عبد المنعم منيب
كاتب إسلامي وباحث سياسي
مع الشيخ رفاعي سرور من «أصحاب الأخدود» وحتى «التصور السياسي»
فضيلة الشيخ رفاعي سرور رحمه الله كان ممن تتلمذت عليهم في شبابي المبكر، وأول مرة سمعت عنه كانت حين حدثني عنه طارق الزمر وحكى لي نبذة عن حياة الشيخ رحمه الله وكتبه وربما اطلعت وقتها على كتابيه «عندما ترعى الذئاب الغنم» و «أصحاب الأخدورد» وكان ذلك في عام 1980 أو بداية 1981 ، وفى أكتوبر 1981 اعتقلت وصرت في نفس السجن الذي اعتقل فيه الشيخ رفاعي سرور رحمه الله وهو سجن استقبال طرة بجنوب القاهرة، وفى النصف الأول من عام 1982 توقف التعذيب وسوء المعاملة بالسجن بدرجة كبيرة وتمكن الشيخ رفاعي (وغيره من المشايخ والدعاة بالسجن) من إلقاء دروس بالليل بعد غلق أبواب مبنى السجن وانسحاب أغلب قوة السجن من المبنى إلى الخارج، وكانت الدروس تلقى من نوافذ أبواب الزنازين المطلة على ساحة المبنى فيسمع المبنى كله، وألقى الشيخ رفاعي سرور وقتها دروسا تتضمن سردا وشرحا لكتبه التي كانت حتى ذلك الوقت لا تتعدى سوى أربعة كتب هي:
أصحاب الأخدود
عندما ترعى الذئاب الغنم الجزء الأول
بيت الدعوة
حكمة الدعوة
وقد ركزت أكثر في متابعتي لدروسه على «أصحاب الأخدود» و«عندما ترعى الذئاب الغنم» وكنت أقابله عندما يتاح لنا الخروج من الزنازين لفترات قصيرة يوميا تتراوح المرة من ربع ساعة إلى ساعة كاملة، كنت أصافحه وأقف منصتا لكل كلمة يقولها ويلتف الأخوة حوله يسألونه أو يناقشوه بينما أنصت أنا فقط وأتابع إذ كان عمري وقتها 17 عاما.
وبمناسبة الإنصات فأذكر أنني ظللت أنصت لكل عالم أو متخصص ولا أجادل ولا أحاول أن أدلى بوجهة نظر خاصة حتى تخرجت من كلية الآداب ثم بلغت 25 عاما، وبذا أكون أنصت ودرست لمدة تزيد عن 11 عاما متواصلة، فقط كنت أسأل تساؤلا يأخذ أحيانا صورة النقاش لكنه لم يكن أبدا نقاشا أو مخالفة حقيقية وإنما كان إظهار قليل من المعارضة بغرض استخراج علم وفكر المتحدث كما يفعل المذيعون والصحفيون مع ضيوفهم.
كان الشيخ رفاعي سرور رحمه الله مفكرا إسلاميا مبدعا جدا متقيدا في فكره بعقيدة أهل السنة والجماعة ومنهجهم في البحث والاستدلال ورغم هذا كان متواضعا تواضعا بالغا لدرجة أنك لو رأيته وتعاملت معه دون سابق معرفة تظن أنه شخص عادى جدا من عامة الناس، وظل هكذا طوال عمره.
ومثله مثل أي مفكر مبدع تجده متألقا في بعض كتاباته وكتبه بينما تجد بعضا منها هي كتابات وكتب عادية يمكن لأي عالم عادى كتابة مثلها، ومن واقع اطلاعي على أغلب كتبه فأعتبر أن عددا من كتبه مثلت علامات مميزة وهى:
«أصحاب الأخدود» الذي أظن انه كتبه وعمره 16 عاما حسبما حكى على ما أذكر.
«عندما ترعى الذئاب الغنم» الجزء الأول «بيت الدعوة» «حكمة الدعوة» «قدر الدعوة» «التصور السياسي للحركة الإسلامية»
وقمة الإبداع في هذه كلها بل وفى كل كتبه تجدها (بالترتيب) في:
عندما ترعى الذئاب الغنم الجزء الأول
قدر الدعوة
التصور السياسي للحركة الإسلامية
ففي كتابه «عندما ترعى الذئاب الغنم الجزء الأول» يقدم تحليلا نفسيا وسياسيا لشخصية إبليس ميبنا دوره في السياسة بعامة وفى القيادة السياسية العالمية لقوى الكفر والشر والضلال بشكل خاص ويبين أيضا كيفية مواجهة كل صفة نفسية أو سياسية لإبليس وهزيمته في مجال هذه الصفة.
أما في كتابه «قدر الدعوة» فيقدم المنهج الإسلامي الشامل لسنن الله في سير الأحداث بعامة وشأن الدعوة الإسلامية بخاصة ومن ثم سبل النصر وأسباب الهزيمة، ولولا كتابه «عندما ترعى الذئاب الغنم الجزء الأول» لقلت أن كتابه «قدر الدعوة» هو أروع كتبه لكن الكتابين كليهما في قمة الروعة ولا أعلم كتابا يضاهيهما في موضوعهما لأي مفكر أو عالم إسلامي في العصر الحديث حتى يومنا هذا بحسب علمي، والله أعلم.
أما كتابه «التصور السياسي للحركة الإسلامية» فمن أروع الكتب بشأن النظرية السياسية الإسلامية حيث ذكر أن لب النظرية السياسية الإسلامية والتصور السياسي الإسلامي والقيمة العليا فيهما هي وحدة الصف الإسلامي ودلل على ذلك بالسنة والسيرة والقرآن طبعا، وأظن أن هذا الكتاب كان وضعه باتفاق مسبق جرى بينه وبين عبود الزمر قبل خروج الشيخ رفاعي سرور من السجن عام 1984 بحيث يؤلف الشيخ كتابا عن التصور السياسي الإسلامي لرفع مستوى الفكر السياسي الإسلامي بين الصف الإسلامي بعامة وشباب التيار الجهادي بخاصة في ذلك الوقت بمنتصف الثمانينات من القرن الماضي ولكن صدور الكتاب تأخر لأسباب شتى إذ صدر بأواخر الثمانينات أو أوائل التسعينات على ما أذكر.
وفى عام 1982 ذكر لي أحد الأخوة ونحن بسجن استقبال طرة أنه سيحاول يسأل الشيخ رفاعي سرور عن حرب العصابات وإمكانية تنفيذها ضد النظام الحاكم بمصر باعتبار أنه رحمه الله كان الساعد الأيمن ليحيى هاشم الذي سعى لشن حرب عصابات ضد الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1974، لكنى لم اسمع الشيخ رفاعي سرور يتكلم أبدا عن أي عمل مسلح وإنما كلامه دائما كان في الفكر والسياسة، لكن هناك أخوة آخرون كثر تتلمذوا بأكثر منى على الشيخ رفاعي رحمه الله ولعل لهم معه مناقشات أخرى.
تاريخ الشيخ رفاعي سرور سواء في تنظيم الجهاد القديم أو في تنظيم الجهاد الجديد كتبت عنه في كتبي ومقالاتي المتعددة، وذكر لى أحد الأخوة المقربين من الشيخ رفاعي (لعله خالد حربي فرج الله عنه) أن الشيخ عندما قرأ ما كتبته عنه قال له: هو عبد المنعم عرف الكلام ده كله من أين؟؟” وتعجب الشيخ رفاعي من معلومات محددة قائلا له: هذه المعلومات لا تعرفها حتى أجهزة الأمن فهذه كانت أسرار بيني وبين عبود الزمر.
وكان الشيخ رفاعي جرت محاكمته ضمن قضية تنظيم الجهاد في الفترة من 1981 وحتى 1984 ثم أفرج عنه وكانت محاكمته على خلفية علاقته بتنظيم الجهاد الذي أسسه وقاده محمد عبد السلام فرج رحمه الله وعبود الزمر ونبيل المغربي رحمه الله، وكانت علاقة الشيخ رفاعي سرور المباشرة مع عبود الزمر وحده حفاظا على السرية.
لكن الشيخ رفاعي سرور رحمه الله بعد هذه القضية لم يرد اسمه في أي قضية كبرى للتنظيمات الجهادية واشتغل بالدعوة العامة كلما تيسر له كما اشتغل بالكتابة وكتب ونشر كتبا ومقالات عديدة كما سجلت له فيديوهات عديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق