جمال الجمل
(أنا واللي بحبه)
اللحن السياسي المصري وصل إلى درجة من النشاز والسوقية، يصعب معها الاستماع إليه أو نقده أو التعامل معه بجدية، المستوى تدنى إلى درك لا تصلح معه الكتابة الجادة، ربما لذلك ظهرت أصوات كثيرة تتناسب مع انحطاط المستوى الرسمي في الخطاب وفي السياسات..
استمعت قبل أيام (بالمصادفة التعيسة) إلى تصريحات السيد عبد الفتاح السيسي عن أصحاب الفضل في صون مصر، فلم يكونوا جنودها، ولا قادتها، ولا شعبها الصبور، بل كانوا "أصحاب الرز" الذين دفعوا لفرض اتجاه محدد ضد ثورة الشعب، ثم استردوا مقابل ما دفعوه أضعافاً من خلال الامتيازات والاستثمارات المشبوهة التي خلطت أوراق الاقتصاد المصري البائس، وحطمت الاحتمالات الممكنة لنهوض القطاع الخاص المحلي وقيامه بأي دور لسد الفجوات المهولة التي أدت إلى عجز وأزمات متوالية في السلع والأسعار: من السيارات إلى طعام الكتاكيت.
(أدب المتسولين)
تحدثت القاهرة عن أزمة مع دول الخليج، انعكست على أداء الجمهور في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المفهوم أن آراء الناس كانت نتيجة تالية لوجود الأزمة، لكن القيادة السياسية "المؤدبة" اختارت الأسف والاعتذار، والاعتراف بفضل الأشقاء في "حفظ مصر"، ووجهت اللوم للجمهور المسيء الذي تفاعل مع الأزمة، وبالتالي فهِمَ بعض الطيبين أن الناس (كالعادة) هم "مشعلو الحرائق" وسبب الأزمة!
لكن السؤال الذي تجاهلت مصر السلطة الإجابة عليه أو الاقتراب منه هو: أين الأزمة؟ وما أصل الخلاف السري مع الخليج؟ وهل القصة كلها في حدود تعليقات خليجية تنتقص من كرامة مصر، وتعليقات مصرية مضادة؟
أعتقد أن هذا هو السؤال الذي يليق بأي خطاب سياسي يحترم العقول ويحترم الشعوب، لأن العلاقات بين الدول لا تعتمد على "الاحترام اللغوي" من عينة "حضرتك يا ربنا" و"أصحاب الفضل" و"انتو نور عينينا"، فقد أثبتت مجريات الأحداث كذب اللغة الودودة المهذبة التي تشبه "أدب الجرسونات" أو "أدب المتسولين"، لأن العلاقات الدولية والإقليمية تحتاج إلى عوامل واقعية أكثر من اللغة، وهو ما يدعونا لإعادة طرح السؤال: ماذا وراء الأكمة؟
(تيران- جيت)
ترددت قبل فترة أخبار متناثرة من الكواليس، عن مماطلة القاهرة في تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية!
غريبة.. القيادة كانت متحمسة لإعادة الحقوق لأصحابها حسب وصية المغفور لها للابن البار، والخرائط والوثائق والاجتماعات كلها أكدت أن تيران وشقيقتها الصغرى سعوديتان منذ الميلاد، ولا مجال للنقاش في ذلك (الموضوع منتهي ومش عاوز أسمع كلام فيه تاني).
فماذا حدث إذن؟
هل طمعت مصر في حق ليس لها؟
هل جد جديد في ترتيبات صفقة القرن؟
هل المصروف انتهى، مما اضطر "الاتحادية" (أو وسطاء لها) للضغط على الشقيقة الغنية لدفع المزيد من الأموال مقابل إعادة حقوقها لها؟
هل تبينت القيادة أنها أخطأت في التقدير الاستراتيجي للموقف، وأن مستقبل قناة السويس مهدد (كمضخة ريع نقدي)، وذلك بعد فقدان السيادة على خليج العقبة، وتدويل البحر الأحمر، وتصاعد احتمالية فتح مسار مواز لقناة السويس تنشئه إسرائيل ومن وراءها؟
لن أقدم إجابة على أي من هذه الأسئلة، ولن أرجح احتمالا على الآخر، مفضلا الانتظار حتى يخرج علينا أي مسؤول بتصريح رسمي عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الجفوة بين الأشقاء أصحاب الفضل..
(جنينة وحمزة)
قضى المستشار هشام جنينة أيام عقوبته كاملة وزيادة يوم، وعندما حان موعد الخروج إلى الحرية أبلغته النيابة بتهم جديدة، منها "نشر أخبار كاذبة" و"دعم الإرهاب"..
أعجبني أن المستشار جنينة لم يخرج بعفو رئاسي، فالرجل كما تقول حيثيات الحكم عليه "غِلِط في جيش مصر" و"تعاوَن مع الإرهاب" و"عمل حاجات وحشة خالص"، وبالتالي لا تجوز عليها الرحمة ولا يجوز عليه العفو، لكن الغريب أن الرجل الشرير خرج من النيابة إلى بيته، وعلى رأسه تهمة إرهابية لا ينبغي السكوت عليها في الجمهورية الجديدة التي تضع الوطنية فوق كل شيء!
لماذا تفرج الدولة عن رجل متهم بدعم الإرهاب؟
والسؤال نفسه تقريبا عن حالة المهندس ممدوح حمزة: إرهابي رسمي بحكم محكمة، وقرار ترقب وصول، وتهجُم على الدولة من خارجها، و"إذ فجأتن" تسقط كل هذه التهم ويتم إلغاء الإجراءات المترتبة على الحكم القضائي والقرارات الأمنية، ويدخل الرجل إلى بلده الحبيب محاطا بالتكريم والتوقير!
لماذا؟
من أصدر القرارات الأولى؟
ولماذا؟
ومن ألغاها؟
ولماذا؟
وهل كانت القرارات الأولى صحيحة أم خاطئة؟
وإذا كانت صحيحة، ما الذي يملكه المهندس حمزة ليتمكن من إبطال الصحيح؟
وإذا كانت القرارات الأولى خاطئة، فلم لم يحاسب أو يعاقب مرتكب الخطأ بعد تشويهه لسمعة حمزة والتسبب في نفيه المؤلم لثلاث سنوات؟
وما تأثير هذه التناقضات المعيبة على سمعة القضاء الشامخ في مصر؟
كذلك هنا أسال ولا أجيب، برغم معرفتي بتفاصيل ما حدث، ومعرفتي بالأطراف التي صنعت الأزمة والنفي، والأطراف التي صنعت العودة الآمنة.
لكن الأسئلة تبقى مشرَّعة ومشروعة، لأنها تطمئن الجمهور العام على طريقة صنع القرارات، وأسلوب الحكم في البلاد، لأن مصر كما قال قائدها المظفر "مش طابونة".. مش كده وللا إيه؟
(أصحاب الفضل)
لا بأس، ربما تذكر مسؤول ما أن حمزة من "أصحاب الفضل" في ثورة يناير التي يصونها الدستور، والتي تسببت في زوال الجمهورية القديمة وقيام الجمهورية الجديدة وقادتها العظام، لكن السجون لا زالت تمتلئ بالآلاف من جماهير يناير، والمنافي كذلك تضيق بأصحاب الفضل في يناير، والعجيب أن القيادة التي تكرّم يناير في دستورها، تحقّر يناير وتعتبرها السبب الأول والوحيد في خسائر مصر المالية والأمنية، فقد كلفت الدولة 450 مليارا، وفتحت الطريق لتشييد سد النهضة وتهديد حصة مصر من مياه النيل، وساهمت في اختراق سيناء بالإرهابيين، وغررت بضابط مهندس محترم ودفعته لإعلان رغبته في ترشيح نفسه للرئاسة، ما أوقعه في خطيئة لا نعرف هل كانت يناير هي المحرضة عليها أم أنه راح ضحية "أصحاب الفضل" في بلد ضاع فيه الفضل بين الناس، بل رفقاء السلاح أنفسهم، والشاهد على ذلك حبس رئيس أركان الجيش السابق ليتساوى العقيد (قنصوة) مع الفريق (عنان) في خطيئة تصديق الديمقراطية والوعود الوهمية لـ"أصحاب الفضل" بره وجوه.
وفي المقال المقبل نعود إلى خفايا الخيانة في سيرة خديوي مصر الأخير..
القصة متصلة..
tamahi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق