القومية لتسلم فلسطين باتفاقات تطبيع وتركيع، إلى أن وصلنا إلى هذه الحال التي صار النداء فيها الآن بدين جديد هو الإبراهيمية.
وما أشبه الليلة بالبارحة، القومية العربية التي استعملت لهدم الدين والدنيا في مرحلة معينة وسلَّمت الأمَّة إلى كيانات ضعيفة مخترقة من قمَّتها إلى قاعدتها تُسلَّمُ الآن إلى الإبراهيمية التي ستطيح بالعقائد والشرائع في مقابل مزيد ضعف ومزيد انقسام وتفكيك ومزيد من الاستعمار بالوكالة، إنها فكرة توظيف الدين في هدم الدين والدنيا معًا، فإذا كان “هنتنجتون” قد كتب عن صراع وصدام الحضارات وتعقبه “برنارد لويس” بأنه في الحقيقة إنما هو صراع الأديان وليس الحضارات، وكان الدين -وفقًا لرؤيتهم- سببًا للصراع، فكان الجديد أنَّ الدين سوف يكون سببًا للسلام، ولكنه سلام يخادعون به السفهاء والأغرار والذين طاشت عقولهم وغابت عنهم بصيرتهم.
هذا السلام يبدأ بالحديث عن المشترك بين الأديان ثم ينتهي إلى نسف هذه الأديان جميعًا بالدين الإبراهيمي، يطالبون بتوظيف الدِّين ضد أهله؛ ليحقق مصالح سياسية عجز عنها الساسة التقليديون، فيأملون أن يحققوا تطبيعًا دينيًا بعد أن حققوا التطبيع السياسي، التطبيع السياسي وقع من الأنظمة، والتطبيع الديني يُنتظر من الشعوب، وعملوا على تأهيل صنائع لهم من رجال الدين؛ ليمرروا صفقات التطبيع وليعقدوا صفقة القرن مع ضلالة القرن في سياق واحد، فضلالة القرن التي تضل الناس عن دينهم مع صفقة القرن التي يتخلى فيها الناس عن مقدساتهم وأرضهم، هي في الحقيقة تمييع لدين الأمة وتصفية للقضية الفلسطينية وتصفية لأمر وشأن القدس ولكن تغلف هذه المحاولة بتلك الصور التي ظهرت.
مآلات الإبراهيمية:
الوجه الأول: مآلات دينية: ومنها:
- تأكيد الدعوى المادية حول الدين التي تتبنى “بشرية الدين”، دين البشر لا دين الله، حيث المحور “إبراهيم” وليس “الله” جلَّ جلاله.
- تبديل دين المسلمين، وهذا من أخطر ما يكون، من خلال تطرق الفتنة إليهم في عقائدهم الصحيحة ووقوع جمهور المسلمين وعامتهم في حالة من الحيرة، والبلبلة بسبب هذه الشبهات والشهوات المستعرة.
- انحسار المدِّ الدعوي الذي يعرفه العالم بأسره للإسلام بسبب هذا الطرح العجيب الغريب.
- انحلال رابطة الأخوة الإيمانية التوحيدية بين أهل الإسلام، وإحلال أخوة بديلة بين المسلمين وغيرهم.
- إبطال مقاومة المغتصبين وجهاد المحتلين بزعم أنهم أصبحوا إخوة في الدين الإبراهيمي.
- تبديل مفاهيم وإحلال أخرى بحسب ما يمليه دهاقنة هذا الدين الجديد.
- تعميم الشريعة اليهودية وإقصاء الشريعة الإسلامية واستمرار هذا الحلف الدنس بين المسيحية المتصهينة وبين اليهود على حساب أهل الإسلام، ومنح المصداقية للشرائع المحرفة التي نسخها القرآن.
الوجه الثاني: مآلات سياسية: ومنها:
- تمرير مشاريع التطبيع مع المحتلِّين، وتجريم الجهاد لمقاومة الاحتلال الصهيوني الغاصب لفلسطين.
- إفقار الشعوب المسلمة واستغلال ثرواتها لحساب أعدائها، وفي الوقت نفسه تقديم المراكز الإبراهيمية لمشاريع وأعمال تمثل مدخلًا لإيجاد دخل للأسر الفقيرة، من أجل أن تحظى بقبول مجتمعي بالنظر إلى مساهمتها في مكافحة الفقر؛ أي صناعة ما يمكن أن يزعم أنه المنقذ من الفشل والمعاناة والتخلُّف.
- وإحلال رؤوس الأموال اليهودية والشركات العملاقة اليهودية والغربية كبديل منقذ.
الوجه الثالث: مآلات ثقافية: ومنها:
- إزالة ما يشير إلى عداوة اليهود والنصارى للمسلمين من المناهج الدراسية والمحتوى الثقافي والإعلامي والدعوة إلى التعامي عن الواقع بجميع أبعاده.
- زرع الفتنة والتنازع والعداوة بين المسلمين، من خلال جعلهم فريقين: فريق مؤيد للدعوة “الإبراهيمية” مدعوم من جهات عديدة، وفريق رافض لها متمسك بدينه.
- فتح الأبواب على مصراعيها للمنتجات الثقافية من الديانات الأخرى، ولو كانت تؤدي إلى خروج المسلم من دينه، بحجة تلاقي الثقافات والأديان تحت المظلة الإبراهيمية.
إيضاحات ووقفات فيما يتعلق بطبيعة هذه الدعوة الباطلة البدعية الكفرية:
- أولًا: إنَّ المقصود بما يُسمَّى بالدين الإبراهيمي هو: الخلط بين دين الإسلام الحق الذي لم يُحرَّف، وبين اليهودية والنصرانية المحرَّفة، بزعم أنَّها كلها تنتسب إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، نظرًا لرمزيته في الشرائع السماوية الثلاثة.
- ثانيًا: يدعو هذا الدين الباطل إلى بناء» مسجد، وكنيسة، ومعبد« في مكان ومحيط واحد، بدعوى حرية الأديان وأنها كلها أديان تتبع لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واختيار المشترك الشائع بين الديانات الثلاثة وتنحية المختلف عليه منها.
- ثالثًا: إنَّ مما يجب أن يُعلم ويُعتقد أنَّ دين الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله جلَّ وعلا لخلقه وأرسل به رسله جميعًا عليهم الصلاة والسلام، ولا يَقبل غيره من الأديان، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ ﴾ [آل عمران/19]، فدين الأنبياء جميعًا هو الإسلام، والذي يعني توحيد الله والانقياد له بالطاعة، الأنبياء الذين هم صفوة البشرية وأفضلها من لدن أبينا آدم مرورًا بنوح إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إلى موسى وعيسى إلى خاتم النبيين محمد صـلى الله عليه وسلم هؤلاء الأنبياء -وغيرهم- جميعًا كانوا على الإسلام موحِّدين لله متَّبعين لشرعه وقانونه، هذا القانون الذي لم يختص بالبشر، بل شمل الجماد والحجر، كما قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 83 قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 84 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران/83-85].
فهذا نوح عليه السلام يقول: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس/72].
وهذا إبراهيم عليه السلام يقول الله عنه: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ 130 إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 131 وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 132 أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة/130-133].
وهذا موسى عليه السلام يقول لقومه: ﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ یَـٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَیۡهِ تَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِینَ ﴾ [يونس/84].
وهذا عيسى عليه السلام يمنُّ الله عليه بإسلام الحواريين حيث يقول: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة/111].
وبالإسلام أمر الله البشرية، كما قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة/136].
فالأنبياء جميعًا دينهم واحد وهو توحيد الله والانقياد له بالطاعة، وإن اختلفت شرائعهم في بعض الجزئيات والفروع فهذا كما يحدث النسخ في الشريعة الواحدة، لكن أصولهم واحدة.
فمن أراد تحقيق العدل المطلق في الأرض وتحقيق السلم العالمي فعليه أن يتَّبع الأنبياء وما جاءوا به من عند الله من التوحيد والتشريع، بل إنَّ الظلم الموجود اليوم في الأرض وسفك الدماء بغير حق والأزمات الاقتصادية وغيرها إنما هو بسبب تنحية شرائع الأنبياء والكفر بها،
كما قال تعالى عن بني إسرائيل: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ 84 ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 85 أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة/84-86]،
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ 65 وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة/65-66].
عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ: ذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ ، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ زِيَادُ ، إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ ، أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ، لَا يَعْمَلُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهِمَا . ؟. 1
- رابعًا: إنَّه من المقرر المعلوم أنَّ النبي صـلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وأن الله أرسله قُرب قيام الساعة، وأرسله إلى النَّاس كافَّة بكلمة الله الأخيرة للبشرية المتمثلة في القرآن العظيم، ولو كان سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام حيَّين لوجب عليهما اتباعه، ولذلك حين ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان سيحكم بشريعة الإسلام، فقد قال عنه النبي صـلى الله عليه وسلم: «.. ويدعوالناسَ إلى الإسلامِ [ولفظ أبي داود: « فيقاتِلُ النّاسَ على الإسلامِ »]، فيُهلِكُ اللهُ في زمانِه المِلَلَ كُلَّها، إلّا الإسلامَ..». 2 ويجب على كلِّ من سمع وعلم برسالة محمد صلى الله عليه وسلـم سواء في زمانه وبعد مماته كذلك إلى يوم القيامة الدُّخول في دين الإسلام، والإيمان بنبي الإسلام محمد صـلى الله عليه وسلم واجب على الأُمَّة جميعها أمة الإجابة، وأمة الدعوة سواء كانوا يهودًا أو نصارى أو غيرهما من الأديان، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران/81].
قال ابن عباس: ثم ذكر ما أخذ عليهم -يعني: أهل الكتـــاب- وعلى أنبيـائـــهـم مـــن الــميثاق بتصديقه -يعني: بتصديق محمد صـلى الله عليه وسلم- إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ..﴾. 3
وقال قتادة -رحمه الله- في تفسيرها: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضًا، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم -فيما بلغهم رسلهم- أن يؤمنوا بمحمد صـلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه. 4
وعن أبي هريرة عن رسول الله صـلى الله عليه وسلم أنه قال: « والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلّا كانَ مِن أصْحابِ النّارِ. ».5
- خامسًا: لقد ردَّ الله تعالى محاجَّة اليهود والنصارى ومجادلتهم لما ادَّعى اليهود أنَّ إبراهيم كان يهوديًّا، وادَّعى النصارى أنَّه نصراني، وجادلوا على ذلك، فقال الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 65 هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 66 مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 67 إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران/65-68].
- سادسًا: إنَّه من المشاهَد في واقعنا اليوم أنَّ الأمة الإسلامية تواجه مكرًا وكيدًا عالميًّا، لتبديل وتغيير دينها، من خلال السعي والترويج لبدعة الدين الإبراهيمي الـمُصنَّع، لذا فإنَّ الواجب على المسلمين عامة والعلماء خاصة السعي بكلِّ الوسائل من أجل استبانة سبيل المجرمين، وفضح كيد الماكرين والمتلاعبين الممسوخين، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام/55].
- سابعًا: إنَّ الدعوة لهذا الدين الجديد لها عِدَّة أبعاد وأهداف دينية وسياسية، وفكرية وعقدية، حيث جاء طرحها وعرضها ضمن منهجية خبيثة ومفاهيم جديدة، بهدف إعادة قراءة النصِّ الديني ونزع قدسيَّته من النفوس، بما يوافق رغباتهم ونزعاتهم وأهوائهم الخبيثة الباطلة، وهي بحدِّ ذاتها سلخ للأمة عن دينها وعقيدتها وفطرتها السليمة الصحيحة.
- ثامنًا: لقد دلَّ النص والإجماع على أنَّ الدخول في مثل هذا الدين الجديد، والترويج له ونشره، والسير في مساراته المتعددة، وطرقه المتنوعة والمختلفة هو ردَّةٌ عن الإسلام، وكفر بجميع المرسلين.
- تاسعًا: إنَّ المراد من هذه الدعوة الباطلة هو تفكيك ملة إبراهيم الحق التي هي دين الإسلام الحق، والتي أمر نبينا صـلى الله عليه وسلم باتباعها، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل/123]، وتفريغه من محتواه وجوهره ونوره وهداه، وإبداله بدين جديد مصنوع من أهوائهم وأفكارهم وثقافتهم الباطلة، سَمَّوه “الإبراهيمية” وهو في الحقيقة يعمل على طمس معالم الدين الإسلامي الحق، ومحاربة أحكام الشريعة الإسلامية. قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة/217].
واجب الأمة المسلمة في مواجهة الإبراهيمية الـمُصنَّعة
1) الوعي بتلك المخططات وبيان تلك المآلات وإظهار أضلاع هذه المؤامرة وإطلاع الشعوب على ما يُراد بها، ونشر العلم بثوابت الدين ومحكمات الملَّة وعبر التاريخ، فمعركة الوعي هي أهمُّ محطة في مواجهة هذه الفتنة والمحنة، وهو من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله.
2) تقوية روح المقاومة عند أبنائنا وإخواننا وعند أمتنا بشكل عام، سواء مقاومة الانحرافات الدينية والفكرية، أو مقاومة هذه الكيانات الغاصبة والدول المتغوِّلة على حق أمتنا.
3) إيجاد ما يسمَّى بالحوار الإسلامي الإسلامي، فأهل السنَّة وأهل القبلة مطلوب منهم الاجتماع على كلمة سواء مهما كانت الاختلافات بينهم، وذلك عندما يكون الخطر وجوديًّا، وهناك فرق بين الفقه زمن السعة والاختيار، والفقه زمن الشدة والاضطراب، فنحتاج كلَّ ساعدٍ يدفع عن الأمة وكلَّ عقلٍ يدفع عن دين المسلمين.
4) إيجاد مراكز بحثية متخصصة تعتني ببناء العقل الاستراتيجي في الأمة وتعتني باستشراف المستقبل والبحث عن البدائل.
5) العناية بشأن الشباب والتركيز عليهم؛ فأعداء الله يبنون مؤسسات خاصة تعتني بالشباب وترعاهم؛ لأنهم هم العقول التي سوف تبني المستقبل وهم السواعد التي سيقوم عليها البناء، فإذا استطاعوا أن يخترقوا الشباب وأن يُجنِّدوا بعضهم وأن يحيِّدوا آخرين، فقد وصلوا إلى هدفهم.
6) العناية بالأسرة والحفاظ على تماسكها وتدينها بالدين الحق.
7) إيجاد المحاضن التربوية البديلة التي تربي الجيل الصاعد وعموم الأمة على الدين الحق واتِّباع ملَّة إبراهيم الحق.
حتمية بقاء دين الإسلام
وفي نهاية هذا المقال علينا أن نعلم علم اليقين أنَّ دين الإسلام هو كلمة الله الخالدة الباقية إلى يوم الدين، وأنَّ هذه المحاولات البائسة في حرب الإسلام قد خلت من قبلها المثلات، فعادت بالخيبة والخسران، ذلك أنَّ من يحاولون طمس نور الإسلام الذي هو ملة إبراهيم كمن يريدون أن يطفئوا نور الشمس بأفواههم، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 32 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة/32-33].
وستشرق الأرض بنور ربها حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ فعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صـلى الله عليه وسلم يقول: « لا يَبْقى على ظَهرِ الأرضِ بَيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا أدْخَلَه اللهُ كَلِمةَ الإسلامِ؛ بعِزِّ عَزيزٍ، أو ذُلِّ ذَليلٍ؛ إمّا يُعِزُّهُم اللهُ فيَجْعَلُهم مِن أهْلِها، أو يُذِلُّهم فيَدينون لها. ». 6
كما أن هذه الفكرة مصادمة للسنن الكونية والشرعية، فنحن على يقين بفشلها..
وهذا لا يعني التواكل وترك الباب مفتوحًا لينفذ منه أعداء الملة والدين إلى قلوب أبناء وبنات المسلمين ليلبسوا عليهم دينهم، بل يجب علينا مجاهدتهم ومدافعتهم بما نستطيع من قول وفعل، حتى نؤدِّي حق الله الذي افترضه علينا من الجهاد لنصرة دينه وإعلاء كلمته، وكذلك نحمي أنفسنا وأجيال المسلمين من أن تنحرف عن الصراط المستقيم..
نسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويعزَّ أولياءه ويذلَّ أعداءه، وأن يحفظ أمة الإسلام من كيد الفجار والأشرار.. إنه سميع مجيب.
الهوامش:
- رواه ابن ماجه (4048) وصححه ابن كثير والألباني.
- رواه أحمد (9270)، وأبو داود (4324)، وصححه ابن حجر في فتح الباري (6/493)، والألباني في الصحيحة (2182)، وأصله في الصحيحين.
- رواه الطبري بإسناد حسن.
- رواه الطبري بسند صحيح.
- صحيح مسلم (153)
- رواه أحمد (23814) وصححه الألباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق