هل الزلازل غضب من الله أم رحمة للناس؟
فسّر بعض المشايخ والعلماء والدعاة الزلزال بأنه غضب من الله، وبأنه تخويف من الله، فما الأرجح في ذلك؟ وبماذا نفسره؟
صحيح أن كثيرًا من أفعال العباد في مشارق الأرض ومغاربها فيها عصيان لأمر الله، وابتعاد عن طاعته، ورفض لشرائعه، وانتهاك لمحرماته.
وصحيح أن هذه الأفعال تغضب الله، وأن الله قادر على الانتقام من هؤلاء العصاة المجرمين بمختلف أنواع الأمراض والأسقام والأوبئة والزلازل والفيضانات إلخ …، لكنا لا نستطيع أن نحدد أن الوباء الفلاني، أو الزلزال الفلاني غضب من الله نتيجة المعصية الفلانية، أو الإلحاد الفلاني أو مقصود به تلك الفئة من الناس على التعيين والتحديد، فهذه إرادة الله، ولا أحد يستطيع أن يحدد مراد الله إلا بعلم من الله، أو وحي منه سبحانه وتعالى، وطالما أنه لم يتنزل وحي من الله على أحد من البشر، فلا يجوز لأحد من البشر أن يتقول على الله،
فما هو التفسير الأرجح للزلزال؟
الأرجح في تفسيره بأنه رحمة من الله تعالى، وذلك أن الله -سبحانه و تعالى- ذكر في القرآن الكريم عدة مرات بأنه ألزم نفسه بالرحمة، فقال تعالى: “قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فيه” (الأنعام، 12) وقال تعالى: “وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (الانعام 54).
وقد ذكرت الأحاديث أن رحمة الله سبقت وغلبت غضبه، فقد ذكر البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي.
وفي لفظ آخر: “إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو عنده فوق العرش”، وفي لفظ ثالث: “لما خلق الله الخلق كتب في كتاب كتبه على نفسه فهو مرفوع فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي” (البخاري 7553، مسلم 2751).
وذكر الله في آيات أخرى أن رحمته وسعت كل شيء، فقال تعالى: “وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” (الأعراف، 156).
وهو رحمن الدنيا سبحانه وتعالى، فبرحمته -تعالى- ينزل المطر، وينبت الزرع، وتونع الثمار، وتتوالد البهائم والطيور والحيوانات، وبسبب هذه الرحمة تسير دورة الحياة في الدنيا.
أما رحمته -سبحانه و تعالى- فستكون في الآخرة أوسع وأشمل فقد ذكر أبو هريرة أن رسول الله قال: “جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”. (أخرجه البخاري (6000) ومسلم (2752)) واللفظ له.
لذلك بناء على معرفتنا بصفات الله تعالى، نرجّح أن نضع الزلزال تحت صفة رحمة الله، فالرحمة تغلب الغضب وتسبقه كما أتت روايات الحديث التي نقلناها سابقًا، وهي أصل عظيم في صفات الله تعالى، ومنها تسمّى الله -تعالى- باسمين من الرحمة، هما الرحمن الرحيم، على خلاف الصفات الأخرى، وتتسع رحمته لكل مخلوقات الكون في الدنيا، ورحمته أوسع في الآخرة.
فكيف يمكن أن يكون الزلزال ضمن رحمة الله وهو قد يكون سببًا في عذاب ووفاة المؤمنين؟
أما المؤمنون الذين يصيبهم هذا الزلزال، فيعلمون أنه قد أصابهم بقدر الله و إرادته، وهم يصبرون عليه، وينالون أجرًا كبيرًا في صبرهم على هذا الابتلاء، وترتفع درجتهم عند الله، ويكون سببًا للمغفرة وعلو الدرجة في الآخرة، لأن المسلم قد تعلم أن أشد الناس ابتلاء هم الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. فقد جاء عن سعد ابن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان صلبًا في دينه، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة”. ( الترمذي، 2398، حسن). فهكذا أصبح الضرر من هذا الزلزال رحمة للمؤمن.
أما التخويف فيأتي في قوله تعالى: “وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا” (الإسراء، 59) فهذا الزلزال آية من آيات الله، وهو يخيف المؤمن والعاصي والكافر، فأما المؤمن فيزيده الخوف من الزلزال تضرعًا إلى الله، ودعاء له، وصلاة وطلبًا أن ينجيه من شر هذا الزلزال، ويصرفه عنه، وبهذا يكون الزلزال سببًا إلى القرب من الله والإنابة إليه، فيكون رحمة من الله.
أما العاصي والفاجر والفاسق، فقد يكون الخوف من الزلزال سببًا في التوبة إلى الله، والإقلاع عن المعاصي، وبهذا يكون الزلزال رحمة له، لأنه جعله يرجع إلى الله و يبتعد عن معاصيه. أما الكافر فإن الخوف قد يجعله يتجه إلى الإيمان بالله، وبهذا تكون رحمة له.
الخلاصة: التفسير الأرجح للزلزال بأنه رحمة من الله تعالى، فقد كتب الله تعالى على نفسه الرحمة، وكذلك غلبت وسبقت رحمته -تعالى- غضبه، وكذلك وسعت رحمته كل شيء، وهو تخويف من الله للمؤمن والكافر والعاصي ليعودوا إلى الله وينيبوا إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق