لماذا اختفت الإغاثة الإسلامية في زلزال تركيا وسوريا؟!
صدمتنا مشاهد الكارثة التي خلفها الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وتسمرت عيوننا أمام الشاشات لنتابع عمليات الإنقاذ وإخراج الناجين والضحايا من تحت الركام، وكم كان مؤلما أن نشاهد لقطات انهيار البنايات السكنية على قاطنيها، وانتشار رائحة الموت في أحياء ومدن كانت عامرة تدب فيها الحياة.
لا أحد يستطيع التنبؤ بالزلازل لكن سرعة التحرك تقلل من حجم الخسائر، وتتيح إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة السكان الذين يظل عدد كبير منهم على قيد الحياة تحت الأنقاض في ظروف بالغة السوء ينتظرون البحث عنهم وانتشالهم، وهنا يأتي دور منظمات الإغاثة الدولية التي لها خبرة طويلة في مثل هذه الكوارث.
في عمليات الإنقاذ رأينا السلطات التركية تعمل بكل طاقتها، ورأينا المجتمع الأهلي التركي يبذل جهودا كبيرة للسيطرة على تداعيات الكارثة، ولكن لم نر الجمعيات الخيرية ومنظمات الإغاثة العربية والإسلامية، وظل هذا الوضع بضعة أيام وهي الأهم في عمليات الإنقاذ قبل أن تعلن بعض الدول تقديم العون، ومعظمه رمزي وعلى استحياء.
وفي سوريا حيث كانت معظم الخسائر في المنطقة المحررة لم يكن هناك جهد حكومي، كما أن حالة التخريب والدمار التي خلفها طيران بشار والمقاتلات الروسية، قضت على أسباب الحياة فكانت خسائر الزلزال كارثية. وعندما بدأت بعض الدول ترسل مساعدات أرسلتها إلى حكومة بشار، أي أنها لن تصل إلى وجهتها الصحيحة.
حصار العمل الخيري الإسلامي
لقد غابت الجمعيات الخيرية الإسلامية فلم نر لها أثرا في أعمال الإغاثة في تركيا وسوريا، رغم تعاطف الشعوب الإسلامية ورغبتها في تقديم التبرعات والعون للمناطق المنكوبة، وهذا الغياب يوضح حجم الخسارة المترتبة على اختفاء هذا الجهد الذي لا يمكن تعويضه أو سد الفراغ الذي تركه، خاصة مع حالة العجز الرسمي العربي والإسلامي، وحالة التربص والعداء الخارجي.
لقد كانت المنظمات الخيرية الإسلامية تقوم بدور كبير في مثل هذه الكوارث، وبسبب انتقاء قادتها بعناية وحرية الحركة وانتشار فروعها كانت هي الأسرع في التحرك وتنظيم العمل الإغاثي، وكانت متميزة في تنسيق الجهود التطوعية، ومن كثرة أعمالها اكتسبت خبرات هائلة في التعامل مع الزلازل والكوارث وأصبحت لديها خطط مجربة وكوادر مدربة، تجعلها أقدر من غيرها على التعامل السريع والفعال.
منذ أحداث سبتمبر 2011 تعرض العمل الخيري الإسلامي لضربات قاصمة حيث جمدت أمريكا والدول الغربية أموال المنظمات الإغاثية، وصدرت القوانين بتجريم العمل الخيري، وتعرضت الجمعيات الإسلامية لحملات إعلامية ظالمة، واتُّهمت بالإرهاب، ووُضعت أسماء العشرات من المنظمات والقائمين عليها على قوائم الإدانة والمطاردة.
وبمزاعم ارتباطها بالإرهاب قررت إدارة جورج بوش تجميد ومصادرة أموال عشرات المنظمات، وفرضت على الحكومات العربية سنّ قوانين لتجريم العمل الخيري، ففرضت الرقابة على حسابات البنوك وحركة الأموال في العالم كله، وشكلت اللجان لرقابة الدول والحكومات وتهديد بعضها وابتزاز بعض آخر لضرب العمل الإغاثي الإسلامي.
بعض الحكومات العربية وجدتها فرصة للاستيلاء على أموال الجمعيات الخيرية مستغلة الصراع السياسي لتجعله مبررا وغطاء لعملية السرقة الحرام، وكانت النتيجة ضرب العمل الخيري وتخويف الناس من التبرع وإغلاق باب من أهم أبواب عون المحتاجين وأصحاب الكروب، وتسببت هذه الحرب في وقف الإغاثة في الكوارث الداخلية والخارجية.
ثبوت كذب الافتراءات على منظمات الإغاثة
بعد مرور أكثر من عقد ثبت كذب كل الافتراءات التي وجهتها إدارة بوش والمحافظون الأمريكيون للعمل الخيري الإسلامي، فلم يثبت صدق هذه الاتهامات ( مؤسسة الحرمين نموذجا)، مثلما حدث في كذبة أسلحة الدمار الشامل بالعراق، وظهر جليا أن الهدف هو ضرب الإغاثة الإسلامية ومنع تقديم المساعدات للمحتاجين من خلال منظمات خارجة عن السيطرة الأمريكية، خاصة في المنطقة العربية والخليج الذي يعد أكبر منطقة تقدم التبرعات.
وفي الوقت الذي أغلقوا فيه منظمات الإغاثة الإسلامية والجمعيات الخيرية الفلسطينية التي تخدم الفلسطينيين ووضعوا فصائل المقاومة الإسلامية على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوربية تم تشجيع منظمات الإغاثة الغربية المسيحية، وأمرت الدول العربية بتقديم العون والدعم المالي لها لتقدم خدماتها التي غالبا ما تكون مرتبطة بأهداف سياسية.
بعد التجميد والمصادرة وملاحقة قادة العمل الإغاثي توقفت مشروعات إنسانية كبيرة في آسيا وأفريقيا، وغابت جهود الرحمة في كوارث الفيضانات والسيول والحروب والصراعات التي تقع معظمها في بلاد المسلمين، وتوقفت مشروعات حفر الآبار ورعاية الأرامل والأيتام واللاجئين والمخيمات الطبية لعلاج المرضى في البلاد النائية، وتوقفت المنح التعليمية وبناء المدارس والمستشفيات.
الخاسر من تغييب منظمات الإغاثة الإسلامية هو الإنسان في كل قارات العالم، الذي تعجز معظم الحكومات عن توفير احتياجاته الأساسية في وقت الرخاء فما بالنا بحقوقه وقت الكوارث والزلازل؛ فالعمل الخيري الإسلامي لم يقتصر على منطقة جغرافية واحدة، ولم يركز على الدول الإسلامية فقط؛ بل كان يعمل في كل العالم على مرأى ومسمع من الحكومات، وكان يخضع للرقابة والمحاسبة ولا يعمل في الخفاء.
كم خسر العالم بغياب العون الإسلامي، وكم خسرت البشرية بكف يد الرحمة عن الوصول إلى المنكوبين ومنع تقديم الطعام والكساء والإنقاذ والإيواء، ووقف المساعدة على تعويض ما ضاع في عالم تحكمه الأنانية والمادية، والتعامل باستهانة مع البشر على أنهم عبيد ليس لهم حقوق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق